وضع داكن
25-04-2024
Logo
رمضان 1421 - دراسات قرآنية - الدرس : 36 - من سورة الزمر - فوائد التفسير الإلهي.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

تفسير الحوادث تفسيراً إلهياً يسبب راحة للنفس :

 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 أيها الأخوة الكرام ؛ يقع حدث ما ، تستمع إلى الناس في تفسيره ، يذهبون مذاهب شتى ، هناك من يفسره تفسيراً أرضياً ، أو نفسياً ، أنواع من التفاسير لا تعد ولا تحصى ، ولكن حينما تطرح التفسير الإلهي المشركون يشمئزون من هذا الطرح ، قد تقع حرب أهلية تفسر تفسيراً عربياً وإقليمياً وطائفياً ودينياً وسياسياً ، ولكن حينما تقول :

﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾

[سورة النحل : 112]

 أنت ماذا فعلت ؟ أعطيت التفسير القرآني لهذه الأحداث ، التفسير الإلهي له فوائد كثيرة ، كأنك كشفت قانون الله عز وجل .

﴿ وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا﴾

[سورة الكهف: 59]

﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾

[سورة هود : 117]

﴿ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ﴾

[سورة سبأ : 17]

 أنت حينما تقرأ القرآن تفهم الحوادث فهماً من عند خالق الكون ، تفهم فهماً حقيقياً ، لذلك حينما ينشرح صدرك بالتفسير الإلهي ، وينقبض صدرك بالتفسير الأرضي ، عندئذٍ ترتاح نفسك ، أما أن يسلمك الله إلى جهة قوية لا تحبك ولا تريد لك الخير ، وهي قادرة عليك ، فهذا الشعور وحده يسبب أزمة نفسية ، مرضاً نفسياً ، أزمة قلبية ، عدو ما من صداقته ودّ ، وهذا ما يحصل لمعظم الناس ، يجدون دولة قوية تتحكم بهذه الدول تعيش حياة مترفة ، الدول الفقيرة مقهورة ، أنت حينما تفسر الحوادث تفسيراً أرضياً تضيق نفسك .

﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾

[سورة الشعراء : 213]

من اعتمد التفسير الإلهي اتقى الله و طبق سنة نبيه :

 نصيحة ثانية : إياك ثم إياك إن سمعت قصة من آخر فصولها أن ترويها لأحد ، لا معنى لها ، القصة التي تعرفها من أول فصل إلى آخر فصل تتبدى فيها عدالة الله بشكل صارخ، لا تروي من القصص ولا تقبل من القصص إلا ما كان كامناً في كل فصوله ، عندئذٍ تتبدى لك حكمة الله ورحمته وعدالته .
فيا أيها الأخوة ؛ في تفسير الأمور:

﴿ وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾

[سورة الزمر : 45]

 أنت لا تستطيع أن تتكلم الآن بشكل عام عن أناس يعانون ما يعانون على أنهم مقصرون ، لا تستطيع التحدث بهذا الكلام ، أما عندما أفهم الحقيقة دعني والناس ، أنا أتعامل مع الله بشكل واضح ، شح الأمطار يقول : تصحّر ، تبدل خطوط المطر ، هذا لا يمنع تفسيراً إلهياً ، أن الله مسبب الأسباب ، أن تبقى بتفسير أرضي جغرافي فقط لا معنى لهذا التفسير ، الله رازقنا وخالقنا لم لا يرزقنا ؟ لم حجب الأمطار عنا ؟ أما حينما تفهم الجفاف فهماً قرآنياً .

﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً ﴾

[سورة الجن : 16]

﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾

[سورة الأعراف : 96]

﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾

[سورة المائدة : 55]

 حينما تفهم الجفاف فهماً إلهياً ، فهماً قرآنياً تتقي الله ، والله أعلم أنا لا أشك لحظة أنه إذا كان هناك جفاف ، وطبق الناس سنّة النبي ، وخرجوا جميعاً إلى العراء ، وتذللوا ، وتضرعوا ، وتضعضعوا أمام الله عز وجل ، والله ليأتينهم المطر كأفواه القرب ، هذه سنّة الله ، لأن الدعاء يقوي العبادة ، فدائماً وأبداً لا تقبل تفسيراً أرضياً ، ابحث عن مسبب الأسباب .
 قصة رويتها كثيراً ، ولكن هذه مناسبتها : أسير في الطريق في أحد أسواق دمشق خرج أخ كريم من تجار دمشق يبيع القماش ، خرج إلى عرض الطريق وقال : أنت تخطب ؟ قلت: نعم ، قال : إنسان جالس في دكانه سمع إطلاق رصاص بين شخصين مجرمين ، فمدّ رأسه ليرى ما الحقيقة جاءته رصاصة في نخاعه الشوكي فأردته مشلولاً ‍! ماذا فعل ؟ قال : إنسان جاء لمحله التجاري ليكسب رزقه الحلال يبيع أقمشة ، ما ذنبه ؟ قلت : لا أعلم أنا مثلك ، لكن أحسن الظن بالله عز وجل ، هناك حكمة لا أعرفها انتهى الأمر ، يمر عشرون يوماً أحد أخواننا قال : أنا ساكن بالمكان الفلاني ، وفوقنا إنسان مغتصب أموال أبناء أخوته ، مبلغ ضخم يساوي ثمن بيت ، وأحد كبار العلماء استدعاه ليحمله على أداء ما عليه ، فرفض بعنف ، قال العالم لأولاد أخوته : هذا عمكم إياكم أن تشكوه إلى القضاء ، ولكن اشكوا أمركم إلى الله ، هذا الكلام الساعة الثامنة مساءً ، الساعة التاسعة صباحاً له محل بأحد أسواق دمشق ، اثنان تبادلا إطلاق النار جاءته رصاصة في نخاعه الشوكي أردته مشلولاً !
 أخ آخر قال : أستاذ نحن نسكن ببيت أربعة عشر أخاً ، والده أنجب خمسة عشر ولداً ، له أخت تعمل موظفة في بعض دوائر الدولة ، هذه الدائرة أنشأت مشروع سكن تعاونياً ، والأخت كان دخلها محدوداً ، قالت لأخيها : هل نشترك أنا وأنت في شراء بيت ؟ قال : حباً وكرامة ، بيت من حوالي عشرين سنة كان ثمنه مئة ألف مثلاً ، دفع هو خمسين ألفاً عداً ونقداً ، وهي دفعت خمسين ألفاً ، وأخذوا البيت معاً ، مضى عشرون سنة ، البيت ارتفع ثمنه أصبح ثمانية عشر مليوناً ، والأخت تعمل في القضاء قالت له : هذا البيت لي ، الأخ لم يخطر بباله في لحظة بحياته أن تنكر أخته عليه حصته في البيت ، لم يكتب أعطاها المبلغ باسمها ، هي زين الشيطان عملها ، وأجرت ترتيباً ، فالنتيجة القصة طويلة جداً ، أنا تابعتها يوماً بيوم ، هو أحد أخواننا ، المهم أخرجته من البيت وأنشأت عقداً خلبياً مع شخص قوي واحتلت البيت ، وطردته قال : أخوتي نصفهم ببيت جدي ، ونصفهم ببيت جدتي ، وشيء بالمستودع قال : والله قد عانينا كثيراً ، وله نصف ثمن البيت ، ثم قال لي بعد شهرين : والله عمتي مريضة ، معها سرطان بالأمعاء ، قلت له : خيراً ، هذا المرض أحياناً يمتد سنتين ، بعد شهر قال : ماتت ، ممكن أن تتفضل وتلقي كلمة بالتعزية ؟ قلت له : على عيني ، وذهبت إلى البيت وألقيت فيه كلمة ، من وريثها الوحيد ؟ أخوها وأولاد أخيها ، رجعوا إلى البيت جميعاً ! ماذا تقول ؟ مرض خبيث والعياذ بالله ، أنت هل تعرف ماذا فعلت ؟ لا تقبل تفسيراً أرضياً ، اقبل التفسير الديني .

﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾

[سورة الشورى: 30]

 قال النبي صلى الله عليه وسلم :

(( ما من اختلاج عرق ، ولا خدش عود ، ولا نكبة حجر إلا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر ))

[الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي]

 فخذ احتياطك .

الاستقامة على أمر الله و قبول تأديبه :

 رأيت جفافاً أو اجتياحاً أو أناساً شاردين عن الله ، إلههم شهواتهم ، الجنس إلههم ، من فيلم إلى فيلم ، من فضائية إلى فضائية ، سهر حتى الساعة السادسة صباحاً، لا صوم ولا صلاة ولا شيء ، إذا جاءت ضائقة لا تقل : يوجد ظلم ، قل : هذا تأديب من الله ، لأن الله عز وجل يقول :

﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ﴾

[سورة الأنعام : 147]

 اقتدِ برحمته الواسعة ، قال :

﴿ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾

[سورة الأنعام : 147]

 فأنت إياك أن تقبل تفسيراً أرضياً سخيفاً لا بد من تفسير إلهي قرآني إسلامي ، هذا التفسير درس ، دليل ، تعد للمليون قبل أن تعتب على الله ، وترى حكمته ورحمته ، وتستقيم على أمره .

ثمن المغفرة :

 أرجى آية في القرآن الكريم على الإطلاق :

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً﴾

[سورة الزمر : 53]

 لكن متى ؟ قال :

﴿ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ﴾

[سورة الزمر : 54]

 إياك أن تفهم أن المغفرة بلا ثمن ، ثمنها أن تنيب ، وأن تتوب وتصحح ، وأن تفلح ، وأن تعقد العزم ، وأن تدع الذنوب كلياً ، أحياناً يدب إليك اليأس ترى الناس لا ينصاعون ، شاردون ، غافلون ، مسرفون ، دعوتهم ليلاً ونهاراً ، سراً وعلانية ، ولم يزدادوا إلا ضلالة ، ماذا أفعل أنا ؟ أنت لك معاملة خاصة ما دمت مؤمناً لك معاملة خاصة ، لا تقلق .

﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾

[سورة الأنعام : 164]

تركُ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب انتشار البلاء :

 لا تقل : الرحمة خاصة والبلاء يعم ، هذه كلمة غير صحيحة ، البلاء يعم إن لم تأمر بالمعروف ، أنت تسكن بحي يوجد به خمسون بيتاً ، وأنت في آخر بيت ، احترق أول بيت ، إن لم تخرج من بيتك كي تسهم في إطفاء هذا الحريق ، الحريق سيصل إليك .

﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾

[سورة الأنفال: 25]

 إذاً البلاء يعم إذا تركنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أما إذا بادرنا وأمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر يصبح :

﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾

[سورة الأنعام : 164]

﴿ وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾

[سورة الزمر : 61]

 يوجد أعمال عنيفة في بلد عربي ، إنسان جالس بمكان قبل الانفجار بدقائق خطر بباله أن يشتري خبزاً ، فخرج قبل الانفجار ، الله ينجيه من كل مشكلة ، مادمت مؤمناً فلك معاملة خاصة ، هذه الحقيقة تملأ قلبك ثقة بالله :

﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾

[سورة الزمر : 67]

أفضل عبادة التعرف إلى الله و التفكر بخلقه :

 ماذا ينبغي علينا ؟ أن نقدره حق قدره ، أفضل عبادة أن تتعرف إلى الله ، أن تفكر في خلق السماوات والأرض ، أن تعرف أسماءه الحسنى وصفاته الفضلى ، ما معنى هذه الآية :

﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ﴾

[سورة الزمر : 74]

 الجنة ثمنها في الأرض ، في الدنيا ، لولا أننا جئنا إلى الأرض ، وكبرنا ، وتزوجنا ، وعملنا ، واستقمنا ، وصدقنا ، وصلينا ، ودعونا ، لما كنا في الجنة ، فثمن هذه الجنة في الأرض.

﴿ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ﴾

  عملنا فيها عملاً صالحاً ، إذا إنسان بمكانة علية جداً ، ومرّ أمام جامعته ، يقول لك : كل الخير من هذه الجامعة ، لو لم آخذ الشهادة ما كان أحد أعطاني شيئاً ، معي اختصاص نادر ، درسنا وتعبنا لكن حصلنا ، فيجب أن تعلم أن الجنة التي تسعى إليها ثمنها في الأرض .

﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ﴾

[سورة الزمر : 74]

 كل هذا النعيم في الجنة بسبب أنك ورثت الأرض فعملت فيها عملاً صالحاً .

التطابق بين الدعاء و العبادة :

 أخواننا الكرام ؛ حينما قال عليه الصلاة والسلام :

(( الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ وَقَرَأَ .. وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ))

[سنن الترمذي]

 إن الذين يستكبرون هي عن دعائي قال : عن عبادتي بدل كلمة دعائي بعبادتي ، فهناك تطابق بين الدعاء والعبادة ، إذاً الدعاء عبادة ، بل هو مخ العبادة كما ورد في بعض الأحاديث ، مما يؤكد بوضوح جلي قوله تعالى :

﴿ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾

[سورة فصلت : 17]

 هم مخيرون ، ولولا أنك مخير لا يثمن عملك ، قيمة عملك بأنك مخير ، والحمد لله رب العالمين .
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم .

تحميل النص

إخفاء الصور