وضع داكن
28-03-2024
Logo
الموضوعات الأدبية - درس تلفزيوني : 13 - فن المقالة .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 إخوتي الطلاب أسعدتم مساء، وأهلا بكم و مرحبا.
 ليس الإنسان جسما بعضه القلب، ولكنه قلب غلافه الجسم، لقد قالوا: المرء بأصغريه ؛ قلبه و لسانه، و لكنهم بقولهم رفعوا من شأن اللسان إذا قرنوه بالقلب، ووضعوا من قيمة القلب إذا قرنوه باللسان، إن القلب ليقرأ ما رسمه الله على السماء و الأرض، و لا يسمح منها للسان إلا بالقليل القليل، القلب لا يكذب أبدا، واللسان لا يصدق إلا قليلا، ولعلك إن فتشتِ عن أعجب ما خلق الله في السماء و الأرض لم تجد أعجب ولا أروع ولا أدقّ ولا أجمل من قلب الإنسان، تصلح أوتاره فيفيض رحمة وشفقة و حبا وحنانا و معني لطاف، و شعورا رقيقا، حتى ليتجاوز في سموه الملائكة المقربين، و تفسد أوتاره فينضح قسوة وسوءا حتى يهوي إلى أسفل سافلين، حوى على دقته كنه العالم، فما أدقه وأجلّه، وما أصغره و أعظمه، يكبر ولا نرى كبره، فيتضاءل أمامه كل كبير، و يصغر و لا نرى صغره، فيتعاظم عليه كل صغير، اتحد شكل القلب، واختلف معانيه، فقلب كالجوهر الكريم صفا لونه، و راق ماؤه، وقلب كالصخر قوي متين، ينفع ولا يلمع، وقلب هواء خف وزنه وحال لونه، و قلب مما لا يحصيها إلا خالقها، يموت القلب ثم يحيا، ويحيا ثم يموت، ويرتفع إلى الأوج ويهبط إلى الحضيض، وبينما هو يسامي النجوم رفعة إذا به قد لامس القاع ضعة، وخير الناس من احتفظ برفعة قلبه و سموه، أليس أعظم بناة العالَم قد امتازوا بكبر القلب، و صدق الشعور، وقوة الإرادة، إن من وجد كل شيء وفقَد قلبه لم يجد شيئا، وأن من جُرد من قلبه لا يغرف صداقة، و لا يدين بوطنية، ولا يشعر بحنان، ولا ينطوي على إيمان، وهل الأدب الحق إلا ذوب القلب.
طلابنا الأعزاء، هذا مقطع قصير من مقالة عنوانها "القلب" للكاتب أحمد أمين، أردت أن أبدأ بها موضوع المقالة، ليكون متكأ وتجسيدا للأفكار النظرية التي سوف ترد فيه.
 أيا الطلاب الأعزة، المقالة في أفضل تعاريفها، فن أدبي نثري، بل هي قطعة من النثر معتدلة الطول، تعالج موضوعا ما معالجة سريعة من وجهة نظر كاتبها، التعريف واضح كالشمس، و لكنني سأقف عند نقطتين فيه، معالجة سريعة من وجهة نظر كاتبها.
أيها الطلاب الأعزة، لو كانت المعالجة متأنية، و تنطوي على حقائق جهد الكاتب في جمعها، و التحقق منها، و البرهنة على صحتها، لكان هذا العمل بحثا علميا أو أدبيا أو فنيا، لكن المقالة لا تزيد عن أن تكون تعبيرا عن تأملات أو خواطر أو مشاهدات أو تصورات تغلب عليها العفوية و السرعة، هذا معنى قولي " معالجة سريعة "، وأما كلمة " من وجهة نظر كاتبها " فتعني أن المقالة يغلب عليها الطابع الذاتي، أي أن الكاتب يرى الأشياء من خلال ذاته، و ما يعتمل فيها من مشاعر وانفعالات و نظر، لأن المقالة تدور مع الناس أينما داروا، و تلبي حاجتهم إلى المطالعة الخفيفة السريعة، فقد احتلت المقالة ولا سيما في هذا العصر الذي اختصر فيه كل شيء، احتلت مكانة مرموقة من بين الفنون الأدبية النثرية والفنون الصحفية، فكانت من أوسع الفنون الأدبية انتشارا، ومن أقلها تعقيدا، و منم أكثرها استيعابا لشتى الموضوعات.
 يا طلابنا الأحباب، قبل أن أصل إلى عناصر المقالة الفنية، أود أن ألفت النظر إلى أنه يكفي أن تجد في نفسك رغبة صادقة في التعبير عن فكرة تأملتها، أو عاطفة أحسست بها أو تصور تطمح إليه، و تمسك بالقلم و تكتب ما تريد بأسلوب صحيح، حتى تغدو من كتاب المقالة المغمورين، مع أننا نرجو أن تكون يوما ما من كتابها المشهورين.
وأود أيها الإخوة الطلاب أن ألفت النظر إلى شيء آخر، وهو أن موضوع التعبير الأدبي الذي تُكلفون كتابته في الامتحان ما هو إلا مقالة أدبية متواضعة بقلم كاتب فتي، لم يشتد عوده بعد.
والآن إلى عناصر المقالة الفنية عنصرا عنصرا.
 عناصر المادة والأسلوب والخطة، فالمادة هي مجموعة الأفكار و الآراء والحقائق و المعارف و النظريات والتأملات والتصورات و المشاهد والتجارب و الأحاسيس و المشاعر و الخبرات التي تنطوي عليها المقالة، كثرة هذه الكلمات تعني اتساع الموضوعات التي تعبر عنها المقالة.
 يا طلابنا الأعزاء، يجب أن تكون مادة المقالة مكثفة، إلى الحد الذي لا تكون قراءتها هدرا للوقت، و يجب أن تكون وافية بالغرض الذي يتوخاه الكاتب منها، في الوقت نفسه، و يجب أن تكون مادة المقالة أو أفكارها واضحة لا لبس فيها ولا غموض.
هذه الحقائق أيها الطلاب الأعزة هي عناصر مادة المقالة، و في الوقت نفسه عناصر مادة الموضوع الأدبي، أو خصائص مادة الموضوع الأدبي، ويجب أن تكون صحيحة، و معنى الصحة في المقالة أن تكون على أسس منطقية، وأن تتجنب التناقض بين المقدمات و النتائج ـ و أن يكون من الطرافة والجدة و الإمتاع حيث تبتعد عن الهزيل من الرأي والشائع من المعرفة والسوقي من الفكر، ولا تنس أيها الطالب أن من متممات المادة في المقالة الأدبية أن تتضمن شواهد أدبية، أو تاريخية تجسد الأفكار التي ذهب إليها الكاتب و تدعمها، و الشواهد كما تعرف كالملح في الطعام، إذا زادت عن حده انقلبت إلى ضده.
 و العنصر الثاني من عناصر المقالة هو الأسلوب، والأسلوب هو الصياغة اللغوية والأدبية لمادة المقالة، أو هو القالب الأدبي الذي تُصب فيه أفكارها، هذا تعريف الأسلوب، والأسلوب كما تعرفون يختلف باختلاف الكتاب، فلكل كاتب أسلوب، وطبعا اختلاف الكتاب بسبب لاختلاف ثقافتهم وأمزجتهم و تبيانهم، لذلك قال الناقد الإفرنسي باسكال: الأسلوب هو الرجل، يعني طريقة تفكير الرجل طريقة انفعاله، طريقة تخيله، طريقة تعبيره تتبدى في أسلوبه، فالأدب الصادق هو الذي يشف عن ملامح شخصية الأديب، وهذا مقياس دقيق في النقد، مدى الصلة بين خصائص النصوص وملامح شخصية الكاتب.
 أيها الطلاب الأعزة، إذا اختلف الكتّاب في أساليبهم كما قلت قبل قليل بحسب تنوع ثقافاتهم، و تباين أمزجتهم و تعدد طرائق تفكيرهم، و تفاوتهم في قدراتهم التعبيرية، و أساليبهم التصويرية فلا بد من أن يتفقوا على قاسم مشترك، وحد أدنى من الخصائص الأسلوبية، كالتي تجعل انتماء المقالة إلى الفنون الأدبية صحيحة، وإلا فما معنى أن ندرس المقالة في كتاب الأدب، وما معنى أن تكون المقالة أحد فروع الأدب إذا لم تكون هناك قرابة بين المقالة و بين خصائص الأدب فلا تسمى هذه المقالة فرعا من فروع الأدب.
الحد الأدنى كما يرى بعض النقاد في أسلوب المقالة الأدبية هو الوضوح، الوضوح لقصد الفهم، والقوم لقصد التأثير، والجمال لقصد الإمتاع، وسأوضح بعض هذه الخصائص بشكل سريع يتناسب مع طبيعة هذا الدرس ومع الوقت المخصص له.
أيها الطلاب الأعزة الوضوح والإشراق، الصفة الأولى الوضوح في التعبير يقتضي الوضوح في التفكير، فلا تعبير واضح إذا كان التركيب غامضا، و من أسس وضوح التعبير و دقته معرفة الفروق الدقيقة بين المترادفات، فكلمة " لمح" و كلمة" لاح" و كلمة "حدج"، و"بحلق"، و"حملق " وحدق" و"شخص" و"استشرف" "واستشف" و"نظر شزرا" و"رأى" و"رنا" كل هذه الكلمات من مشتقات النظر، لكن لكل كلمة معنى دقيقا وحالة خاصة من حالات النظر، فإذا لم يعرف الكاتب الفروق الدقيقة بين المترادفات فكيف يستطيع أن يستخدم الكلمة المناسبة للمعنى المناسب والحالة المناسبة، إذا عرف الكاتب الفروق الدقيقة بين المترادفات استطاع أن ينتقي الكلمة المناسبة في مكانها المناسب، والقدرة على تخير الألفاظ ركن أساسي من الأسلوب الواضح.
 شيء آخر، النقاد قالوا: وبضدها تتميز الأشياء، فمما يزيد المعنى وضوحا أن يستخدم الكاتب بعض أنواع الطباق، والطباق كما تعرفون تعاكس معنيين، فالحق و الباطل، و الخير والشر، والشح و الكرم، هذا طباق، والطباق يزيد المعاني وضوحا، و شيء آخر يسهم في توضيح المعنى و توضيح الأسلوب وهي المهارة في استعمال الصفات، فكتاب قلائل يستطيعون استخدام الصفات الدقيقة جدا لموصوفاتها، هذا عن اختيار الكلمات و المترادفات و الصفات والطباقات، وأما عن الصياغة فالدقة في صوغ العبارات ركن أساسي من أركان الأسلوب الواضح، فإذا لم يستطع الكاتب أن يصوغ عبارته صياغة دقيقة، فقد يقع في اللبس والغموض، وقد يُفهم من كلامه معانٍ لم يردها، أو أراد خلافها.
واستخدام الصور البيانية شيء لا بأس به في توضيح الأسلوب أو توضيح المعاني المجردة، يعني:

 

***
من يهن يسهلِ الهوان  عليه ما لجرح بميت إيلامُ
***

الصورة البيانية وضحت المعنى المجرد الذي أراده الشاعر.
 الصفة الثانية في الأسلوب هي القوة، و الأسلوب الواضح كما قلت قبل قليل يفضي إلى الفهم الصحيح والسريع، بينما الأسلوب القوي يفضي إلى قوة التأثير، والأسلوب الواضح قد يحدث في القارئ قناعة، ولكن الأسلوب القوي قد يحدث فيه موقفا انفعاليا، والنقّاد تلمسوا خصائص الأسلوب القوي، فقلا بعضهم: تتأتّى قوة الأسلوب من حيوية الأفكار و دقتها، ومن متانة الجمل و روعتها، وتسهم الكلمات الموحية، والعبارات الغنية و الصور الرائعة و التقديم و التأخير، و الإيجاز والإطناب، و الخبر و الإنشاء، و الفصل و الوصل، و التأكيد و الإسناد، هذه كلها إذا استخدمت في فهم صحيح، و براعة فائقة، و تمكن قدير أدت إلى قوة التأثير في القارئ، و لا تنسوا أن الأدب هو التعبير المثير عن حقائق الحياة، التعبير فقط، قد يكون النص علميا و يعبر فيه الكاتب عهن حقيقة دون أن تبلغ تأثيرا لدى القارئ أو السامع.
وأما الصفة الثالثة في الأسلوب فهي الجمال، فإذا كان الوضوح كما أسلفنا قبل قليل من أجل الفهم، و القوة من أجل التأثير، فالجمال من أجل المتعة الأدبية الخالصة، و لا تنسوا أنه لا بد في المقالة من مسحة جمالية، أو من حد أدنى من الأسلوب الأدبي حتى يصح انتماؤها إلى الأدب، و حتى تكون أحد فروعه النثرية.
 أيها الطلاب الأكارم، حينما يمتلك الكاتب الذوق الأدبي المرهف، والأذن الموسيقية، والقدرات البيانية يستطيع ساعتئذ أن يتحاشى الكلمات الخشنة، و الجمل المتناثرة، و الجرس الرتيب، و حينما يوائم بين الألفاظ و المعاني، و يستوحي من خياله الصور المعبرة، يكون أسلوبه جميلا.
 وقد تطغى - يا طلابنا الأعزاء - بعض هذه الصفات على بعضها الآخر بحسب اختلاف موضوع المقالة، ففي المقالة العلمية يطغى الوضوح على غيره، وفي المقالة الاجتماعية تطغى القوة على غيرها من الصفات، و في المقالة الأدبية تطغى المتعة على غيرها من الخصائص.
الآن إلى العنصر الثالث من عناصر المقالة، ألا وهو الخطة - بكسر الخاء - يسميها بعضهم الأسلوب الخفي.
 تعريف الخطة: الخطة هي المنهج العقلي الذي تسير عليه المقالة، فإذا اجتمعت للكاتب أفكار وآراء يريد بسطها للقراء، هذا أول عنصر، المادة، و كان له من الأسلوب ما يستطيع أن تشرق فيه معانيه، العنصر الثاني ؛ الأسلوب، فوجب على الكاتب أن يهجم على الموضوع من غير أن يهيئ خطة يدفع في سبلها أفكاره و معانيه، فالخطة تتألف من مقدمة و عرض و خاتمة، بعضهم يرى أن الكاتب الذي يكتب بلا خطة كالذي يبني بناء بلا مخطط، فكثيرا ما يخرج البناء مشوها على غير ما يشتهي البناء و يريد.
 الخطة يا طلابنا الأكارم، تتألف كما قلت قبل قليل من مقدمة و عرض و خاتمة، فالمقدمة هي المدخل إلى الموضوع، و التمهيد لعرض آراء الكاتب، ويجب أن تكون أفكار المقدمة أفكارا عامة، أي بدهية مسلما بها، لا تحتاج إلى برهان، كأن المقدمة إطار فني للمقالة، أو كأن المقدمة مجمّع لخيوط الأفكار الأساسية، أو كأن المقدمة موجز للأنباء، وسوف تأتي الأنباء بالتفصيل في عرض المقالة.
 النقاد قالوا: يجب أن تكون المقدمة شديدة الاتصال بالموضوع، طلاب كثيرون يشتطون في المقدمات فيجعلونها ضعيفة الصلة بالموضوع الأدبي، يجعلها بعضهم فلسفة، يجعلها بعضهم تاريخية، أو ما شاكل ذلك، و لكن المقدمة يجب أن تتصل اتصالا دقيقا بأفكار العرض.
أيضا يجب أن تكون موجزة، ويجب أن تكون مركزة، وفرق كبير بين الإيجاز و التركيز، فالإيجاز أن تكون قصيرة، و أما التركيز أن تكون أفكارك كثيرة في حيّز قليل، و أن تكون مشرقة، لأن المقالة التي لها بداية حسنة تكون لها نهاية حسنة.
وأما العرض فهي الفقرة الثانية في المخطط، أو في الخطة، فهي صلب الموضوع، والعرض هو الأصل في المقالة، وفيه تعرض أحكام الكاتب.
 أيها الإخوة الطلاب انتبهوا إلى هذه الصفات، لأن كل صفة تعني شيئا دقيقا، وفيه تعرض أفكار الكاتب عرضا صحيحا وافيا متوازيا مترابطا متسلسلا، و يستحسن أن يمهد الكاتب لكل فكرة، و أن يربطها بسابقتها، وأن يذكر أهميتها، و أن يشرحها، وأن يعللها، وأن يوازنها بمثيلاتها، أو شيء آخر، وأن يذكر أصلها، وتطورها، وأن يدعمها بالشواهد الأدبية والعلمية، وهذه هي طريقة المناقشة، مناقشة الفكرة ؛ ذكرها وشرحها وتعليلها وموازنتها وبيان أصلها وطعمها بالشواهد، ويفضل أن تعرض كل فكرة رئيسة، لا تقولوا: ريئسية، بل رئيسة، ويفضل أن تعرض كل فكرة رئيسة في فقرة مستقلة.
وفي الخاتمة تلخص النتائج التوصل إليها الكاتب في العرض، و يجب أن تكون الخاتمة صريحة وحازمة وموجزة تدل على اقتناع.
 يا طلابنا الأكارم، مما يتصل بالحديث عن فن المقالة الحديث عن أنواعها، و للمقالة أنواع كثيرة، فهناك أنواع للمقالة بحسب موضوعاتها، هناك أنواع للمقالة بحسب موقف الكاتب منها، هل هي موضوعية أو ذاتية، هناك أنواع للمقالة بحسب أسلوبها، هل هي علمية أو أدبية، هناك أنواع للمقالة بحسب طرائق عرضها، هناك مقالة قصصية، وتمثيلية، وهناك أنواع للمقالة بحسب وسال نقلها للجمهور، وسأشير إلى أبرز أنواع المقالة.
 فالمقالة العلمية موضوعاتها علمية، وأهدافها تبسيط الحقائق العلمية، و تيسير نقلها للجمهور، وقد حققت المقالة العلمية في هذا العصر معظم أهدافها، ومن خصائص المقالة العلمية الاهتمام بالفكرة دون الصورة، والاستعانة بالألفاظ الدقيقة الدالة، و العبارات السهلة البعيدة عن التأنق والزينة اللفظية، مع العناية بسلامة اللغة، ووضوح الفكرة، و صحة التعبير، والمقالة العلمية لا تلبس من الأدب إلا أرق ثوب، و أنواع المقالة العلمية كثيرة بعدد أنواع فروع المعرفة، ومن أبرز كتَّاب المقالة العلمية الدكتور أحمد زكي، رئيس تحرير مجلة العربي سابقا، وفؤاد صروف، نص من المقالة العلمية، يقول الدكتور أحمد زكي متحدثا عن السرعة: " إن السرعة لا يحس بها الناس أبدا وهو فيها، بغت عشرة أميال في الساعة، أو ألف ميل، أو فوق ذلك قدرا، إن الذي يحسه الناس هو تزايد السرعة، تلك التي يسميها الرياضيون اصطلاحا العجلةَ، يعني التسارع.
 والمقالة الاجتماعية، و تبحث في موضوعات اجتماعية، وتتحدث عن مشكلات الناس و طبائعهم وعاداتهم، أما إذا بحثت عن علاقات ثابتة بين الظواهر الاجتماعية اقتربت من المقالة العلمية.
تتميز المقالات الاجتماعية بسعة أفقها، ودقة الملاحظة فيها، وطابعها الإنساني، و تمتاز بوفرة الشواهد والأمثال، و شيوع النقد، وبروز النزعة الإصلاحية، أما أسلوبها فليتميز باللين و السهولة، وأبرز كتّابها أحمد أمين، وعبد العزيز البشري.
 وأما المقالة السياسية، وهي تطرق موضوعات سياسية، فإذا تتبعت الظواهر السياسية، وبحثت عن أسبابها، ورصدت نتاجها فهي إلى المقالة العلمية أقرب، أما إذا وصفت نضال شعب، وجهاد أمة فهي خطبة حماسية، ومقالة وطنية أو قومية، وقد انتشرت المقالة السياسية في هذا العصر بشكل واسع، وأعان على انتشارها وعي الجماهير، وتقدم وسال النشر والإعلام، ويمتاز أسلوب المقالة السياسية بالسرعة والقوة، ومن أبرز كتابها أحمد بهاء الدين، ولطفي الخولي، ومالك بن نبي.
المقالة الأدبية الذاتية، للمقالة الأدبية مكانة خاصة بين أنواع المقالات، لأن المقالة حينما ظهرت كانت أدبية خالصة، والمقالة الأدبية قطعة من الشعر المنثور، تشفُّ عن ذات الأديب و تعبر عن مشاعره، و تنطلق مع خياله، و ترسم ملامح شخصيته، أسلوبها أدبي محض، ففيها ما شت من عاطفة جياشة، و خيال عريض، وصور مترفة، و أسلوب رشيق، ومن أبرز كتابها مصطفى صادق الرافعي، ومي زيادة، وعبد القادر المازني.
 الخاطرة: الخاطرة مقالة قصيرة جدا، تحتمل بعض الزوايا في الصحف والمجلات، وتعتمد على أسلوب الخطف في معالجة الموضوعات، وتتميز بالطابع الإنساني الذاتي، و تشيع فيها السخرية، ولها مذاق عذب في نفس القارئ، وهي أشبه شيء بالرسم الكاريكاتوري.
أيها الطلاب الأعزة، هذه أنواع المقالة، بحسب موضوعاتها وأساليبها، وموقف الأديب منها، أما أنواعها من حيث اللبوس الفني الذي تلبسه فهناك المقالة القصصية، والمقالة التمثيلية، ومقالة الترجمة الذاتية، أو الموضوعية، ومقالة الرحلات، ومقالة الرسالة.
وأما أنواعها بحسب طرق نقلها إلى الجمهور فهناك المقالة المقروءة، أي المطبوعة، و المقالة المسموعة، أي المذاعة، والمقالة المنظورة، أي التلفزيونية، وما هذا الدرس التعليمي إلا مقالة منظورة في رأي النقاد.
في ختام هذا الدرس، أيها الطلاب الأعزة أود أن أقرأ لكم نصا للعماد الأصفهاني يتعلق بالكتاب، يقول العماد الأصفهاني: إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتابا في يومه إلا قال في غده: لو غيِّر هذا لكان أحسن، ولو زيد هذا لكان يستحسَن، ولو قُدّم هذا لكان أفضل، ولو تُرك لكلن أجمل، وهذا من أعظم العبر.
 أعزائي الطلاب، تحدثت اليوم عن تعريف المقالة، وعناصرها، وأنواعها، وفي يوم الأحد الواقع في السابع والعشرين من أيار سأتحدث إن شاء الله تعالى عن المقالة في الأدب العربي الحديث.
أرجو أن تكونوا قد أفدتم من هذا الدرس، وأتمنى لكم النجاح والتوفيق المطردين، في شتى مجالات الحياة، وإلى اللقاء الموعود، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

إخفاء الصور