وضع داكن
25-04-2024
Logo
الدرس : 07 - سورة فصلت - تفسير الآية 36 الشَّيطان له مداخِل كثيرة على الإنسان.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيُّها الإخوة الكرام، الآية السادسة والثلاثون من سورة فصِّلت، وهي قوله تعالى:

 

﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36)﴾

 

[ سورة فصلت ]

 أوَّلاً: الشَّيطان موجود وقد أخبرنا الله به، والشَّيطان يُوَسْوِس، والشيطان يأمر بالمنكر والفحشاء ويوقِعُ العداوَة والبغضاء بين المؤمنين، والشيطان يُخَوِّف، ويَعِدُ بالبُخْل وهو بصِفَة عامَّة عدوّ مبين، وهذا قرآن كريم، ومُعظَمُ الناس لا يُدخِلون هذا في حِساباتهم، فالإنسان أحيانًا يتحرَّك لإيذاء الناس، وهو لا يشْعر أنَّ الشيطان هو الذي يدْفعُهُ، وأحيانًا يُزَيِّن للناس المعاصي وهم لا يشعرون وأحيانًا يوقِعُ بين المرأة وزوجها، وهما لا يشعران أنَّه من الشَّيطان !
الشيطان كما قال عنه الله تعالى:

 

﴿ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ(17)﴾

 

[ سورة الأعراف ]

 فالشَّيطان له مداخِل كثيرة، فقد يأتي من بين يَدَيْك، يقول لك: الدِّين شيءٌ قديم لا يتناسب مع هذا العصْر ؛ الذي هو عصر العلْم وعصْر التَّقدُّم، إلخ... يُريكَ أنَّ الدين شيء قديم لا يصلح لهذا الزَّمان ؛ هذا مِن بين أيديهم ومن خلفهم، يقول لك: الآباء والأجداد، والتقاليد والعادات والتُّراث، فإذا تناقض التراث مع الدِّين تمسَّك بالتُّراث، وإذا تناقضت العادات والتقاليد مع الدِّين تمسَّك بالتقاليد.
 وعن أيمانهم، من باب الوَسْوسة، يقول لك: أنت مكتوب عليك أنَّك من أهل النار قبل أن تُخْلق، فلماذا العمل ؟! ويقول لك: صلاتك لم تصِحّ فالفاتحة فيها أربعة عشرة شدَّة، وأنت لم تأت بها !! وأتن آكل ثوم فلا تذهب الجامع اليوم، يأتيك من باب الوسوسة في العبادات والعقائِد.
وعن شمائلهم، يقول لك: إلى الآن لم تشْتري دشّ !! أنت خارج العصْر، يدعوك إلى المعاصي والموبقات والزِّنا، وإلى كلّ المنكرات، فالله تعالى قال:

 

﴿ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ(17)﴾

 

[ سورة الأعراف ]

 أما من فوقهم فلا يستطيع، لأنَّ من فوق الله جلَّ جلاله، ومن تحتهم العبوديَّة لله، فهناك جِهتان مُغلقتان على الشَّيطان ؛ فقو وتحت، فالشيطان لا يستطيع أن يحول بينك وبين ربِّك وإن جئتَ الله مِن باب التَّذلُّل والافتِقار ؛ فهذه الجهة آمنة، فهناك جهتان آمنتان وأربع جهات غير آمنة، إلا أنَّ الله سبحانه وتعالى أعْطاكَ سِلاحًا فتَّاكًا ولِمُجرَّد أن تستعيذ بالله احْترق الشيطان، فالشيطان كما قال بعض علماء اللُّغة من شَطَن أي ابْتَعَد عن الحق، أو مِن شاط أي احْترق، فهذا سِلاحٌ فتَّاح لا يكَلِّفُك إلا أن تقول هذه الكلمة، ولكنّ المُحَقَّق أنَّ هذه الاستعاذة لا تُجدي ولا تنْفع ما لم تكُن حاضِرة القلب، فإن لم تكن خاشِعًا، وإن لم تَكن مُخْلصًا فهذه الاستعاذة لا تنْفع، لذلك بهذه الآية تُلغي مليون عمل مُشَعوِذ ودجال، والله عز وجل في كتابه الكريم قال:

 

﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36)﴾

 

[ سورة فصلت ]

 هذا هو السِّلاح القرآني، والشيطان مع انَّهُ يريدُ أن يغْويَ بني آدَم ويريد أن يأتيهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن يمينهم وشمائلهم إلا أنَّ الشيطان يُوظَّف لخير المُطْلق من دون أن يريدُ ولا يشْعر، فهو يأتي لِهذا الإنسان فيُلقي فيه بعض الوساوِس فيفْزَع إلى الإيمان، ويسأل ويتعلَّم، ومن خِلال هذه الوَسْوسة التي أثارَتْهُ يزْدادُ إيمانًا، ويزْدادُ علمًا، فالإنسان أحيانًا يكون عاق لِوالِدَيه، فيأتي إنسان سفيه يسُبُّ أباهُ سُبابًا فاحِشًا ! فيسْتثيرُ أعمق ما فيه، فيَغْدو بارًّا لِوالِدَيه، فالشيطان يريد الإغْواء ولكنَّ الله سبحانه وتعالى يُوظِّف هذا الإغْواء لِصالِحِ المؤمن، ومع الفاسِق لِصَالح الفاسق، شَهْوة مُسْتحكِمَة حجابٌ بينه وبين الله، فيأتي الشَّيطان فيُزَيِّنُها له قال تعالى:

 

﴿ تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمْ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(63)﴾

 

[ سورة النحل ]

 هذا التَّزيين حَمَلَهُ على أن يفْعَلَها فإذا فعَلَها جاء العِقاب التأديبي فَشُفِيَ منها وكان تزْيين الشيطان له سب توْبَتِهِ، والله عز وجل كلُّه خير، وبيَدِهِ الخَير، فحتَّى الشيطان الذي يبْدو لكم مُغْوِيًا للإنسان، فإغْواؤُهُ هذا قد يُحَو َّللِصالِحِ المؤمن، والنتيجة كما قال تعالى:

 

﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(22)﴾

 

[ سورة إبراهيم ]

 فالسلطان لا يوجد، ولكنّ الوسْوسة موجودة، والوسوسة علاجها الاسْتعاذة بالله عز وجل، فأنت مع سِلاح فتَّاك قرآني، قال تعالى:

 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ(201)﴾

 

[ سورة الأعراف ]

 وقال تعالى:

 

﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36)﴾

 

[ سورة فصلت ]

 وقال تعالى:

 

﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ(1)مَلِكِ النَّاسِ(2)إِلَهِ النَّاسِ(3)مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ(4)الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ(5)مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ(6)﴾

 

[ سورة الناس ]

 سمَّاه الله خنَّاسًا لأنَّه لِمُجرَّد أن تسْتعيذ بالله عز وجل يهْرب ويخْنس، ويبْتعِد، ويحْترق.
فالآية الكريمة:

 

﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36)﴾

 

[ سورة فصلت ]

 والله معك دائِمًا حاضِر وناظر، لذلك قال تعالى:

 

﴿ قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى(45)﴾

 

[ سورة طه ]

 أيها الإخوة الكرام، هناك بالإسلام مليون مليون مَقولة غير صحيحة فَمِقياسُنا نحن هذا الكاتب الذي هو كلام الله، ووَحْيُ السماء، والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فأيُّ قصَّة أو تصرُّف أو أسلوب غير قرآني يجب أن تركل صاحب هذا الطَّرْح، والطَّرح نفْسه، فلا يوجد أشخاص مُختصُّون بإخراج الشيطان من بني آدم ! نحن عندنا اسْتِعاذة بالله وكلَّما استعَذْت أذْهبتَ الشيطان، فالعِشرة الزَّوجيَّة التي تنتهي بالطَّلاق والزوجة صالحة ؛ هذه ساعة غضب، وساعة غفْلة، فالإنسان إذا دخَلَ البيت وسلَّم خنس الشيطان،

 

(( فعن عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ لَا مَبِيتَ لَكُمْ وَلَا عَشَاءَ وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ))

 

[ رواه مسلم ]

 فالبيوت الآن خُصومات وضرب، وتخبيط أبواب، وبعدها الطلاق !! هذا البيت فيه شَيطان ؛ لأنَّه لو كان هناك ذِكْرٌ للرحمن لما كان هذا البيت بِهذه الحالة وأدقُّ كلامٍ أنَّه يُخَوِّفك من الإنفاق، ويقول لك: خبئ قرْشَكَ الأبيَض لِيوْمِكَ الأسْوَد !! يأتي مشروع خيري فيُخَوِّفُكَ، قال تعالى:

 

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(261)﴾

 

[ سورة البقرة ]

 والإنسان يُطعِم اللُّقْمة فيراها مثل جبل أُحد، قال تعالى:

 

﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(268)﴾

 

[ سورة البقرة ]

 فهو يوقِع العداوة والبغضاء، ففي الحي تجد فرَق كثيرة، بل في الأسرة الواحدة تفرُّق عداء ونميمة وحِقد ومحاكِم ودعاوَى ؛ هذا كُلُّه من عمل الشَّيطان لأنَّهم ما اسْتعاذوا منه، وجوُّهم شيطاني وليس رحماني، والدليل آثار هذه الخصومات، والخلافات الزَّوجيَّة، فهو يدْعوك للحرام، وللاختِلاط ويُكرِّه لك زوْجتك، ويُزيِّن لك زوْجة أخيك ! ويدعوك للسَّفر المحرَّم، فالشيطان يَعِدُك بالفقْر، ويوقِعُ العداوَة والبغضاء، ويُخَوِّفنا، ويُثبِّطُ عزائِمَنا، ويدْعونا إلى الكفر، قال تعالى

 

﴿ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ(17)﴾

 

[ سورة الأعراف ]

 وعلاجُهُ أن تسْتعيذ بالله منه، لذلك أكْثِر نم ذِكْر الله، وبرئ نم النِّفاق من أكثر من ذِكْر الله، وبرئ من الكِبر مَن حمَلَ حاجَتَهُ بِيَدِهِ، وبرئ من البخل مَن أدَّى زكاة ماله.

تحميل النص

إخفاء الصور