وضع داكن
29-03-2024
Logo
رمضان 1420 - خواطر إيمانية - الدرس : 14 - من سورة الأعراف - الكبر.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

تناقض الكبر مع العبودية لله عز وجل :

 أيها الأخوة الكرام؛ هذه الآية الكريمة:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ﴾

[سورة الأعراف: 40]

 كأن في هذه الآية شرطاً تعجيزياً:

﴿ لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ ﴾

  أي يدخل

﴿ الْجَمَلُ ﴾

  الذي يزن طناً و نصف-

﴿ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ﴾

  معنى هذا لا يوجد أمل.
 لكن أهل القلوب يفهمون الآية فهماً آخر، أن الكبر يتناقض مع العبودية لله، كيف أنك إذا جاءك ضيوف، وعندك كيلو لبن، قد تزيده خمسة أضعاف من الماء، وتجعله شراباً طيباً، بارداً، فاللبن قَبِل خمسة أضعاف ماء، لكن لا يحتمل قطرة كاز واحدة، قطرة واحدة تلقيه في المهملات.
إذاً الكبر يتناقض مع العبودية، فما دام الكافر مستكبراً فطريق الجنة مغلق، إلى أن تعود هذه النفس المستعلية، المستكبرة، التي هي كالجمل تصغر وتصغر وتصغر، حتى تصبح بحجمٍ يدخل من

﴿ سَمِّ الْخِيَاطِ ﴾

  عندئذٍ تفتح أبواب الجنة، هذا ليس شرطاً تعجيزياً لكنه منهج إلهي:

(( لا يدخل الجنة من كان في قلبه حبة من كبر ))

[ابن حبان والحاكم عن عبد الله بن مسعود]

((الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِداً مِنْهُمَا أَلْقَيْتُهُ فِي النَّارِ ))

[ابن ماجه عن عبد الله بن عباس]

من خضع لله أعزه و من استكبر أذله :

 الآن عندنا قاعدة ذهبية: أنت كلما خضعت لله أعزك الله، وكلما استكبرت أذلك الله، أبداً، إن أردت الدنيا والآخرة فتذلل لله عز وجل، أما إن كنت من أهل الدنيا فأمام من هو أقوى منهم صغير، خنوع، أمام من هو أضعف منك متجبر، متغطرس، المؤمن ليس كذلك، المؤمن متواضع لله، يخضع لمؤمنٍ:

﴿ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾

[سورة المائدة: 54 ]

 فهذه الآية منهج، وليست تعجيزاً، ما دام هناك كبر، تعال، تأله، فالطريق إلى الجنة مغلق،

﴿ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ ﴾

 بحجمه الكبير يصغر ويصغر تواضعاً لله عز وجل، فإذا صار في حجمٍ بحجم

﴿ سَمِّ الْخِيَاطِ ﴾

 فتحت أبواب الجنة لصاحبها، فهذا الدين العظيم لا يقبل كبراً، ولا غطرسةً، ولا استعلاءً، ولا تعالياً، ولا تألهاً، بقدر طاعتك لله وعبوديتك لله تنال كل خير، هذه واحدة.

للجنة ثمن و سبب :

 يوجد نقطة ثانية؛ الحقيقة يوجد آيات كثيرة جداً تقول:

﴿ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾

[ سورة النحل: 32]

 واضحة، وفي حديثٍ صحيحٍ في الصحيحين:

(( لا يُدْخِلُ أحداً منكم عملُهُ الجنَّةَ، قالوا: يا رسول الله ولا أنتَ؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل ))

[ مسلم عن جابر بن عبد الله ]

 فكيف نجمع بين النصين وهما متناقضان؟ في حديثٍ صحيحٍ والنبي لا ينطق عن الهوى:

(( لا يُدْخِلُ أحداً منكم عملُهُ الجنَّةَ ))

 وفي آيةٍ قطعية الدلالة:

﴿ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾

[ سورة النحل: 32]

 العلماء قالوا: الجنة لها ثمن، ولها سبب، كأن ترى بيتاً في أرقى أحياء دمشق، ثمنه خمسون مليوناً، له ثمن عبارة عن خمسين مليوناً، وله سبب، ثمن مفتاحه ست عشرة ليرة، فكل عملك الصالح في الدنيا هو ثمن المفتاح، الباء باء السببية، بعملك الصالح، وبطاعتك لله، وبإخلاصك له، وبخدمتك عباد الله قدمت السبب، أما الجنة فمحض فضلٍ، فإذا أعطيت بيتاً بخمسين مليون، وكلفت أن تأتي بمفتاحٍ فقط، ليس لك أن تقول: هذا البيت أنا اشتريته بمالي، لا، إنه فضلٌ من الذي قدمه لك، أنت قدمت ثمن مفتاحه، أي واحد من خمسين مليوناً تقريباً، لذلك قال تعالى:

﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ﴾

[سورة الأعراف: 43]

 لو الله لم يخلقنا، لو لم يخلقنا للجنة، لو خلقنا للدنيا فقط، هو الذي خلقنا، منحنا نعمة الوجود، ونعمة الإمداد، ونعمة الإرشاد، والجنة محض فضل، لكن جهنم محض عدل، والجنة لها ثمن، لا يمكن أن ندفعه، ولها سبب بإمكاننا أن ندفعه، وهو العمل الصالح، فإذا جاء قوله تعالى:

﴿ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾

[ سورة النحل: 32]

 أي سبب دخول الجنة عملكم الصالح، أما هي في الأصل فمحض فضلٍ.
 لذلك إذا الإنسان اشترى بيتاً بسعر السوق، ودفع ثمنه بالتمام والكمال على الطاولة، ودفع للدلال عمولته، وطوّب، ودفع رسم الطابو، هل يستطيع صاحب البيت الذي باعه البيت أن يمن عليه؟ يقول له: أخذت حقك، لا تتكلم بأية كلمة، أما إذا كان يسكن ببيت وهو دافع ثمن مفتاحه، والبيت ثمنه يقدر بخمسين مليوناً فتبقى دائماً خجلان، فهذا التوفيق بين أن تكون الجنة بالعمل سبباً، أو بالعمل ثمناً، بالعمل ثمناً لا نحن ولا نبي الله عز وجل:

(( ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل ))

 ورد عن الإمام الحسن: أن ادخلوا الجنة بفضلي، واقتسموها بأعمالكم.

القرآن أمره عدل و خبره صدق :

 هناك آيات قرآنية سبحان الله! فيها إيجاز بليغ، تلخص قضية كبيرة بكلمتين، كيف أن القرآن كله من دفته إلى دفته لخص بكلمتين:

﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً ﴾

[ سورة الأنعام : 115 ]

 أي كل ما في القرآن لا يزيد عن أمرٍ، أو عن خبر، فأمره عدلٌ، وخبره صدقٌ،

﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً ﴾

  في بعض الأحيان ربنا يصف الكفار، قال:

﴿ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً ﴾

[ سورة إبراهيم: 3 ]

 الأمور كلها غير صحيحة، الشاردون عن الله، أهل الكفر والفجور، كل أمورهم غير صحيحة عقيدياً:

﴿ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾

 سلوكياً:

﴿ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً ﴾

 وهذه من الآيات الموجزة:

﴿الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا﴾

[ سورة الأعراف: 51 ]

 أنا في العام الماضي حضرت مؤتمراً للأديان، كل الأديان الأرضية والسماوية مثلت فيه بعباداتها، أي لا تزيد هذه الآية عن وصفٍ دقيقٍ لهذه الأديان:

﴿ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً ﴾

 دين، العبادات لهو ولعب، ليس إلا الإسلام عباداته راقية، صلاته، صيامه، زكاته، حجه، أما الباقي فلهو ولعب، والذي يجري في أماكن اللهو يجري في دور العبادة تماماً:

﴿ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً ﴾

 والآية:

﴿ وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً ﴾

[ سورة الأنفال : 35 ]

 الآن دور العبادة في العالم الغربي فيها رقص، فيها كل ما يجلب الشباب، انتهت العبادة نهائياً، أي كل شيء فشا بين الشباب، فالانحراف بالكنيسة موجود من أجل أن يجلبهم إلى الدين.

قيمة القرآن أن كل أفعال الله تؤكد آياته :

 أيها الأخوة؛ أنت إذا أصدرت قراراً و لم تتابعه لم يعد له قيمة، فالقوة في المتابعة، فربنا عز وجل أنزل هذا القرآن، لكن عظمة هذا القرآن أن كل الأحداث التي تجري في العالم تؤكده، فقيمة هذا القرآن في أن أفعال الله تؤكده، هذا التأكيد سميّ بالقرآن تأويلاً، فقال تعالى:

﴿ وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ ﴾

[ سورة الأعراف: 52-53 ]

 مرة قال لي طبيب: جاءني مريض يدخن أربعة باكيتات باليوم، أو ثلاثة، فقلت له: أنت في الآخر ستصاب بالجلطة، وهذه حقيقة ثابتة، الدخان له أثر كبير جداً، بل إن المدخنين يصابون بأزمات قلبية، وبجلطات ثمن أمثال غير المدخنين، فالطبيب قال لهذا المريض: الدخان سينتهي بك إلى أزمةٍ قلبية، قال لي: والله بعد ستة أشهر جاءني بحالة إسعاف إلى المستشفى، ومعه جلطة، الذي قاله الطبيب حقيقة، أما حينما جاءه إسعافاً فهذه تأويل الحقيقة، تأويل الحقيقة وقوع الوعد والوعيد، فلولا أن الله يربي مال المتصدق، ويمحق مال المرابي، لولا أن الذي يستقيم على أمر الله يذيقه الحياة الطيبة، ولولا أن الذي يعرض عن الله يذيقه المعيشة الضنك، لولا أن أفعال الله تأتي مؤكدةً لكلامه، القرآن يفقد قيمته، فقيمة القرآن أن فيه مؤيداً بالتعبير القانوني الحقوقي- مؤيد قانوني- أن كل أفعال الله تؤكد آيات الله، فأنت قد تستقيم على أمر الله فتذوق الحياة الطيبة، فالحياة الطيبة تأويل هذه الآية، وأنت حينما تبتعد عن الله لا سمح الله ولا قدر تذوق المعيشة الضنك، والمعيشة الضنك تأويل هذه الآية، فالتأويل وقوع الوعد والوعيد.

﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾

[سورة الأعراف: 53]

خيار الإنسان مع الإيمان خيار وقت فقط :

 أساساً خيارنا مع الإيمان خيار وقت، فرعون أكفر كفار الأرض أسلم، متى أسلم؟ قال:

﴿ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[سورة يونس:90]

 لكن عند الغرق، إذا كان أكفر كفار الأرض سيسلم، فخيارنا مع هذا الدين خيار وقت، لأنه عند الموت:

﴿ فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾

[سورة ق:22]

 فالبطولة أن تؤمن وأنت شاب، وأنت في ريعان الشباب، وأنت قوي، وأنت غني، وأنت في بحبوحة الصحة، في بحبوحة الغنى، هذه البطولة، أما بعد حين من تريد؟ قل لي عن إنسان ملحد نشر الإلحاد بالأرض، أقول لك: عند الموت سوف يؤمن كما آمن رسول الله أبداً، أكبر ملحد بالأرض، ليس الذي ألحد لنفسه، الذي فلسف الإلحاد، ونشره في الأرض، عند الموت يكشف الغطاء، فإذا هو مؤمن، لكن هذا الإيمان لا قيمة له، جاء بعد فوات الأوان.

شروط الدعاء :

 ثم يقول الله عز وجل :

﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً ﴾

[سورة الأعراف : 55 ]

 قال علماء التفسير: هذان من شروط الدعاء، التضرع، التذلل، والخفية، فيتناقض مع الدعاء الكبر، تحفظ دعاء كله سجع، كلمات رنانة، النبرة قوية، الحروف واضحة، كل حرف خرج من مخرجه، وصوت عال، وتكبير صوت، ملأت المكان صياحاً، هذا لم يعد:

﴿ َخُفْيَةً ﴾

 ولا معه تضرع، بل معه استعلاء، الدعاء يحتاج إلى تضرع، وإلى تذلل، وإلى:

﴿ َخُفْيَةً ﴾

 قال:

﴿ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾

[سورة الأعراف : 55 ]

 أي إذا الإنسان اعتدى على أخيه الإنسان لن يستجيب الله دعاءه، لأن الله لا يحبه.

من أقرّ خطيئة غيره فقد شاركه في الإثم :

 الآن يوجد ملمح لطيف بالآية التالية:

﴿ فَعَقَرُوا النَّاقَةَ ﴾

[سورة الأعراف : 77]

 الواو واو الجماعة، كم إنسان عقرها؟ واحد، معنى؛

﴿ فَعَقَرُوا النَّاقَةَ ﴾

 أنهم أقروه على هذا الفعل، سيدنا عمر يقول: " لو أن أهل قريةٍ ائتمروا على قتل واحدٍ لقتلتهم به جميعاً " الآن إذا شخص- أين يوجد بلد بعيدة؟ بألاسكا، أو بأستراليا- سرق مبلغاً ضخماً، وعاش في بحبوحة، دقق: إذا قلت: عمله هذا جيد، فأنت شريكه في الإثم.

(( إذا عُمِلَتِ الخطيئةُ في الأرض، كان من شهدها وكرهها، وفي رواية: فأنكرها كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضِيها، كان كمَن شَهِدَهَا ))

[ أخرجه أبو داود عن عُرس بن عميرة]

 لذلك ورد في الحديث:

(( الذنب شؤمٌ على غير صاحبه، إن تكلم به فقد اغتابه، وإن أقره فقد شاركه في الإثم، وإن عيره ابتلى به ))

[ الديلمي عن أنس]

 أنت ما فعلت شيئاً، لك صديق ارتكب ذنباً، تقول: دبر نفسه، فأنت شريكه بالإثم، إذا قلت: حقير، أين عقله؟ أنت عيرته، قد تبتلى بمثله، وإذا قلت: هكذا فعل، فقد اغتبته، إن أقررته شاركته في الإثم، وإن ذكرت ذنبه للناس اغتبته، وإن عيرته ابتليت به.

سياسة الله مع عباده :

 أخواننا الكرام؛ ربنا له سياسة مع عباده، لطيف يبدأ معك بالبيان، بالهدى البياني، قرآن، سنة، خطبة، درس، مقالة، شريط، لا يوجد شيء، أنت صحيح معافى ببيتك، أولادك وزوجتك، لا يوجد عندك مشكلة، لكن الله أسمعك الحق، أسمعك إياه من خطيب، أسمعك إياه من متحدث، من مدرس، أسمعك إياه بشريط، أسمعك إياه بكتاب، هذا أرقى هدى، وأسلم هدى الهدى البياني، فإذا أنت لم تستجب، دخلت مرحلة أصعب، التأديب التربوي، ما تأثرت الثالثة: الإكرام الاستدراجي، الرابعة: القصم، أبداً، أربع مراحل: هدى بياني، تأديب تربوي، إكرام استدراجي، قصم.

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ ﴾

[سورة الأعراف : 94]

 النبي طبعاً بين لهم، هذا الهدى البياني مفهوم ضمناً، فعندما لم يؤمنوا:

﴿ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ﴾

[سورة الأعراف : 94]

 لم يستفيدوا بالمصائب:

﴿ ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً﴾

[سورة الأعراف : 95]

 الآية واضحة جداً، هدى بياني، تأديب تربوي، إكرام استدراجي، قصم، هنيئاً لمن كان في المرحلة الأولى، الله أسمعه الحق، وانتهى الأمر، واستجاب.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾

[سورة الأنفال: 24 ]

علاقة الأمطار بالاستقامة :

 الآن قال تعالى :

﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾

[سورة الأعراف : 96]

 واضح تماماً أن الأمطار لها علاقة بالاستقامة، أخٌ كريم قدم لي كلمةً عن أمطار البارحة قال: أعلى تهطال مطري في الحرمون، نزل سبعة وثلاثون ميلمتر، في دمشق ستة ميلمترات، جيد مقابل لا شيء العام الماضي، إن شاء الله الله عز وجل يفتح لنا أبواب السماء، أي الإنسان أحياناً يعاهد ربه، إذا نقض عهده مع الله ألا يستحي من الله؟ يقول الله عز وجل:

﴿ وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ ﴾

[سورة الأعراف : 102]

 كم إنسان حج، وعند مشهد الحجر الأسود عاهد الله على الطاعة، فلما عاد على بلده عاد كما كان؟ كم إنسان صام رمضان، وعاهد الله على الصلاة، والقرآن، وغض البصر فلما انتهى رمضان رجعت حليمة لعادتها القديمة؟
 فأرجو الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا طوال العام كما نحن في رمضان.

اعتماد التفسير القرآني في كل شيء :

 أحياناً أنت تفسر الأمر تفسيراً دينياً، أن فلاناً قبل التوبة، كيف كان بعد التوبة؟ يكون هناك شخص جالس يقول لك: شيطان، يريد أن يسفه لك رأيك، يقول لك: هذا الدهر يومان، يوم لك ويوم عليك، يلغي لك هذه الفكرة، أن الله عز وجل بعدما تبت أكرمك، أو يأتي لك بأمثلة أخرى مضادة لفكرتك، أي لا يحب أن يكون التوجيه دينياً، يحب التوجيه الأرضي:

﴿ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾

[سورة الأعراف : 128]

 اسمعوا ماذا قالوا:

﴿ قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ﴾

[سورة الأعراف : 129]

 مثل بعضها، الأذى مستمر، أي مجيئك لم يغير شيئاً، دائماً الكافر يحب أن يسفه آراء المؤمن، المؤمن يقول لك: قبل الإيمان، بعد الإيمان، هناك ظهرت صورة في بعض الصحف الأجنبية مركز الزلزال بإزميت، طبعاً الزلزال لم يدع شيئاً، كان سبع درجات على مقياس ريختر، كل شيء على الأرض، بالعكس كل شيء كان ارتفاعه ثلاثين سنتمتراً صار ناعماً، إلا مسجد له مئذنة عملاقة، ومعهد شرعي، مع أنه في علم الهندسة أول بناءٍ يقع، ما كانت قاعدته صغيرة، وطوله شاهق، هذا هندسياً أول من يقع، الحقيقة درس من الله بليغ، هذه الصورة خلقت مشكلة، سمعت في بريطانيا، وفي أمريكا، مشكلة كبيرة، ثم أوقف نشرها، صار لها تفسير ديني، لأنه جامع لم يتأثر، فالمؤمن يحب أن يوجه الأمور توجيهاً دينياً، مثلاً يقول لك: جيراننا في هذه الحرب الأهلية، يقول لك: حكمتها عين لبنان، وليس حكمتها عين، الموضوع أعمق من هذا، الموضوع:

﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾

[سورة النحل :112]

 دائماً كن مع التفسير القرآني في كل شيء.

﴿ وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ ﴾

[سورة الأعراف : 137]

 العبرة بالنهاية، العبرة من يضحك آخراً، من ضحك أولاً ضحك قليلاً، وبكى كثيراً، أما من ضحك آخراً ضحك كثيراً، وإلى الأبد، العبرة أن تكون آخر من يضحك، هذا أهم شيء في هذه الآية.

﴿ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ﴾

[سورة الأعراف : 137]

على كل إنسان أن يطيع الله ثم يطلب منه ما يريد :

 أخواننا الكرام؛ آية تحل كل مشاكل المسلمين، أنت عبد لله عليك أن تطيعه وانتهى الأمر:

﴿ قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾

[سورة الأعراف : 144]

 قال أحدهم لعبد: يريد أن يبيعك سيدك، قال له: يعرف عمله، قال له: أنا سأشتريك، قال له: أنت تعرف عملك، قال له: اهرب، قال له: أنا أعرف عملي، عملك أن تطيعه، والله يعرف عملك معه، كن عبداً متواضعاً، لا تقحم أنفك بأمور كبيرة، أنت عليك أن تطيعه، إذا أطعته أديت الذي عليك، فاطلب من الله الذي لك، وهذه آية واضحة، والآية الثانية:

﴿ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾

[ سورة الزمر :66]

الله غفور رحيم لمن تاب و آمن :

 دائماً أتمنى على الأخوان الكرام عندما يقرؤون:

﴿ وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

[سورة الأعراف : 153]

 هذه كلما رفعت يدك عن رجلك الله غفور رحيم، اتركها، الله غفور لكن متى؟

﴿ مِنْ بَعْدِهَا ﴾

﴿ وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا ﴾

تاب، وآمن:

﴿ إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

 أعتقد أن هناك حوالي خمس آيات أو ست بهذه الصيغة:

﴿ مِنْ بَعْدِهَا ﴾

 دقق على كلمة:

﴿ مِنْ بَعْدِهَا ﴾

امتحان الله لعباده ليميز الفائز من الخاسر :

 هناك آية يمكن أن يفهمها الإنسان فهماً خاطئاً:

﴿ وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ ﴾

[سورة الأعراف : 155]

 هذه:

﴿ قَوْمَهُ ﴾

 ماذا تعرب من طلاب العلم؟ بنزع الخافض، أي هي اختارها من قومه:

﴿ وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ ﴾

[سورة الأعراف : 155]

 يا رب، يوجد أناس جاهلة قالت: هكذا قالها موسى، ما هذا الكلام؟

﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ ﴾

 الفتنة الامتحان، أي الله امتحن عباده، أناسٌ نجحوا، وأناسٌ لم ينجحوا:

﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ ﴾

 لا يوجد بها أي معنى لا يليق بالله عز وجل، يا رب أنت امتحنتنا، فريقٌ نجح، وفريق رسب، أما كلمة:

﴿ فِتْنَتُكَ ﴾

 فبالعامية لها معنى آخر، يقول له: كل الفتنة منك، هذه موضوع ثان، هذا معنى عامي، الآن كلمة عصابة بمعناها المألوف الآن عصابة أشرار، أي مجرمون سارقون، أما النبي فقد قال:

(( إِن تَهْلِكْ هذه العصابةُ من أهل الإِسلام لا تُعبدْ في الأرض ))

[ مسلم والترمذي عن عمر بن الخطاب ]

 بالمعنى اللغوي الأصيل جماعة الخير، لا يوجد شك.
 مرة شاعر مدح الخليفة المعتصم، قال له: أنت جرثومة الدين والإسلام والحسن، ما معنى الجرثومة في ذلك الوقت؟ أصل الشيء، فكلمة:

﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ ﴾

 لا تفهمها فهماً عامياً ساذجاً، بالمعنى اللغوي يا رب هذا امتحانك لنا، نجح من نجح، ورسب من رسب.

﴿ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ ﴾

[سورة الأعراف : 155]

تحميل النص

إخفاء الصور