وضع داكن
19-04-2024
Logo
مختلفة - سوريا - الدرس : 67 - المرابط - رحمة الله.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين وبعد:
أيها الأخوة الكرام:
 أن نصل إلى رحمة الله، وأن نحظى بها، هذا هو سر وجودنا وهذا هو غاية عبادتنا، والدليل على ذلك، قول الله عز وجل:

﴿ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾

( سورة هود: 119 )

 يعني أنت أيها الأخ الكريم، مخلوق ليرحمك الله عز وجل مخلوق ليسعدك الله عز وجل في الدنيا والآخرة، إذا انطلق الإنسان من هذه الفكرة التي جاء بها القرآن يمضي قدماً نحو طاعة الرحمن سبحانه وتعالى، مخلوق كي ترحم.
 ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء.
شيء آخر أيها الأخوة:
الرحمة التي وعدنا الله بها هي غاية الغايات، ونهاية الآمال ومحط الرحال.
قال تعالى:

 

﴿ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾

 

( سورة آل عمران: 106)

 ثم يقول الله عز وجل:

 

﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107)﴾

 

( سورة آل عمران: 170 )

 يعني نهايات الآمال، غاية الغايات، محط الرحال أن نصل إلى رحمة الله.
بل إن سر وجود المخلوقات كلها هي الرحمة، لقوله عز وجل

 

﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾

 

( سورة الأعراف: 156 )

 واسم الله الأعظم فيما يرويه، أو فيما يذكره بعض العلماء هو الرحمن:

 

﴿ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾

 

( سورة الإسراء: 110 )

أيها الأخوة الكرام:
 الرحمة التي وردت في القرآن الكريم، ذات مدلولات واسعة جداً، تبدأ بنعمة الإجاد، لأنك موجود، إذاً أنت مرحوم، وتمر بنعمة الإمداد، وتنتهي إلى نعمة الهدى والرشاد.
 فوجودك رحمة، صحتك التي تنعم بها رحمة، أهلك التي تقر عينك بهم رحمة، أولادك الذي أكرمك الله بهم رحمة، أن تملك حرفةً أو أن تملك قدرة على كسب الرزق فهذا من رحمة الله، ثم أن توفق في أعمالك هذا من رحمة الله، هذه رحمة الله في الدنيا.
لكن إذا أردنا أن تتصل النعم بالآخرة، والإنسان أنحرف، أو غفل، أو قصر، فلابد من أن تأتي المعالجات.
لذلك قال تعالى:

﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147)﴾

( سورة الأنعام: 147 )

 يعني تقتدي رحمة الواسعة ألا يدع عباده الغافلين بلا معالجة وتأديب، لذلك يقول الله عز وجل:

 

﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ﴾

 

( سورة مريم: 45 )

الشر المطلق أيها الأخوة:
 لا وجود له في الكون إطلاقاً، لأن كل شيء وقع أراده الله وأن كل شيء أراده الله وقع، وأن الذي وقع وأراده الله متعلق بالحكمة المطلقة، وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق.

﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ﴾

( سورة آل عمران: 26)

 لذلك الشر المطلق ليس له وجود في الكون، لكن الشر أحياناً في نظر الإنسان حينما يذهب ماله، أو تعتل صحته، أو يُضيق عليه أو يَضيق قلبه، هذا الشر في نظر الإنسان، يوظف لصالح الإنسان ولكن في أخراه، فمن أجل أن تستمر رحمة الله إلى الآخرة، لابد من المعالجة.
لذلك يقول الله عز وجل:

 

﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21)﴾

 

 

( سورة السجدة: 21)

أيها الأخوة الكرام:
 هذه رحمة الله هي سر عجيب، يسعدوا بها الإنسان، ودققوا في هذه الكلمات، ولو فقد كل شيء، ويشقى بفقدها ولو ملك كل شيء يسعد بها ولو فقد كل شيء، ويشقى بفقدها ولو ملك كل شيء، وهذه الرحمة التي وردت في القرآن الكريم، في آيات تزيد عن المائة ليست ملك أحد فيرسلها، وليست ملك أحد فيمسكها، لكنها في متناول كل واحد من الخلق، لكن لها ثمن إن دفعته وصلت إليها، إن وصلت إليها وصلت إلى كل شيء، وإن فاتتك رحمة الله فاتك كل شيء.
هؤلاء الذين يجمعون الأموال الطائلة، تجاوزوا مرحلة كسب الرزق وصلوا إلى دائرة المنافسة في جمع الأموال.
يقول الله عز وجل:

﴿ آوَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32)﴾

( سورة الزخرف: 32 )

 لأن هذا العطاء الإلهي، لا يسمى عطاءاً إلا إذا كان أبدياً سرمدياً، أما إذا كان منقطعاً في الدنيا ليس عطاءاً، والدليل.
قول الله عز وجل:

 

﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15)﴾

 

( سورة الفجر: 15 )

 هذه مقولته هو.

 

﴿ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16)﴾

 

( سورة الفجر: 16 )

 ثم يقول الله عز وجل:

 

﴿ كُلّاً ﴾

 أداة ردع ونفي، ليس عطائي إكراماً، وليس منعي حرماناً عطائي ابتلاء، وحرماني دواء.
 فهذه النعم التي سميناها قبل قليل رحمة، المال رحمة، الصحة رحمة، نعمة الأمن رحمة، نعمة الأهل رحمة، نعمة الأولاد رحمة نعمة السمعة الطيبة رحمة، هذه الرحمة التي أشار القرآن إليها موقوفة على نوع استخدامها، فهذا المال إذا أنفق في طاعة الله أصبح رحمة لأنها نقلتك إلى رحمة الآخرة، أما إذا أنفق فيما غير ما يرضي الله، أصبح نقمةً.
الحظوظ أيها الأخوة:
 إما درجات نرقى بها، وإما أنها دركات نهوى بها، الحظوظ التي تعارف الناس على أنها حظوظ.
أيها الأخوة الكرام:
 رحمة الله عز وجل ليست ملك أحد فيمسكها، وليست ملك أحد فيرسلها، إنها متاحة لكل مخلوق إذا دفع ثمنها.

 

 

﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾

 

( سورة الحجرات: 13 )

 دققوا في هذه الآية:

 

﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ﴾

 

( سورة هود: 28 )

 وكأن الله عز وجل يسمي عطائه على إطلاقه رحمة.

 

﴿ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28)﴾

 

( سورة هود: 28 )

 يقول بعض العارفين: لو يعلموا الملوك ما نحن عليه لقاتلون عليها بالسيوف.
هذه الرحمة إذا نزلت على قلب المؤمن سعد بها أيما سعادة وإذا حجبت عن الإنسان شقي أيما شقاء، ولو كانت الدنيا كلها بين يديك.
لكن من أجل أن يكون هذا الموضوع مجدياً، ونافعاً، هذه الرحمة التي تحدثت عنها قبل قليل، أليس لها أسباب ؟ أليس لها مفتاح أليس لها طريق ؟.
 نعم دققوا في قول النبي عليه الصلاة والسلام: في دعائه الشريف، وأدعيته علم، اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك، الموجبات لأن طلب الرحمة من دون أن تدفع الثمن هذا ذنب من الذنوب، طلب الجنة من دون عمل ذنب من الذنوب، هذا استخفاف بالجنة، استخفاف بهذا العطاء الكبير.
 لذلك كان عليه الصلاة والسلام في أعلى درجات الأدب مع الله قال: اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، فما هي موجبات رحمة الله، رحمة الله هي كل شيء، كل شيء، من وصل إليها وحازها ملك كل شيء ومن فاتته فاته كل شيء، ما سبيلها ؟ ما طريقها ؟ ما ثمنها ؟
دققوا في آيات القرآن الكريم، لنبقى في القرآن الكريم.
يقول الله عز وجل:

 

﴿ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46)﴾

 

( سورة النمل: 46 )

 فالإنسان، كل بني آدم خطاء، وخير الخطاءين التوابون الإنسان حينما يستغفر، يعرف مقام ربه، ويتهم نفسه، ما دام يستغفر فهو في بحبوحة.

 

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)﴾

 

( سورة الأنفال: 33 )

فالاستغفار، ومراجعة النفس، والتوبة السريعة، أحد موجبات رحمة الله.
 لذلك لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار وبإمكانك أن تستغفر من كل ذنب، لأن العبد إذا رجع إلى الله عز وجل نادى منادٍ في السماوات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله.
موجب آخر من موجبات الرحمة:

﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)﴾

( سورة الحجرات: 10 )

 يعني إذا اتقيت أن تعصيه، إذا اتقيت أن تحيد عن أمره، إذا اتقيت أن تقع في شبها، إذا اتقيت أن تقع في كسب حرام، إذا اتقيت أن تقع في إنفاق حرام، إذا اتقيت أن تقع في إطلاق البصر، في الاستماع إلى ما لا يرضي الله، في نطق بالغيبة والنميمة، إذا اتقيت أن تعصي الله في جوارحك، وهذا في ملك يديك، وإذا اتقيت أن تعصي الله في بيتك وهو مملكتك، وإذا اتقيت أن تعصي الله في عملك وهو مملكتك، عندئذٍ يرحمك الله عز وجل، ورحمته واسعة.
 قلتم لكم قبل قليل بدأ في صحة البدن، إلى كفاية الرزق، إلى الزوجة الصالحة، إلى الأولاد الأبرار، إلى السمعة الطيبة، إلى نعمة الأمن، إلى طعم الاتصال بالله عز وجل.
بعضهم شكى إلى شيخه أنه وقع في ذنب فلم يعاقبه الله عليه في صلاته ناجى ربه قال يا ربي: لقد عصيتك ولم تعاقبني، فوقع في قلبه أن يا عبدي قد عاقبتك ولم تدري، ألم أحرمك لذة مناجاتي.

 

فلو شاهدت عيناك من حسننــا الـذي
رأوه لما وليت عنا لغيرنـــــــا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنــــا
خلعت عنك ثياب العجب وجئــــتنا
ولو ذقت من طعم المحبـــــة ذرةً
عذرت الذي أضح قتيلاً بحبـنــــا
ولو نسمت من قربنـا لك نسمــــة
لمت غريباً واشتياقاً لقربنـــــــا
فما حبنا سهل وكل من ادع سهولته
قلنــــــا لـــــه قد جهلتنــا
فأيسر ما في الحب بالصــب قتلـــه
وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنا

 الموجب الثالث لرحمة الله:
قال تعالى:

 

 

﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132)﴾

 

( سورة آل عمران: 132 )

 الاستغفار أولاً...
وعدم الوقوع بالمعاصي ثانياً...
وطاعة الله عز وجل ورسوله فيما أمر.. موجب ثالث من موجبات الرحمة.
 ثم إنك إذا أردت أن يرحمك الله، الرحمة الخاصة بالإنسان لو تناولت الطعام والشراب، فأنت مع بقية المخلوقات سواء، لو تمتعت بالمتع المادية، فأنت وبقية المخلوقات سواء، لكنك إذا أردت الرحمة الخاصة بجنس الإنسان، صلي إنك إن صليت عرضت نفسك للرحمة، إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها، هذا الذي يحافظ على الصلوات، ومن معاني المحافظة على الصلاة الاستقامة على أمر الله فيما بين الصلاتين، إذا ضبطت جوارحك، وضبطت أمورك كلها وفق منهج الله ثم أذن الظهر، ودخلت بيت الله لتصلي أكرمك الله عز وجل، برحمة من عنده لا يعرفها إلا من ذاقها، إن بيوتي في الأرض المساجد وإن زوارها هم عمارها، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني، وحق على المزور أن يكرم الزائر. حديث قدسي.
 أنت إذا دخلت بيت الله، أنت تعرض نفسك لرحمة الله ودققوا في أدعية النبي عليه الصلاة والسلام، كان إذا دخل بيت الله يقول: اللهم إني أسألك رحمتك، الرحمة، فإذا خرج من بيت الله اللهم أسألك فضلك، العمل الصالح، أنت بين حالتين، إما في حالة تتلق رحمة الله، وإما في حالة تفعل ما يأمرك الله عز وجل.
أيها الأخوة الكرام:

 

﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56)﴾

 

( سورة النور: 56 )

 هذا الموجب الرابع، والموجب الخامس:

 

﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155)﴾

 

( سورة الأنعام: 155 )

 كتاب الله بين أيدينا.

 

﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾

 

( سورة الإسراء: 9 )

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾

( سورة النحل: 97 )

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126)﴾

( سورة طه: 124ـ125ـ126)

 يعني كنت أعمى في الدنيا.
يا أيها الأخوة الكرام:
كتاب الله بين أيدينا.

 

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)﴾

 

( سورة الجاثية: 21 )

﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)﴾

( سورة القصص: 61 )

﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ (18)﴾

( سورة السجدة: 18 )

﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)﴾

( سورة القلم: 35 ـ 36 )

 مستحيل، من سابع المستحيلات، أن تتعرف إليه من خلال الكون، ومن خلال الآيات التكوينية، والآيات القرآنية، وأن تتعرف إلى منهجه، وأن تحمل نفسك على طاعته، من دون أن يرحمك، لأن الله سبحانه وتعالى ينتظرك، ينتظر هذه المبادرة لينميها، ينتظر هذه اللفته كي يسعدك فيها.
أيها الأخوة الكرام القرآن الكريم:

 

﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204)﴾

 

( سورة الأعراف: 204 )

 هذه موجبات رحمة الله، والآية الواسعة المعنى، التي تدور مع الإنسان في كل حالاته، وفي كل أطواره، وفي كل نشاطاته، في بيته، في عمله، في دكانه في متجره، في عيادته، في مكتبه الهندسي، في معمله، في أي مكان.

 

﴿ إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)﴾

 

( سورة الأعراف: 56 )

 أحسن في كل شيء، أحسن في بيتك، وفي عملك، وفي تجارتك، رحمة الله قريبة منك، ثم إننا إذا كنا في زمن فتنه، وكانت الطرقات ملئ بالنساء الكاسيات العاريات، وكانت بعض الأمكنة موبوءة بالمعاصي، فعليك أن تلزم بيتك، وعليك أن تأوي إلى مسجدك استنباط من قوله تعالى:

 

﴿ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً (16)﴾

 

( سورة الكهف: 16 )

 إنك إذا أويت إلى بيت الله، تجلى الله عليك بالرحمة، وإذا أويت إلى بيتك والفتن مستعرة في الطرقات تجلى الله عليك بالرحمة.
أيها الأخوة الكرام:
 كلمات دقيقة، أتمنى أن أنقلها إليكم، ما من نعمة يمسك الله معها رحمته إلا وتنقلب بذاتها نقمة، ما من محنة تحفها رحمة الله إلا وتكون بذاتها نعمة، ينام الإنسان على الشوك مع رحمة الله فإذا هو مهاد وثير، ينام على الحرير وقد أمسكت عنه رحمة الله، فإذا هو شوك القتاد، يعالج أعسر الأمور في رحمة الله، فإذا هي هوادة ويسر ويعالج أيسر الأمور، وقد تخلت عنه رحمة الله، فإذا هي مشقة وعسر يخوض المخاوف والأخطار، ومعه رحمة الله، فإذا هي أمن وسلام يعبر المناهج والسبل وقد أمسكت عنه رحمة الله، فإذا هي مهلكة وبوار.
رحمة الله أيها الأخوة:
 لا تعز على طالب كائنٍ من كان، فأي زمان ومكان، وحال وجدها إبراهيم عليه الصلاة والسلام في النار.

 

﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)﴾

 

( سورة الأنبياء: 69 )

 وجدها يوسف عليه الصلاة والسلام في الجب، ووجدها في السجن، وجدها يونس عليه الصلاة والسلام في بطن الحوت.

 

﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ﴾

 

( سورة الأنبياء: 87 ـ 88 )

 القصة انتهت، الآن القانون:

 

﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)﴾

 

( سورة الأنبياء: 88 )

 وجدها أصحاب الكهف في الكهف، حينما افتقدوها في القصور والدور، قال بعضهم لبعض.

 

﴿ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾

 

( سورة الكهف: 16 )

 وجدها النبي عليه الصلاة والسلام، في الغار، والأعداء يتعقبونه من كل مكان، ويجدها كل مؤمن، مؤمن بها، يائساً مما سواها، قاصداً بها وجه الله، يجدها في كل مكان، وفي كل زمان.
أيها الأخوة الكرام:
 يبسط الله الرزق للإنسان مع رحمته، فإذا هو متاع طيب ورضاً، إذاً هو رغد في الدنيا، وزاد في الآخرة، يمسك الله رحمته مع الرزق الوفير، فإذا هو مثار قلق خوف، وإذا هو مثار حسدٍ وبغض، وقد يكون معه الحرمان، ببخل أو مرض، وقد يكون معه التلف بإفراط واستهتار.
 ينمح الله ذريته، مع رحمته، فإذا هي زينة الحياة الدنيا ومصدر فرح واستمتاع، ومضاعفة للأجر في الآخرة بالخلف الصالح ويمسك رحمته مع الذرية، فإذا الذرية بلاء، ونكد، وعنت وشقاء وسهر بالليل، وتعب بالنهار.
يهب الله الصحة والعافية مع رحمته، فإذا هي نعمة وحياة طيبة، ويمسك رحمته فإذا الصحة والعافية، بلاء يسلطه الله على الصحيح المعافى، فينفق الصحة والعافية فيما يحطم الجسد، ويفسد الروح.
ويعطي الله الجاه والقوة، مع رحمته، فإذا هي أداة إصلاح ومصدر أمن، ووسيلة لادخار العمل الصالح، ويمسك رحمته، فإذا الجاه والقوة مصدرا قلق على قوته، ومصدر طغيانٍ وبغي، ومصدر حقد وكراهية.
أيها الأخوة الكرام:
كما قلت في مطلع الكلمة، لو حُجبت عن الإنسان رحمة الله يشقى ولو أن الدنيا كلها بين يديه، ولو وجدت رحمة الله يسعد ولو فقد كل شيء.
 في رمضان حديث شريف ورد في الترغيب، والترهيب يقول عليه الصلاة والسلام: أتاكم رمضان شهر البركة، يغشاكم الله فيه فينزل الرحمة، ويحط الخطايا، ويستجيب فيه الدعاء، ينظر الله تعالى إلى تنافسكم فيه، ويباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيرا، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله عز وجل.
في السنة المطهرة أيها الأخوة:
 رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى، إذا إنسان صلى الليل هذه رحمة الله، ورحم الله رجلاً سمحاً إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى، هذه موجبات الرحمة في السنة، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء، وإذا أردتم رحمتي فارحموا خلقي، من لا يَرحم لا يُرحم ليس منا من لم يرحم صغيرنا، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيما عنده.
 إذاً: يجب أن تعرض نفسك أيها الأخ لرحمة الله، تارةً بالصلاة، تارةً بقيام الليل، تارةً بطلب العلم، تارةً بالعمل الصالح تارةً بالإحسان، تارةً بالاستغفار، تارةً بطاعة الله ورسوله، تارةً باتقاء معصيته.
هذه موجبات الرحمة التي كان عليه الصلاة والسلام يدعو ويقول: اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك.
أشكر لكم إصغائكم، وأشكر السيد وزير الأوقاف، على هذا التنظيم لهذه الندوات، التي ينفع الله بها المسلمين.

 

تحميل النص

إخفاء الصور