وضع داكن
28-03-2024
Logo
رمضان 1420 - خواطر إيمانية - الدرس : 39 - من سورة يس - أهميتها.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

من أعرض عن الله واتبع هواه فهذا الهوى يصبح قيداً يقيده :

 أيها الأخوة الكرام؛ في قوله تعالى:

﴿ إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ* وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ﴾

[سورة يس : 8-9]

 لئلا يتوهم الإنسان أن الله سبحانه وتعالى أجبره على أن يفعل هذا، لئلا نعتقد عقيدة أهل الجبر الفاسدة، لأن نصوص كثيرة جداً تنقضها.
 أضرب لكم هذا المثل: بحسب القوانين الفيزيائية، الجسم يغرق في الماء بقواعد، فإذا كان حجم الماء المزاح أقل من وزنه يغرق، أما إذا كان حجم الماء المزاح أكثر من وزنه فيطفو، لو جئنا بقطعة حديد، وضعناها في الماء تغوص فوراً، فأنت لم ترد أن تجعلها في القاع بشكل استثنائي، إلا أن القوانين التي قننت هكذا نتيجتها، يوجد قواعد دقيقة، فالإنسان إذا أعرض عن الله عز وجل، واتبع الشهوة، الشهوة تجعل في عنقه غلاً، والشهوة تعميه، وتصمه، فهذا يسميه العلماء تحصيل حاصل.
 أي الله عز وجل قنن القوانين، سنّ السنن، فكل إنسان أعرض عن الله، واتبع هواه، هذا الهوى يصبح قيداً يقيده، وهذا الهوى يعميه عن كل شيء، فإذا قال الله عز وجل:

﴿ إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالاً ﴾

 ليس من باب الجبر، بل من باب تحصيل الحاصل، من باب تقنين القوانين، هذه نقطة مهمة جداً.
 إذا أنت قلت: نحن رسبنا الطالب الفلاني، يفهم أنك أنت قهرته، وأنت حطمته، وأنت منعته أن يتعلم، أما إذا كان هناك أنظمة نجاح دقيقة جداً، أخذ بالمواد كلها أصفاراً، أو لم يقدم امتحاناً، فإذا أنت رسبته، ترسيبك له تجسيد لإرادته، فحص لم يقدم، دوام لم يداوم، كتب لم يشتر، أول سنة سمحت له أن يعيد السنة، والثانية، بعد ذلك رقنت قيده، فإذا أنت قلت: أنا رسبته، هذه ليس معناها أنك أجبرته على الجهل، ليس معناها أنك حطمته، ليس معناها أنك منعته يتعلم، إذا قلت: رسبته، أي قوانين النجاح والرسوب انطبقت عليه، والقوانين التي وضعت لهذا المعهد انطبقت عليه فرسب، هذا المعنى.
 فإذا قرأت هذه الآية:

﴿ إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالاً ﴾

 ليس معناها أن الله عز وجل اختار أناساً معينين،

﴿ إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالاً ﴾

 ثم جعل:

﴿ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّا ﴾

 ثم استحقوا النار، هذا كلام مرفوض كلياً، هذا لا يليق لا بعدالة الله، ولا بكماله، لكن ربنا سنّ سنناً، الإنسان إذا اتجه إلى شهوته، ولم يعبأ بمنهج ربه يصبح في عنقه أغلال.
 وهذا المعنى يعرفه شخص واحد، الذي تاب إلى الله، يقول لك: قبل التوبة كنت محطماً، كان على ظهري أثقال كالجبال، كنت أشعر بقيود تدفعني إلى شيء، فلما تبت إلى الله تحررت، يقول لك: أصبحت خفيفاً، هذا المعنى، هذا المعنى الذي يليق بجلال الله عز وجل:

﴿ إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ﴾

الله عز وجل سنّ سنناً فمن انطبقت عليه دفع الثمن :

 ثم يقول الله عز وجل:

﴿ وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً﴾

 أي إذا الإنسان بحسب قوانين الضوء راكب مركبة حديثة جداً، والطريق كله منعطفات، وعلى يمين الطريق وعلى يساره أودية سحيقة، فأطفأ الضوء، عمل حادثاً كبيراً جداً، أودى بحياته، نحن ماذا نقول؟ نحن هل نزلنا هذا الإنسان بالوادي ومات؟ لا، ليس هذا هو المعنى، عندما انطفأ الضوء بحسب قوانين الرؤية ضاعت عليه معالم الطريق، لأن العين تحتاج إلى وسيط بينها وبين الأشياء، بحسب قوانين الضوء عندما أطفأ الأنوار، ضاعت عليه معالم الطريق، فهوى في الوادي، إن شئت قلت: أهويناه في الوادي، أو هوى، مثل بعضها تحصيل حاصل، قوانين.
 إذاً لا تتهم الله عز وجل بهذه الآية، هذا معناها الدقيق، أي الله عز وجل سنّ سنناً، وقنن قوانين، فمن انطبقت عليه دفع الثمن.
 سنأتي بمثل آخر: لو إنسان لسبب تافه طلق زوجته طلاقاً تعسفياً، وليس لها أحد، هو كان يرعاها، وهي جيدة، لكن كلمة تكلمت بها قاسية فطلقها، ليس لها أهل، فانحرفت، وامتهنت الدعارة مثلاً، وأنجبت من الزنا بنات، وجعلت هؤلاء البنات يعملن معها، لو فرضنا كشفنا عن مستقبلها يوم القيامة، خرج من ذرية هذه الإنسانة حوالي مليون فتاة منحرفة، يجب ألا تتحملوا الصدمة، كل هؤلاء البنات المنحرفات في صحيفة هذا الذي طلقها طلاقاً تعسفياً، وظلمها بالطلاق، هذا معنى قوله تعالى:

﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ﴾

[سورة يس: 12 ]

 حدثني أخ قادم من الحجاز إلى الشام بسيارته، طبعاً حدثني قريبه، دخل لمحطة وقود حتى يغير زيت علبة السرعة، يبدو صاحب المحطة كلف طفلاً بذلك، قال له: غيّر الزيت، الطفل لم يحكم إغلاق البراغي، الزيت بعد حين نزل، فاحترقت العلبة، في الصحراء في الصيف، الحرارة ست وخمسون درجة، خرج فتح الغطاء، رجع، أكل ضربة شمس، مات فوراً، أنت تصدق أن إنساناً ما شدّ البراغي يحاسب عند الله كقاتل؟
 لي صديق حميم، عنده بنت غاية في الجمال، في الصف الرابع، أو الخامس، إنسان ركب صحناً- موضوع الصحن موضوع ثان أنه حلال أو حرام- بدل أن يضع أربعة براغ، وضع برغيين، بالهواء الشديد هذا الصحن تفلت، نزل فوق رأسها فقتلها، هل تصدق أن هذا الذي أهمل تركيب هذا الصحن يحاسب كقاتل؟

 

على الإنسان ألا يكون سبباً في الفساد :

 هناك الكثير في المهن، مهن السيارات، مهن الكهرباء، لا يوجد بها اهتمام، لا يوجد تحذير معين، لا يوجد عوامل صيانة، يموت الإنسان، يفقد بعض حواسه، يفقد أحياناً بصره، يفقد سمعه لأسباب تافهة، الحساب الدقيق يوم القيامة، وقيوم السماوات والأرض، والإله العادل يقول:

﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ﴾

[سورة يس: 12 ]

 ممكن إنسان يهمل تربية ابنته، فتتفلت، وتسيح بالأرض، وتعرض مفاتنها، وقد تزني، فإذا استحقت النار يوم القيامة تقول: يا رب لا أدخل النار حتى أُدخل أبي قبلي، هذه آثار التربية، ممكن إنسان يسافر إلى أوروبا، بنزوة طارئة تزوج إنسانة، بعد ذلك رآها غير مناسبة له فتركها، وهي حامل ببنت، هذه البنت نشأت بهذه البلاد على غير دين الإسلام، وانحرفت، وتفلتت، وزنت، وجاءت يوم القيام، واستحقت النار، من الذي أنجبها وتركها؟ هذا يحاسب حساباً عسيراً، فالإنسان قبل أن يخطر بباله أن يتزوج امرأة غير مسلمة ينظر أولاده يبقون له أم أن أمهم تأخذهم وتذهب؟ وإذا أخذتهم أمهم ما مصيرهم؟ طبعاً ليسوا مسلمين، وسينحرفون انحرافاً شديداً، فقبل أن تعمل عمل فكر بالنتائج.
 أنا قبل أن آتي إلى هنا، كنت في أمريكا، قبل أن آتي بيومين، إنسان ابنته هربت مع يهودي، وابنه تنصر بيوم واحد، إنسان تنصر لجهله بالدين، ولأنه عاش مع قومٍ أحبهم، فكان على دينهم:

(( المرءُ على دِين خليله، فلينظرْ أحدُكُم مَن يُخَالِلْ ))

[أبو داود والترمذي عن أبي هريرة]

 والبنت أحبت هذا الصديق اليهودي، فهربت معه، هذا كمسلم الحقيقة أنه جمع أموالاً طائلة هناك، جمع أموالاً، وسكن ببيت فخم جداً، وكل شيء ميسر، أما حينما يأتي يوم القيامة سيموت طبعاً، هذا الرفاه سوف يغادره إلى القبر، مهما كان في رفاهٍ عريض، يوم القيامة سيسأله الله من أجل أن تعيش حياة هادئة، وناعمة، ورخية سببت شقاء ولدين إلى النار فما جوابك؟ هذا معنى قول الله عز وجل:

﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ﴾

[سورة يس: 12 ]

 يجب أن تحرص حرصاً لا حدود له على ألا تكون سبباً في معصية، المعصية انتشرت، أنت السبب، ألا تكون سبباً في الفساد.

 

على الإنسان ألا يضع اللوم على الآخرين بل عليه أن يراجع نفسه :

 الشيء الثاني:

﴿ قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ ﴾

[سورة يس: 18 ]

 نحن تشاءمنا منكم، أنا يهمني الجواب:

﴿ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ ﴾

[سورة يس: 19 ]

 أكثر الناس العوام يتشاءم من شخص، يتشاءم من رقم، يتشاءم من يوم، يتشاءم من صديق دخل لعنده إلى المحل، فلم يبع شيئاً، يتشاءم، هذا كله تشاؤم شيطاني، تشاءم من ذنوبك فقط:

﴿ طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ ﴾

 خيرك منك، وشكلك منك، لا يخافن العبد إلا ذنبه، ولا يرجون إلا ربه، أي تفكير بمعنى أن هذا اليوم كان أسود عليّ، السواد من الداخل، يوجد سواد من الداخل ينعكس إلى مصيبة، هذا الإنسان شاركته فدمرني، أنت شاركته، لكن كنت منحرفاً، لو كنت مستقيماً لما دمرك، أما أنت قبلت معه أن تأكلوا المال الحرام، فدمركما الله عز وجل، لا أحد يضع أو يوحي باللائمة على غيره:

﴿ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ ﴾

[سورة يس: 19 ]

((..ومن وجد غير ذلك فلَا يَلُومَنَّ امْرُؤٌ إِلَّا نَفْسَهُ ..))

[ابن حبان والحاكم عن أبي ذر]

 عود نفسك تراجع نفسك دائماً، عود نفسك ألا تضع اللوم على الآخرين، قضية مريحة، أبي لم يربنا، أنت أين عقلك؟ كم من إنسان فاضل كبير، نشأ بأسرة محطمة، أبي لم ينبهنا لهذه النقطة، كلما وجد نفسه متخلفاً عن رفاقه، متخلفاً عن العلم، أفضل شيء أن يعزو هذا لغيره كي يرتاح، وهذه مشكلة كبيرة جداً، الإنسان الله عز وجل أودع فيه عقلاً، وأعطاه فطرة سليمة، وسلمه قيادة نفسه، إذا أنت كنت بمحل غلط، لماذا لم تتحول عنه؟ يقول لك: أنا نشأت هكذا، في الدنيا كم من ابن إنسان فقير صار غنياً كبيراً؟ لماذا لم تقبل وضع أبيك؟ رفض أن يكون فقيراً فعمل بالعمل الحر، وأبدع، كم من ابن إنسان جاهل صار دكتوراً؟ والعكس، إذاً أنت لماذا رفضت واقع أسرتك في الدنيا وغيرته تغييراً جذرياً؟ لماذا قبلت بواقعك الديني؟ إذا كان في بالأسرة ضعف دين، أو ضعف إيمان، وانحراف، لماذا بأمور الدنيا رفضت أسرتك وثرت عليها وغيرت واقعك؟ لماذا بأمور الدين قبلت بهذا الوضع الديني السيئ؟ هذا كلام مرفوض، فالإنسان يغير أي وضع:

﴿ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ﴾

 الخطأ منكم، أي بتعبير مختصر خيرك منك، وشرك منك، لا تلم أحداً، لا أم، ولا أب، ولا مدرسة، ولا أستاذ، ولا صديق، ولا ظرف، ولا عصر، ولا مصر، ولا ظروف عامة، خيرك منك، وشرك منك، هكذا تصبح أديباً مع الله، هذه الفكرة الصحيحة تجعلك كلما رأيت خطأ لا تضعه على الآخرين، وترتاح، لا ضعه على حالك.
 أنا سأقول لكم مثلاً بسيطاً: لو أن شخصاً تلقى ضرباً بعصا، يصب نقمته على العصا أم على الضارب؟ على الضارب، إذا الضارب عادل، معنى هذا سترجع النقمة على من؟ على ذاته، تلقى ضرباً بعصا، إذا كان أحمق يصب النقمة كلها على العصا، العصا أداة بيد الضارب.
 وإذا الإنسان كان مشركاً يصب كل نقمته على كل من فعل به كذا، هذا إنسان مسير، الله سمح له أن ينالك بالأذى، كن أعمق، كيف الله سمح له؟ أنا عندي مشكلة، والله عادل، والله رحيم، معنى ذلك أن المشكلة مني، فالإنسان عندما يعزو كل قضية لذاته، تنحل مشاكله كلها، يصّلح، لماذا جاءت هذه المصيبة؟ عندي تقصير إما بعباداتي، أو بكسب مالي، أو بإنفاق مالي، أو بعلاقاتي مع النساء، عنده مشكلة، بدل من أن تنقم على إنسان سبب لك مشكلة، يجب أن تنقم على نفسك التي كانت سبب كل مشكلة: لا يخافن العبد إلا ذنبه، ولا يرجون إلا ربه، هذه القصة أن هذه الشوحة التي سألت سيدنا سليمان، اسأل لنا ربك هل هو عجول أم مهول؟ سأله، قال لها: أنا مهول ولست عجولاً، ارتاحت، خطفت اللحم، وتحت اللحم كان هناك قطعة جمر لم تنتبه لها، أخذت هذه القطعة إلى عشها فاحترق العش كله، وانتهى كل شيء، رجعت لعنده وقالت له: ألم تقل لنا أنه مهول؟ قال له: ماذا أقول لها يا رب؟ قال له: قل لها أن هذا حساب قديم، أي هذا ليس على آخر شيء، يوجد حساب جار، كله مسجل، فإذا الإنسان أيقن بهذا الحديث:

((...فمن وجد خيراً فليحمد الله تعالى ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ))

[ابن حبان والحاكم عن أبي ذر]

 كأن هناك إشارة إلى أهل الحق، أنهم لا يسألون شيئاً، أجره على الله، ما دام أجره على الله، ليس له مصلحة بأجر الناس أبداً:

﴿ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ* اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾

[سورة يس: 20-21]

علاقة الإنسان مع الله فقط :

 هنا كلمة الحسن البصري عندما قال لوالي البصرة ماذا أفعل؟ جاءني توجيه من يزيد، لو نفذته لأغضبت الله، ولو لم أنفذه لأغضبته، فعزلني فماذا أفعل؟ قال له: إن الله يمنعك من يزيد، لكن يزيد لا يمنعك من الله:

﴿ أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلَا يُنْقِذُونِ ﴾

[سورة يس: 23]

 الآن مثلاً إنسان الله ابتلاه بمرض عضال، لو كان بأكبر مركز ماذا يفعل بهذه الخلايا التي تنمو نمواً عشوائياً؟ ليس لها حل، لو كان أقوى إنسان بالأرض، لو كان أغنى إنسان بالأرض، إذا الله أراد بالإنسان شيئاً، لا يوجد بالأرض جهة تمنعه، فعلاقتك مع الله عز وجل، والله عز يجعلنا من هؤلاء الذين إذا جاء أجله:

﴿ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ﴾

[سورة يس: 26]

دخول الجنة يحتاج إلى جهد كبير :

 الإنسان عندما يأتي أجله، يضحك وحده، والناس يبكون من حوله، لا يهم، العبرة أن تضحك أنت وحدك، الضحك يحتاج إلى استقامة، وإلى طاعة، وإلى بذل، وإلى ضبط شهوات، يولد الإنسان وكل من حوله يضحك وهو يبكي، يموت، كل من حوله يبكي، بقيّ أن يضحك وحده، حتى يكون هناك توازن، إن ضحكت وحدك فأنت من الفائزين، أما إذا كان هذا المتوفى أشد بكاءً ممن حوله، لأنه مسكين لم يتزوج، أمامه جهنم الآن وليس موضوع زواج، هناك أمر أهم، أي أن هذا المسكين لم يتزوج، لم ير شيئاً من الدنيا، هو كان منحرفاً، أمامه جهنم إلى أبد الآبدين، الأمر يختلف، حتى الذين يبكون بكاءهم غير صحيح، يحسبون أن الدنيا فاتته هو قادم إلى جهنم، فهذه قضية أنه:

﴿ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ﴾

 تحتاج إلى جهد كبير.

 

على كل إنسان أن يعبد الله فيما أقامه :

 الآن ما معنى:

﴿ إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً ﴾

[سورة يس: 29]

 هل يوجد إنسان يقول لك: أنا قاتلت نملة؟ يقول لك: أنا قتلت نملة، النملة كم ضربة تحتاج؟ تحتاج إلى خمسين محاولة؟ لا، ضربة واحدة، فإذا شخص يريد أن يقتل نملة تحتاج إلى ضربة واحدة، ضربة واحدة لشدة ضعفها، فأقوى جهة في الأرض تحتاج من الله إلى صيحة واحدة، انتهى، فإذا الإنسان رأيته قوياً، لأن الله سمح له أن يكون قوياً، أما إذا الله أحب أن ينهيه، ضربة واحدة لا يحتاج إلى اثنتين، والحقيقة يحتاج أقل من ضربة، لكن تقريباً للمعنى، الله قال له: ضربة واحدة تقريباً لأذهاننا، أما:

﴿ كُنْ فَيَكُونُ ﴾

  زل فيزول، هناك شيء يطرح بين المسلمين، لكنه غلط كبير، يقول لك: إن رأيت الأعمى لا تساعده لأنك لست أرحم من ربه مثلاً، هذا فقير، هذا قضاء وقدر، لا تغلب حالك، لا يكفي العباد إلا رب العباد، هذا كله كلام للدعوة لعدم معاونة بعضنا البعض، هذا كلام يتناقض مع أصل الدين، والدليل هذه الآية:

﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ ﴾

[سورة يس: 47]

 هذا الفقير قدره هذا الفقر، هذا كلام خلاف العقيدة، هذا كلام الكفار، إذا قال لك شخص: الله وزع الرزق بين العباد، إذا قال لك بتلبسة: لا يكفي العباد إلا رب العباد، إذا أنت معك مال، وأخوك فقير، بإنفاقك ترقى، وبإعطائك له يرقى هو، لحكمةٍ أرادها الله، الله ابتلانا، ابتلى أناساً بالغنى، وأناساً بالفقر، وجعل هذا الابتلاء مشتركاً، فالفقير إذا أعطي يشكر الله فيرقى، والغني إذا أعطى يشكر الله على أنه مكنه أن يعطي فيرقى، فالله صمم الفقر والغنى حتى نتعاون، هكذا الله يريد، ترتيبه، لا تعطه شيئاً، الله شاء له الفقر، دعه فقيراً، هذه عقيدة أهل الكفر أبداً، إن اعتقدت أن الكفر قدر، ولا يتحول، إن اعتقدت أن الفقر قدر الله عز وجل، ولا يتحول عنه فهذا اعتقاد أهل الكفر:

﴿ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ ﴾

[سورة يس: 47]

 لا أنت في دار ابتلاء، الله ابتلاك بالغنى فأنعم عليك، وابتلى هذا الإنسان المؤمن بالفقر، وجعل حاجته عندك، وحاجتك عند الله، فحتى يرضى الله عنك يجب أن تعبد الله فيما أقامك.
 هذه السورة سورة يس من أهم السور في كتاب الله، فإذا الإنسان رددها دائماً ووقف في معانيها، فيها كليات الدين، فيها عقيدة، فيها تحذير، فيها إنذار، فيها وعد، فيها وعيد، فيها حال أهل الجنة، وحال أهل النار، وفيها آيات كونية، تكاد تكون هذه السورة شاملة لكل كليات القرآن الكريم.

 

تحميل النص

إخفاء الصور