وضع داكن
19-04-2024
Logo
قوانين القرآن الكريم - الدرس : 15 - قانون العدل
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

قانون العدل:

 أيها الإخوة الكرام،مع درس جديد من دروس سنن الله في القرآن الكريم، والقانون اليوم هو قانون العدل.
 الله جل جلاله كما تعلمون له السماء الحسنى والصفات الفضلى.

﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾

( سورة الأعراف الآية: 180 )

1 –اسم العدل فمحقَّقٌ في الدنيا جزئيًّا وقي الآخرة كليًّا:

 

 الحقيقة الأولى: أن كل أسمائه الحسنى محققة في الدنيا، عدا اسم العدل فهو محقَّقٌ جزئياً، فالله سبحانه وتعالى يكافئ بعض المحسنين تشجيعاً للباقين، ويعاقب بعض المسيئين ردعاً للباقين، ولكن هذا الاسم العظيم يحقق كلياً يوم القيامة، لذلك:

﴿ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ﴾

( سورة يونس الآية: 4 )

 

﴿ لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ﴾

( سورة الجاثية الآية: 22 )

 نحن في ابتلاء، ولسنا في دار جزاء، نحن في دار عمل، ولسنا في دار أمل ، نحن في دار تكليف، ولسنا في دار تشريف، حينما تتوهم أن هذه الدنيا دار جزاء فقد وقعت في مطب كبير، إنها دار ابتلاء، قال الله عز وجل:

﴿ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾

( سورة المؤمنون )

 

2 – لا يمكن بعقلك أن تثبت عدل الله:

 فلذلك العدل من أسمائه الحسنى، ولكن لا يمكن بعقلك أن تثبت عدل الله إلا في حالة مستحيلة ؛ أن يكون لك علم كعلم الله.

﴿ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًَا بَصِيرًا ﴾

( سورة الإسراء )

 أنت لك الظاهر، أنت رأيت القصة من فصلها الأخير، لكن ما اطلعت على فصولها كلها، لو اطلعت على فصولها كلها لرأيت من عدل الله ما تقشعر منه الأبدان، إنه عدل مطلق، لذلك لن تستطيع إثبات عدل الله بعقلك إلا بحالة مستحيلة قطعاً ؛ أن يكون لك علم كعلمه، ولكن بإمكانك أن تتيقن من عدله بإخباره، أخبرك:

﴿ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ﴾

( سورة النساء )

 الفتيل خيط في نواة التمر، بين فلقتي النواة، والنقير: النواة أحد رؤوسها مؤنف مذبب كالإبرة، هذا النقير، والقطمير: للنواة غلاف شفاف، لا نقير، ولا قطمير، ولا فتيل.

 

﴿ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ ﴾

 

( سورة غافر الآية: 17 )

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ ﴾

( سورة العنكبوت الآية: 40 )

أما:

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ ﴾

نفيُ شأن الظلم عن الله:

 هذه الصياغة عند علماء البلاغة تفيد نفي الشأن، والفرق كبير بين نفي الحدث ونفي الشأن.
لو سألك واحد: هل أنت جائع ؟ تقول: لا، هذا نفي الحدث، لكن ـ لا سمح الله ولا قدر ـ ولو أن إنسانا لا يعرفك، وافتقد شيئًا، يقول لك: هل أنت سارق ؟ هل يمكن أن تقول له: لا، أعوذ بالله، تقول له: ما كان لي أن أسرق، وهذا شيء لا أفكر فيه، ولا أرضاه، ولا أقره،  ولا أستهدفه، ولا أرضى عنه، ولا أباركه، ولا أسكت عنه.
يمكن أن ينفى بالشأن أكثر من عشرة أفعال، الله عز وجل قال:

 

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ ﴾

لأنك تحب العدل، هكذا فطرتك، وتتمنى أن يكون عدل الله واضحاً عندك

 

لابد من فهمِ القصة والواقعة من جميع فصولها:

 أحياناً العدل غير واضح، السبب ؟ أن هذه القصة اطلعت عليها من آخر فصل من فصولها.
أنا أذكر قصة نموذجية أرويها دائماً، كنت أمشي في بعض أسواق دمشق، خرج من أحد المحلات رجل، واعترضني، وقال: أنت تخطب في المسجد ؟ قلت: نعم، قال لي: البارحة جاء إنسان إلى محله التجاري بأحد أسواق دمشق ليكسب رزقه، ويطعم أولاده ، قلت له: تابع، قال لي: سمع إطلاق رصاص، فمد رأسه ليرى الحقيقة، فإذا رصاصة تستقر في نخاعه الشوكي فشُلَّ فوراً، قال لي: ما ذنبه ؟! ولماذا فعل الله به هذا ؟! هو في عبادة، يقصد العمل عبادة، يكسب رزق أولاده، قلت: والله أنا أعلم علم اليقين أن الله عدلٌ، أما هذه القصة فلا أعرف ملابساتها، هذا فصل أخير، وانتهى الأمر، بعد عشرين يوما أحد إخوتنا الكرام ساكن بأحد أحياء دمشق قال لي: يسكن فوقنا رجل اغتصب بيتا لأولاد أخيه الأيتام من 8 سنوات، وما تركوا طريقاً لإقناعه، أو الرجاء، أو الطلب أن يعيد لهم البيت إلا سلكوه، فلما يئسوا وسّطوا أحد علماء دمشق، وكان شيخ القراء ـ رحمه الله ـ فقال له: لن أعطيهم البيت، هذا الحاضر، فكان هذا العالم وقورا، وقال لهم: يا أولادي هذا عمكم، لا يليق بكم أن تشكوه إلى القضاء، اشكوه إلى الله، هذا الرجل هو نفسه الذي أعطى القرار  الساعة التاسعة ليلاً، وخاطب شيخ القراء ـ رحمه الله ـ السابق هو نفسه في الساعة التاسعة صباحاً سمع إطلاق الرصاص، فمد رأسه، فجاءت رصاصة استقرت بنخاعه الشوكي، فشُل فوراً.
أيها الإخوة، كلكم جميعا، وأنا معكم وصل إلى سمعنا عشرات، بل مئات، بل ألوف القصص، كلها من الفصل الأخير، لا تعني شيئاً، ولن تستطيع أن تكشف منها شيئاً ، لكنك بحكم علاقاتك قد تعرفت إلى بعض القصص، من أول فصل إلى آخر فصل، حينما ترى عدل الله يقشعر جلدك، فالله عز وجل عدل، وقد أخبرنا فقال عن ذاته:

﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا ﴾

( سورة النساء )

 عدل الله لا تبحث عنه بعقلك، هناك مفاجآت، لأن الله له آيات كونية، وهذا الكون الثابت الأول في الإيمان، الكون كله ينطق بأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى، الكون كله ينطق بوجوه، وكماله، ووحدانيته، ولكن أفعاله، تجد دول إسلامية تأتيها جائحات، تأتيها زلازل،  يأتي القهر، يأتيها احتلال، فقر، على قهر، على تخلف، ودول غارقة في المعاصي والآثام.
لذلك أن تصل إلى عدل الله من خلال أفعاله فهذه منطقة خطرة، مفعمة بالألغام ، عدل الله يجب أن تصدق الله في إخباره، هذا الموقف الإيماني الكامل، الله عز وجل كل هذا الكون يشهد له بكماله، وبصدقه، وقد أخبرنا بآيات قطعية الدلالة أنه لا يظلم، إذاً: هو لا يظلم،  وانتهى الأمر، وأحيانا حتى يثبت الإنسانٌ عدلَ الله يقول لك: الله لا يعلم، ولو علم لكان ظالماً، أراد أن يبرئه من الظلم فأوقعه في الجهل، هذا سلوك، لكنه طريق مسدود، أن تحاول أن تكتشف عدل الله بعقلك.

 

3 – الحظوظ الدنيوية موزَّعة توزيع ابتلاء:

 هناك غني وفقير، وقوي وضعيف، وحاكم ومحكوم، وظالم ومظلوم، ومُستًغِل ومُستَغَل، وإنسان وسيم الصورة وإنسان دميم، وإنسان عمره طويل وإنسان عمره قصير، وإنسان ذكي ألمعي وإنسان محدود، الله عز وجل وزع هذه الحظوظ في الدنيا توزيع ابتلاء.

﴿ انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ﴾

( سورة الإسراء )

 لكن هذه الحظوظ سوف توزع في الآخرة توزيع جزاء، وشتان بين توزيع الابتلاء وتوزيع الجزاء، توزيع الابتلاء موقت، سنوات تمضي.
 إنسان امتحن بالفقر فنجح، صبر، وتجمل، وكان عفيفاً، فاستحق الجنة إلى الأبد.
امرأة ليست بارعة الجمال، وأخرى جمالها دون الوسط، لم يتح لها الزواج، بقيت عانساً، لكنها صامت شهرها، وصلت خمسها، وأطاعت أهلها، وخدمت أباها وأمها ، وماتت هكذا، لها جنة إلى أبد الآبدين، والتي كانت بارعة الجمال، وفسقت بجمالها، وانحرفت تموت،  وينتهي هذا الجمال، فالموت ينهي كل شيء، الموت ينهي قوة القوي، وضعف الضعيف، ينهي غنى الغني، وفقر الفقير، وينهي وسامة الوسيم، ودمامة الدميم، ينهي ذكاء الذكي، ومحدودية المحدود، ينهي كل شيء، ويبقى الجزاء.
فلذلك أيها الإخوة، تبصر أن كل قصة تسمعها من آخر فصل ضعها مجمدة، لا تحكم عليها، قل تعالى:

 

﴿ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًَا بَصِيرًا ﴾

 

﴿ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ﴾

( سورة الشورى )

(( لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وآخِرَكُمْ، وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كانُوا في صَعيدٍ وَاحدٍ، فَسألُونِي فأعْطَيْتُ كُلَّ إنْسانٍ مِنْهُمْ ما سألَ لَمْ يَنْقُصْ ذلكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً إِلاَّ كما يَنْقُص البَحْرُ أنْ يُغْمَسَ المِخْيَطُ فِيه غَمْسةً وَاحدَةً ؛ يا عِبادي ! إنَّما هِيَ أعْمالُكُمْ أحْفَظُها عَلَيْكُمْ، ـ دققوا الآن ـ فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَزّ َوَجَلّ،َ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ ))

[ رواه مسلم عن أبي ذر ]

(( ما من عثرة، ولا اختلاج عرق، ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم، وما يغفر اللّه أكبر ))

[ رواه ابن عساكر عن البراء بن عازب ]

الآيات القرآنية المثبِتة لعدل الله تعالى:

 الآن إلى آيات القرآن الكريم:

آية عظيمة في العدل الإلهي:

 

﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴾

( سورة الزلزلة )

 أي عمل صالح يساوي مثقال ذرة، وجدت قشة طولها ثلاثة ميليمترات على أرض المسجد، من شدة ورعك ومحبتك لله التقطتها، ووضعتها في جيبك، ما هذا العمل ! هذا العمل لن يضيع عليك.

قصصٌ من واقع الناس تظهر عدل الله :

 

القصة الأولى:

 مرة كنت راكبا مع أخ من لبنان، هو في أثناء أحداث لبنان استقر في دمشق، يبدو أنه وقع له خطأ بالقيادة سبب ضررا لسيارة أخرى، والسيارة صاحبها يرتزق منها، سيارة عامة، والمألوف أن الإنسان إذا أصاب مركبته ضررٌ يصيح ويعلو صوته، ويتهجم، هكذا العادة في بلاد متخلفة، فإذا بهذا الأخ ينظر إلى الذي سبب له الحادث بابتسامة راضية، ويقول له: لا شيء عليك، سامحتك، والضرر بليغ، وهذا الذي تسبب في إيذاء هذه المركبة غني، وجدت منه دمعة تسيل على خده، هذه الدمعة حيرتني، إنسان غني، لو طلب منه خمسة آلاف فهي لا شيء أمام غناه، فلماذا دمعت عينه ؟ سألته: ما الذي أبكاك ؟ قال لي: أنا كنت ببيروت، وهناك سيارة يقودها إنسان كل نسائه محجبات، وأصابني بأذى في مركبتي، أردت ألا أفسد عليه نزهته، قلت له: مسامح، ما الذي دعاه للبكاء ؟ أن الله ما ضيع له هذا  الموقف.
تأكد أنه لا تعمل عملا طيبا إلا وتلقى جزاءه ؛ إن في الدنيا أو الآخرة.

 

(( البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، اعمل كما شئت، كما تدين تدان ))

 

[ أخرجه عبد الرزاق في الجامع عن أبى قلابة ]

القصة الثانية:

  لي قريب يعمل في إصلاح المركبات، له جار يعمل في العمل نفسه، جاءه إنسان من دول الخليج بمركبة حديثة جداً، وهو حريص على سلامتها، وفيها خلل، هذا الذي يعمل في إصلاح المركبات عرف أنه يجهل دقائق المركبة، أعطاه وصفا مخيفا، قال له: هناك شيء احترق، هذا استسلم له، كم تريد ؟ قال له: عشرة آلاف، متى تنتهي ؟ قال له: بعد أربعة أيام، قال له: طيب، مع أن إصلاحها حقيقةً يتم في دقيقة، لكن استغل جهله، ورفع السعر، وأطال المدة، قال لي: أخذ أهله أول يوم في نزهة إلى منطقة الزبداني بالسيارة نفسها، وفي اليوم الثاني أخذهم إلى طريق المطار، وفي اليوم الثالث أخذهم إلى وادي بردى، وفي اليوم الرابع جاء صاحب المركبة فأعطاه عشرة آلاف، وأعطاه السيارة، أصلحها بعد دقيقة، لكن أدرك أن صاحب المركبة جاهل في شؤون المركبة، يقول له جاره: ما هذا ! هل  يجوز ذلك ! قال له: أنت الجاهل، هكذا العمل، فعَدَّ نفسه ذكيا، له ابن يعمل بمخرطة، دخلت شظية صغيرة من الفولاذ في قرنية عينه، كلّفت عملية نزعها عشرين ألف ليرة لبناني، ثم دفع ثلاثين ألفا.
 إنّ أيّ إنسان يتجاهل أن الله لا يحاسب يكون أحمق، وأيّ إنسان يأكل حق الآخرين يظن نفسه ذكيا هو أحمق وغبي.

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

( سورة الحجر )

 قال: يا رب، قد عصيتك ولم تعاقبنِي، وقع في قلبه أن يا عبدي، عاقبتك ولم تدرِ.
حينما تكون مستقيماً على أمر الله فلك معاملة خاصة، أما حينما تأكل ما ليس لك فإنك تدمر مالك، وتدمر بيتك، وحينما تعتدي على أعراض الناس يعتدي الناس على عرضك، وحينما تأخذ ما ليس لك يؤخذ ما ليس لهم، هذا عدل الله:

 

﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ﴾

 رفع قشة من أرض المسجد، أو وجد نملة على المغسلة فخشي أن تغرق بماء الوضوء، فانتظر حتى خرجت إلى طرف المغسلة:

 

 

﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴾

 ابتسمت في وجه أخيك، سألته عن أحواله، لقيته بالبشر، تواضعت لإنسان ، فرّجت عن إنسان شيئاً، وقفت لإنسان متقدم في السن في المركبة العامة.

 

 

﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴾

 والله لو لم يكن في كتاب الله غير هذه الآية لكفت.
جاء أعرابي النبي عليه الصلاة والسلام فقال: يا رسول الله، عظني ولا تُطِل، فتلا عليه هذه الآية:

 

﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴾

 ، قال: كُفيت.
القصص لا تعد ولا تحصى:

 

القصة الثالثة:

 هناك رجل يذهب إلى المطار، وهو ماهر بالقيادة، فوجد كلبا صغيرا على طرف الطريق، استطاع أن يدهس يديه فقط، وأطلق ضحكة هستيرية على براعته أنه استطاع أن يقطع يديه فقط، أقسم لي بالله من كان معه في المركبة في الأسبوع القادم في المكان نفسه تعطلت المركبة، وأصاب العجلة خلل، فرفع المركبة على الرافعة، وبدأ يسحب العجلة، لكن الرافعة فَسَدت، ووقعت المركبة على العجلة، والعجلة فوق رسغيه فانهرست، بعد ساعة اسودت يداه، فقُطِعتا، قال لي: والله السبت قطع يدي جرو صغير، وفي السبت التالي  قطعت يداه.

 

 

﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴾

 قمة ذكائك، وقمة علمك أن تخاف من الله أن تؤذي مخلوقاً.
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

 

 

(( عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا، وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ ))

 

[ متفق عليه ]

 دخلت امرأة النار في هرة فما قولكم بما فوق الهرة ؟

 

القصة الرابعة:

 هناك قصة رمزية، لكنها معبّرة: إن إنسانا غنيا جداً في مصر وافته المنية، فخاف عليه أولاده في أول ليلة في القبر خوفاً شديداً، فأعطوا إنسانا فقيرا معدما عشر جنيهات لينام معه الليلة الأولى، بعد ما أُغلق القبر جاء الملكان فوجدوا رجلين ـ القصة رمزية طبعاً ـ قال له: هذا حيٌّ، وليس ميتا، تعال نبدأ به، وكان لابسًا كيسَ خيشٍ أحمر فتحه من الأعلى، وأخرج رأسه، وفتحه من الطرفين وأخرج يديه، وربطه بحبل، من شدة فقره، بدؤوا بالحبل، من أين أتيت بها ؟ من البستان، كيف دخلت إلى البستان ؟ ما عرف الجواب، فعذبوه، كيف دخل البستان ؟ خرج من القبر وقال: الله يعين أباكم.

 

 

﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴾

 هذه الآية تكفي، ويمكن أن تقصّر في حق الله عز وجل، ولكن الصلح بلمحة، وما كان بينك وبين الله يغفر بكلمة، يا رب، تبت إليك، يقول لك: عبدي، وأنا قبلت، ما كان بينك وبين الله يغفر بكلمة، والصلح بلمحة، لكن ما كان بينك وبين العباد لا يغفر إلا بالأداء أو المسامحة، فعد للمليون قبل أن تظلم مخلوقاً، ولو كان كافراً.
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ:

 

 

(( اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ ))

 

[ متفق عليه ]

 ولو كان كافراً.
إنّ درعا سرقها منافق في عهد النبي ينتمي للأنصار، وَدَعَها عند اليهودي، واتهم اليهودي بالسرقة، فالصحابة لا يعلمونه منافقاً، فتمنوا أن يكون بريئاً، واليهودي هو الذي سرقها، فتمنيات النبي أن يكون بريئاً، وأن هذه الذي وجدت عنده هو السارق، فجاء العتاب الإلهي:

 

﴿ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا ﴾

 

( سورة النساء )

 عدل الله لا علاقة له بالتدين، له علاقة بالاستقامة، إنسان ظلمته، هناك إثم كبير.
 أيها الإخوة، إذا عرفنا عدل الله عز وجل نفكر تفكير مديد قبل أن نأخذ ما ليس لنا.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور