وضع داكن
20-04-2024
Logo
الدرس : 43 - سورة آل عمران - تفسير الآية 154 ، حسن الظن بالله (2)
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
 أيها الإخوة المؤمنون ، مع الدرس الثالث والأربعين من دروس سورة آل عمران ، ومع الآية الرابعة والخمسين بعد المائة .
 أيها الإخوة الكرام : بدأنا في الدرس الماضي بتفصيل معنى :

﴿ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ﴾

( سورة آل عمران : الآية 154)

يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ

1 ـ ظن السوء بالله خطرٌ على عقيدة المؤمن :

 وقد بينت من قبل أن الله سبحانه وتعالى ذكر المعاصي والآثام فسلسلها تسلسلاً تصاعدياً ، بدأ بالفحشاء ، والمنكر ، والإثم ، والعدوان ، ثم الشرك ، ثم الكفر ، وجعل في أعلى هذه الآثام :

﴿ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾

( سورة الأعراف : 33)

 والإمام الغزالي رحمه الله تعالى يقول : " لأن يرتكب العوام الكبائر أهون من أن يقولوا على الله ما لا يعلمون " .
 خطر شديد أن تفسد العقيدة ، وأن تظن بالله غير الحق ظن الجاهلية ، خطر على عقيدتك ، وعلى كيانك ، وعلى سلامتك ، وسعادتك أن تسيء الظن بالله .

 

﴿ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ﴾

( سورة الفتح : 6)

﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾

(سورة الأعراف : 180)

 كل أسمائه حسنى ، عدله ، ورحمته مطلقة .

 

2 ـ الموازنة تكون بين الدنيا والآخرة :

 ولكن من أجل أن تفهم الحقيقة لا ينبغي أن توازن بين أمتين ، ولا بين رجلين ، ولا بين عملين ، ولا بين مؤسستين ، إلا أن تضم آخرة كل منهما إلى الآخر .
 أوضح مثل : مطعم متواضع جداً دخله محدود ، ومطعم يبيع الخمر ، ودخله غير محدود ، قد تقول : هذا دخله أكبر ، ضم الآخرة إلى صاحب هذا المطعم ، وضم الآخرة إلى صاحب ذاك المطعم ينعكس التوازن ، فأنت لا توازن إلا إذا ضممت الآخرة إلى الأولى .

﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ(79)وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ﴾

(سورة القصص : 79-80)

 الموازنة ينبغي أن تكون بين الدنيا والآخرة ، لذلك قد ترى أمة قوية مستعلية متجبرة متكبرة متغطرسة ، فيما يبدو للناس تفعل ما تريد ، ينبغي أن تضم آخرة هذه الأمة إن أردت أن توازنها مع أمة مستضعفة فقيرة لكنها تقيم شرع الله عز وجل .
 العبرة في الذي يضحك آخرًا ، فلذلك من هذا القبيل أردت أن أتابع الحديث عن سوء الظن بالله عز وجل .

 

3 ـ الله تعلى عدلٌ في قضائه وأفعاله وأحكامه :

 أيها الإخوة ، قال بعض العلماء الأجلاء : " من ظن أن الله أخبر عن نفسه وصفاته ، وأفعاله بما ظاهره باطن ، وترك الحق لم يخبر به ، وإنما رمز إليه رموزاً بعيدة ، وأشار إليه إشارات ملغزة لن يصرح به ، وصرح دائماً بما يلتبس عليه الناس فقد ظن بالله غير الحق ظن الجاهلية " .
 مثلاً : لو أن نجارًا عنده لوحان من الخشب ، وضع الأول على باب قصر ، ووضع الثاني على باب مرحاض ، ألك عنده دعوى ؟ إن هذين اللوحين ملكه ، يفعل بهما ما يريد ، لكن لو أنك قلت : وضع اللوح النظيف على باب القصر ، ووضع اللوح السيئ على باب المرحاض لكان هذا أقرب إلى قبول النفس بهذه الفكرة ، تقول له : الله عز وجل عدل ، يقول لك : عدله غير عدلي ، ينبغي أن نفهم عدله كما يفهمه جميع الناس ، لا ينبغي أن تصدق أن الذي قاله لا يعنيه ، وإنما يعني غيره ، هناك آيات كثيرة واضحة .

﴿ وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ﴾

(سورة سبأ)

 يقول : البلاء يعم ، والله عز وجل يقول :

 

﴿ وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ﴾

(سورة سبأ)

 تقول لي : البلاء يعم ؟

 

﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾

( سورة الأنعام : الآية 164)

4 ـ ينبغي أن تفهم النصوص فهماً يليق بكمال الله :

 أنت لا ترتاح في إيمانك ، ولا في عبادتك ، ولا في تعبدك مع الله إلا إذا أحسنت الظن به ، لا يعقل أن يعبد العبد ربه على عمره ، ثم يضعه في النار ، والجواب : لا يسأل عما يفعل ، لا يكفي هذا الجواب ، هذا سوء ظن بالله ، الله عز وجل ينمي الخير ويجعله كثيراً ثم يرحم صاحبه ، لا أن الخيّر حقيقة يدفعه إلى النار دون أن يعلم ، هذه ليست من صفات الله ، ولا من أسمائه الحسنى ، يجب أن نحسن الظن بالله عز وجل .
 سألني أحد الإخوة الكرام : ما معنى قول النبي الكريم :

(( إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ، ثُمَّ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا ، فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعٍ : بِرِزْقِهِ ، وَأَجَلِهِ ، وَشَقِيٌّ ، أَوْ سَعِيدٌ ، فَوَاللَّهِ إِنَّ أَحَدَكُمْ ، أَوِ الرَّجُلَ يَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا غَيْرُ بَاعٍ أَوْ ذِرَاعٍ ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَيَدْخُلُهَا ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا غَيْرُ ذِرَاعٍ أَوْ ذِرَاعَيْنِ ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ ، فَيَدْخُلُهَا ))

[ صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود ]

 هذا الحديث له رواية في صحيح مسلم عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

(( إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ))

[ صحيح مسلم ]

 المعنى : أن الذي مصالحه مرتبطة بالمسلمين فنافق لهم ، وعبد الله كما يعبدونه شكلاً لا مضموناً ، وأراد أن يحقق مصالحه معهم فهذا ليس من أهل الجنة ، إنما يعمل بعمل أهل الجنة ، والحديث واضح :

(( إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاس ))

 أما إذا خلا بنفسه انتهك حرمات الله ، فعَنْ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :

(( لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا ، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا ، قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، صِفْهُمْ لَنَا ، جَلِّهِمْ لَنَا ، أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ ، قَالَ : أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ ، وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ))

[ سنن ابن ماجة ]

 ينبغي أن تفهم النصوص فهماً يليق بكمال الله .
 أضرب لكم أمثلة : يقول الله عز وجل :

 

﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾

(سورة السجدة : 13)

 لو أن الإنسان غير متمرس في فهم كلام الله ، فهم هذه الآية على ظاهرها ، فهمهاً فهماً بدائياً .

 

﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا ﴾

 ولكننا لم نشأ ، كان من الممكن أن يهتدي جميع الناس ، ولكن شاء الله أن يكونوا ضالين ، هل تقبل هذا من الله عز وجل ؟ هل تقبل من أب عادي أن يكون خيرُ ابنه بيده ويمنعه ؟ لا ليس هذا هو المعنى .
 إنّ العباد حينما ينسبون أخطاءهم إلى الله بدعوى أنهم مجبورون عليها ، كلما رأيت شارب خمر يقول : طاسات معدودة في أماكن محدودة ، الله قدر عليه شرب الخمر ، تجد إنسانًا يأكل المال الحرام يقول : هكذا ترتيبه ، دائماً الإنسان الكافر المنافق يعزو سيئاته إلى الله من باب القضاء والقدر ، فالله رد عليهم : لو شئنا يا عبادي أن نسلبكم اختياركم ، ونلغي تكليفكم ، ونجبركم على عمل ما ، لما أجبرناكم إلا على الهدى ، ولو شئنا أن تكونوا مقهورين أنتم مخيرون ، ما سوى الإنس والجن مسيّر .

 

﴿ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴾

( سورة فصلت : الآية 11)

 الملك والجماد مسير ، أما الإنسان فمخير .

 

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾

(سورة الأحزاب الآية : 72)

 أنت مخير ، لو شاء الله أن يأخذ منك اختيارك ، لو شاء الله أن يعطّل هذه الميزة الكبيرة فيك وأراد أن يجبرك على شيء ما ، لو أراد أن يجعلك كبقية المخلوقات مسيراً لما أجبرك إلا على الهدى ، أنت مخير ، لو أراد الله إلغاء اختيارك ، وأن يسيرك لما سيرك إلا إلى الهدى ، هذا المعنى :

 

﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا ﴾

 ليس معنى ذلك أن الله لم يشأ أن يهدي الناس ، قال تعالى :

 

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾

(سورة هود : الآية 119)

 حينما تعرف الله عز وجل تفسّر كل الآيات المتشابهة بما يليق بكمال الله عز وجل ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ ، فَيَغْفِرُ لَهُمْ ))

[ مسلم ، وأحمد ]

 ظاهر الحديث أن الذنب لابد منه ، وإلاّ نهلك ، يجب أن نرتكب الذنوب ، هذا غير مقبول ، لو لم تذنبوا ، أي إذا بلغ مستوى إيمانكم أنكم تذنبون ، ولا تشعرون بذنوبكم ، ولا تتأثرون لها ، ولا تتألمون من فعلها ، ولا تندمون على فعلها ، فأنتم ميتون ، ولذهب الله بكم .
 من هو الحي ؟ الذي إذا أذنب لم ينم الليل ، إذا اغتاب راجع نفسه ، إذا تكلم كلمة قاسية راجع نفسه ، واعتذر ، واستغفر ، هذا الذي يشعر بذنبه فيه حياة .
 فيا أيها الإخوة ، العبرة أن تفهم كلام الله فهماً يليق بكمال الله .
 سيدنا موسى خاطب الله عز وجل :

 

﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ ﴾

(سورة الأعراف الآية 155)

 الفتنة لها معنى راق جداً ، الفتنة امتحان ، مجرد الامتحان ، وقد تنجح بالامتحان .

 

﴿ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنْ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ﴾

( سورة طه : الآية 40)

 معنى فتناك فتونا أظهرنا حبك للحق ، لمَ لمْ يجامل ؟ قبطي من أهل فرعون ، وآل فرعون مخيفون ، وإنسان آخر مستضعف ، فالشيء الطبيعي في مجتمع فيه تفرقة ، واستكبار ، واستضعاف ، وفيه قوي ، وضعيف أن تكون مع القوي من أجل أن ترتاح ، وهذا ما يفعله العالم كله اليوم ، كل العالم مع القوي كي يرتاح ، الذي يملك سلاح نووي قال : أنا أتعاون بلا حدود ، ومع ذك خاف ، فسيدنا موسى مع من وقف ؟ مع الحق ، ومع المظلوم ، ولو كان مضطهداً ، ولم يقف مع القوي لأنه ظالم .

 

﴿ وَقَتَلْتَ نَفْسًا ﴾

 وكزه موسى فقضى عليه ، ما أراد أن يقتله دفعه ، هكذا شاءت حكمة الله ليخرج من قصر فرعون ، ويتبع سيدنا شعيب .
 إذاً : لا ينبغي أن نفهم الآية :

 

﴿ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنْ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ﴾

( سورة طه : الآية 40)

 أجبرناك على قتل النفس ، لا ، هذا المعنى لا يقبله الله عز وجل .

 

﴿ قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾

(سورة الأعراف : 28)

 مئات الآيات أيها الإخوة ، حينما تعرف الله عز وجل تعرف أسمائه الحسنى وصفاته الفضلى ، لا يمكن أن تفسر آية بما لا يليق بكماله ، لابد أن تفسر الآية وفق ما يليق بكماله .

 

إيّاكم وهذه الظنون :

 أيها الإخوة الأكارم :
 ـ من ظن أن الله عز وجل حينما قال :

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه(7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه ﴾

(سورة الزلزلة : 7-8)

 المقصود العدل المطلق بهذه الآية ، يقول : الله غفور رحيم ، يظن أن هذه الآية لا يعنيها الله عز وجل .

 

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(92)عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

(سورة الحجر : الآية 92-93)

 ـ يا رب لا تسألنا عن شيء ، يقول : ما هذا الكلام ؟! القصد من هذا الكلام أنه لا ينبغي أن تأخذ كلام الله عز وجل إلا على النحو التالي : أنه إذا قال كلاماً ، المعنى المتبادر إلى ذهنك هو المقصود ، أما عدله فغير عدلنا ، لا يسأل عما يفعل ، وهم يسألون ، هذه الآيات لها معنى آخر يليق بكماله ، عدله يسكت الألسنة ، فإذا وزعت شيئاً بالعدل ، وقلت : هل من اعتراض ، كلهم صامتون ، أي هناك اعتراض .
 ـ أيها الإخوة الأكارم ، الآن من ظن بالله عز وجل خلاف ما وصف به نفسه ، الله عز وجل قال :

 

﴿ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾

( سورة التغابن : الآية 11)

 قال : الله لا يعلم ، ما هذا الكلام ؟ من قال لك : لا يعلم ؟ ألوهيته تقتضي أن يعلم ، لكن علمه علم كشف ، لا علم جبر ، علم الله بما ستفعل لا يتناقض مع اختيارك إطلاقاً أنت مخير .
 ـ من ظن بالله خلاف ما وصف به نفسه ووصف به رسله ، رسله عباد مكرمون معصومون منزهون ، فالذي يقول مثلاً : إن النبي نظر إلى بيت مفتوح بابه ، فرأى امرأة عارية فعلقت بنفسه ، وقال : سبحان الله ! والقصة لا أصل لها ، لكن وردت في بعض الكتب ، فالله عز وجل بناء على ذلك زوجه إياها ، وأمر زيداً أن يطلقها ، وأمر النبي أن يتزوجها ، القصة وقعت ، لكن لا لهذا التفسير ، أراد الله عز وجل أن يلغي التبني إلغاءً تاماً ، فكان النبي هو أداة إلغاء التبني ، فينبغي أن تفهم أفعال الرسل .
 ـ عبس وتولى ينبغي ؛ أن تفهمها بما يليق بكمال رسول الله ، الله عز وجل في هذه الآية يعتب له ، ولا يعتب عليه ، ليس هناك حكم شرعي خالفه النبي إطلاقاً ، لكنه اجتهد واختار الأصعب ، بدل من أن يجلس مع ابن أم مكتوم هو الصحابي المحب الجليل جلس مع أهل العناد ، والكفر ، والضلال ، وتحمل من غلظتهم ، ووقاحتهم ، ومن ... لعلهم يؤمنون ، فيؤمن من معهم ، هذا اجتهاد النبي ، لكن الله عز وجل يقول له : لا تتعب نفسك معهم لا خير فيهم ، عتب له ولم يعتب عليه .
 الأم التي ترى ابنها يسهر حتى الساعة الثالثة ليلاً ، وهو يدرس قد تعنفه .
 إن لجسمك عليك حقاً ارتح قليلاً ، إنها تعنفه ، لكنها عاتبة له ، وليست عاتبة عليه ، فرق كبير بين أن تعتب له ، وبين أن تعتب عليه ، هذا النبي الذي تزوج مائة امرأة ، وأحب أن يأخذ أحد زوجة قواده فقال : قدموه ، قدموه لعله يموت ، فيأخذ امرأته ، كي يتم بها المائة ، هذا نبي ؟

((

﴿ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً ﴾

يُقَالُ لِلْمَرْأَةِ نَعْجَةٌ ، وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا : شَاةٌ

﴿ وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا ﴾

))

 

[ صحيح البخاري ]

 القصة لها تفسير آخر ، لذلك كتب التفاسير فيها من الإسرائيليات ما هب ودب ، هذه ينبغي أن تنقى من هذه القصص الباطلة ، التي استعان بها المفسرون كي يوضحوا بعض الآيات ، لكنهم في كثير من الأحيان جانبوا الصواب .
 ـ أيها الإخوة ، من ظن به بخلاف ما وصف به نفسه ، الله قال :

 

﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾

( سورة الأعراف الآية : 180)

 كيف تفهم الجبار ؟ المنتقم ، المتكبر ، ينبغي أن ترى أن اسم الجبار غاية في الكمال ، واسم المنتقم ، والمتكبر غاية في الكمال ، ينبغي أن تفهم أسماء الله الحسنى ، أو أن تفهم أسماء الله فهماً يليق بكماله ، لا أن تفهمها فهماً أرضياً .
 الله عزوجل يعاقب المجرم ليردعه عن إجرامه ، هذا هو المؤمن ، والمتكبر أنبأك أنه كريم ، وعظيم ، وقوي ، فاعتمد عليه ، وثق ، به وهكذا .
 ـ قال : ومن ظن أن أحداً يشفع عنده من دون إذنه ، توجد قصص كثيرة ما أنزل الله بها من سلطان .
 أحد أتباع الشيوخ مات ، ودفن ، ثم جاء ملكان ليسألاه ، فتلقيا رفسة من شيخه ، فدفعا بها إلى خارج القبر ، وقال لهم : أمثل هذا يُسأل ؟ شيء جيد والله ! أنا لا أقبض القصة تتناقض مع كلام الله ، ومع كلام رسول الله ، فعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ :

(( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ : اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ ، وَسَلُوا لَهُ بِالتَّثْبِيتِ فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ ))

[ سنن أبي داود ]

 عنَّ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهَا كَانَتْ تَقُولُ :

(( إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ أَوْ عُلْبَةٌ فِيهَا مَاءٌ يَشُكُّ عُمَرُ ، فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي الْمَاءِ فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ ، وَيَقُولُ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ ...))

ٍ

[ صحيح البخاري ]

 ـ ومن ظن أن أحداً يشفع عنده من دون إذنه ، أو أن بينه وبين خلقه وسائط ، فقد ظن بالله ظن السوء ، لأن هذا الوسيط لا يعلم أحوال هذا المؤمن ، أما الله عز وجل فيعلم كل أحواله ، يعلم سره وجهره ، ليس بينك وبين الله وسيط ، لذلك حينما قال الله عز وجل :

 

﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ الْعَفْوَ ﴾

(سورة البقرة : الآية 219)

﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ﴾

(سورة البقرة : الآية 222)

 أكثر من عشر آيات يسألونك قل ، إلا في آية واحدة :

 

﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾

( سورة البقرة : الآية 186)

 لا يوجد : فقل ، فهم العلماء من هذه الآية الوحيدة أنه ليس بين العباد وبين الله وسيط ، الشيخ له مهمة أخرى يبين ، ويقرب ، لكن ليس وسيطاً بينك وبين الله مسرّع .
 أنت راكب دراجة تحتاج إلى جهد أمسكت بمركبة ، فقادتك هذه المركبة إلى سرعة أعلى بكثير ، مسرع معين مقرب إلى الله ، أما أن يكون وسيطاً بينك وبين الله فليس بين العباد وبين الله وسيط ، لذلك ما هذه البدعة التي انتشرت ؟ امرأة تطلب ممن تدرسها أن تبيت لها استخارة ، هذه لم ترد في السنة إطلاقاً ، ما ورد في السنة إطلاقاً أن يستخير أحد عن أحد ، أنت مسلم ، صلِّ ركعتين وادع دعاء الاستخارة ، وليس بينك وبين الله حجاب .
 ـ ومن ظن أن الله نصب لعباده أولياء من دونه يتقربون بهم إليهم ، ويتوسلون بهم إليه ، ويجعلونهم وسائط بينهم وبينه ، فيدعونهم ، ويخافونهم ، ويرجونهم فقد ظن بالله ظن السوء ، ليس بينك وبين الله وسيط ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

(( لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ الْوُضُوءِ ، وَلَأَخَّرْتُ الْعِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِ اللَّيْلِ ، فَإِذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفُ اللَّيْلِ نَزَلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا جَلَّ وَعَزَّ فَقَالَ : هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُعْطِيَهُ ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ ؟ هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَأَتُوبَ عَلَيْهِ ؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ فَأُجِيبَهُ ؟ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْزِلُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ ))

[ مسند الإمام أحمد ]

 إن تاريخ الصحابة لا يذكر أن أحداً فداه النبي بأبيه وأمه إلا سعداً ، عن عَلِيّ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ :

(( مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفَدِّي رَجُلًا بَعْدَ سَعْدٍ ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ : ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي ))

[ صحيح البخاري ]

 وما سجّل تاريخ الصحابة أن صحابياً كان يداعبه النبي أشد مداعبة من شدة محبته إليه كسيدنا سعد ، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ :

(( أَقْبَلَ سَعْدٌ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَذَا خَالِي ، فَلْيُرِنِي امْرُؤٌ خَالَهُ ))

[ سنن الترمذي ]

 لما توفي النبي عليه الصلاة والسلام لقيه عمر ، دققوا ، قال : << يا سعد ، لا يغرنك أنه قد قيل : خال رسول الله ، فالخلق كلهم عند الله سواسية ، ليس بينهم وبينه قرابة إلا طاعتهم له >> .
 هكذا ينبغي أن نؤمن ، يجب أن تكون مع المؤمنين ، أن تكون مع الصادقين ، أن تكون مع جماعة المؤمنين ، أن تحب الذي يعلمك ، وتقدره ، هذا كله مطلوب ، لا أن تعبده من دون الله ، وتجعله وسيطاً بينك وبين الله ، هذا يسرع يقوي الإيمان يبين ، إن أحببته شعرت أنك قريب من الله ، هذا كله صحيح ، لا تصاحب من لا ينهض بك إلى الله حاله ، ويدلك على الله مقاله ، هذا كله صحيح ، لا أن تعبده من دون الله ، لماذا أهلك الله بني إسرائيل ؟ قال :

 

﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾

( سورة التوبة : الآية 31)

 هذا كله في أصل العقيدة مهم جداً ، ليس بينك وبين الله وسيط ، كلنا عند الله سواسية ، ادعوه مباشرة ، لأنك إذا جعلت بينك وبين الله وسيط ، هذا الوسيط لا يراك في بيتك ، ولا في عملك .

 

من مقتضيات التوحيد : الطاعة في المعروف :

 هؤلاء الذين يقيمون لأنفسهم هالة كبيرة جداً ، هذه الهالة من أخطارها أنك إن كنت في بيتك وفي عملك ، والشيخ لا يراك يمكن أن تؤذي ، وأن تعصي ، مادام الشيخ راضياً عنك فأنت في حرز حريز ، هذه عقيدة فاسدة ، لو أنك التقيت برسول الله صلى الله عليه وسلم وسألته سؤالاً ، أو استفتيته فتيا ، فأخذت من فمه الشريف فتوى لصالحك ولم تكن محقاً لا تنجو من عذاب الله .
 عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

(( إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ فَلَا يَأْخُذْهَا ))

[ صحيح البخاري ]

 أرأيت إلى التوحيد ، هذا هو التوحيد ، ينبغي أن تحب الصالحين ، وتجلس في مجالسهم ، ينبغي أن تكون ودوداً لهم ، وأن تكون في خدمة الحق ، ينبغي أن تحبهم ، لا أن تعبدهم من دون الله ، لا أن ترضيهم ، وتسخط الله ، لا أن تنفذ تعليماتهم فيما لا يرضي الله ، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
 أمر النبي عليه الصلاة والسلام على بعض الأنصار أنصارياً في سرية ، هذا الأنصاري فيما تروي كتب السيرة أنه كان ذو دعابة ، فعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :

(( بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً ، فَاسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ ، فَغَضِبَ ، فَقَالَ : أَلَيْسَ أَمَرَكُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُطِيعُونِي ؟ قَالُوا : بَلَى ، قَالَ : فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا ، فَجَمَعُوا ، فَقَالَ : أَوْقِدُوا نَارًا ، فَأَوْقَدُوهَا ، فَقَالَ : ادْخُلُوهَا ، فَهَمُّوا ، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُمْسِكُ بَعْضًا ، وَيَقُولُونَ : فَرَرْنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ النَّارِ ، فَمَا زَالُوا حَتَّى خَمَدَتْ النَّارُ ، فَسَكَنَ غَضَبُهُ ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ ))

[ متفق عليه ]

 مهما كان الإثم كبيرا ، لو أمرك بمعصية لا ينبغي أن تنصاع له ، لا ينبغي أن تنصاع لأمر من أي شخص كائن من كان إذا كان الأمر لا يرضي الله ، إذا كان الأمر في قطعة رحم أو في إساءة لمخلوق ، ينبغي ألا تطيعه ، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
 سيدنا الصديق : ما طلعت شمس على رجل بعد نبي أفضل من أبي بكر ، ومع ذلك ماذا قال ؟ قال : << أطيعوني ما أطعت الله فيكم ـ أي راقبوني ـ فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم ، بيني وبينكم كتاب الله وسنة رسول الله ، مادمت على الحق فأطيعوني ، فإن خرجت عنه فلا تطيعوني >> ، هذا أعظم إنسان بعد رسول الله .
 << والله لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناك سيوفنا >> ، قالها أعرابي لسيدنا عمر على المنبر ، قال : << والله لا خير فيكم إن لم تقولوها ، ولا خير فينا إن لم نقبلها >> .
 قالت أم عائشة : << قومي فاشكري رسول الله ـ بعد أن برأها القرآن من حديث الإفك ـ فقالت : والله لا أقوم إلا بالله بحضرة النبي >> ، فقال عليه الصلاة والسلام :

(( عرفت الحق بأهله ))

[ ورد في الأثر ]

 هذا التوحيد ، تعبد إلهاً واحداً ، وما سواه تحبهم جميعاً ، وتتأدب معهم جميعاً وتخدمهم ولا تعبدهم من دون الله .
 إخواننا الكرام : ومن ظن به أنه إذا صدقه في الرغبة ، والرهبة ، وتضرع إليه ، وسأله ، واستعان به ، وتوكل عليه أنه يخيبه ، ولا يعطيه ما سأله فقد ظن به ظن السوء .
 مستحيل وألف ألف مستحيل أن تلجأ إليه ، وتتضرع إليه ، وتسأله مخلصاً من خير الدنيا والآخرة ، ثم يخيبك مستحيل .
 لو أن أخاً دعا لأخيه ، وهو يعوده ، يقول : اللهم اشفه ، رب العرش العظيم اشفه ، اشفِ عبدك فلانًا ، إلا شفاه الله تعالى ، أرأيت إلى هذا التوجيه النبوي ؟
 ـ لذلك من ظن أنه إذا صدقه في الرغبة ، والرهبة ، وتضرع إليه ، وسأله ، واستعان به ، وتوكل عليه أنه يخيبه ، ولا يعطيه ما سأله فقد ظن به ظن السوء وظن به خلاف ما هو أهله .

 

نفسُك هي أحقُّ بسوء الظن :

 أيها الإخوة الكرام ، وليظن المرء السوء بنفسه التي هي مادة كل سوء ومنبع كل شر ، المركبة على الجهل والظلم ، فهي أولى بظن السوء من أحكم الحاكمين ، وأعدل العادلين ، وأرحم الراحمين .
 وأنا أنصح إخوتي ، وانصح نفسي قبلهم ، والله إذا جاء شيء تكرهه فأسئ الظن بنفسك ، هناك مشكلة ، أو تقصير ، لا تتهم الله في عدله ، أسئ الظن بنفسك .
 والآن أيها الإخوة ، كلكم تسمعون ما يجري في العالم الإسلامي ، هم على شفا جرف .
 أقول لكم من أعماقي والله : وأضرب مثلا قبل أن أذكر الحقيقة : أنشأ مهندس بناء ، هذه الشرفة فيها تشققات ، ماذا نفعل بها ؟ أنبقيها ؟ فقد تنهار بأصحابها ، أفنهدمها ؟ قد تكون جيدة ، مثلاً ، قال : نأتي ببراميل ماء ، ونملأها ماء ، ونضعها بهذه الشرفة ، فإذا وقعت فلا خير فيها ، وإن صمدت فهي جيدة ، هؤلاء الذين يحسبون مسلمين ليسوا كذلك ، هم يزعمون أنهم مسلمون ، وهم مليار ومائتا مليون ، وقد حدثني عالم جليل والله من فمه إلى أذني يشهد الله كنا في دعوة ، قال : ذهبت إلى بلد إسلامي في أوروبا ، وهو من هناك ، ودخل إلى أكبر مساجدها ليلقي خطبة ، ألقى خطبة رائعة جداً ، فما ملك المستمعون أنفسهم إلا بكوا ، ومن شدة تأثرهم ، وبكائهم أخرجوا زجاجات خمر من جيوبهم فشربوها ! لأنهم تأثروا بهذه الخطبة ، هؤلاء المسلمون في دول إسلامية كثيرة في آسيا يشربون ( الفوتكا )وكأنها ماء ، وهي محرمة .
 مفتي البوسنة في لقاء إذاعي قال : إخوتنا في المشرق لا يعتبوا على الله من أجلنا ، إننا لسنا مسلمين نأكل الربا ونشر بالخمر .... بعد هذه المحنة الشديدة أصبحنا مسلمين .
 لذلك إذا رأيت شدة من جهة قوية ينبغي أن تظن أن هناك تأديباً إلهياً ، فما لم نعد إلى ديننا، وإلى قرآننا ، وما لم نضبط بيوتنا ، ونربي أولادنا ، وما لم نحرر دخلنا ، وما لم نتقن إنفاقه فيما شرع الله فنحن أمام امتحان صعب .

﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ(4)وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ(5)وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾

( سورة القصص )

لابد من امتحان لإظهار حقيقة النفس :

 ذكرت من مدة رأيت قطعة ماس باستنبول ، ثمنها مائة وخمسون مليون دولار ! أصلها فحم من شدة الضغط ، والحرارة أصبحت ماساً ، فالضغط الشديد أحياناً نتألق به ، نحن متعلقون بالدنيا ، نريد أن نستريح ، ونستجم ، ونأكل ، ونجلس في أماكن جميلة ، ونتزوج أجمل النساء ، أن يكون لنا أولاد أذكياء نجباء متفوقون فقط ، نحن لا نحمل رسالة أبداً ، لا نحمل هم المسلمين ، لا نريد أن نؤدي شيئاً إلى العالم الآخر ، فنحن الآن الله يمتحننا امتحاناً شديداً ، وسيوف مسلطة علينا جميعاً في شتى بقاع الأرض ، فلابد من أن يكون هذا إنذاراً لنا ، إما أن تصطلحوا معي ، وإلا فأمامكم يوم صعب .

 

فلا رحب القصور غدا باق لساكنـها  ولا ضيق الخصــــاص
وأنت أيها المسلم كما عهدتك لا تبالي  بغير مظاهر العبث الرخاص

 أي عملية تحميل ، ينبغي أن تقبل هذا الامتحان الصعب ، والله ليس إلا الله .

 

 

﴿ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ﴾

( سورة الفتح : الآية 10)

 دخلت مرة إلى مسجد آية بحجم كبير جداً :

 

﴿ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ﴾

( سورة الفتح : الآية 10)

 شيء مريح ، الأمر بيد الله وحده ، ذكرت آية اليوم ، والله كأنني أقرأها أول مرة في حياتي والله وكأنها أنزلت لتوها :

﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ(173)فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾

( سورة آل عمران )

خاتمة :

 ألم يقل لنا الناس عبر وسائل الإعلام كلها ، والمحطات الفضائية ، واللقاءات ، ووكالات الأنباء ، والتصريحات ، والمناقشات ، ألم يقولوا لنا : إن الناس قد جمعوا لكم ؟ كم حاملة طائرات توجهت نحو الشرق الأوسط ؟ ومائة طائرة توجهت إلى القواعد هنا وهناك ، من أجل أن تشن عدواناً قوياً على بلاد المسلمين .

﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ(173)فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ(174)إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ ﴾

 

 

يخوف الناس من أولياءه .

﴿ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

 هاتان الآيتان الآن تغطيان وضع المسلمين ، كن كما يحب الله ، عبدي كن لي كما أريد أكن لك كما تريد ، عبدي أنت تريد ، وأنا أريد ، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد ، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ، ثم لا يكون إلا ما أريد ، وحّد ، اقرأ آيات التوحيد :

 

﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ ﴾

( سورة الزخرف : الآية 84)

﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾

( سورة الزمر : الآية 62)

﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ﴾

( سورة الأعراف : الآية 54 )

﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ﴾

(سورة يونس الآية : 24)

﴿ فَأَتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ﴾

( سورة الحشر : الآية 2)

 اقرأ القرآن ، كما أن العسل شفاء للأبدان ، القرآن شفاء للنفوس ، والله إن قرأت آية ، وفهمتها فهماً عميقاً ألقت في قلبك أمناً وسلاماً لو وزعت على أهل بلد لكفتهم ! لكن لابد من عودة إلى الله ، ومن صلحٍ معه ، لابد من مراجعة الحسابات ، لابد من ضبط البيوت ، لابد من ضبط الدخل ، وضبط العين ، تجلس حتى منتصف الليل ، تتابع أعمالا فنية ساقطة ، كلها مثيرة جنسياً ، هذا لا يليق بالمؤمن ، ولا بالمسلم ، حينما تنصاع لما يبثونه لك عبر الأقنية الفضائية فأنت عبد لهم ، إذا خوفوك تخاف منهم ، أما إذا كنت حراً لا تخاف منهم .
 أيها الإخوة ، والله لست متشائماً بل إني متفائلاً ، أذكركم أن كتاب سلمان رشدي هذا الذي وصف بيت أهل النبي بأوصاف لا تليق بإنسان ساقط ، هذا الكتاب سبّب إسلامَ أربعين ألف بريطاني !
 الآن الشيء الدقيق أن الكتب الإسلامية كادت تنفذ في أوروبا ، ما هذا الإسلام ؟ شيء يلفت النظر !
 حدثني أخ كريم رئيس الجالية الإسلامية في أمريكا ، وهو الآن في الشام ، جاءه اتصال هاتفي أن النساء المحجبات في واشنطن يبدو أن لهم سيرة عطرة ، هناك جمعية فيها خمسة آلاف امرأة أمريكية غير مسلمات ، تضامناً معهم وضعن الحجاب ! يبدو أن هناك نقلة نوعية لصالح المسلمين بالعين المجردة ، ليس هذا الذي حصل لصالح المسلمين ، أما في النهاية فلعل الله عز وجل يسمعنا أخبارا طيبة ، أن هذا الدين سوف ينتشر في العالم كله ، وهذا مصداق قول الله عز وجل :

﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾

(سورة الصف : الآية 9 )

 ادعوا لإخوانكم أن ينصرهم الله ، وأن يجعل تدمير أعدائهم في تدبيرهم ، وأن يجعل الدائرة تدور عليهم ، يا رب العالمين .

 

والحمد لله رب العالمين

 

الأسئلة :

 س : كيف نوفق بين قوله تعالى :

 

﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾

( سورة الأنفال : الآية 25 )

 مع قوله تعالى :

﴿ وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ﴾

( سورة سبأ )

 ج : إذا اكتفى الإنسان بنفسه ، أنا ناجٍ ، والناس أحرار ، لا خير فيهم ، ما أمر بالمعروف ، ونهى عن المنكر يصيبه ما أصابهم ، لذلك :

 

﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾

( سورة هود )

 ما قال : صالحون قال : مصلحون ، فإذا كنت مصلحاً لا تهلك ، أما إذا كنت صالحاً فتهلك .

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور