- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (009)سورة التوبة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
سورة التوبة في مجملها شرح تفصيلي لأحوال فئة من الناس :
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الواحد والستين من دروس سورة التوبة، ومع الآية السادسة بعد المئة وهي قوله تعالى:
﴿ وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(106)﴾
أيها الإخوة، أذكركم أن هذه السورة (التوبة) في مجملها شرح تفصيلي لأحوال فئة ثالثة، ليست فئة مؤمنة، وليست كافرة، لكنها منافقة، فهؤلاء أرادوا أن يحوزوا على مكاسب المؤمنين، وأن يتمتعوا على وهمهم بتفلت الكافرين، هؤلاء المنافقون، هؤلاء جاء الحديث عنهم مُطوَّلاً في هذه السورة، ففي معظم الآيات يقول الله -عز وجل-: ومنهم، من يفعل كذا وكذا، ومنهم، ومنهم ومنهم، وفي آيات أخرى:
﴿
و:
﴿
فكأن هذه السورة في مجملها شرح تفصيلي لأحوال فئة من الناس، لم يقبلوا الإيمان ولكنهم أرادوا مكاسبه، ولم يكونوا مع المؤمنين، بل كانوا مع الكافرين، هؤلاء المنافقون، وقد جاء ذكرهم في آيات كثيرة إنهم:
﴿
هؤلاء يقول الله -عز وجل- عنهم:
عدم استطاعة الإنسان أن يجزم بمصيره يوم القيامة :
أيها الإخوة، معنى:
بالمناسبة الإنسان حينما يعلم علم اليقين ما سيكون ليس هذا من صفات العبودية لله -عز وجل-، مما يلفت النظر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "وأنا نبي مرسل لا أدري ما يفعل بي ولا بكم".
فالإنسان يرجو رحمة الله، يرجو الثواب، يرجو السلامة، يرجو النجاة، يرجو الجنة، أما لا يستطيع إنسان أن يجزم بمصيره يوم القيامة.
لذلك كان عليه الصلاة والسلام عند بعض أصحابه وقد توفاه الله -عز وجل-، فسمع امرأة من وراء الستار تقول: هنيئاً لك أبا السائب لقد أكرمك الله، النبي -عليه الصلاة والسلام- كما تعلمون كلامه تشريع، وسكوته تشريع- أي إقراره- وأفعاله تشريع، بل وصفاته تشريع، فلو أن النبي الكريم سمع هذه المقولة من هذه المرأة، وقد قالت: هنيئاً لك أبا السائب لقد - حرف تحقيق- لقد أكرمك الله، لو أنه سكت لكان كلامها صحيحاً، فقال لها: ومن أدراك أن الله أكرمه؟ قولي: أرجو الله أن يكرمه، وأنا نبي مرسل لا أدري ما يفعل بي ولا بكم.
(( فَطارَ لنا عُثْمانُ بنُ مَظْعُونٍ وأَنْزَلْناهُ في أبْياتِنا، فَوَجِعَ وجَعَهُ الذي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ غُسِّلَ وكُفِّنَ في أثْوابِهِ، دَخَلَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقُلتُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أبا السَّائِبِ، فَشَهادَتي عَلَيْكَ لقَدْ أكْرَمَكَ اللَّهُ، فقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: وما يُدْرِيكِ أنَّ اللَّهَ أكْرَمَهُ فَقُلتُ: بأَبِي أنْتَ يا رَسولَ اللَّهِ، فمَن يُكْرِمُهُ اللَّهُ؟ فقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أمَّا هو فَواللَّهِ لقَدْ جاءَهُ اليَقِينُ، واللَّهِ إنِّي لَأَرْجُو له الخَيْرَ، وواللَّهِ ما أدْرِي وأنا رَسولُ اللَّهِ ماذا يُفْعَلُ بي فقالَتْ: واللَّهِ لا أُزَكِّي بَعْدَهُ أحَدًا أبَدًا.. ))
أي ليس من شأن المخلوق أن يحكم على المستقبل، لكنه يرجو رحمة الله، يأمل أن يكون من أهل الجنة، أما أن يحكم حكماً جازماً قاطعاً فهذا ليس من شأن البشر.
ليس من شأن المخلوق أن يحكم على المستقبل :
لذلك دائماً وأبداً حينما يدور الحديث عن مصير إنسان أنا أتمنى أن يكون الجواب دائماً: هذا من شأن الله وحده، لا تضع نفسك موضع الحكم على الآخرين، هذا من شأن الله وحده، فالنبي الكريم لما سمع من امرأة من وراء الستار تقول عن صحابي جليل توفاه الله: هنيئاً لك أبا السائب لقد أكرمك الله، فلو أنه سكت لكان كلامها صحيحاً، قال: ومن أدراك أن الله أكرمه قولي: أرجو الله أن يكرمه، وأنا نبي مرسل لا أدري ما يُفعَل بي ولا بكم.
مما يؤكد هذه الحقيقة أن بعض الذين تخلفوا عن الجهاد، حينما جاء النبي الكريم عائداً من تبوك، واستمع إلى الذين تخلفوا عن الجهاد، استمع إليهم واحداً واحداً، وقبِل أعذارهم لحكمة بالغة، فلما جاء بعض الصحابة هم ثلاثة، كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، سيدنا كعب قال: والله يا رسول الله ما كنت في وقت من الأوقات أشد مني قوة ومالاً في الوقت الذي تخلفت عنك، فقال النبي الكريم بلفتة رائعة، قال: أما هذا فقد صدق، استمع إلى ثمانين منافقاً وقبل أعذارهم، فلما جاء كعب استحيا من الله أن يكذب عليه، قال له: كنت شديداً صحيحاً، ومعي راحلة، ومعي مال، كنت في أعلى درجات القوة والنشاط، ومع ذلك تخلفت عنك فقال النبي الكريم:
(( قلت: يا رسول الله، إني والله لو جلستُ عندَ غيرِك من أهل الدنيا لرأيتُ أني سأخرج من سخطه بعذر؛ لقد أُعْطِيتُ جَدَلًا، ولكني واللهِ لقد علمتُ لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني لَيُوشِكَنَّ اللهُ أن يُسْخِطَكَ عَلَيَّ، وإن حَدَّثْتُكَ حديث صدق تَجِدُ عَلَيَّ فيه إني لأرجو فيه عُقْبَى اللهِ - عز وجل - والله ما كان لي من عُذْرٍ، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك. قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: أما هذا فقد صدق، فَقُمْ حتى يقضي الله فيك ))
من كان صادقاً مع الله فالطريق إلى الله سالك :
لذلك الإنسان إذا كان صادقاً مع الله الطريق سالك إلى الله مباشرة، فالله -عز وجل- قال:
﴿ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(118) ﴾
أراد الله -سبحانه وتعالى- من هذه الآيات أن يبين أن الإنسان ما دام قلبه ينبض، باب التوبة مفتوح على مصاريعه، بل إن الله -سبحانه وتعالى- ما أمرنا أن نتوب إليه إلا ليتوب علينا، وما أمرنا أن نستغفره إلا ليغفر لنا، وما أمرنا أن نسأله إلا ليعطينا، إنه أرادنا أن نكون سعداء.
(( إني والإنسن والجن في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر سواي. ))
(( مَن جَاءَ بالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَأَزِيدُ، وَمَن جَاءَ بالسَّيِّئَةِ فَجَزَاؤُهُ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا أَوْ أَغْفِرُ. ))
الرحمة التي يتراحم بها البشر هي رحمة الله عز وجل :
أيها الإخوة الكرام، وقد روي أن امرأة تخبز على التنور، فكلما وضعت رغيفاً في التنور ابنها إلى جانب التنور، حملته، وضمته، وشمته، فمر نبي كريم قال: يا رب! ما هذه الرحمة؟ قال: هذه رحمتي، أودعتها في قلوب الأمهات وسأنزعها- القصة رمزية طبعاً- فلما نُزعت الرحمة من قلب الأم، وبكى طفلها ألقته في التنور.
لذلك الرحمة التي يتراحم بها البشر هي رحمة الله -عز وجل-، وفي بعض الإشارات اللطيفة في القرآن:
﴿ أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ ۚ
أي إذا أحبك الناس فهذه محبة الله، إذا أحبت الأم ابنها فهذه محبة الله له، إذا أحب الأب ابنه فهذه محبة الله له،
الحديث عن الثلاثة الذين تخلفوا عن رسول الله :
إذاً هؤلاء الذين تخلفوا عن الجهاد، وكانوا صادقين، لم يكذبوا، قال سيدنا كعب: فأجمعت صدقه، كنت نشيطاً، ومعي راحلة، ومعي نفقات أهلي، ومعي نفقات الجهاد، وتخلفت عنك، فلما استمع النبي إلى ثمانين منافقاً، وقدموا أعذاراً كاذبة، وواهية، فلما استمع إلى هذا الصحابي الجليل سيدنا كعب، قال: أما هذا فقد صدق، دقق في هذه العبارة الذكية، إنه قيّم هؤلاء الثمانين: أما هذا فقد صدق، أما الذين سبقوه كانوا كاذبين.
لذلك هناك ثلاثة من أصحاب النبي الكريم تخلفوا عن الجهاد، ولا عذر لهم، منهم سيدنا كعب، فجاء ذكرهم، قال:
السجن ليس ممنوعاً في الإسلام فهو طريقة من طرق تأديب المنحرفين :
إخوتنا الكرام، كان الإسلام في عهد النبي الكريم في أعلى المستويات، ولم يكن في عهد النبي سجن، مع أن السجن ليس ممنوعاً في الإسلام، طريقة من طرق تأديب المنحرفين، لكن هذا المجتمع المثالي الذي انصاع لرسول الله، مما يلفت النظر أن الإنسان إذا سُجن يُمنَع من أهله ومن أقربائه، ومن الناس، وحتى من أقرب الناس إليه –زوجته- أما في هذا المجتمع فلما وجه النبي أصحابه أن يقاطعوا هؤلاء الثلاثة، المدينة كلها سجن أصبحت لهم، لا أحد يكلمهم، ولا أحد يلقي عليهم السلام، ولا حتى زوجاتهم، هذا المجتمع الكامل، مجتمع الطاعة لله -عز وجل-، الشيء الذي يلفت النظر لم يكن هناك سجن، ولكن المدينة كلها أصبحت سجناً لهم، ما دام الإنسان بالسجن يُمنع عن أهله، وعن أولاده، وعن أحبابه، وعن أقاربه، هو طليق، وليس مسجوناً، لكنه في الحقيقة في سجن لا أحد يكلمه، ولا أحد يلقي عليه السلام، لذلك قال تعالى:
الفرق بين الآيتين التاليتين :
بالمناسبة أحياناً نقرأ في القرآن:
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ(4) ﴾
الله عز وجل حكيم تقتضي رحمته أن يعالج عباده :
الآن ندقق:
﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ(5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ(6)﴾
لذلك بعضهم يرى أن الطغاة في الأرض في شتى العصور، هؤلاء ما كانوا طغاةً إلا ليقدموا خدمة غير ظاهرة للمؤمنين، الطغاة دون أن يشعروا، ودون أن يريدوا طغيانهم موظف لخدمة للمؤمنين، أو لخدمة الإيمان والمؤمنين، لأن هذه الشِدة تسوق الناس إلى الله -عز وجل-:
﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(21)﴾
العذاب الأدنى العذاب في الدنيا، فالله -عز وجل- حكيم، كيف أن الطبيب إذا مرض ابنه والتهبت زائدته، الأب الطبيب الرحيم الحنون يأمر بإجراء عملية لابنه، يُخدَّر ابنه، تُفتح بطنه، تُستأصل الزائدة، لأنه رحيم وعليم، فلذلك الآية الكريمة:
﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ(147)﴾
أي تقتضي رحمته أن يعالج عباده، أحياناً إنسان يصاب بالتهاب معدة حاد، فإذا التقى بطبيب داخلي يخضعه لحمية قاسية جداً جداً، هذه الحمية طريق شفائه، مع أنها قاسية جداً منعه من كل أطايب الطعام من أجل شفائه، لكن لو جاء هذا الطبيب مريض آخر، معه ورم خبيث منتشر في كل أنحاء جسمه، ولا أمل في شفائه، لو أن هذا المريض سأل الطبيب: ماذا آكل؟ يقول له: كُل ما شئت، أيهما أفضل أن تخضع لحمية قاسية جداً بعدها الشفاء التام أم أن يقول لك الطبيب كُل ما شئت؟ لأنه ميؤوس من الشفاء، لذلك قال تعالى:
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ(44)﴾
الذي وقع لو لم يقع لكان نقصاً في حكمة الله :
لذلك هؤلاء الثلاثة الذين تخلفوا عن الجهاد وكانوا صادقين مع رسول الله هؤلاء جاء ذكرهم في هذه الآية:
انطلاق المنافقين في بناء مسجدهم من الكفر :
أيها الإخوة، ثم يقول الله -عز وجل-:
﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ(107)﴾
هؤلاء المنافقون ضاقوا ذرعاً بأصحاب رسول الله، فأرادوا أن يبنوا لهم مسجداً خاصاً، في هذا المسجد يتحدثون كما يشاؤون، قد ينتقضون النبي الكريم، وقد ينتقضون أصحابه، أرادوا أن يكون لهم مسجد يرتعون فيه ويمرحون، ويتكلمون على أهوائهم، فأنشؤوا مسجداً، لكن هذا المسجد سماه الله -عز وجل- مسجد ضرار لتفريق وحدة المسلمين، لشق صفوفهم، لإيقاع الفتنة بينهم.
المنافقون ليسوا مؤمنين لكن أرادوا مكاسب المؤمنين :
أحياناً الإنسان يبحث عن الدنيا من خلال الدين، وأساساً ما هو النفاق؟ الحقيقة النفاق هو ظاهرتان ظاهرة انحطاط في الإنسان، عنده شيء يعتقده، وشيء يقوله، فحينما تتناقض أقواله مع عقائده هو المنافق، يقول شيئاً لا يؤمن به، يؤمن بشيء لا يقوله، هذه الازدواجية بالشخصية، هو أراد أن يكون مع الكفر، مع أهل الفسق والفجور، مع التفلت، مع الإباحية، مع الشهوات، لكن وُجِد في مجتمع إيماني قوي، فمن أجل مصالحه أراد أن ينافق، لذلك الإسلام إذا كان ضعيفاً لا أحد ينافق له، لا أحد ينافق لإسلام ضعيف، أما إذا كان الإسلام قوياً فهناك من ينافق له، فإذا قلنا: نفاق أي يوجد عندنا ظاهرتين: ظاهرة مرضية في المنافق، وظاهرة قوة في المؤمنين، لأن الإنسان الضعيف لا أحد ينافق له، فالمؤمنون أقوياء، ومعهم مغانم كثيرة، فالمنافقون هم ليسوا مؤمنين، لكن أرادوا مكاسب المؤمنين.لذلك:
لذلك قال تعالى:
أحياناً سألني مرة أخ، قال: رأيت بعض الناس عقب صلاة الجمعة يصلون الظهر فما حكم ذلك؟ قلت له: لو أن بلدة فيها عدة مساجد، وأحد هذه المساجد يتسع لكل أهل القرية، في أحكام الشريعة لا يجوز أن يصلي الناس إلا في هذا المسجد الواحد، من أجل وحدة الكلمة، من أجل وحدة الهدف، من أجل جمع الشمل، من أجل عدم التفريق بين المسلمين، تصور بلدة فيها عدة مساجد، أربعة مساجد، أحد هذه المساجد يتسع لكل أهل القرية، الحكم الشرعي أن يرتاد جميع أهل القرية هذا المسجد، من أجل وحدة الكلمة، وحدة الصف، من أجل التوفيق بين المؤمنين، فالذي يصلي في مسجد آخر هذه الصلاة لا تُقبَل منه، لا بد من أن يصلي الظهر بعدها حتى تُرمَّم صلاته، هذه منطلق الفكرة في الذين يصلون الظهر بعد صلاة الجمعة، أما إذا كان هناك مدينة فيها ملايين مملينة، وفيها مئة مسجد، لو أن ربع هذه الكمية من السكان ارتادوا المساجد لا تكفيهم، هذا صار موضوعاً ثانياً، أما أتصور قرية فيها أربعة مساجد، أحد هذه المساجد يتسع لكل سكان القرية، فيجب أن يكونوا في مكان واحد، وفي توجيه واحد، وفي لُحمة واحدة، وفي أهداف واحدة، لأن التفرقة خطيرة جداً.
الدعوة إلى الله دعوتان :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا ۚ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ۚ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا ۘ
والدعوة إلى الذات من خصائصها عدم التعاون التنافس، مجتمع المؤمنين مجتمع متعاون.
فالدعوة إلى الله الخالصة من خصائصها الاتباع، والدعوة إلى الذات من خصائصها الابتداع، الدعوة إلى الله الخالصة من خصائصها التعاون، والدعوة إلى الذات من خصائصها التنافس، الدعوة إلى الله الخالصة من خصائصها الاعتراف بالآخر، أما الدعوة إلى الذات فمن خصائصها إلغاء الآخر، إقصاء الآخر، إذاً: الخالصة اتباع، وتعاون، واعتراف بالآخر، أما الدعوة إلى الذات فمن خصائصها التفلت من منهج الله، عدم الاتباع، الابتداع، ثم التنافس لا التعاون، ثم إلغاء الآخر، إقصاء الآخر.
المؤمن يجمع ولا يفرق أما الذي يفرق فيثير القضايا الخلافية :
هؤلاء المنافقون ليسوا مؤمنين، هم في الحقيقة كفار، إن المنافقين هم الكافرون، لكنهم أرادوا أن يتمتعوا بمزايا المؤمنين ومكتسباتهم، ويتوهموا أن التفلت أقرب إليهم من الالتزام فكانوا المنافقين.
(( ليس منا من خبب امرأة على زوجها ))
المؤمن يجمع ولا يفرق، أما الذي يفرق فيثير القضايا الخلافية، يثير التعصبات، يدعو بدعوى الجاهلية، هذا إنسان منحرف، إذاً:
(( لَيسَ مِنَّا مَنْ دَعا إِلى عَصبيَّة، وليس منا من قاتل عصبيَّة، وليس منا من مات على عصبيَّة ))
وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد
هذا أجمل تعريف للعصبية: انحياز أعمى إلى القوم، إن كانوا صالحين فهو معهم، وإن كانوا سيئين فهو معهم، إذاً:
الهدف من بناء المنافقين مسجداً لهم :
الآن:
لذلك:
﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ
أو أن تخدع نفسك:
﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ(14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ(15) ﴾
الحكم الشرعي للمسجد الذي أنشأه المنافقون :
﴿
طرح القضايا الخلافية جريمة بحق المسلمين :
لذلك أنا أقول الآن وأتمنى: طرح القضايا الخلافية الآن يعد جريمة بحق المسلمين، لأن الأعداء وضعونا جميعاً في خندق واحد، وضعونا جميعاً في سلة واحدة، وينبغي أن نقف جميعاً في خندق واحد.
أي طرح يفرق بين المسلمين طرح من قبل الشيطان :
وفي لقاء آخر إن شاء الله نتابع هذه الآيات.
والحمد لله رب العالمين