وضع داكن
27-04-2024
Logo
الدرس : 46 - سورة التوبة - تفسير الآية 63، المحاددة تجعل حداً بين الحق والباطل.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.


الآية التالية متعلقة بسلامة الإنسان وسعادته :


 أيها الإخوة الكرام، مع الدرس السادس والأربعين من دروس سورة التوبة، ومع الآية الثالثة والستين، وهي قوله تعالى:

﴿  أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ(63) ﴾

[ سورة التوبة  ]

 أيها الإخوة الكرام، هذه الآية متعلقة بسلامة الإنسان وسعادته، فحينما يحادد الله ورسوله وكان ينبغي أن يوالي الله ورسوله، لأن الله -سبحانه وتعالى- هو الذي خلقنا، وهو الذي يربينا، وهو الذي يمدنا، وهو الذي يسيّرنا، مرجعنا إليه، مآلنا إليه، بيده قوتنا وضعفنا، صحتنا وسقمنا، بيده كل شيء، فهل يُعقَل أن نتجه إلى غيره؟

﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾

[  سورة هود  ]

 بعد أن طمأنك أن كل أمرك، ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ﴾ أي كل أمرك ﴿كُلُّهُ﴾ توكيد ثان: ﴿فَاعْبُدْهُ﴾ أي حياتك، صحتك، زواجك، أولادك، سعادتك، شقاؤك، توفيقك، عدم التوفيق، التألق، عدم التألق، العلو، عدم العلو، كل هذا بيده، فكيف تتجه إلى غيره؟.

﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا﴾ كان ينبغي أن يعلم، حينما تكون القضية بديهية واضحة، صارخة، عليها مليون دليل ودليل، وإنسان تجاهلها يقول له: ألم تعلم؟

 لو أن طالباً لم يدرس فلم ينجح نقول له: ألا تعلم أنه من جدّ وجد؟ شيء بديهي جداً.

 عندنا أشياء تُعرَف بالبديهة، التجارة تحتاج إلى رأسمال، هذا العمل يحتاج إلى صدق، هذا العمل يحتاج إلى إتقان، فالأشياء البديهية التي تُعرف بالفطرة.

 

تطابق الدين العظيم مع الفطرة :


 بالمناسبة: هذا الدين العظيم متطابق مع الفطرة تطابقاً تاماً، والدليل:

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) ﴾

[  سورة الروم ]

 أن تقيم وجهك لهذا الدين هو نفسه ينطبق على فطرتك، بمعنى ما من أمر أمرك الله به إلا وفطرتك ترتاح له، وما من نهي نهاك الله عنه إلا والفطرة تشمئز منه، هذه نعمة كبيرة أن الله إذا أمرك بأمر وأنت أطعته اصطلحت مع فطرتك، أحد أسباب راحة المؤمن أنه وجد نفسه، اصطلح مع فطرته، فطرته تدعوه إلى الصدق وهو يصدق فارتاحت نفسه.

 فلذلك أكبر خطأ أو أكبر نتيجة سلبية لمن يعصي الله أنه اختلف مع فطرته، فأصبح عنده كآبة، حتى الإنسان لو لم يتلقَّ دروس علم إطلاقاً فطرته توافق الشريعة تماماً.

 بتعبير آخر: الإنسان إذا أطاع الله وهو لا يعلم أنها طاعة لله يرتاح، بالعالم الغربي عندهم حالة راحة تأتي من الصدق، يرتاحون للصدق، لإتقان العمل، هناك أشياء عندهم لها قيمة، هناك أشياء تتطابق مع سعادتهم، فالإنسان إذا بحث عن سلامته وسعادته عليه أن يطيع ربه -عز وجل-. 


الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله :


 لذلك: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا﴾ الشيء البديهي، الواضح، الصارخ، الأساسي، الذي تكشفه بذاتك من دون تعليم، هي حقائق الدين وعلاقة الفطرة بها، فإذا قال الله -عز وجل-: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا﴾ غاب عن نفسك الآية التي تقول: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ﴾ هؤلاء الخلق لهم خالق، فإذا آذيت أحدهم آذيت الخالق، بمعنى كما لو أنك ضربت طفلاً هذا الضرب يؤذي والده لمحبته له، والله -عز وجل- يحب كل عباده، فإذا أسأت إلى واحد منهم، إذا ضربته، إذا شتمته، إذا حقّرته، إذا أهنته، إذا ابتززت ماله، إذا أوقعته في مشكلة، إذا أفسدت العلاقة مع زوجته، هذا شيء يغضب الله -عز وجل-، هم عباده، لذلك الكلام الرائع:

(( الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله. ))

[ البيهقي عن عبد الله بن مسعود وفي سنده ضعف ]

أنت من دون أن تشعر حينما تنصح إنساناً، حينما تحسن إلى إنسان، حينما تصدق مع إنسان، الله يحبك لأنك رحمت عباده، و كنت صادقاً معهم.

 لذلك إخوتنا الكرام، سعادتك بيدك، وشقاؤك بيدك، أنت تعيش بمجتمع، هذا المجتمع هم بشر، هم عباد الله أولاً، فإذا صدقتهم، وأحسنت إليهم، وكنت منصفاً لهم، أحبك خالقهم، أحبك ربهم، فأنت حينما تعاون إنساناً تتعامل مع خالق الإنسان. 


الحركة لا تصح إلا إذا عُرف السبب :


﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا﴾ هذا شيء بديهي، واضح، جلي، صارخ، ﴿أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ النقطة الدقيقة: كلمة ﴿أَلَمْ﴾ هي أداة استنكار، وسائل العلم بين يديك، والواجب أن تعلم الحقيقة، ومع أنها بين يديك لم تكتشف هذه الحقيقة، فيأتي التعبير الدقيق "ألم تعلم".

 طالب دخل العام الدراسي هناك حقيقة بديهية: أنه من اجتهد نجح، هذه حقيقة يكشفها بفطرته، فحينما لم يدرس، وعندما لم ينجح تعجب، نقول: لا، هذا التعجب غباء، من بديهيات الدراسة أن الدراسة تحتاج إلى جهد.

﴿أَلَمْ﴾ الاستفهام مع حرف النفي "لم" يعنِي الاستنكار، ومعنى الاستنكار أن وسائل العلم قدمت لك، والواجب أن تعلمها، لكنك لم تعلمها فالخطأ خطؤك.

﴿  اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً(14)  ﴾

[  سورة الإسراء ]

 بتعبير آخر، لماذا لا تعلم وكان ينبغي أن تعلم؟ هل هناك من علم يفوق أن تعرف سبب سلامتك وسعادتك؟ هل من علم يفوق أن تعلم ماذا بعد الموت؟ أين كنت قبل أن تولد؟ عندنا من أين؟ وإلى أين؟ ولماذا؟ هناك قضايا فلسفية خطيرة جداً، أنت حينما تعلم علم اليقين أنك مخلوق لجنة عرضها السموات والأرض، حينما تعلم أنك مخلوق، تأتي الحركة موافقة لهذا الهدف.

 طالب ذهب إلى باريس فسأل إلى أين أذهب؟ أقول له: عجباً لهذا السؤال! لماذا جئت إلى هنا؟ إن جئت طالب علم فاذهب إلى السوربون، إن جئت سائحاً إلى برج إيفل، إن جئت تاجراً اذهب إلى الأسواق والشركات، فالحركة لا تصح إلا إذا عرفت السبب، ألم تعلم؟ وسائل العلم قُدِّمت لك، والواجب أن تعلمها، والذي وقع أنك لم تعلم، فهذا خطأ كبير يتحمل الإنسان نتائجه الخطيرة. 


الحد في الإسلام :


 إخواننا الكرام، ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ﴾ ما معنى يحادد؟ كلمة يحادد جاءت من الحد، وكان الناس يضعون بين أراضيهم حدوداً، أحياناً قطعة حديد، أحياناً حجر، أحياناً شريط شائك هذا اسمه حد، يعني هذه أرضي، وهذه أرضك، يعني وضع حداً فصل بين أرضه وأرض غيره، الآن ما هو الحد في الإسلام؟ عندنا حد يفصل بين كسب الحلال والحرام، الربا حرام، لأن أساس الربا أن المال يلد المال، فصار المال سلعة، نحن عندنا سلعة وعندنا مال، السلعة يُنتفَع بها مباشرة، رغيف الخبز تأكله أما الليرة فلا تؤكل، ينتفع بها بطريقة غير مباشرة، فهذا ثمن، فحينما جعلنا الثمن سلعة وتاجرنا بها هذا هو الربا، والربا إذا قبلناه كدخل فهذا الربا يجعل الأموال الكثيرة بأيدٍ قليلة، مشكلة البشر كلها المشكلة الكبرى في البشر أن قلة قليلة تملك كل شيء، وأن الكثرة الكثيرة لا تملك شيئاً، هذه المشكلة، هذا التفاوت الكبير في الدخل، إنسان يملك مليوناً ومليون لا يملكون واحداً، هذا وراء الثورات، وراء العنف، وراء التطرف، وراء الإرهاب، اجعل هذا التفاوت الكبير، الحقيقة الخطيرة في الدنيا أن تسعين بالمئة من ثروات الأرض يملكها عشرة بالمئة من سكانها، دول الشمال والجنوب، فهناك غنى مفرط، وفقر مُدقِع، هذا وراء الثورات والحروب وما شاكل ذلك.

 لذلك: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ﴾ أي جعل حداً بينه وبين الحق، يجب أن تكون مع الحق، أن تكون وفق الحق، أن تكون مسايراً للحق، لا أن تكون في جهة والحق في جهة، حادد جعل حداً بينه وبين الحق. 


المعية في الإسلام لها معنيان؛ معية خاصة ومعية عامة :


 لذلك أيها الإخوة، المعية في الإسلام لها معنيان، معية خاصة، ومعية عامة، فإذا قال الله -عز وجل-:

﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۚ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4) ﴾

[ سورة الحديد   ]

قال علماء التفسير: هذه معية العلم، والله معك يعلم ماذا تفعل، نائم، مضطجع، تتكلم كلاماً صحيحاً، تتكلم كلاماً غير صحيح، تمارس عملاً خاطئاً أم صواباً، الله معك، والإنسان كما قيل: أفضل إيمان المرء أن يعلم أن الله معه حيث كان، فإذا كان الله معك وهو معك لكن هل تشعر أنه معك؟ إذا شعرت أن الله معك يستحيل أن تعصيه.

﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ﴾ الله معك، لا سمح الله ولا قدر إنسان يكذب على من يشتري بضاعته، يعطيها صفة غير صحيحة، من مصدر غير صحيح، فأنت حينما تكذب الله معك، ألا تستحي من الله؟

(( استحيوا من الله حق الحياء  ))

[ أخرجه الحاكم عن عبد الله بن مسعود وفي سنده ضعف ]

 أحد أنواع الحياء أن تستحي أن تعصيه. 


من يقرأ القرآن ينبغي أن يقرأه قراءة متأنية :


 طبعاً: ﴿يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ يحادد الله في قرآنه، الله أمرك بالاستقامة:

﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) ﴾

[  سورة هود ]

 أنت لم تستقم، أمرك بالعدل والإحسان، وممكن للإنسان إذا قرأ القرآن أن يستنبط الأوامر الإلهية، هذا كتاب خالق الأكوان، كتاب الإنسان، كتاب سعادة الإنسان، فأنت حينما تقرأ القرآن ينبغي أن تقرأه قراءة متأنية.

 أخ حدثني كلما قرأ أمراً يضع تحته خطاً، عمل مصحفاً لوحده، لقراءته الخاصة، خط بالأخضر، وكلما قرأ نهياً وضع خطاً بالأحمر، فإذا فتح المصحف هذه الأوامر، وهذه النواهي، أحياناً هناك قصص فيها موعظة كبيرة جداً، الله -عز وجل- ما أرادنا أن نقرأ القرآن قراءة سريعة، أرادنا أن نتدبره، والتدبر شيء دقيق جداً. 


آيات الله في الكون :


 الله له آيات ثلاثة، آيات كونية، وآيات تكوينية، وآيات قرآنية، الآيات الكونية خلقه:

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ (190) ﴾

[  سورة آل عمران  ]

 والآيات التكوينية أفعاله، والآيات القرآنية كلامه، أنت بين آيات كونية، وتكوينية، وقرآنية، وهذه الآيات طرق سالكة إليه، تعرفه من آياته الكونية، والتكوينية، والقرآنية، فهذا الكون لماذا نصبه الله -عز وجل-؟ من أجل أن تعرفه، الله -عز وجل-:

﴿ لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ۖ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103) ﴾

[  سورة الأنعام  ]

 لكن جعل لك هذا الكون ليكون هذا الكون مظهراً لأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى، الآن الله -عز وجل- له أفعال، أحياناً يأتي زلزال لأمة باغية طاغية، هناك وضوح تام، أحياناً هناك أشياء واضحة تماماً، أحياناً تكون غير واضحة لحكمة بالغة، فأنت حينما تتأمل بكلامه تدبراً، وتنظر إلى أفعاله تبصراً، وتفكر في آياته الكونية معرفة، فقد حققت الهدف من هذا الكون، هناك آيات كونية، وآيات تكوينية، وآيات قرآنية، هذه الآيات طريقك إليه وإلى معرفته. 


أحد أسباب سعادة المؤمن أن معه توجيهات من عند الخالق :


 فهنا لعلك تعلم أن الذي يحادد الله ورسوله ما مصيره من خلال الأحداث؟ وما مصيره من خلال القرآن؟ بالقرآن ذكر لك مصيره.

 لذلك لماذا كان الصحابة إذا قرؤوا آية وقد تحقق الوعد والوعيد هذا التحقق يسعد الإنسان،

﴿ بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39)﴾

[  سورة يونس  ]

 قال بعض العلماء: تأويل القرآن أن ترى الوعد والوعيد محققاً، أنت مثلاً ترى إنساناً يغش الناس في البيع والشراء، يأكل مالاً حراماً، ويزداد غنى، تتابع أمره فإذا بضربة قاصمة من الله، هذه الضربة تزيد في إيمانك، أنا أقول: مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن تطيعه وتخسر، ومستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن تعصيه وتربح، هذا يقين، فالمؤمن أحد أسباب سعادته أن معه توجيهات من عند الخالق، ما من داعٍ لأن يدفع الثمن هو، أما غير المؤمن فيأكل مالاً حراماً، فيتدمر ماله كله، يشقى بدماره، عليه ديون، تُذَل نفسه، يكتشف بعد فوات الأوان أن ماله حرام، المؤمن له وضع آخر، وضع سليم، قرأ كلام خالق الأكوان، وفيه نهي عن أكل المال الحرام فتركه، ما من داع أن يتدمر حتى يتعظ، لذلك دائماً المؤمن الموفق يتعظ بغيره، بينما الشقي يتعظ بنفسه، وأحياناً تكون الموعظة بعد فوات الأوان.

 مثلاً: إنسان رأى شيئاً يشبه قنبلة، قنبلة، ليست قنبلة؟ صح؟ غلط؟ أراد أن يمتحنها فانفجرت و أزهقت روحه، فلم ينتفع بهذا الدرس، هناك معاصٍ تدمرك نهائياً، لا يبقى بحياتك وقت تستمتع بهذه التجربة، وهناك معاص لها عقاب محدود، يأتي العقاب تخاف فلا تعيد هذا الشيء الذي فعلته، هذا ممكن، لكن هناك معاص كبيرة جداً، مُهلِكة، فتنتهي سعادتك في الدنيا. 


من لبَّ حاجات عقله و جسمه و قلبه فقد تفوق :


 إذاً الآية التي أتمنى أن تكون واضحةً هي: ألم يعلم؟ ينبغي أن تعلم، أنت عندك حاجة عليا، و حاجات دنيا يمكن أن نسميها كذلك، أنت بحاجة للطعام والشراب حاجة دنيا، بحاجة إلى زوجة حاجة دنيا، لكن هناك حاجة عليا أن تعرف الحقيقة، برأسك عقل، والعقل غذاؤه العلم، فأنت حينما تلبي الحاجة العليا، مثلاً: أنت حينما تأتي إلى مسجد كي تستمع إلى درس علم أنت بهذا المجيء تلبي الحاجة العليا بالإنسان، وأنت إنسان لأنك عقل يدرك، وقلب يحب، وجسم يتحرك، العقل غذاؤه العلم، والقلب غذاؤه الحب، والجسم غذاؤه الطعام والشراب، إن لبّيت حاجة عقلك وقلبك وجسمك معاً تفوقت، أما إذا اكتفيت بواحدة منهما فتطرفت.

 فلذلك المؤمن يلبي حاجة عقله له مجلس علم، يتابع العلم، من أنا؟ أين كنت قبل أن آتي إلى الدنيا؟ ماذا بعد الموت؟ ما أسباب دخول الجنة؟ ما أسباب دخول النار؟ ما الحلال والحرام؟ تاجر، أحكام البيوع مهمة جداً، عندنا محام، طبيب، هذا يحتاج لأحكام خاصة بهاتين المهنتين يسمونها جُعَالة، الجُعَالة غير الإنجاز، هناك فرق بينهما، على كلٍّ ألم يعلم، ينبغي أن تعلم.


على الإنسان أن يكون ضمن الحق فإن كان هناك حدّ بينه و بين الحق فهناك مشكلة :


 شيء آخر: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ﴾ أنت ضمن الحق، أم هناك حدّ بينك وبينه؟ أي دخلك في وادٍ والمنهج في وادٍ آخر، علاقتك مع النساء في وادٍ والمنهج الصحيح في وادٍ آخر، فهذه مشكلة، هناك إنسان يتحرك وفق شهواته، هناك حرام بكسب المال، حرام بإنفاقه، حرام بعلاقته مع النساء، حرام بلقاءاته، حرام بسفره، يتحرك حركة بدافع شهواته، هذا جعل نفسه في حيز آخر غير الحق، لم يكن هناك حد، الحد يجعلك في حيز آخر، هذا معنى ﴿يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ طبعاً وحيثما جاءت كلمة الله ورسوله لها معنى دقيق، الله -عز وجل- هو الخالق، هذا الكون يدل عليه، وهذه الأفعال، زلزال أحياناً، فيضان، الحروب أيضاً تدل عليه، هذه أفعاله، وأحياناً كلامه، أن تعرف الله، وأن تعرف أمره ونهيه، هذا شيء مهم جداً، أما رسوله فهذا المنهج، القرآن كتاب من فسره بالحقيقة؟ رسول الله، لكن ما قال لنا تفسيراً، قال لنا: سنة، فالكتاب فيه كليات، والسنة فيها تفصيلات، أنت إن أردت أن تفهم ما في الكتاب ينبغي أن تقرأ السنة.

(( إن تَمسَّكْتُمْ به لن تَضِلُّوا بعدي  ))

[ أخرجه الترمذي عن زيد بن أرقم ]


بطولة الإنسان أن يعيش المستقبل :


﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ النتيجة خطيرة جداً، ﴿فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ﴾ هذه النار ورد في بعض الآثار النبوية:

(( إن العار ليلزم المرء يوم القيامة حتى يقول يا رب لإرسالك بي إلى النار أيسر علي مما ألقى وإنه ليعلم ما فيها من شدة العذاب  ))

[ أخرجه الحاكم عن جابر بن عبد الله وفي سنده ضعف ]

 دائماً وأبداً الإنسان يعيش واقعه وماضيه، يقول لك: كنت محامياً، كنت تاجراً بعد ذلك تركت التجارة، كنت موظفاً ثم تقاعدت، يتكلم عن ماضيه وعن واقعه، قلّما تجد إنساناً يفكر في مستقبله، بما سيكون، وأخطر شيء بالمستقبل مغادرة الدنيا، نحن الموت نؤمن به لكن لا نعرف حجمه، حجمه من بيت إلى قبر، هناك بيت أربعمئة متر، بيت ثمنه يقدر بمئة وخمسين مليوناً بعده قبر، من صالونات، غرف ضيوف، غرف طعام، غرف جلوس، أجهزة كهربائية، إطلالة جميلة، إلى قبر، ماذا في القبر؟ فالبطولة أن تفكر فيما سيكون لا فيما هو كائن.

 أقول لك هذه الكلمة: أدق ما في حياة المؤمن أنه يعيش المستقبل، مرة سألوا طالباً أخذ الدرجة الأولى على القطر بالشهادة الثانوية، فأجروا معه لقاء صحفياً، أنا قرأت هذا اللقاء أعجبتني إجابته، قيل له: ما سبب هذا التفوق؟ قال: لأن لحظة الامتحان لم تغادر مخيلتي ولا ثانية.

 والمؤمن الصادق ساعة وفاته مغادرته للدنيا ماثلة بين عينيه، هذا العمل يرضي الله -عز وجل-، لو أن الله سألني لماذا فعلت هذا؟ لماذا قطعت هذه العلاقة؟ لماذا وصلت هذا الإنسان؟ إنسان منحرف، لماذا وصلته؟ لماذا أخذت هذا المال؟ لماذا اخترت هذه الحرفة؟ لماذا التقيت بهذا اللقاء؟ هل معك جواب؟ البطولة أن تهيئ جواباً لله -عز وجل- عن كل شيء تفعله. 


الله عز وجل مع المؤمنين بالحفظ و الرعاية و التوفيق :


 الذي ينبغي أن يقول إن معية الله -عز وجل- معية علم، لكن إذا قال الله -عز وجل-:

﴿ إِن تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ ۖ وَإِن تَنتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَإِن تَعُودُوا نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19) ﴾

[ سورة الأنفال ]

 قال علماء التفسير: هذه معية خاصة، المعية الخاصة رائعة جداً، أي معهم يوفقهم، ومعهم يحفظهم، ومعهم ينصرهم، ومعهم يرشدهم، ومعهم بالتوفيق، والحفظ، والرعاية، والإكرام، إذا كان الله معك فمن عليك؟

كن مع الله ترَ الله مـعك  واترك الكل وحاذر طمعك

وإذا أعطـاك من يمعنـه  ثم من يعطي إذا ما منعك؟

[ عبد الغني النابلسي ]

على المؤمن ألا يجعل بينه وبين الحق شيئاً :


 أيها الإخوة، يحادد أي يعادي، عمل حدّاً، أنت هنا وأنا هنا، وسوف نختصم، معنى يحادد أي يشاقق، أي أنت في شِق وأنا في شِق، معنى يحادد أي يحارب، أنت دائماً الدين بمكان وأنت بمكان، أنت بمكان والحق بمكان، أنت بمكان والفضيلة بمكان، أنت بمكان والصواب بمكان، أم أنت مع الصواب، ومع الحق، ومع الفضيلة، ومع الدين، هذا معنى:

﴿ وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115) ﴾

[  سورة النساء  ]

 جعل حداً بين شقين، شق الحق، وشق الباطل، هو مع الباطل، والصواب المؤمن لا يجعل بينه وبين الحق شيئاً، هو مع الحق، وفي الحق، وهناك إنسان يستخدم سلاحه ليجبر الناس على الباطل، هذا أصعب، عندنا ضال، وعندنا ضال مضل، وعندنا فاسد، وعندنا فاسد ومفسد. 

للكافر شقاء في الدنيا و جهنم في الآخرة :

﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّم﴾ طبعاً نار جهنم في الآخرة، وفي الدنيا هناك شقاء، بعض معاني الآيات:

﴿  وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ(46)  ﴾

[  سورة الرحمن ]

 قال بعض علماء التفسير: جنة في الدنيا وجنة في الآخرة، بل قال بعضهم: بل يقاس على ذلك أن هناك جهنم في الآخرة وجهنم في الدنيا، لأنه:

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ (124)  ﴾

[ سورة طه ]

هذه جهنم في الدنيا، هناك قلق، وقهر، وطمع، وشعور أنه مقهور، أحياناً هناك شعور أنه ما أخذ حقه، هذه المشاعر النفسية مؤلمة جداً.  

 علامة المؤمن أنه قوي الشخصية متفائل سعيد:


 الحقيقة السعادة النفسية- أنا أقول كلمة- أنت عقل يدرك، وقلب يحب، وجسم يتحرك، إذا غذيت عقلك بالعلم، وقلبك بالحب تفوقت، كنت أسعد الناس، فأنت حينما تكتشف حقيقة الإيمان، والله أنا أقول هذه الكلمة وأرجو أن تكون دقيقة: إن لم تقل ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني ففي إيمانك مشكلة، يجب أن تقول -كلام علمي ودقيق-، ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني، فأنت عندما تكون مؤمناً أي أنت سعيد، أنت متوازن، قوي الشخصية، متفائل، موفق، لك عمل صالح ترقى به عند الله، لك صلة بالله، تشعر أنت بالتعبير الدارج غال على الله، هذه علامة المؤمن، أما أنت واحد من الخلق لا شأن لك عند الله، هذه مشكلة كبيرة، ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ .


الخسارة الحقيقية هي خسارة الآخرة :


 لماذا لا تكن ولياً لله ورسوله؟ الفرق كبير جداً، هو موقف، أن توالي الحق، أنت مع الحق، مع المؤمنين، مع الصدق، مع العدل، مع الإنصاف، مع الإحسان، الحق طبعاً كلمة ولها تفاصيل، أنت مع القرآن، إذا هناك آية قرآنية:

﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا (36) ﴾

[  سورة الأحزاب ]

 مستحيل، ﴿فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ﴾ ما هي جهنم؟ هي موضوع الأبد، ما هو الأبد؟ أتمنى أن أقدم شيئاً للتقريب: واحد هنا وأصفار إلى آخر الطاولة، أول ثلاثة أصفار ألف، ثاني ثلاثة مليون، الثلاثة الثالثة ألف مليون، الثلاثة الرابعة مليون مليون، لآخر الطاولة لا أعرف كم مليار، لنهاية المسجد، من هذا البلد إلى القطب، كله أصفار، وكل ميلي صفر، واحد بالأرض وأصفار إلى الشمس، مئة و ستة و خمسون مليون كيلو متر كم أصفاراً كم هذا الرقم؟.

 إخواننا الكرام، أي أخ كريم عنده إلمام بالرياضيات يعرف أن أكبر رقم في الكون إذا نُسب للانهاية فهو صفر، والآخرة لا نهاية، الدنيا لو عشت مليون سنة، لو كنت أغنى أغنياء الأرض، لو عندك مليون امرأة، أغنى أغنياء الأرض إذا نُسِبت قدرته على المال إلى الآخرة فهي صفر، لذلك:

﴿ فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ ۗ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15) ﴾

[  سورة الشورى ]

 هذه الخسارة الحقيقية خسرت الآخرة، لذلك النجاح مسعد، والخسارة مؤلمة، وفي بعض الآثار النبوية: (إن العار ليلزم المرء يوم القيامة حتى يقول يا رب لإرسالك بي إلى النار أيسر علي مما ألقى وأنه ليعلم ما فيها من شدة العذاب) إحساس الندم إحساس مؤلم جداً، ساحق. 


من قابل نعم الله بالجحود و الكفر فهو أشقى الناس :


 إذاً: ﴿مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ﴾ .

﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا﴾ أنت تصدق جامعة تعطيك دكتوراه من دون فحص؟ هل هناك جامعة تقدم لها طلباً: أرجو منحي شهادة دكتوراه فتأخذها؟ هناك دراسة ثلاث وعشرين سنة، وأطروحات، وامتحانات كتابية وشفوية، فأنت تصدق إنساناً مخلوقاً للجنة لا يوجد عنده امتحانات؟

فإذا شخص حادد الله ورسوله ﴿فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ﴾ أما الإنسان يوم القيامة يكشف الله له لماذا خلقه، خلقه ليسعده، أعطاه سمعاً وبصراً، وأعطاه عقلاً، وأعطاه إدراكاً، وأعطاه جسماً، وأعطاه زوجة وأولاداً، وأعطاه حرفة أتقنها، جاءه منها دخل كبير، وقابل هذه النعم بالكفر والجحود، وبنى مجده على أنقاض الآخرين، بنى حياته على شقائهم، بنى حياته على موتهم، بنى عزه على ذلهم، بنى سعادته على شقائهم، معقول؟ هذا الخالق ألا يسألك؟ الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله، فإنسان يحادد الله ورسوله؟ معقول الذي خلقك تحاربه؟ الذي خلقك تعصيه؟ لا تعبأ بدينه؟ ولا بمنهجه؟ ولا بوعده؟ ولا بوعيده؟ ولا بما عنده من خيرات؟ هذا من أشقى الناس. 


البشر على اختلاف مللهم ونحلهم صنفان لا ثالث لهما :


 والله لا أبالغ قال تعالى:

﴿  وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى(1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى(2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى(3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى(4) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى(5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى(6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى(7)  ﴾

[  سورة الليل ]

 ماذا فعل؟ أيقن أنه مخلوق للجنة، بعد هذا اليقين اتقى أن يعصي الله، وبعد هذه التقوى بنى حياته على العطاء، صدق بالحسنى، اتقى أن يعصيه، بنى حياته على العطاء، الآن الله -عز وجل- الرد الإلهي: ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ زواجه ميسر، صحته ميسرة، دخله ميسر، سعادته ميسرة.

﴿  وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى(8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى(9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى(10)  ﴾

[  سورة الليل ]

 أولاً ما عرف الله، غفل عنه، الدليل: تفلت من منهجه، وبنى حياته على الأخذ لا على العطاء، هذه صفات جامعة مانعة، البشر على اختلاف مللهم، ونِحَلهم، وانتماءاتهم، وأعراقهم، وأنسابهم، وطوائفهم، هم صنفان لا ثالث لهما، ﴿أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾ ﴿بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى﴾ فهذا الإنسان الثاني الذي ﴿يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ﴾ وهناك جهنم في الدنيا قياساً على ذلك، الآية التي قالت: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً﴾ .

 سأل إنسان عالماً كبيراً: ما بال الأقوياء والملوك؟ قال: ضيق القلب، معيشة الضنك لا تكون أحياناً بقلة المال، المال وفير، تكون أحياناً بالشعور بالضياع، والإنسان يسعد بقلبه، قد تجد مؤمناً متواضعاً جداً، دخله محدود، وبيته متواضع، أسعد الناس بالبلدة كلها، قد تجد إنساناً بأرقى مكان، بأعلى مرتبة، وهو شقي، فالشقاء لا يأتي من منصب، ولا يأتي من ثروة، يأتي من أن تكون مع الله، كن مع الله ترَ الله معك. 


أعظم نعمة للمؤمن أن الله طمأنه على مستقبله :


﴿فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ﴾ دائماً، كيف أن الإنسان المحكوم بالإعدام يمكن أن يعدموه بعد ستة أشهر، كلما وضعوا المفتاح بالزنزانة يقول: جاؤوا يعدمونني، يعيش حياته كلها قبل أن يُعدَم بالإعدام، يُعدَم مليون مرة قبل أن يعدم، والإنسان إذا كان بعيداً عن الله، حتى في الدنيا قلق، يخاف من مرض عضال، أعظم نعمة للإنسان أن الله طمأنه على مستقبله، والدليل قوله تعالى:

﴿ قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51) ﴾

[  سورة التوبة  ]

 ما قال علينا، قال: لنا.

 أتمنى على الإخوة الكرام المؤمنين إذا الله -عز وجل- طمأنك أن تقبل هذا الاطمئنان، تقول: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا﴾ لم يقل علينا، إن شئت من الطبيعي جداً إنك إذا استقمت على أمر الله لك عند الله في الدنيا سعادة، والدنيا فيها جنة، جنة القرب من الله -عز وجل-، يقابلها في نار جهنم أيضاً في الدنيا شقاء، مستحيل أن تكون منقطعاً عن الله وأنت سعيد أبداً، وألف ألف ألف مستحيل ولو كنت قوياً أو غنياً. 


من تعرف إلى الله استقام على أمره و انصاع له :


﴿خَالِداً فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ﴾ هذا الخزي، الذي خلقك، الذي أعطاك الحياة، أعطاك الزوجة والولد، أعطاك القدرات، أعطاك العقل، أعطاك السمع، والبصر، أعطاك كل خصائصك، نسيته وكنت عبداً لغيره؟! أنا أقول دائماً: إما أن تكون عبداً لله وإما أن تكون عبداً لعبد لئيم.

﴿فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ﴾ إذا قال لك طفل: أنا معي مبلغ عظيم، طفل عمره أربع سنوات، عقب عيد الأضحى قال لك: أنا معي مبلغ عظيم، نقدره بألف ليرة مثلاً، أما إذا قال لك مسؤول بالبنتاغون: أعددنا لهذه الحرب مبلغاً عظيماً، أي مئتا مليار، نفس الكلمة قالها طفل قدرتها بمئتي ليرة، قالها إنسان بمنصب رفيع بدولة عظمى قدرتها بمئتي مليار، فإذا قال ملك الملوك عذاب عظيم، ما هذا العذاب العظيم؟.

 أنا أقول هناك شاهد آخر طبعاً:

﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ ۖ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ ۚ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113) ﴾

[  سورة النساء ]

 العظيم قال لك: هذا الفضل عظيم، لذلك بحسب الآية أعظم شيء أن تعرف الله، إنك إن عرفته عرفت كل شيء، إن عرفته كان بيدك سبل سعادتك وشقائك، كان بيدك المستقبل الرائع في الجنة، فلذلك الخير كله في طاعة الله، الخير والتوفيق، الرحمة من طاعة الله، الذي أتمنى أن يكون واضحاً جداً أن هناك حالتين شقاء وسعادة، الشقاء بمعصية الله، والسعادة بطاعته: ﴿لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ﴾ .

والحمد لله رب العالمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور