- أحاديث رمضان
- /
- ٠18رمضان 1435 هـ - خواطر إيمانية
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألوينه ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل و الوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
للقصص في القرآن الكريم دلالات كبيرة جداً :
أيها الأخوة الكرام ؛ القصص في القرآن الكريم لها دلالات كبيرة جداً ، والحقيقة التعبير اللغوي إما أن يكون بشكل مباشر ، أو بشكل غير مباشر ، فأنت تقول مثلاً : تكاثرت عليّ المصائب هذا تعبير مباشر ، لكن حينما تقول :
بلاني الدهر بالأرزاء حتى فــــــــــــــــؤادي في غشاء مـن نبال
فصرت إذا أصابتني سهـام تـــــــــكسرت النصال على النصال
***
المعنى الثاني كالأول تماماً لكن الأول تعبير مباشر ، والثاني تعبير غير مباشر .
الآن في هذه الصلاة المباركة قرأ الإمام حفظه الله تعالى في سورة ص قصتين ؛ قصة سيدنا سليمان ، وسيدنا داود ، سيدنا داود حكم بين متخاصمين قال :
﴿ إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ * قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ ﴾
لم يسمع من الثاني ، الأخ الأول يملك تسعاً و تسعون نعجة يرعاها ، أخوه له نعجة واحدة يرعاها أيضاً ، قال له : أعطني إياها وتفرغ لشيء آخر ، أنا أضمها للنعاج ، فقال له :
﴿ إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ * قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ ﴾
المغزى الدقيق من هذه الفقرة أنه كان في خلوة مع الله ، وكان أسعد الناس بهذه الخلوة فلما جاءه المتخاصمان أعطى حكماً سريعاً ، فمعنى ذلك أنت لك حالة مع الله ، وحالة مع الناس ، إذا كانت حالتك مع الله على حساب حالتك مع الناس فأنت لم تفعل الأولى، هذا ما فعله سيدنا داود، أما سيدنا سليمان فبالعكس .
﴿ أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي ﴾
فحالته مع الناس ضغطت على حالته مع الله ، معنى ذلك أن المؤمنين إلى نهاية الدوران معرضون لتطرف من هذين التطرفين ، إما مواعيد ، ولقاءات ، وتقارير ، وندوات تلفزيونية، وندوات إذاعية ، ومؤتمرات و كل هذا على حساب صلته بالله عز وجل ، أو ليس له عمل صالح جالس بخلوة مع الله ، هذا خطأ ، وهذا خطأ ، أو الأصح : هذا ترك الأولى ، وهذا ترك الأولى ، أي موضوع التوازن ، والحقيقة التطرف سهل يحسمه أي لسان ، أما التوازن فليس سهلاً .
مثلاً تكون قاسياً جداً مع أولادك ، ضرب شديد ، تعنيف شديد ، أو تكون راخياً لهم الحبل هذه أيضاً سهلة ، أما ابنك فيحتار معك ، بقدر ما يحبك يخافك ، دائماً الوضع الوسطي يحتاج إلى جهد كبير ، أما التطرف فسهل ، كل إنسان يحسم التطرف ، لكن التوازن ليس سهلاً .
التوازن يحتاج إلى جهد كبير أما التطرف فسهل جداً :
أيها الأخوة الكرام : القصتان تعنيان الدعاة جميعاً ، أحياناً يكون الداعية ناجحاً جداً بالدعوة ، من لقاء إلى لقاء ، إلى دعوة ، إلى محاضرات ، إلى ندوة ، على حساب شحن نفسه مع الله ، فضعف ، والثاني لا يقدم للناس شيئاً لكن حالته مع الله جميلة جداً ، هذا ترك الأولى ، وهذا ترك الأولى ، سيدنا سليمان :
﴿ أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي ﴾
وسيدنا داود :
﴿ قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ ﴾
لذلك أيها الأخوة ؛ دائماً التوازن مثلاً نحن في حياتنا اليومية نجد شخصاً ناجحاً جداً في عمله ، لكنه غير مرتاح ببيته أبداً ، شخص آخر ناجح جداً في بيته لكنه بالمجتمع غير ناجح ، البطولة أن تنجح في الموضوعين ، مثلاً كل واحد منا بعمله يرتدي ثياباً نظيفة ، أنيقة ، مرتبة ، و هناك تناسب في الألوان ، وهو لطيف ، يصافح بحرارة ، يبتسم ، يرحب ، يأتي لبيته يكون قاسياً جداً ، ماذا قال النبي الكريم ؟
(( خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ ))
البطولة في البيت ، في الخارج يوجد رقيب ، و محاسب ، و منتقد ، و متابع ، و إنسان ينقل الصورة السيئة للآخرين ، فأنت تخاف على سمعتك ، ففي الخارج عناية بالغة ، أما بالبيت فلا يوجد أحد يحاسبك ، أنت أعلى مرتبة بالبيت ، فأنا أقول البطولة بالتوازن بين البيت وبين العمل ، والذي قال :
(( خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ ))
فيجب أن يكون هناك توازن بين الفهم وبين العمل الصالح :
﴿ أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي ﴾
وسيدنا داود :
﴿ قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ ﴾
لم يسمع من الثاني ، أيضاً الصورة تعلمنا التوازن ، أعط كلّ ذي حق حقه ، كتعبير عن الموضوعين .
الباطل متعدد أما الحق فواحد لا يتعدد :
أخواننا الكرام ؛ الباطل بالأرض لا يستوعبه عمر الإنسان لأنه متعدد .
﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ ﴾
جاء الصراط مفرداً والباطل جمعاً ، أي فرقة ضالة استيعابها يحتاج إلى سنوات ، كي تفهم منطلقاتها النظرية ، و انحرافاتها العقدية و السلوكية إلى أن تنطوي ، فالبحث بالتفاصيل بعمق لا يكفي ، أما الرد فإذا أمضيت عمرك باستيعاب الحق ، فالحق يستوعب وما سواه الباطل .
فلذلك إذا الإنسان فهم القرآن ، وتعلم القرآن ، وتعلم سنة النبي العدنان هذا العمر يتسع لاستيعاب الحق ، أما الباطل فلا يستوعب .
لذلك قالوا : الحرب بين حقين لا تكون ، مستحيل ، الحق لا يتعدد ، نقطتان ارسم بينهما خطاً مستقيماً لو حاولت أن ترسم ألف خط مستقيم بينهما تأتي جميعها فوق بعضها ، الحق لا يتعدد ، لكنك تستطيع أن ترسم مليون خط منحن أو منكسر ، فالباطل متعدد ، والحق لا يتعدد، فالحرب بين حقين لا تكون ، وبين حق وباطل لا تطول ، وبين باطلين لا تنتهي .
التوكل و التواكل :
الآن الموقف الدقيق : هناك أشخاص يتوكلون على الله ، توكل بلا أساس ، هذا يسميه العلماء التواكل ، وهناك شخص يأخذ بالأسباب إلى أعلى درجة ويعتمد عليها وينسى الله ، تماماً كالغرب والشرق ، الغرب أخذ بالأسباب واعتمد عليها وألهها ونسي ربه ، والشرق لم يأخذ بها كلاهما على باطل ، ينبغي أن تأخذ بها وكأنها كل شيء وأن تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم تتوكل على الله وكأنها ليست لشيء ، لكن تتالي النكسات على الأمة العربية والإسلامية سبب ثقافة مؤلمة جداً ، أنا أسميها سابقاً لا لاحقاً ثقافة اليأس ، والإحباط ، والطريق المسدود ، لكن الله رحمنا وأنعشنا نعشات متعددة .
مثلاً : دولة مثل تركيا من دولة علمانية كافرة إلى دولة إسلامية ، هذا انتعاش ، فئة قليلة تنتصر على رابع جيش في العالم ، الآن صار هناك طائرة ، تأتي الصواريخ في أماكن دقيقة جداً ، هذا شيء نحن تفاجأنا به ، هذا أيضاً إنعاش ، و هكذا عندما يعم اليأس ، والقنوط ، والطريق المسدود ، والإحباط ، تأتي هذه المنعشات من الله ، وكأنها تقول : يا عبادي أنا موجود ، لا تقلقوا الأمر بيدي .
الأمر كله بيد الله والإحباط واليأس من الشيطان :
الملخص :
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ ﴾
متى أمرك أن تعبده ؟ بعد أن طمأنك أن الأمر كله بيده ، بالمناسبة : لو أسلمك إلى غيره لا يستحق أن تعبده قال لك :
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ ﴾
متى أمرك أن تعبده ؟ بعد أن طمأنك ، الأمر بيده لا تقلق ، نحن أحياناً نرى قوة الغرب، وجبروت الغرب ، وذكاء الغرب ، واحتيال الغرب ، ومراوغة الغرب نيئس ؟ لا ، القلق واليأس والإحباط ليس من صفات المؤمن .
لذلك سيدنا رسول الله كان بالهجرة ملاحقاً ، مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً ، تبعه سراقة ، تصور حالة إنسان ملاحق ، مهدور دمه ، مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً ، يتبعه سراقة يقول له : يا سراقة ، كيف بك إذا لبست سواري كسرى ؟ ما هذا الكلام ؟ ملاحق ، مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً ، وكيف بك إذا لبست سواري كسرى ؟ أي أنا سأصل ، وسأستقر في المدينة، وسأؤسس دولة ، وسأنشئ جيشاً ، وسأحارب الفرس أكبر دولة ، والروم ، وستأتيني الغنائم ولك يا سراقة سواري كسرى ، هذا حصل في عهد سيدنا عمر ، جاء به ، وأعطاه سواري كسرى ثم قال : بخ بخ أعرابي من بني مدلج يلبس سوارى كسرى ؟ هذا وعد الله عز وجل ، لذلك النبي ملاحق ، مئة ناقة لمن يأتي به ميتاً أو حياً قال له : سأنتصر .
فالمفروض بالمؤمن أن يكون متفائلاً ، والإحباط واليأس والشعور أن الطريق مسدود ، و لا يوجد أمل وانتهينا ، هذا كله كلام من الشيطان ، ليثبط الذين آمنوا ، لذلك في معركة الخندق :
﴿ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً ﴾
تتالي النكسات سبب ثقافة اليأس والإحباط و لكن نصر الله قريب :
الآن مع تأخر النصر في بعض البلاد ، الناس ضعف إيمانهم ، يقولون : أين الله؟ فلذلك قد يشتد البلاء ، ويشتد البلاء ، ويشتد حتى يقول ضعاف الإيمان : أين الله ؟ ثم يأتي الفرج فيقول الكفار : لا إله إلا الله .
لذلك تتالي النكسات سبب ثقافة اليأس ، والإحباط ، والطريق المسدودة ، الله أنعشنا بإنعاشات كثيرة ، أي الأخبار أحياناً فيها إيجابيات مريحة جداً ، إن شاء الله عز وجل سننتصر على أعدائنا جميعاً ، ويحفظنا الله ، ويحفظ بلاد المسلمين ، ويحقن دماء المسلمين في الشام والعراق وفلسطين ، ويجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه .