وضع داكن
28-03-2024
Logo
محفوظات - مقدمات الكتب : 33 - مقدمة الجزء الثالث من أسماء الله الحسنى.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة عن الكتاب

 الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على سيد المرسلين ، سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين .
 و بعد ... فلهذا الكتاب الذي تم دفعه إلى الطباعة بتوفيق الله ، و عونه ...قصة !
 فلقد تمنى عليّ بعض الإخوة الكرام قبل عشر سنين أن ألقي درساً أسبوعياً في جامع العثمان بدمشق ، فاستجبت لرغبتهم ، لكنني وقعت في حيرة من حيث اختيار موضوع هذا الدرس ، و بعد التأمل و البحث وجدت أن أخطر شيء في الدين العقيدة ، لأنها إن صحت صح العمل ، و إن فسدت فسد العمل .
 فهناك أناس فسدت عقيدتهم ، ففسدت أخلاقهم ، مرقوا من الدين ، كما يمرق السهم من الرمية ، تحقر صلاتك مع صلاتهم ، و عبادتك مع عبادتهم .
 و هناك أناس لهم أعمال كجبال تهامة يجعلها الله يوم القيامة هباء منثوراً ، إنهم يصلون كما نصلي و يقومون كما نقوم ، لكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ، إنهم لم يخلصوا دينهم لله ، فالعمل لا يقبل إلا إذا كان خالصاً و صواباً ؛ خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، و صواباً ما وافق السنة .
 فتوجهت إلى موضوع العقيدة ...و تيقنت أن أخطر موضوعات العقيدة هو الإيمان بالله ، فهو أصل كل الأصول ، و مرجع كل الفروع ، و لعل من أبرز موضوعات الإيمان بالله ، هو شرح أسمائه الحسنى ، و صفاته الفضلى ، ذلك أن الإنسان إذا اكتفى بأن يؤمن بأن الله خالق الأكوان ، من دون أن يطلب المزيد عن أسمائه و صفاته ، و من دون أن يخضع لأمره، و يحتكم لشرعه ؛ مثل هذا الإنسان لا يختلف كثيراً عن إيمان الذين اتخذوا من دون الله أولياء ، ثم قالوا :

﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ﴾

[ سورة الزمر : الآية 3 ]

 لقد رغبت أن يكون شرح الأسماء الحسنى ـ فضلاً عما كتبه العلماء الأجلاء في مؤلفاتهم عن أسماء الله الحسنى ـ أن يكون الشرح بطريقة تعتمد على آيات الله في الآفاق ، و آيات الله في النفس الإنسانية ، و تعتمد على أفعال الله الدالة على وحدانيته و كماله ، أي أنني رغبت أن تكون آيات الله الكونية ، و التكوينية ، و القرآنية التي هي مظهر لأسمائه الحسنى ، و صفاته الفضلى ، مصدراً أساسياً للشرح ، و لا أدري مبلغ ما وفقت فيه من التعريف بالله رب العالمين من خلال هذه الطريقة ، و لكن الذي أدريه أنني ما ادخرت وسعاً في تقريب هذه الأسماء من عقول الناس ، و قلوبهم فلعلها تكون سبباً في معرفة الله المعرفة الحقة ، التي تنجي من شقاء الدنيا و عذاب الآخرة ، و تسعد الإنسان في دنياه و أخراه .
 و بعد أن تم شرح الأسماء الحسنى في درس أسبوعي في عدد من السنوات على وجه التقريب ، و لاقت قبولاً حسناً في الأوساط الدينية ، و أذيعت مرات عديدة في عدد من الإذاعات الدينية ، في مجموعة من البلاد الإسلامية .
 ثم تمنى عليّ إخوة آخرون أن تفرغ هذه الأشرطة على شكل نصوص تجمع في كتاب ؛ ذلك أن للشريط دوراً في الدعوة إلى الله شديد الأثر ، و أن للكتاب دوراً آخر طويل الأمد ، عندها ولدت فكرة هذا الكتاب ، إذن لم يكن هذا الكتاب تأليفاً ، و التأليف له قواعده الصارمة ، و إنما كان تفريغاً لتسجيلات لدروس عامة ألقيت في مسجد ، و الدرس العام له خصائصه التي تعين على نجاحه ، ذلك لأن المتحدث في الدرس العام يواجه أعماراً مختلفة ، و ثقافات متعددة ، و نماذج بشرية متباينة ؛ فلابد من تبسيط الفكرة ، و عرضها بأسلوب جذاب ، و لابد من دعمها بأمثلة من واقع الحياة ، و بقصص من صميم المجتمع ، لأن الله جل جلاله أمرنا أن نتفكر في خلقه ، و هذه آياته الكونية ، و أن ننظر في أفعاله و هي آياته التكوينية ، و أن نتدبر في كتابه و هي آياته القرآنية ، ثم إن الدين يفسر الحياة بظواهرها الطبيعية ، و الحيوية ، و النفسية ، و الاجتماعية ، و الفردية ، و الجماعية ، و يعطي لسمو الإنسان و انحطاطه تفسيراً ، و لتماسك المجتمع و تفككه تعليلاً ، ثم إنه يوجه الإنسان و هو المخلوق الأول إلى معالم طريق الحياة المثلى التي خلق من أجلها ، و التي تليق بإنسانيته ، و التي فيها حياة قلبه و روحه ، و ليس القصد من هذه الدروس التي ألقيت في جامع العثمان بدمشق تقرير حقائق ( أكاديمية ) فحسب ؛ بقدر ما كان القصد تعريف النفس بربها ، و حملها على طاعته ، كي تسعد بقربه في الدنيا و الآخرة ، فالعبادة طاعة طوعية ، تسبقها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية ، فالإنسان من جبلته ، أنه إذا عرف الآمر ، ثم عرف الأمر ، تفانى في طاعة الآمر ، أما إذا عرف الأمر ، و لم يعرف الآمر ، تفنن في التفلت من أمره ، و هذه مشكلة العالم الإسلامي الأولى ، معرفة الأمر و ضعف في معرفة الآمر ، فتعزيز معرفة الآمر ، من خلال معرفة أسمائه الحسنى و صفاته الفضلى ، هو الهدف الأول من هذا المؤلف.
 ولابد من أن أشكر في نهاية المطاف ، كل الإخوة الكرام الذين ساهموا بشكل أو بآخر في إخراج هذا الكتاب إلى حيز الوجود ، و أخص بالشكر الذين صمموا برامج الحاسوب التي أفرغت فيها النصوص ، و الذين أفرغوا الشريط على الكمبيوتر ، و الذين راجعوا النصوص مع الشريط ، و الذين دققوا النصوص لغوياً ، و الذين نفذوا التصحيح على الأصل ، ثم الذين نضدوا نصوص الكتاب ، و أخرجوه على الشكل الفني الذي هو عليه ، و الذين راجعوا النصوص مراجعة أخيرة ، و الذين نفذوا طباعته ، و القائمين على الدار التي نشرته، و على رأسهم صاحب الدار ، سواء منهم من أخذ أجرة أو ابتغى أجراً ، إلى كل هؤلاء الذين ساهموا في إخراج هذه الموسوعة إلى حيز التداول ، ممن أعرفهم و ممن لا أعرفهم ، و ما ضرهم أني لا أعرف بعضهم إذا كان الله يعرفهم ، إنهم فريق عمل دعوي ، إنهم جميعاً مشمولون بقوله تعالى :

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة فصلت : الآية 33]

 و أرجو الله أن أكون واحداً منهم ، و أُشهدُ الله أنه لن ينالني من هذا الكتاب أي نفع مادي ، ما دمت حياً ، راجياً أن أكون من يبتغي وجه الله بعمله ، فلعل الله يقبلنا جميعاً ، و يرحمنا جميعاً .
 و أنا أدعو الإخوة القراء ...أن يقدموا لي أثمن هدية ... و هي ملاحظاتهم القيمة ، و نقدهم الموضوعي البناء ، فما من أحد أصغر من أن يَنقُد ، و ما من أحد أكبر من أن يُنقَد ، إلا صاحب القبة الخضراء ، الذي عصمه الله عز وجل ، و سيدنا عمر يقول أحب ما أهدى إلي أصحابي عيوبي ، و ليس الذي يقبل النصيحة بأقل أجراً من الذي يسديها تقرباً إلى الله ، فالدين النصيحة .
 ثم إني أدعو الله جل و علا أن يجزي عنا سيدنا محمداً صلى الله عليه و سلم الذي أرسله الله رحمة للعالمين ، بشيراً و نذيراً خير ما جزى نبياً عن أمته ، و أن يجزي صحابته الكرام ، و أهل بيته الأخيار ، و الطيبين الطاهرين ، الهادين المهديين ، أمناء دعوته ، و قادة ألويته ما هم أهله ، و أن يجزي الله و الدنيا ، و مشايخنا ، و من علمنا ، و من له حق علينا ، خير الجزاء .
 و في الختام أعوذ بك يا رب أن يكون أحد أسعد بما علمتني مني ، و أعوذ بك أن أقول قولاً فيه رضاك ألتمس به أحداً سواك ، و أعوذ بك من فتنة القول كما أعوذ بك من فتنة العمل ، و أعوذ بك أن أتكلف ما لا أحسن ، كما أعوذ بك من العجب فيما أحسن .

*****

تمهيد

 أتمنى على القارىء الكريم قبل أن يشرع في قراءة موسوعة أسماء الله الحسنى ، أن يقرأ هذا التمهيد ليُلم بعدد من الحقائق المتعلقة بمضمون هذه الموسوعة ، كمعنى الإحصاء الذي جعله النبي صلى الله عليه وسلم سبباً لدخول الجنة ، و الدعاء بأسماء الله الحسنى الذي جعله الله تعالى سبباً للاستجابة ، و كيف أن الفهم العميق لأسماء الله الحسنى جعله الله تعالى سبباً لفهم القرآن الكريم ، و فهمه و العمل به سبب النجاة في الدنيا و الآخرة ، و معرفة أسماء الله الحسنى سبب لتعظيم الله المنجي من عذاب الله ، و معرفة أسماء الله الحسنى سبب للتحرر من سيطرة العباد و قهرهم ، و معرفة أسماء الله الحسنى باعث قوي على التوبة النصوح ، التي هي سبب لسعادة الدارين ، و هذا ما سأعالجه في هذا التمهيد للكتاب .

* * *

 أخرج البخاري في صحيحه ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :

(( إن لله تسعة و تسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة ))

 يتضح من هذا الحديث أن أصل الدين معرفته ، فمستحيل أن تعرفه ثم لا تحبه ، و أن تحبه ثم لا تطيعه ، و أن تطيعه ثم لا تسعد بقربه ، في الدنيا و الآخرة .
 و النبي صلى الله عليه و سلم يقول : " من أحصاها " فالإحصاء يختلف عن العدّ ، لقوله تعالى:

﴿ لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً ﴾

[ سورة مريم الآية : 94]

 فمن أحصاها فقد استوفاها ، أي أنه لا يقتصر على بعضها ، لكن يدعو الله بها كلها ، و يثني عليه بجميعها ، فيستوجب الجنة .
 أو من أطاق القيام بحق هذه الأسماء ، و العمل بمقتضاها ، و هو أن يعقل معانيها ، فيلزم نفسه بواجبها . و من معاني " أحصاها " : أنه عرفها على وجه التفصيل ، لأن العارف بها لا يكون إلا مؤمناً ، و المؤمن يدخل الجنة . و قيل : أحصاها يريد بها وجه الله و إعظامه ، و قيل : معنى أحصاها : عمل بها ، فإذا قال " الحكيم " مثلاً سلَّم لله في جميع أوامره ، و في جميع أفعاله ، لأن جميعها مقتضاها الحكمة ، و إذا قيل " القدوس " ، استحضر كونه منزهاً عن جميع ما لا يليق بجلاله ، و قال بعض العلماء : معنى أحصاها أي : سلك طريق العمل بها ، فليوطن العبد نفسه على أن يصح له الاتصاف بها ، و ما كان يختص بالله تعالى : كالجبار و العظيم فيجب على العبد الإقرار بها ، و الخضوع لها ، و عدم التحلي بصفة منها ، و ما كان فيه معنى الوعد نقف منه عند الطمع و الرغبة ، و ما كان فيه معنى الوعيد نقف منه عند الخشية و الرهبة ، فهذا معنى أحصاها و حفظها ، و يؤيده أن من حفظها عداً و أحصاها سرداً و لم يعمل بها ، يكون كمن حفظ القرآن و لم يعمل بما فيه ، و قال بعضهم : و ليس المراد بالإحصاء عدها ليس غير ، لأنه قد يعدها الفاجر ، و إنما المراد العمل بها ، و قال أبو العباس : يحتمل الإحصاء معنيين أحدهما : أن المراد تتبُّعها من الكتاب و السنة ، حتى يحصل عليها ، و الثاني : العمل بها ، و تمام الإحصاء أن يتوجه إلى الله تعالى من العمل الظاهر و الباطن بما يقتضيه كل اسم من الأسماء ، فيعبد الله بما يستحقه من الصفات المقدسة التي وجبت لذاته ، قيل : من حصلت له جميع مراتب الإحصاء حصل على الغاية ، قال أبو الحسن القابسي : أسماء الله و صفاته لا تعلم إلا بالتوقيف من الكتاب أو السنة أو الإجماع ، و لا يدخل فيها القياس ، و لم يقع في الكتاب ذكر عدد معين ، و ثبت في السنة أنها تسعة و تسعون ، قال تعالى :

﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

[ سورة الأعراف الآية : 180]

 قال أهل التفسير : من الإلحاد في أسمائه ، تسميته بما لم يرد في الكتاب أو السنة الصحيحة، و أشار ابن القيم رحمه الله إلى أن الإحصاء مراتب ، و ذكر بأنه لو قررنا أن المعنى هو حفظها ، فحفظ القرآن الكريم على سبيل المثال معروف ثواب حفظه ، كما قال صلى الله عليه و سلم : " الذي يقرأ القرآن و هو حافظ له مع السفرة الكرام البررة " ، فلو فرضنا أن منافقاً حافظاً للقرآن ؛ لكنه لا يحل حلاله و لا يحرم حرامه ، فهل ينفعه حفظه للقرآن ؟ و هل تنفعه تلاوته للقرآن ؟ فالقرآن حجة للمرء أو عليه ، فكذلك هذه الأسماء حينما تكون مجرد حفظ فقط لا ينفعه حفظها ، لكن يحفظها و يتأمل معانيها و يلزم نفسه بمقتضياتها.

* * *

 لقد أمر الله تبارك و تعالى عباده بأن يدعوه بأسمائه فقال :

﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾

[ سورة الأعراف الآية : 180]

 و في القرآن الكريم في مواضع عدة أخبر الله سبحانه و تعالى عن جمع من أنبيائه أنهم يدعونه عز وجل بأسمائه و صفاته ، كقوله تعالى :

﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾

[ سورة الأنبياء الآية : 83]

 و نرى ذلك في السنة ، فيما نقل عن النبي صلى الله عليه و سلم من أدعية دعا بها ، أو أمرنا أن ندعو بها ، نجد كثيراً من النصوص فيها الدعاء بالأسماء و الصفات ، و من ذلك قوله صلى الله عليه و سلم :

" ما أصاب مسلماً قط هم ، أو حزن ، فقال : اللهم إني عبدك ، وابن عبدك ، و ابن أمتك ، ناصيتي ، ماض في حكمك ، عدل في قضاؤك ، أسألك بكل اسم هو لك ، سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحداًُ من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ، أن تجعل القرآن ربيع قلبي ، و نور بصري ، و جلاء حزني ، و ذهاب همي ، إلا أذهب الله تعالى همه ، و أبدل مكان حزنه فرحاً "
قالوا : يا رسول الله أفلا نتعلم هذه الكلمات ؟ قال : بلى ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن .

 و الدعاء بأسماء الله و صفاته ينبغي أن يتناسب مع ما يدعو به المسلم ، كما قال أحد العلماء : " يطلب بكل اسم ما يليق به ، تقول : يا رحيم ارحمني ، يا حكيم احكم لي ، يا رزاق ارزقني ، يا هادي اهدني " .
 و قال ابن القيم : " يسأل في كل مطلوب باسم يكون مقتضياً لذلك المطلوب ، فيكون السائل متوسلاً بذلك الاسم ، و من تأمل أدعية الرسل وجدها مطابقة لهذا ".

* * *

 حين تتأمل كتاب الله عز وجل لا تكاد تفقد الحديث عن الأسماء و الصفات ؛ ففي سورة من السور ، أو صفحة من الصفحات ، تجد أحياناً سرداً لأسماء الله عز وجل ، و صفاته ، و حديثاً عن عظمة الله سبحانه و تعالى ، و أحياناً تأتي تعقيباً على آية من الآيات في وعد ، أو وعيد ، أو حكم شرعي ، أو عن أنبيائه و رسله ، أو حديثاً عن المكذبين الضالين ، فلماذا هذا الحديث المستفيض في القرآن الكريم عن الأسماء و الصفات ؟ أليس هذا موحياً بأهمية السماء؟ ثم أليس موحياً بأن هناك واجباً آخر ينبغي أن نسعى إلى تحقيقه ؟ و ألا نقف عند مجرد الإثبات وحده ، و هو أمر مهم ، بل الانحراف فيه ضلال .
 ثم إننا كثيراً ما نجد الآيات تختم بالأسماء و الصفات ، و هي تختم ختماً مناسباً بمعنى ما دلت عليه الآية ، و يحكى أن أعرابياً سمع رجلاً يقرأ قول الله عز وجل :

﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾

[ سورة المائدة الآية : 38]

 فقال : هذا الأعرابي لستَ قارئاً للقرآن ، و لكن عزّ فحكم فقطع ، و لو غفر و رحم لما قطع ، و لهذا تجد ختم الآية مناسباً لمعناها .

﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾

[ سورة المائدة الآية : 38]

 إذاً ختم الآيات بالأسماء و الصفات يعطينا دلالة على الارتباط بين الاسم و الصفة ، و بين ما سبق في الآية ، ثم تجد عجباً حينما تتأمل الفرق بين ما قد يبدو لنا أنها أسماء مترادفة و هي ليست كذلك ، فأحياناً يأتي ( غفور رحيم ) و أحياناً ( غفور حليم ) و بينهما فرق دقيق ، و أحياناً ( عليم حكيم ) و أحياناً ( عليم حليم ) و بينهما فرق دقيق ، و لو قرأت في كتب التفسير لوجدت عجباً في ذلك .

* * *

 و معرفة الأسماء الحسنى ، و الصفات الفضلى سبب لتعظيم الله سبحانه و تعالى ، ذلك أن المسلم الذي يعلم أن الله حليم كريم ، و أنه عز وجل غفور رحيم ، و أنه شديد العقاب ، بطشه شديد ، و كيده متين ، و لا يعجزه شيء في الأرض و لا في السماء ، إذا أراد شيئاً إنما يقول له كن فيكون ، و حينما يعلم أن الله سميع بصير، لا تخفى عليه خافية في الأرض ، و لا في السماء ، حين يعلم هذه الأسماء و تلك الصفات ، فإنه يزداد تعظيماً له سبحانه و تعالى ، و يزداد خضوعاً له ، فيسعد بقربه في الدنيا و الآخرة .

* * *

 فالمسلم حينما يعلم أسماء الله الحسنى ، و صفاته الفضلى ، يستهين بالمخلوقين ، و يشعر أن المخلوق لا يساوي شيئاً ، بل انظر إلى أثر هذا الأمر عند هود عليه السلام ، حينما عاداه قومه ردّ عليهم مستهيناًَ بجبروتهم :

﴿ قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة هود الآية : 53]

 فعلم هود أنهم قوم لا يعرفون إلا منطق التحدي ، فقال لهم متحدياً :

﴿ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ  مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ ﴾

[ سورة هود الآية : 54-55 ]

 إن علمه بأن نواصي العباد بيد الله هو الذي دفعه إلى أن يستهين بجبروتهم و ببطشهم .
 و حين يدرك المسلم أن نواصي العباد بين يدي الله عز وجل يشعر أن المخلوق لا يساوي شيئاً ؛ فلا يمكن أن يتوجه إلى المخلوق ، و لا يرجو منه نفعاً و لا نوالاً ، و لا يخشى منه منعاً و لا بطشاً .

* * *

 حينما يعلم المسلم أن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، و يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ، و حينما يعلم أن الله ينزل إلى السماء الدنيا فيقول : هل من سائل فأعطيه سؤله؟
 هل من مستغفر فأغفر له ؟ حينها يقبل على الله عز وجل ، و يتوب إليه و يشعر أن الله رحيم رؤوف و أنه سيقبل التوبة .
 أرجو الله جل و علا أن يوفق قراء هذه الموسوعة لمزيد من معرفة الله تعالى فهي أصل الدين، و لمزيد من الالتزام بأمره و نهيه ، فهو أصل العمل الصالح و هما أصل سعادة الدارين .

* * *

الدكتور محمد راتب النابلسي

الباعث - القادر المقتدر - الماجد المجيد - المحيي المميت - المقدم المؤخر - المانع - المقسط - الوالي - الباقي - الرشيد - الوارث - القوي المتين - الستار - الرب - الحافظ - الأكرم - المضل - عالم الغيب و الشهادة - المدبر - الشافي - المسخر - المريد - المصطفي - الديان - العالم - المبين - مؤتي الحكمة

الدكتور محمد راتب النابلسي

إخفاء الصور