وضع داكن
19-04-2024
Logo
رمضان 1420 - خواطر إيمانية - الدرس : 28 - من سورة طه - الساعة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

الساعة تحتاج إلى إيمان وطلب عِلم وقراءة قرآن :

 أيها الأخوة الكِرام؛ في قوله تعالى:

﴿ إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾

[سورة طه: 15]

 الساعة خبر أما الدنيا فواقع، الدنيا محسوسة والآخرة مستنبطة، لأنَّ الدنيا محسوسة أمامك طعامٌ نفيس، أمامك قصرٌ منيف، أمامك امرأة جميلة، أمامك بستانٌ وارف الظِلال، الدنيا محسوسة والآخرة موعودة، خبر في القرآن، هناك وقت للجنة وما فيها من نعيمٍ مقيم، هذا الذي يُحكِمُ عقلَهُ، ويُصدّقُ رَبّهُ، ويُؤثر ما عِندَ اللهِ عزّ وجل على الدنيا الفانية يسعَد إلى أبد الآبدين، وهذا الذي يُعطِل عقلَهُ، ويعيشُ واقِعَهُ، يعيش اللذائذ والمباهج التي بين يديه، ولا يُفكر في المستقبل، هذا يشقى إلى أبد الآبدين، أمثلة كثيرة جداً:

﴿ إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾

[سورة طه: 15]

 كيفَ أنَّ الله جلَّ جلاله قبلَ يومين قال:

﴿ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾

[سورة النحل: 1]

 فعل ماض أتى وانتهى، قال: " فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ " لم يأتِ بعد، فالشيء الذي وَعَدَ بِهِ الله واقعٌ لا محالة، فربنا عزَّ وجل يقول:

﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي * إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى ﴾

[سورة طه:14- 15]

 الساعة تحتاج إلى إيمان، تحتاج إلى طلب عِلم، تحتاج إلى قراءة القرآن، تحتاج إلى قراءة حديث النبي العدنان، كي نؤمن بِها، أما الدنيا فهي تحتَ سمعِنا وبصرِنا، فالانغماس في الدنيا لا يحتاج إلى إرادة، لا يحتاج إلى تبصّر، لا يحتاج إلى إدراك عميق، يكفي أن ينساقَ الإنسان مع رغباتِهِ فهوَ من أهلِ الدنيا، أمّا الإيمان بالآخرة فيحتاج إلى زُهد، إلى طلب عِلم، إلى معرفة الحقائق.
 في قصة سيدنا موسى طفل صغير وُضِع في الصندوق، وأُلقي في النهر، كيف أنَّ اللهَ جلَّ جلاله سيّرَ هذا الصندوق إلى شاطئ قصر فِرعون، وكيفَ أنَّ امرأة فِرعون أُلِهمت أن تنزل إلى شاطئ النهر فإذا بها ترى هذا الصندوق فتفتحهُ، كيفَ أنَّ اللهَ ألقى محبة هذا الطفل الصغير في قلب امرأة فِرعون، لا تقتلوه عسى أن ينفَعَنا أو نتخذه ولداً، هذا فِعل الله، فإذا كان صندوق خشبي يتحرك بأمر الله فما بالك بما فوق ذلك، حينما تؤمن أنّهُ لا إلهَ إلا الله تتجه إليهِ وحدَهُ، وتُطيعُهُ وحدَهُ.

 

موقف سحرة فِرعون موقف مذهل :

 نحن في النظام التعليمي الليسانس أربع سنوات، في بلاد أخرى للطالب المتفوق جداً بإمكانهُ أن يُنهيه بثلاث سنوات، لكن لا يوجد بنظامنا التعليمي إنسان يأخذ الليسانس بدقيقة واحدة، هذا في الدين موجود نسميه: حرق المراحل، سحرة فِرعون جاؤوا لِيُحبِطوا فِعلَ سيدنا موسى، هُم سحرة، أو هُم يملِكون أساليب ماهرة جداً في خِداع الناس، فهو إمّا سحر معاونة من الشياطين، أو خِفّة يد، الأعمال التي فوقَ طاقة البشر إمّا أنها تدريب عال جداً، أو أنها معاونة من الشيطان، هُم أتوا بأنابيب ولوّنوها كالأفاعي، وضعوا فيها زئبق ووضعوها على سطح ساخن، الزئبق تمدد فتحركت، أمّا حينما رأوا الثعبان الحقيقي يلتقم ما صنعوا فقالوا: هذا ليسَ بِسحر، فآمنوا، موقف سحرة فِرعون أيها الأخوة موقف مذهل:

﴿ قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى * فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى ﴾

[سورة طه: 68-70]

 أيها الأخوة؛ والله في الأرض أدلّة وشواهد شيء لا يُصدّق، لكنَّ الناس شهواتهم أعمتهُم، هؤلاء كانوا صادقين:

﴿ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى * قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى ﴾

[سورة طه: 70-71]

 لا تظنوا هذا كلام سهل، الأشياء إذا ابتعدت عنّا كثيراً قد نُقلّل من قيمتها، لكن الطغاة مخيفون، قتلُ الإنسان عندهم لا يزيدُ عن قتلِ نملة:

﴿ قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى ﴾

 اسمعوا إلى جواب السحرة يواجِهونَ أكبرَ طاغيةٍ في العالم، يواجِهونَ من ذبّحَ أبناءَ بني إسرائيل واستحيا نِساءهم، يواجِهونَ إنساناً قالَ:

﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾

[ سورة النازعات : 24]

 يواجِهونَ إنساناً يقول:

﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾

[ سورة القصص : 38 ]

 يواجِهونَ إنساناً كُلُّ من حولَهُ يعملُ من أجلِهِ بِلا مقابل، نظام السُّخرة، الأهرامات قليلة، الأهرامات جيء بأحجارِها من الجنوب من صعيد مِصر، وكل حجر يساوي نصف هذا الجامع، كيفَ حملوه؟ كيفَ نقلوه؟ كيفَ وضعوه ؟

﴿ قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾

[سورة طه: 72]

 بالتعبير الدارج: يدك وما تعطي، هل تملِكُ أكثر من أن تقتُلَنا؟ أقصى شيء عند الإنسان أن يقتل:

﴿ إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى * إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا * وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا ﴾

[سورة طه: 73-75]

 أيها الأخوة: واللهِ الذي لا إله إلا هوَ لا يليقُ بالإنسان أن يكونَ لغيرِ الله، أنتَ مخلوق لله عزّ وجل، فإذا كُنتَ لِغير الله فقد احتقرتَ نفسك، جعلت نفسك ندباً، أنتَ لله ولا ترضى إلا أن تكونَ ولياً لله، واللهُ معك، قالوا:

﴿ إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا * وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا ﴾

 هذا موقف، والآيات دالّة، ورسائل الله عزّ وجل كثيرة جداً، والآيات واضحة جداً، وأفعال الله صارخة، والقرآن واضح، والسُنّة واضحة، وأفعال الله كُلُها تُؤكدُ أقوالَهُ وأقوالَ نبيِهِ، ما علينا إلا أن نتعّظ وأن نتحرك.

 

من عطل عقله خسر دنياه و آخرته :

 أيها الأخوة: يوجد أشياء إذا أعرضتَ عنها لا تخسر، قد يفوتُكَ شيء، وهناك أشياء لو أعرضتَ عنها يوجد أثر مستقبلي كبير جداً، يقولُ اللهُ عزَّ وجل من أعرضَ عنهُ أعرَضَ عن هذا الكِتاب:

﴿ مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْراً * خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلاً ﴾

[سورة طه: 100-101]

 يحمل حِملاً لا طاقةَ لَهُ بِهِ، أي إذا الإنسان في ساعة حُمق وطيش وغفلة وغباء خانَ وطَنَهُ، ثُمَّ كُشِف وسيقَ للمحاكمة، وحُكِمَ عليهِ بالإعدام، وصل إلى طريق مسدود أينَ عقلُهُ؟ أينَ وطنيَتُهُ؟ أينَ حِرصهُ على أبناءِ أُمتِهِ؟ هذا إنسان عطّلَ عقلُهُ، فلمّا كُشِف حمل ثِقلاً، ثِقل أنّهُ فُضِح، وثِقل أنّهُ سيُحاكم، وثِقل أنّهُ سيفقِدُ أهلَهُ وأولادَهُ، وثِقل أنّهُ سيُشنق، أنا أضرِب لكم أمثلة، هذا حمل شيئاً لا يُطيقَهُ، أحياناً إنسان يرتكب مخالفة خطيرة يُكشَفُ أمرُهُ، تُكفُ يدُهُ، يُساقُ للمحكمة، يودع في السجن، يُفتضح أمام الناس، تجده يُصيبُ قلبَهُ من الألم ما لا يُحتمل، هنا:

﴿ مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْراً * خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلاً ﴾

[سورة طه: 100-101]

 ربنا عزّ وجل تعجّب قال:

﴿ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ﴾

[سورة البقرة: 175]

 ما أصبرهم على النار؟

 

المعيشة الضنك لمن أعرض عن ذكر الله عز وجل :

 أيها الأخوة من الآيات الدقيقةِ جداً قالَ تعالى:

﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾

[سورة طه: 123]

 لا يضِل عقلُهُ، ولا تشقى نفسُهُ:

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾

[سورة طه: 124]

 العالم بينَ أيديكم، الناس من حولكم ائتوني بواحد أعرضَ عن الله، وسَعِدَ في حياتِهِ، وائتوني بواحد استقامَ على أمر الله، وشَقِيَ في حياتِهِ، لا يضِلُ عقلُهُ ولا تشقى نفسُه:

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾

[سورة طه: 124]

الإنسان مخير و الله يعامل الناس بأفعالهم :

 هناك سؤال قد يسألُهُ سائل: أنّ هذا الإنسان الكافر الفاسق الماجن الفاجر الذي يجمع الأموال الحرام وينغمس في الشهوات لم لا يقصِمُهُ اللهُ عزّ وجل؟ هناك نظام كالنظام التعليمي، يوجد امتحان في الخامس من حزيران، هذا الطالب الذي لم يداوم لماذا يرسبونه في نصف السنة؟ نظام النجاح عقِب الامتحان أي:

﴿ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ﴾

[سورة طه: 129]

 هذه الكلمة أنَّ الله سبحانه وتعالى أعطانا حرية الاختيار، أنتَ مُخيّر وهناك امتحان، أمّا اللهُ عزّ وجل فلا يُعامِل الناسَ بِعِلمِهِ، يُعامِلُهم بأفعالِهم:

﴿ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ﴾

[سورة الأنفال : 42]

 لو أنّ إنساناً معروفاً عِندَ الأستاذ أنّهُ كسول ولن ينجح فقالَ لَهُ: أنتَ سأُرسِبُكَ، الآن قمت بترسيبه، قد يدّعي هذا الطالب أنّهُ قوي بالرياضيات أنتَ ظلمتني، دعني أُقدّم امتحاناً، فإذا قام بترسيبِهِ بعدَ تقديم الامتحان بعد أن أخَذّ الصفر هذا الرسوب عن بيّنة، أمّا لو رسّبَهُ بِعلمِهِ فهذا الرسوب يُثيرُ الجدل، فربنا عزّ وجل لا يُهلِك من يُهلِكُهُ إلا عن بيّنة، ولا يرحم من يرحَمُهُ إلا عن بيّنة:

﴿ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ﴾

[سورة الأنفال : 42]

 إذاً ولولا كلمةٌ سبقت أنَّ الإنسان مُخيّر، وهُناك يوم للحِساب، لكانَ لِزاماً، وأجلٌ مُسمّى، لِزاماً إهلاكُهُم، لِزاماً تدميرُهُم، يوجد كلمتان، كلمةٌ سبقت من ربِكَ أنَّ الإنسان مُخيّر، و لهُ أجل مُسمّى لا يُقرّب، فلذلك:

﴿ وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ﴾

[سورة يونس : 46]

 أي حتى النبي الكريم قد لا يُكحِلُ عينيه برؤية الفجرة وهُم ساقطون، أنتَ عليكَ أن تُطيعَ اللهَ عزّ وجل، واللهُ يتولى أمرَ العِباد.

 

عطاء الدنيا محدود أما عطاء الآخرة فهو عطاء أبدي :

 هناك ملمح لطيف:

﴿ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى ﴾

[سورة طه: 130]

 لعلَّ اللهَ يعطيكَ عطاءً ترضى عنه، إذاً الإنسان إذا نسيَ الآخرة الدنيا مُتعبة، تغرُ وتمرُ وتضر، لا تستقيم لأحد إن جاءت من زاوية هربت من زاوية، إن أعجبَكَ منها شيء أقلَقَكَ منها أشياء، نظام الحياة الدنيا لا تستقِرُ على حال، ولا تدومُ على حال، وكُل حالٍ يزول، والحياة مشحونة بالمتاعب، شاءَ اللهُ لها ذلك كي لا نتعلّق بِها وننسى الآخرة، فلذلك قال: أنت صلِّ صلاة متقنة، وسبّح ربّك، واذكر الله لعلّكَ ترضى عن الله بعطاءٍ أبديٍ سرمدي، عطاءُ الدنيا محدود فيه قلق أيها الأخوة، قلق عميق، هؤلاء الناجحون في الحياة الدنيا بعدَ أن نجحوا، وامتلكوا، وأنشؤوا ما يُعجِبُهُم في حياتِهم عِندهم قلق عميق هوَ الموت، الموت يُنهي كُلّ دُنياهم، ويُنهي كُلّ مكاسِبهم، ويُنهي كُلَّ ما حققوهُ في زمنٍ طويل، فكُل إنسان نَسِيَ الآخرة عندهُ قلق ساحق، أما الذي يعمل للآخرة فلا يوجد عندهُ قلق، يتحرك حركة طبيعية، وخطهُ البياني صاعد، هذا معنى قولِهِ تعالى:

﴿ لَعَلَّكَ تَرْضَى ﴾

الفرق بين بيت المؤمن و بين الفاجر :

 ثم قال تعالى:

﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً﴾

[سورة طه: 132]

 هناك ملمح لطيف ثان:

﴿ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً﴾

 أي البيت الذي فيهِ صلاة، فيهِ حِجاب، فيهِ قراءة قرآن، فيهِ تقوى لله عزّ وجل، هذا بيت مرزوق، أما البيت الذي فيهِ فجور وتفلّت وتكشّف واختلاط وترك الصلاة والأغاني تصدح مِثلُ هذا البيت بعيد عن أن يكون مرزوقاً رِزقاَ طيباً حلالاً، هذا معنى قولِهِ تعالى:

﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾

[ سورة طه : 132]

بطولة الإنسان أن يفهم على الله رسائله :

 آخر موضوع أتمنى أن يكون عندكم واضحاً تماماً سأوضِحُهُ بِمَثل: إنسان عليهِ زكاةُ مال، قصة وقعت رويتُها كثيراً، إنسان عليه زكاة مال تقدر بأحد عشر ألفاً و خمسمئة و ستين ليرة، لَهُ زوجة ضغطت عليه كي يُنفق هذا المبلغ في ترميم البيت وتحسينِهِ ودهانِهِ وشراء طقم، استجابَ لَها واشترى الطقم، وقام بتدهين البيت، ضُرِبت سيارَتُهُ وبقدرة قادر ذهبَ ليُصلِحَهَا التجليس والبخ وقطع الغيار كلّفت المبلغ نفسه، هل تُعد هذهِ رسالة من الله؟ هنا سؤالي، هذه رسالة؟ اللهُ لم يُنزّل وحياً، ولم ينصَحُهُ أحد، ولكن توافق بالضبط رقم الزكاة مع رقم كُلفة حادث السيارة، هذا التوافق الدقيق رسالة من الله.
زلزال وقع في تركيا، كان 7,2 ريختر، في مركز الزلزال جامع قائم كما هوَ، ومعهد شرعي بجانبه، وما حولَ هذا المسجد أنقاض لا تزيد عن ثلاثين سنتمتراً كلهُ أنقاض، أليسَ بقاءُ هذا المسجد رسالة من الله؟ أي ما كُل رسالة شفهية، ما كُل رسالة بيانية، هناك رسائل فعلية، هذهِ رسالة، وهناك أشخاص يُعامِلونَ بعضَهُم بعضاً لا بالكلام بل بالمواقف، الآن دقق في هذهِ الآية:

﴿ وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى ﴾

[سورة طه: 134]

 أنا كنت أضرب مثلاً عن ابن في الصف السابع، قال لوالده: لا أريد المدرسة، فأجابه الوالد: كما تريد، كلمة واحدة قالها له: كما تريد، الابن وجد نفسه مرتاحاً، لم يعد هناك دوام ولا استيقاظ الساعة السابعة، ينام حتى الظهر، ويذهب مع أصدقائِهِ إلى السينما ويسهر، لم يعد عنده شيء، والطعام و الشراب عنده في البيت، عندما كبر كل أصدقائه إما تُجّار أو مدرسون أو أطباء أو مهندسون وهم متزوجون، وبيوت، وسيارات، وهو لا شهادة، ولا حرفة، ولا بيت، ولا زواج، فَنَقَمَ على والِدِهِ، نقم نقمة شديدة، فقال لِوالِدِهِ: عندما قُلت لكَ إنني لا أريد الدراسة، لماذا لم تضربني؟ لماذا لم تزجُرَني؟ لماذا لم تُحطمني؟ لماذا سكتت؟ الآن لو أن أمة أو شعباً أو مدينة تعيش في بحبوحة ورخاء وسياحة وانحراف وإباحية وزِنى وخمور وملاه ولم تأت أية مصيبة يعتبون على الله يوم القيامة؟ يعتبونَ عليه يا رب لِمَ لم تُنبِهُنا؟ لِمَ لم تلفت نَظَرَنا؟ لِمَ لم تُضيّق علينا؟ فربنا عزّ وجل يقول:

﴿ وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً ﴾

[سورة طه: 134]

 فهنا كلمة رسول معناها واسع، وليسَ معناها أنّه جاء إنسان وقامَ بتبليغِهم، المصائب رِسالة، الآن شُحُ السماء لا يوجد برد إطلاقاً، ولا مطر، سماء صافية، وشمس ساطعة، ونحن في كانون الأول، والأرض عطشى، هذهِ رسالة من الله، أحياناً الإنسان يستقيم في بيعِهِ وشِرائِهِ فيوفّق، هذهِ رسالة من الله، مكافأة، أي يا عبدي أنا اطلعت على استقامتك وكافأتُكَ، أحياناً يغُش الإنسان فالله يُرسل لَهُ مصيبة، فالبطولة أن تفهَمَ رسائِلَ الله.
 اللهُ لَهُ رسائل كثيرة، وليسَ كُل رسالة شفهية أو بيانية، اللهُ عزّ وجل رسائِلُهُ بأفعالِهِ، أفعال ورسائل، ولاحظ أنت، واللهِ لا يوجد واحد من الحاضرين ومن غير الحاضرين إلا ومتلقّ آلاف الرسائل من الله عزّ وجل، يدعو الله فيستجيب لَهُ، يصدُق فيرفع شأنُهُ، يُحرر دخلَهُ يُبارَك لَهُ في دخلِهِ، يكذب فيفضَحُهُ، يأكل مالاً حراماً فيتلِفُهُ اللهُ عزّ وجل، هذهِ رسائل كُلها، تعاملوا مع الله بالرسائل، اللهُ عزّ وجل لَهُ رسائل، فهنا:

﴿ وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى ﴾

[سورة طه: 134]

 اللهُ أرسلَ إليهم رسائل، وأهلَكهم، وضيّقَ عليهم، الله عِندَهُ عدّة رسائل، عِندَهُ رسائل الفيضانات، ورسائل الزلازل، ورسائل الفقر، والحروب الأهلية، هذهِ كُلّها رسائل، رسائل من الله على مستوى أُمم وشعوب وجماعات، وعلى مستوى أفراد، وكُل واحد منا لو كان صافي الذهن ومُخلصاً وتأمُلهُ عميقاً يتعامل مع الله برسائِلِهِ، الله لَهُ رسائل، تتصدّق فيُضاعف لَكَ دخلَكَ وأنتَ لا تشعر، تدفع مبلغاً لِوجه الله، الله يُكافِئُكَ عليه أضعافاً مضاعفة، يسمح لَكَ أن تتصل بِهِ، تؤدي العبادات في وقتِها المناسب، اللهُ عزّ وجل يُبارِك لَكَ في وقتِك، في بحبوحة بالوقت تُنجز أعمالاً كثيرة بأوقات قصيرة، وهذهِ طبعاً الآية الأخيرة مهمة جداً، أتمنى على كُل أخ كريم أن يتعامل مع الله في رسائِلِهِ، صحيح اللهُ عزّ وجل لا يُسمِعُكَ كلاماً، ولكن أفعال ورسائل، الآن تطابق فاتورة تصليح السيارة مع رقم الزكاة بالضبط أليست هذه برسالة؟ وهناك آلاف الرسائل.
 أخ من أخواننا عندهُ معمل ألبسة، يبدو أن هناك أخاً ثانياً عَرَفَ أنّ عِندَهُ معملاً، فذهب لِعندهُ وقال لَهُ: أريد أربع قطع لأولادي، قال لي: انزعجت كثيراً أنا أبيع جملة، أبيع ثلاثمئة دزينة أو أربعمئة، أبيع قطعتين أو ثلاث ؟ فأجابَهُ: هذا محل جملة، فقال: لا تؤاخذنا، قال لي: ثلاثة و ثلاثون يوماً لم يدخل زبون للمعمل، أليست هذه برسالة؟ هذه رسائل كُلّها، أنتَ فقط أصغِ إلى رسائل الله عزّ وجل والله تجدُها كُلَّ يوم، وفي كل ساعة، وأفعالُ الله دقيقة جداً، أفعالُهُ تُؤيدُ كلامَهُ.

 

تحميل النص

إخفاء الصور