- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠06برنامج عطر السنة - قناة إقرأ
المذيع:
أعزائي المشاهدين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أرحب بكم أجمل ترحيب في حلقة جديدة من برنامجكم :"عطر السنة" ، في هذه الحلقة نتفيأ ظلال النبوة العطرة من فم أستاذنا الكريم الدكتور محمد راتب النابلسي حفظه الله .
أعزائي المشاهدين تحدثنا في حلقة سابقة عن الأخوة ، أستاذنا هناك حديث للنبي صلى الله عليه وسلم عظّم من شأن الأخوة في الله وأعلى رتبتها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
(( والمُتَحَابّونَ فيّ جَلاَلِي لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمُ النّبِيّونَ وَالشّهَدَاءُ ))
كيف نفهم هذا الحديث الجميل ؟
الحبّ في الله و الحبّ مع الله :
الدكتور راتب :
والله أنا أفهم هذا الحديث بما يلي : الحب في الله عين التوحيد ، والحب مع الله عين الشرك ، إذاً هناك حب في الله وحب مع الله ، الأول عين التوحيد والثاني عين الشرك ، أنا حينما أحب الله عز وجل أحب رسوله ، أحب دينه ، أحب المسلمين ، أحب الأتقياء ، أحب الصالحين ، أحب العمل الصالح ، أحب الصدق ، أحب الأمانة ، هذا الأصل أن تحب الله له مليون فرع ، وكل هذه الفروع تنتمي لهذا الأصل ، هذا حب في الله ، أحب العلماء ، أحب الدعاة إلى الله ، لا أتنافس معهم أبداً ، يكمل بعضهم بعضاً ، أحب من حولي من أخواني ، أحب الإنسان أي إنسان ، وقف النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة لغير مسلم ، قالوا : هذا غير مسلم ؟ قال : أليس إنساناً ؟ أنا أرى موضوع الإنسانية شيئاً مهماً بالدين .
أذكر مرة ، دخل رجل إلى بستان أنصاري ، وأكل من شجرهِ من دون إذنِ صاحبه، فساقَه إلى النبي صلى الله عليه وسلم على أنه سارق ، يوجد إجابة للنبي تذهل ، قال له : هلا أطعمتَه إن كان جائعاً ؟ عالج القضية من أسبابها ، جائع قبل أن تقول سارق أطعمته ؟ أفهمه ، بين أن نفهم الأشياء من آخر فصل ، ونقيم الدنيا ولا نقعدها ، ونتهم ونتجاوز ونبطش ، افهمها من أولها ، إنسان فقير هلا أطعمته إن كان جائعاً أو علمتَه إن كان جاهلاً ؟
إما أنه جائع أو جاهل .
المذيع:
الذي دفعه إلى هذا الخطأ إما أن يكون جائعاً أو أن يكون جاهلاً .
الدكتور راتب :
النبي عالج المشكلة من أسبابها لا من نتائجها ، يقول : هذا إرهابي ، هذا عنده مليون مشكلة ، سحقته ، حرمته ، هدمت له بيته ، يجب أن تتحمل منه أي شيء ، وشيء غير منضبط وشيء فيه تجاوز طبعاً .
المذيع:
أستاذنا الكريم الحقيقة النبي صلى الله عليه وسلم عظّم من شأن الأخوة تعظيماً كبيراً ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما مدح فيه الأخوة ، مع أن العرب يقال : كانوا قساة غلاظاً أجلافاً ، لكن النبي صلى الله عليه وسلم يضع هذه الرقة في قلوبهم ، فيقول :
(( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ ......رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه))
المجتمع العربي كان يعرف العلاقات والوشائج والروابط ويعرف الصداقات ، لكن النبي صلى الله عليه وسلم أضاف إلى هذه المعارف الدنيوية بعداً جديداً سماه الأخوة والتحابب في الله عز وجل ، ماذا تقول في هذا الشأن ؟
توافق الإنسان في أصل فطرته مع منهج الله عز وجل :
الدكتور راتب :
أقول إنه لخص بعثته كلها بكلمات قال :
(( وإنما بعثت معلماً ))
(( إنما بُعِثتُ لأُتَمِّمَ حُسْنَ الأخلاقِ ))
العرب كانوا على أخلاق ؛ الكرم والشجاعة أكبر سمتين من سمات أخلاق العرب، لذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة وقد أسلم حديثاً :
(( أسلمت على ما أسلفتَ لك من خير ))
الإنسان عنده بنية ، عنده عقل باطن ، فإذا صح هذا العقل الباطن وهذه البنية التحتية - إن صح التعبير - تجد ردود فعله للهدى واضحة جداً :
(( أسلمت على ما أسلفتَ لك من خير ))
والإنسان في أصل فطرته متوافقاً مع منهج الله ، قال تعالى :
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّه﴾
أن تقيم وجهك على أحكام هذا الدين إقامةً تامة هو ما فطرت عليه ، هو ما جبلت عليه ، الإنسان حينما يتوب إلى الله يصطلح مع فطرته ، لو إنسان وجد في جزيرة ما سمع كلمة دين بحياته ، سفينة غرقت التجأ إلى جزيرة نشأ مع أمه ، لو اصطاد أرنباً وأكله وحده يحس بالكآبة ، هذا عقاب الفطرة ، الكآبة عقاب الفطرة ، هناك كآبة بالعالم الغربي تزيد عن مئة وسبعة وخمسين بالمئة ، أي مئة معهم كآبة وسبعة وخمسون معهم كآبتان ، لأنهم خالفوا الفطرة، تجد هذا الموضوع في الشرق الأوسط قليل جداً ، لأن هناك إيماناً بالله .
المذيع:
أستاذنا هناك بواعث فطرية للعلاقات الاجتماعية كرابطة الدم والجيرة ، والصداقة والشراكة وغير ذلك من روابط ، ما الذي يميز الأخوة عن هذه الروابط ؟
ما يميز الأخوة عن باقي الروابط :
الدكتور راتب :
تلك الروابط تنتهي بزوال المنفعة ، أنا مندوب شركة ، جاء مندوب هذه الشركة أكرمته إكراماً كبيراً ، معي أرباح طائلة من هذه الشركة ، لو أن هذه الشركة سحبت مني الوكالة لا أسلم عليه بعدها ، العلاقات التي أنشأتها الحاجات تنتهي بانتهاء الحاجات ، أما العلاقات التي أودعها الله في نفوسنا فالإيمان هذا مستمر .المذيع:
أستاذنا الكريم الأخوة في الله هناك من يقول : إنها حالة أدبية وليست حالة واقعية هل هذا صحيح ؟
الاعتصام بمنهج الله يرفع الأخوة الإيمانية إلى مستوى الأخوة النسبية :
الدكتور راتب :
لأن الواقع مؤلم ، نحن استنبطنا الرد على هذه المقولة من الواقع ، لما تفلت الناس من منهج الله كانت الخلافات بينهم ، قال تعالى :
﴿ َقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ﴾
﴿ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ﴾
ما دام في بعد عن الله ، ماذا قال الله عز وجل ؟
﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً ﴾
لا يوجد شيء يعتصم الناس به ، الذي يعتصم به هو الدين ومنهج الله ، وحي السماء ، فإذا ابتعدنا عن هذا الدين العظيم ، أصبحت علاقتنا علاقة مصالح ، الدنيا تفرق ، والآخرة تجمع .
المذيع:
ولذلك ذكر الله عز وجل ما تفضلتم به في آية الأخوة في سورة آل عمران حيث يقول تعالى :
﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ ﴾
الدكتور راتب :
الحقيقة أن الأخوة الإيمانية أكبر علاقة ، بل لعل الله رفع الأخوة الإيمانية إلى مستوى الأخوة النسبية ، قال :
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾
أنا حينما ألتمس أخاً في الله ، أحبه ويحبني ، بالتوافق التام بين المنطلقات والمبادئ والأهداف والحاجات والأنماط هذه كها متوافقة ، التوافق الحقيقي توافق ديني .
المذيع:
أستاذنا قد يقول قائل : أنا لا أستطيع أن أحب كل الناس ، هو يقول لمن يحدثه عن الأخوة في الله : يجب أن تكون أخاً لكل المؤمنين ، لكل المسلمين ، يقول لك : أنا قلبي لا يتسع لكل هؤلاء .
من يتعلق بالجمال الإلهي يحبّ كل عباد الله :
الدكتور راتب :
الموضوع موضوع مبادئ لا موضوع أشخاص ، الإنسان يحب النوال والكمال والجمال ، يحب النوال - العطاء - الذي أعطاك مليون ليرة وسيارة وشكله لا يرضيك ، تحبه مع أن شكله لا يرضيك ، النوال والجمال والكمال ، فالإنسان عندما يتعلق بالجمال الإلهي يحب كل عباد الله ، يتعلق بالنوال الإلهي ، يحب كل معطي ، يحب المحسنين ، هذه الجمال والكمال والنوال فطرة ، فإذا اتفق الناس حولها جميعاً توافقوا وتراحموا وتناصروا .
﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا ﴾
الشرك يبعد ، الآخرة تجمع والدنيا تفرق .
المذيع:
أستاذنا الأخوة الإيمانية هل لها حقوق ؟ ما هي حقوقها ؟
حقوق الأخوة الإيمانية :
الدكتور راتب :
طبعاً ، الحق أن تنصحه ، إن استعان بك أعنته ، وإن استنصرك نصرته ، وإن استقرضك أقرضته ، وإن مرض عدته ، وإن أصابه خير هنأته ، وإن أصابته مصيبة عزيته ، ولا تستطل عليه بالبناء فتحجب عنه الريح إلا بإذنه ، شيء كثير جداً ، الأخوة في الله أقوى علاقة على الإطلاق بين إنسانين .
المذيع:
ولذلك الصحابة الكرام رضي الله عنهم لما رفعوا علم الأخوة في الله ، الأخوة الإيمانية استطاعوا أن يستقبلوا كافة الحضارات والشعوب والألسن والأجناس والأعراق تحت هذه الرابطة الكريمة المقدسة ، الحقيقة أن شعوبنا وأمتنا بحاجة إلى هذه المفاهيم المتجددة .
الدكتور راتب :
افترق صحابيان عقب صلاة العشاء ، في الشتاء الفجر في الساعة الثانية والنصف فلما التقيا تعانقا وقالا : وا شوقاه يا أخي . من أربع ساعات !! الحب شيء عجيب ، هذا سبب قوة المؤمنين .
خاتمة و توديع :
المذيع:
الله يرزقنا المحبة فيه ، جزاك الله خيراً أستاذنا لم يبق من وقت حلقتنا إلا أن أشكرك جزيل الشكر على هذا العبق الكريم من عبق النبوة ، وأنتم أعزائي المشاهدين لم يبق من وقت هذه الحلقة إلا أن أشكركم ، وقبل أن أشكركم أودعكم على أن تكونوا أخوة متحابين في الله، متزاورين في الله ، متناصحين في الله ، أسأل الله عز وجل أن ينعم بالأخوة على مجتمعات المسلمين إنه سميع قريب مجيب الدعاء ، ألقاكم في حلقة قادمة ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .