وضع داكن
28-03-2024
Logo
رمضان 1420 - خواطر إيمانية - الدرس : 37 - من سورتي الإسراء والأحزاب - القدوة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

  الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

من أبلغ أساليب التربية أن تربّى الأمة بعظيمها :

 أيها الأخوة؛ تعليق على قول الله عز وجل:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ ﴾

[سورة الأحزاب: 1]

 علماء التفسير قالوا: إذا قلت للمجتهد اجتهد، أي ثابر على اجتهادك، فإذا أمر النبي أن يتقي الله، ليس معنى ذلك أنه لا يتقي الله، بل معنى ذلك أنه يتقي الله، والله عز وجل يأمره أن يتابع هذه التقوى، هذه واحدة.
 الثانية: الأمة تربى بعظيمها، وهذا من أبلغ أساليب التربية، مثلاً:

﴿ وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً * وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً* إِذاً لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً ﴾

[‏ سورة الإسراء: ٧٣-٧٥]

 معنى ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام، وهو سيد الخلق، لو أنه بدل الوحيّ لأذاقه الله:

﴿ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ﴾

 هذا أسلوبٌ في التربية حكيم، تربى الأمة بعظيمها، فالنبي على جلال قدره، وعلى أنه صفوة الله من خلقه، وعلى أنه سيد الخلق وحبيب الحق، لو أنه جاء بشيءٍ آخر، زاد أو أنقص عن الوحي الذي أنزله الله عليه لأذاقه الله:

﴿ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ﴾

  وإن كان هذا الشيء افتراضي، والافتراضي للتعليم فقط.

 

للإنسان وعاء واحد :

 

 الحقيقة الثانية في هذه الآيات: أن الإنسان له وعاءٌ واحد، فإذا امتلأ بحب الدنيا ليس فيه مكانٌ للآخرة، إذا امتلأ بجب من في الأرض، ليس له مكانٌ لحب من في السماء، قضية حاسمة، أي هنا الدنيا، وهنا الآخرة، وأنت بينهما، فكلما اقتربت من حب الدنيا ابتعدت عن حب الآخرة، وكلما اقتربت من حب الآخرة ابتعدت عن حب الدنيا، أما أن تجمع الشيئين معاً فهذا مستحيل، أن تجمعهما معاً بالقدر نفسه، مستحيل.

﴿ مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ﴾

[سورة الأحزاب: 4 ]

((من أحبّ دنياه أضر بآخرته ومن أحبّ آخرته أضر بدنياه ))

[الطبراني والبزار عن أبي موسى الأشعري ]

 إذا أراد الجنة، الجنة تحتاج إلى وقت، تحتاج إلى طلب علم، تحتاج إلى وقت للتفكر، ووقت للمعرفة، ووقت للدعوة، لو أراد الجنة، الجنة تحتاج إلى عمل، والعمل يحتاج إلى وقت، أما أن يكون في الدنيا قمة، وقته كله مبذولٌ للدنيا، فهذا يضر بآخرته، وهذا معنى قوله تعالى:

﴿ مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ﴾

ارتباط الإيمان برحمة العباد :

 الحقيقة الثالثة: أن الإنسان كلما اتصل بالله، أو كلما زادت صلته بالله، انعكست هذه الصلة رحمة بالخلق، فيكاد يكون مؤشر الرحمة صادقاً على مستوى الإيمان، فأنت بقدر ما أنت قريب من الله تحب الخلق، وترحمهم، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام بلغ القمة، فهو أرحم الخلق للخلق، بل هو أرحم بالمؤمنين من أنفسهم.

﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾

[سورة التوبة : 128]

 أرحم الخلق للخلق هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.

﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾

[سورة الأحزاب: 6 ]

 لو أن الإنسان أقام العبادات كلها، ولم يكن في قلبه رحمة للخلق، عنده خلل خطير، قلبه قاس، لا يرحم، لا يلين، لا يعاون، لا يشفق، القلب القاسي بعيد عن الله، معنى ذلك أن عباداته عليها إشكال كبير، من ثمار عباداته أن يرحم الخلق، وأن يتألم للخلق، كان عليه الصلاة والسلام يصغي الإناء للهرة، يرحم اليتيم، يرحم المرأة الضعيفة، تستوقفه امرأةٌ ضعيفة في الطريق، فتكلمه، فيستمع إليها باهتمامٍ بالغ، ويعينها، وما سُئل عن شيءٍ قط فقال: لا، إلا أن يكون حراماً.
 أي النقطة الثالثة مقياس، يجب أن أقيس إيماني بقدر ما أرحم عباد الله، فكلما اشتدت الصلة بالله امتلأ القلب رحمةً.

 

امتحان الإنسان بالرخاء و الشّدة :

 النقطة الرابعة: الابتلاء لابد منه، حتى لو كان المبتلى من أصحاب رسول الله، هؤلاء الصحابة الكرام باعوا أنفسهم، وبذلوا الغالي والرخيص، والنفس والنفيس، ومع ذلك امتحنوا امتحاناً صعباً جداً في الخندق:

﴿ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا* هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً* وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً ﴾

[سورة الأحزاب : 10-12]

 ثم يقول الله عز وجل:

﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ﴾

[سورة الأحزاب: 23]

 أنتم مدعون إلى أن تثبتوا صدقكم مع الله عز وجل، أي الإنسان بالرخاء جيد يجب أن يمتحن في الشدة، بالرخاء جيد، لا يعد هذا امتحاناً كاملاً، تتمة الامتحان أن يمتحن في الشدة، كما أنه لا يمكن أن تمتحن مركبةً في الطريق الهابط، لا تمتحن إلا في الطريق الصاعد.

 

من أعرض عن الدين لن تنفعه الدنيا أبداً :

 الآن نقطة دقيقة وإشارة سريعة في هذه الآية:

﴿ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ ﴾

[سورة الأحزاب: 16 ]

 أي الإنسان أراد الدنيا، أعرض عن الدين، أعرض عن الله عز وجل، انغمس فيها، ماذا ينتظره؟:

﴿ قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً ﴾

[سورة الأحزاب: 16 ]

 هذا معنى قول النبي عليه الصلاة والسلام:

(( بادِرُوا بالأعمال سبعاً: هل تُنْظَرون إلا فَقْراً مُنْسياً، أو غِني مُطغياً، أو مَرَضاً مُفسِداً، أو هَرَماً مُفنِداً، أو موتاً مُجْهِزاً، والدجالَ؟ والدَّجَّالُ شَرُّ غائب يُنَتظَرُ، والساعةَ؟ والساعةُ أدْهَى وأمرُّ ))

[ الترمذي والنسائي عن أبي هريرة ]

 كان هارون الرشيد إذا نظر إلى سحابةٍ، يقول: اذهبِ أينما شئت يأتيني خراجك، أنا قست على هذا القول أن هذا الشارد عن الله، نقول له: اذهب أينما شئت، لابد من أن تعود إلى بيت الله، لكن متى يعود؟ بالسابعة والستين، بالثامنة والستين، بالسبعين، من بعد أن يئس، أما البطولة فأن تعود وأنت شاب، تجد بعد ذلك طريقاً مسدوداً، هذا شيء ملاحظ، بشبابه نشاط وحيوية، بشيخوخته وجد نفسه سيموت، والموت قطع، يأتي على ضعف، يأتي بنهاية الرحلة، يأتي إلى الجامع، لم يعد عنده صحة طيبة تعينه على العبادات، لا يوجد عنده إمكانات عالية، صار هامشياً بالحياة، عندما كان بنشاطه العالي جداً كان منصرفاً للدنيا، فالإنسان ضبطه الوحيد هو الشاب الذي نشأ في طاعة الله، شاب، حياة، وحيوية، ونشاط، وإمكانات كلها موظفة للحق.
 الآن إذا الإنسان فرّ من الموت، وفرّ من القتل، ولم يلتزم، وبقيّ حراً، يفعل ما يريد، ويأكل ما يشتهي، ويذهب إلى أي مكان يشاء، ويلتقي مع من يشتهي، ويجمع الأموال بغير انضباط في الجمع، فهو يمشي بطريق مسدود، بالنهاية لو أنه ترك الدين، قال:

﴿ لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً ﴾

[سورة الأحزاب: 16 ]

﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾

[سورة التوبة: 38]

 والله ربنا عز وجل عندما ينصح العباد يقول:

﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ ﴾

[سورة النساء: 77 ]

 وسحرة فرعون قالوا:

﴿ إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾

[سورة طه: 73]

 من هو الزاهد؟ الزاهد الذي زهد في الآخرة، من هو الخاسر؟ الذي خسر الآخرة، من هو المجنون؟ الذي رأى الدنيا بعينٍ واحدة، هذا الأعور الدجال لا يرى إلا الدنيا.

 

النبي قدوة لكل مؤمن صادق :

 النقطة الخامسة:

﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾

[ سورة الأحزاب: 21]

 لا يوجد إنسان إلا وعنده مثل أعلى، وقد يكون مثلاً أعلى في الدنيا، فهناك شخصية تكونها، وشخصية تكره أن تكونها، وشخصية تتمنى أن تكونها، هذه حقيقة، لا يوجد إنسان لا يكره نموذجاً بشرياً، أنا هذا النموذج لا أحبه، يكره نموذجاً، هو له واقع، ويجب نموذجاً، أهم نقطة أن تفكر هذا الذي تتمنى أن تكون مثله من هو؟ دنيوي.
 يكون تاجراً بسيطاً مثلاً، دكانه بآخر الدنيا، غلته خمسمئة ورقة باليوم، هذا مثله الأعلى تاجر كبير، مستورد كبير، حجمه كبير، هذا مثله الأعلى تاجر كبير، إنسان بمنصب متواضع جداً، من مثله الأعلى؟ رئيس الدائرة، يقول لك: مكتب ثمانية أمتار، عدة هواتف، سكرتير، سيارات، يراه كبيراً، البطولة أن تبحث عن هذا الذي تتمنى أن تكونه من؟
 المؤمن دائماً ينظر إلى رسول الله، لأن هذا قمة كمال البشر، هذا الذي أقسم الله بحياته، هذا الذي استفاد من حياته حتى الثواني، ما ضيع دقيقةً، هذا الذي جاء إلى الدنيا وخرج منها، وترك الهدى في الأرض، أينما ذهبت تجد حتى في الصين يوجد مسلمون، حتى في أقصى بقاع الأرض مساجد، في أمريكا ألف مسجد تقريباً، أو ثلاثة آلاف مسجد بالضبط، بفرنسا يوجد ألف، هؤلاء من أقصى البلاد، بفضل دعوة النبي عليه الصلاة والسلام كم إنسان جاء؟ الآن يقول لك في الأخبار: هذا عمّر مئة وأربعاً وثلاثين سنة، أكثر شخص معمر عندنا بسورية، مئة وثلاثة وعشرون، مئة وعشر، النبي عاش ثلاثاً وستين سنة، لكنه ملأ الدنيا خيراً، ملأ الدنيا هدىً، ملأ الدنيا فضلاً، ملأ الدنيا رحمةً، فالعبرة العمر لا قيمة لمدته إطلاقاً.
 مثلاً شخص عنده محل تجاري، فتح ثماني ساعات، باع بمئتي ليرة، و آخر فتح ربع ساعة باع بمليون ليرة، فالساعات ليس لها قيمة، العبرة مضمون هذا العمر، ماذا فعلت في هذا العمر؟ من شدة تفوق النبي عليه الصلاة والسلام أقسم الله بعمره الثمين:

﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾

[ سورة الحجر : 72]

 فالمؤمن الصادق لا يرى إلا النبي قدوةً له في بيته، الآن يوجد الكثير من الأشخاص يكون قاسياً بالبيت، من قدوته؟ له أقارب، تزوج، وقطع رأس القط من ليلة العرس، وقاس جداً، زوجته تخافه إلى درجة غير معقولة، يعد هذا مثله الأعلى، لا، ليس هذا، المثل هو رسول الله، المثل هو النبي، هناك الكثير من الأسر الجد مثلاً هكذا عمل، ما فرّق العائلة، جمعهم كلهم ببيت واحد، النساء كلهن مع بعضهن، والرجال كلهم مع بعضهم، كل واحد يرى زوجة الثاني، هكذا كان جدي، جدك ليس قدوة، جدك ليس مثلاً أعلى، كثير من الأسر تنسى أن النبيّ هو القدوة فيطبقوا العادات والتقاليد التي نشؤوا عليها، وتعدُّ عندهم مثلاً أعلى، لا، لا بكسب المال، ولا بإنفاق المال، ولا بمعاملة الزوجة، ولا بتربية الأولاد، يقول لك أحدهم: أنا أحبّ ابني أتركه فترة على راحته حتى يعرف الحياة، من أين جئت بهذه؟ هذه ليست من الإسلام بشيء، يوجد معاص إذا الإنسان انغمس فيها لا يستطيع أن يخرج منها.
 مثلاً إذا قنبلة، يا ترى قنبلة؟ ليست قنبلة؟ أنا أحب الشخص يعرف كل شيء بنفسه، يجربها فتنفجر عليه ويموت، لم يعد هناك وقت للتجربة، ليس كل شيء يجرب، تجرب مثلاً طعاماً معيناً، تجرب دواء، لكن لا تجرب قنبلة، هناك شهوات كالقنبلة تماماً، فإذا الإنسان انغمس فيها انتهى.

 

من له منصب قيادي له أجر مضاعف إذا أحسن و عقاب مضاعف إذا أساء :

 النقطة الأخيرة في هذا الدرس: كل إنسان له مكانة عالية، الآن الأسرة فيها الأب، المدرسة فيها المدير، المستشفى فيها مدير المستشفى، الدائرة فيها المدير العام، بأي مكان يوجد منصب قيادي، منصب يعطي أوامر، حتى ضمن الأسرة، حتى في أقل حرفة يوجد معلم، هذا الذي له منصب قيادي، له أجر مضاعف إذا أحسن، وله عقاب مضاعف إذا أساء، الأجر المضاعف لأنه قدوة، الذي قلده في صحيفته، والعقاب المضاعف كذلك هو قدوة سيئة، صار مثلاً المعلم يدخن، الطفل الصغير يجد معلمه ضخماً، هذا أستاذه، وإنسان عظيم، بحسب بنية الطفل، الطفل يرى أستاذه كل شيء، يدخن الأستاذ، دون أن يشعر الطفل ربط العظمة بالدخان، فإذا أحب الطفل أن يدخن يقلد أستاذه، الأستاذ يعاقب على الدخان مرتين، مرة لأنه أساء، ومرة لمن اقتدى به، هذا قانون عام.
 سيدنا عمر كان إذا أراد إنفاذ أمرٍ جمع أهله وخاصته، وقال: إني قد أمرت الناس بكذا، ونهيتهم عن كذا، والناس كالطير، إن رأوكم وقعتم وقعوا، و ايم الله، لا أوتينّ بواحدٍ وقع فيما نهيت الناس عنه، إلا ضاعفت له العقوبة لمكانته مني، فكانت القرابة من عمر مصيبة الضعف، هذا مأخوذ من قول الله عز وجل:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً* وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً ﴾

[ سورة الأحزاب: 28]

 قدوة، زوجة النبي قدوة، فكل امرأةٍ من نساء الصحابة اقتدت بها في صحيفة زوجة النبي، فإذا كان هناك خطأ بسلوك زوجات النبي افتراضي، ينعكس على نساء المؤمنين.
الآن:

﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً ﴾

[ سورة الأحزاب: 30]

 طبعاً هنا يوجد ملمح لطيف بالآية، لا يمكن لامرأة النبي أن تأتي الفاحشة، مستحيل، ولكن علماء التفسير قالوا: إذا عُزيت الفاحشة لنساء النبي، فلعظم مقام النبي أن يطالبنه بدنيا، أو أن يضغطن عليه ولو قليلاً، فهذا عند الله فاحشة، أي هي مع من؟ مع سيد الخلق، فإذا كانت عبئاً عليه، الآن إذا شخص له عمل في الدعوة، الذي يعاونه له أجر، والذي يكون عبئاً عليه وزر، لأن هذا الإنسان باع نفسه لله، أي شيء أنت تعمل له عقبات، تعمل له إحراجاً، تضيق عليه، تحمله فوق طاقته، انعكس على الدعوة، الإنسان واحد، رأس مال الداعية صفاؤه، فإذا كان الإنسان عبئاً، هذا ينعكس على الدعوة سلباً، فهنا أية امرأةٍ من نساء النبي طالبته بشيء من الدنيا المباحة، الحلال، لكن ضغطت عليه، قال: هذا عند الله فاحشة:

﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً ﴾

[ سورة الأحزاب: 30]

 فالإنسان إذا كان له منصب قيادي، إذا أحسن له أجر مضاعف، وإذا أساء عليه وزر مضاعف.

 

تحميل النص

إخفاء الصور