وضع داكن
29-03-2024
Logo
موضوعات قرآنية - الدرس : 22 - سكينة المؤمن .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .

تركيبة الإنسان من ثلاثة أشياء

 أيها الأخوة الكرام ؛ في الإنسان نفس وروح وجسد .
 1- الجسد :
 فالجسد وعاء غلاف .
 2- الروح :
 والروح هي القوة المحركة .
 3- النفس :
 والأصل في الإنسان التي بين جنبيك ، هذه لا تموت لكنها تذوق الموت ، تذوق انفصالها ، غلافها عن جوهرها هذه النفس تسعد وتشقى ، تؤمن وتكفر ، تشكر ولا تشكر ، تسمو وتسفر ، هي الأصل ، هي أنت ، هي المعنية بقوله تعالى :

﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾

[سورة آل عمران الآية:154]

 هي المعنية بخطاب الله عز وجل :

 

﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾

[سورة الانفطار الآية:6]

مقارنة بين نفسين

 الأجسام تتشابه ، لو أخذنا جسم نبيل وجسم طاغية الأجهزة واحدة ، لكن نفس في أعلى عليين ، ونفس في أسفل سافلين .
 حضارة الغرب بكل ما فيها تتجه نحو الجسد كي تعطيه حاجاته من طعام وشراب وتدفئة وتبريد ومتعة ولذة إلى ما هنالك ، الإنسان حينما يتجه إلى العناية بجسده يأكل ما يتمنى ، يسكن بيت جميل ، له إطلالة رائعة ، يركب مركبة فارهة ، هو غاب عنه أنه أغفل الأصل وهي نفسه فحينما لا يسمو بها إلى الله يشقيها وقد قال الله عز وجل :

﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾

[سورة الشمس الآية:9-10]

 زكاها عرفها بربها ، زكاها حملها على طاعته ، زكاها حملها على التقرب من الله .
 ودساها أبقاها جاهله ، وغمسها في شهوات محرمة ، فكانت في حالة من الشقاء .

 

سعادة الإنسان بالقرب من الله تعالى

 الإنسان دون أن يشعر يسعى إلى سلامته وسعادته ، أم حينما يوقن أن كل سعادته في الاتصال في الله ، وأن كل شقائه في البعد عنه ، إذاً ينبغي أن يسلك طريق الإيمان .

﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾

[سورة الرعد الآية:28]

 الهدف هو أن تكون سعيداً ، ولا سعادة بالبعد عن الله ، ولو ملكت الدنيا بأكملها ، والأمور واضحة أمام الناس ، بتلاقي يرقى إلى أعلى مستوى ثم ينتحر ، يملك أكبر ثروة ويقول لك أنا أشقى الناس .
 حدثني أخ كان في زيارة رجل من أغنياء هذا البلد ، أقسم لي بالله أن حجم ثروته يزيد عن أربعة آلاف مليون ، قال لي : جلست عنده ساعة لم أستطع أن أقف من شدة الهموم التي ركبته ، شكى له زوجته وأولاده والعلاقات العامة ، إنسان يملك أربع آلاف مليون ما في عنده مشكلة مالية ، لكنه من أشقى الناس .
 قال لي : لحكمة أرادها الله في اليوم نفسه زارتني امرأة محجبة فقيرة من بلدة من بلدات الريف في غرب دمشق ، تطلب مساعدة ، قلت لها : أنا مساء في هذه البلدة عندي اجتماع وسأطرح اسمك على الجمعية ، طرح اسمها في الجمعية فقالوا : تعال الآن نذهب إلى التحقيق ، فمعه العنوان ، قال لي : طرقت باب بيتها ، بيتها هو مساحة نصفها مغطاة بدرج ونصفها فسحة سماوية ، فغرفة النوم هي تحت الدرج بالمنطقة العالية ، والمطبخ والحمام بالقسم ، قال لي : لا يمكن للإنسان أن يسكن هذا البيت ، درج في حائط تحته القسم العلوي غرفة وهنا منافع وساحة ، البيت أجرته ألف ليرة بالشهر ، هي تطلب أجرة هذا البيت مساعدة شهرية ، قال لي : دخلنا البيت شعور عجيب ، في راحة نفسية ، أولادها ثيابهم نظيفة ، الزوج كان مريض مضطجع على سرير ، الجو جو مريح ، جو في أنس ، في سعادة ، المرأة محجبة ، الأولاد نظيفون ، الزوج سمته حسن ، اقتنعوا بالمساعدة ، قال له : أعمل ألفين بالشهر ، قالت له : لا ألف يكفي ، أعطوا ألف لأسرة ثانية ، نحن معاش زوجي يكفي طعام وشراب بحاجة إلى ألف ليرة ، قال لي : أنا في هذا اليوم صعقت ، كنت عند واحد معه أربع آلاف مليون يكاد يبرك من الهم ، وفتت لبيت لا يمكن أن يسكن وجدت في هذا البيت ترفرف السعادة .
 العالم كله الآن يتجه إلى الجسم ، لازم يكون السرير مريح ، في فندق بألمانيا كاتبين لوحة

(( إذا لم تكن مرتاح على هذا السرير فالعلة من ذنوبك لا من فروشنا ))

 فإذا الإنسان أذنب يتقلب طول الليل ، يأتي الإنسان المؤمن ينام نوم عميق ، الموصول بالله سعيد ، فالناس كل الآن تتجه إلى دخل أكبر ، إلى بيت أوسع ، إلى امرأة أجمل ، إلى متع ، إلى طعام طيب ، إلى نزهات ، هم الناس الأول إسعاد هذا اللحم والدم ، إسعاد الجسم ولا سعادة للنفس ، إلا بالقرب من الله ، تسمع مفارقات عجيبة ، تسمع من إنسان فقد حريته عشر سنوات وهو في المنفردة وقد حفظ كتاب الله كله ، وكان من أسعد الناس في هذا المكان الذي يعد أسوء مكان في الحياة ، لذلك هذه السكينة إذا منحها الله لهذا الإنسان سعد بها ولو فقد كل شيء ، وشقي بفقدها ولو ملك كل شيء ، وهذا معنى قوله تعالى :

﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾

[سورة الرعد الآية:28]

 بتلاقي معنويات المؤمن عالية جداً ، موصول بخالق الأكوان ، خالق الأكوان طمئنه .

﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾

[سورة آل عمران الآية:139]

﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾

[سورة الرعد الآية:28]

 المنافق والكافر مقهور ذليل ينافق يخاف على ما بيديه .

﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ﴾

[سورة المعارج الآيات :19-22]

 المصلي معافى من هذا المرض ، هذا مرض العصر القلق ، يعطيه الله الصحة ، ويعطيه المال ، ويعطيه الجمال ، ويعطيه الذكاء ، لكن لا يتجلى على قلبه ، قلب متصحر ، لأن ماله حرام جمع ماله حراماً ، جمع مال كثيراً ليشقى بالحرمان منه أناس كثيرون ، كل حركاته وسكناته مبنية على أن يبني مجده على أنقاض الناس ، أن يكذب عليهم ، يحتال عليهم أن يجمع ثروة من غفلاتهم ، مثلاً :
 قال لي أخ مقيم بأمريكا حضر بعض الدروس ، حينما كنت هناك شعر أن وجوده هناك غير صحيح ، علمه يمنحه لأعداء المسلمين ، فأخذ قرار وجاء إلى الشام ، مستوى الحياة هنا بالقياس إلى هناك واحد لمائة من حيث الدخل ، من حيث الرفاه ، من حيث كل شيء ، قال لي : وأنا أعالج المسلمين هنا ، وأبذل علمي لهم شعر بسعادة كبيرة ، مع أنه تعقيدات ورخص وأمور صعبة ومنافسة شديدة ، والأمور معقدة ، ووسائل غير متاحة لكل إنسان ، قال لي : مع كل هذه المتاعب شعرت براحة أنني أرد الجميل لهؤلاء المسلمين الذين درست الطب على حسابهم الجامعة مجانية ، فجمع هذا العلم من هذا البلد ، ألا ينبغي أن يرد هذا الجميل إلى هذا البلد ، فالإنسان أيام يكون مظهره خشن لكن هو نفسه سعيدة ، يكون مظهره راقي جداً لكن نفسه شقيه ، أنا أرى العاقل الذي يسعى لإسعاد نفسه عن طريق اتصالها بالله ، والشقي هو الذي يسعى لترفيه جسمه ، لكن هذا يقامر لأن كل هذا الرفاه يلي كلفه عمر بكامله يخسره في ثانية واحدة ، إذا توقف قلبه .

﴿وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً﴾

[سورة الإنسان الآية:20]

 بتلاقي أموال منقولة وغير منقولة ، ومكان جميل بالمصايف ، ومكان على الساحل ، ومكان بالداخل ، سيارات ، ومع ذلك لا تراه سعيد ، يأتي إنسان يسكن ببيت مستأجر لكن يعرف الله يستقيم على أمره ، يقدم للناس الخير ، لو شققت على صدره لرأيت فيه سعادة لا توصف ، هذا هو القرب لذلك في النفس فراغ ، لا يمكن أن يملئه إلا القرب من الله ، المال لا يملئه ، والدليل :

﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً﴾

[سورة طه الآية:124]

 إذا بتلاقي واحد في الأرض له معيشة مسعدة وهو معرض عن الله فهذا الكلام ليس كلام الله ، لكن لأنه كلام الله لن تجد في الأرض إنسان واحد مطمئن وهو معرض عن الله ، قلق ، أعطاه المال وسلب منه نعمة الأمن ، خائف دائماً .

﴿وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ﴾

[سورة الحشر الآية:26]

 ما تسمعون يؤكد ، هذا يعني أمة بأكملها فقد الأمن ، يأتي إنسان آخر مطمئن أمره بيد الله والله عز وجل كريم ، والله عادل ، رحيم ، وما سلمه لأحد ، لمجرد دقق الآن ، لمجرد أن تتوهم أن مصير أمة بأكملها بيد إنسان حاقد ، بيد إنسان مجرم ، بيد إنسان طاغية ، مصير أمة بأكملها إذا توهمت أنها بيد إنسان بعيد عن الله هذا التصور وحده يشقي الإنسان ، أما حينما تتصور وهو الحق أن أمرك بيد الله ، وأن الله لا يسلمك لأحد ، وأن الله طمأنك ، قال :

﴿يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾

[سورة هود الآية:123]

 هذه الآية وحدها تكفي .

﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾

[سورة الرعد الآية:28]

 لما الإنسان يطلب العلم ويصطلح مع الله ويقيم أمر الله في بيته وفي عمله هو في الحقيقة يسعد نفسه ، يملئها طمأنينة ، يملئها أمناً ، يملئها سلاماً ، يملئها تفاؤلاً .

﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا﴾

[سورة التوبة الآية:51]

 بتلاقي شخص ما في عنده شيء ومطمئن ، وشخص معه أموال لا تأكلها النيران قلق وخائف ، فالله عز وجل حينما يمنح نعمة الأمن هذه أعظم نعمة يأخذها الإنسان فالمظاهر هناك أغنياء ، وهناك أقوياء ، والحقائق هناك سعداء لله عز وجل ، ما معناها أن كل إنسان معه مال شقي لا أعوذ بالله ، جمع الحسنين إذا كان مؤمن ، كنت أقول دائماً المؤمن تحبه إذا كان غنياً ، لأنه متواضع وسخي ويسخر هذا المال لإسعاد الناس ، فهو تنمو نفسه ، تحبه فقير متعفف ، عزيز النفس ، لا يذل نفسه لا يبذل ماء وجهه لأحد ، تحبه مثقف ثقافة عالية ، تحبه غير مثقف لأنه عرف الله وكفى بالمرء علماً أن يطيع الله ، يعني المؤمن لا يمكن أن يضاف إلى جانب اسمه كلمة واحدة ، مؤمن ، هو شخصية فذة ولو كان فقير ، وشخصية فذة ولو كان غني ، وشخصية فذة ولو كان قوي أو ضعيف ، مثقف أو غير مثقف ، وصل إلى الله ، لذلك في النفس فراغ لا يملئه إلا الإيمان بالله .

﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾

[سورة الرعد الآية:28]

 أيام بتلاقي شخص عما يبذل وتعبان هو سعيد ، هو ذكي ، هو العاقل ، اتجه لإسعاد نفسه سعادة أبدية ، أما هؤلاء أهل الدنيا ، ما دام بمكانته ، ما دام في منصبه ، ما دام في ثروته ، يعني يشعر أن هو ملاك لكن هذا كله منوط بدقات قلبه ، وقف خلص خبر صفي نعوة ، كان شخص ملء السمع والبصر صار خبر على الجدران ، هذه الدنيا ، تغر وضر وتمر ، لما الإنسان يتعرف إلى الله ويسعد بالقرب منه هو يرتاح قبل كل شيء ، هو يتعجل الراحة لقلبه ، بتلاقي شخص حركاته واسعة في الحياة وتجارته عريضة ، لكن فيها ربا وفيها قروض ربوية وفيها غش وفيها تدجيل وفيها دعاية محرمة ، أنا ما ضد الدعاية ، جزء من العمل التجاري لكن لا تصح الدعاية إلا بامرأة شبه عارية ، لا تصح أبداً إلا بهذا الطريق من أجل أن تأكل رزقك يجب أن تفسد الشباب ، مثلاً ، وإذا كان السلوك عم ، إذا الباطل عم ما بصير حق ، إذا كل الشركات في الأرض لا تعلن عن بضاعتها إلا بامرأة شبه عارية ، هذا السلوك ما بصير حق ، هذا باطل ، هذه امرأة ليست سلعة ، إنسان مقدس أصبحت سلعة من السلع كلما استخدمنا المرأة من أجل أن نقرنها بضاعة رائجة كما هو الشأن في العالم كله نكون نحن أهناها ، هي إنسانة هي ، أنت مثلاً تركب طائرة على أنك إنسان ، أما إذا مات إنسان يصير بضاعة بدو أوراق تخلي ، مرة علمت أنه هناك نعش بطائرة أبداً مثل البضاعة تماماً ، بدو شهادة وصول وشهادة صحية ودخول واستيراد بضاعة صار ، فلما المرأة تصبح مادة إعلان ما عادت امرأة ، ما عادت إنسان ، مكرم ، أصبحت سلعة مبتذلة .
 واحد تكلم كلمة أعجبتني ، أنه لو فرضنا جمعنا خمس آلاف إنسان ليستمعوا إلى محاضرة من امرأة فرضاً ، وهذه المرأة يعني كل مفاتنها ظاهرة ، من هؤلاء الخمس آلاف رجل كم واحد يصغي إلى كلامها ؟ ولا واحد ، أما إذا كانت محجبة يمكن لا يفوتهم ولا كلمة من كلماتها ، إذا كانت محتشمة ، محجبة ، مفاتنها مخفية كلها ، لما الإنسان يتفلت يشقى ، وهذا الشيء عليه مليون دليل ، التقي مع الناس ، العصاة يقول أنه غير مسرور ، الحياة كلها مشكلات ، انقباض ، قلق ، خوف وهو في بحبوحة والتقي مع مؤمن بتلاقي ما في عنده شيء إطلاقا وبتلاقي في بقلبه جبال من الأمن ، شاعر حاله قريب من الله ، هي الآية هي محور هذا اللقاء إن شاء الله .

﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾

[سورة الرعد الآية:28]

تحميل النص

إخفاء الصور