وضع داكن
28-03-2024
Logo
مختلفة - الجزائر - المحاضرة : 15 - مسجد البشير الإبراهيمي - مصطلح الشرك الخفي .
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على سيدي رسول الله الأمين وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين ، وعلى جميع الأصحاب والتابعين ، أرحب بفضيلة العلّامة الدكتور محمد راتب النابلسي بين أهله وأخوانه على أرض الجزائر الطيبة أرض الشهداء في العاصمة المحروسة ، ودون إطالة أوجه له الشكر الجزيل لتجشمه الصعاب ، وأحيل له الكلمة دون إطالة فليتقدم مشكوراً .

ضرورة طلب العلم :

بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطاهرين ، أمناء دعوته ، وقادة ألوِيَتِه ، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم ، إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات .
أيها الأخوة الكرام ؛ أشكر لكم هذه الدعوة الكريمة التي إن دلت على شيء فعلى تعلق هذا البلد الطيب بالعلم والعلماء ، وهذا التعلق وسام شرف لهاذا البلد ، أما هذا الجمع الغفير والازدحام فدليل محبة ، والمحبة ليست من طرف واحد ، من الطرفين معاً ، كما أنكم تحبونني أنا والله أحبكم ، أحبّ بلدكم الطيب .
لذلك أيها الأخوة ؛ إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظنّ أنه قد علم فقد جهل ، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً ، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً .
أخوتنا الكرام ؛ الكلمات إذا تعددت ينبغي أن تتنوع ، مثلاً هذا اللقاء الطيب اخترت لكم موضوعاً قد يكون غريباً عن أذهانكم ؛ المصطلحات في الإسلام ، في الإسلام مصطلحات، الإيمان مصطلح ، الإحسان مصطلح ، الفسق مصطلح ، الفجور ، الكبر ، التسويف ، الكبائر، الصغائر ، المعروف ، المنكر ، الفحشاء .

الشّرك الخفي :

أخواننا الكرام ؛ نختار من كل هذه المصطلحات مصطلحاً واحداً هو : الشرك الخفي ، هناك شرك جلي واضح ، في شرق آسيا تعبد آلهة من دون الله - بوذا - ذاك شرك جلي ، واضح ، لكن يمكن أن يصيب الأخوة الكرام دون أن يشعروا الشرك الخفي ، الشرك الخفي سمي خفياً لأنه خفي ، ولأن الله سبحانه وتعالى قال :

﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾

[ سورة يوسف : 106]

لذلك قالوا : الحب في الله عين التوحيد ، والحب مع الله عين الشرك . الحب في الله أن تحب الله خالق السموات والأرض ، رب العالمين ، المسير ، صاحب الأسماء الحسنى والصفات العلا ، أن تحبه هذا عين التوحيد ، وأما أن تحب معه فهذا عين الشرك ، فقد تحب جهة أرضية وإرضاءً لها تعصي الله ، قد تحب أقرب الناس إليك وإرضاءً لهم أو لهن قد تعصي الله ، فلذلك أخواننا الكرام ؛ كأني وضعت يدي على مشكلة كبيرة صغيرة ، كبيرة قد لا ينتبه ، صغيرة قد لا ينتبه إليها ، ولكنها كبيرة إذاً هي تكون حجاباً بينك وبين الله .
الأصل في هذا اللقاء الطيب قوله تعالى :

﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾

[ سورة يوسف : 106]

الآن لو أن الإنسان بسبب ضغط داخلي عصى الله إرضاءً لزوجته ، مع التحليل الدقيق ماذا فعل ؟ أرضى مخلوقاً وعصى خالقه ، وهذا نوع من الشرك الخفي ، إذا كان هناك عمل في الأرض ، أو شهوة معينة ، أغلى عليك من الله مارستها ولم تعبأ بمنهج الله وقعت في الشرك الخفي ، قال تعالى :

﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾

[ سورة يوسف : 106]

يا ترى أنتم جميعاً تقرؤون القرآن الكريم ألم تقرؤوا قوله تعالى :

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾

[ سورة النور: 55 ]

هل نحن مستخلفون في الأرض على مستوى الأمة الإسلامية ؟ لا والله ، وهذه حقيقة مرة وأنا أراها أفضل ألف مرة من الوهم المريح ، نحن لسنا مستخلفين ، والقرآن يقول :

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ﴾

[ سورة النور: 55 ]

هل هذا الدين الإسلامي الآن ممكّن في الأرض أم أنه يواجه حرباً شاملة كانت تحت الطاولة واليوم فوق الطاولة جهاراً نهاراً ؟ أحد كبار أعضاء دولة عظمى قوية قال : بما أن الغرب مهيمن على الشرق لن نسمح بقيام حكم إسلامي في الشرق الأوسط . والذي يجري كل يوم يؤكد هذه الحقيقة .

 

قضية الدين قضية خطيرة جداً :

إذاً أخواننا الكرام ؛ وضع المسلمين وضع خطير ، هناك مصطلح يعبر عنه بما يلي : مشكلة المسلمين اليوم نكون أو لا نكون ، يبدو أن هناك خوفاً من إسلام حقيقي يفتح بلاد الغرب ، والغرب عنده ما يسمى بالمصطلح الأجنبي فوبيا الإسلام ، يخافون من هذا الدين ، هذا الدين الذي وصلت فتوحاته إلى الصين شرقاً ، ووصلت فتوحاته إلى باريس غرباً بواتييه ، كنت فيها قبل فترة ، إلى هنا وصلت جيوش المسلمين ، الإسلام دين الله ، أنا أقول لكم كلمة دقيقة جداً : لا تقلق على هذا الدين إنه دين الله ، ولكن اقلق ما إذا سمح لك أن تكون جندياً لهذا الدين أم لم يسمح ، قال تعالى :

﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾

[ سورة الصافات: 173]

فلذلك قضية الدين قضية خطيرة ، السبب أن الإنسان يأكل ويشرب كل يوم ، يذهب إلى عمله ، يعود إلى البيت ، يأكل ، ينام القيلولة ، يستيقظ ، يسهر ، هل يستطيع أي واحد منكم وأنا معكم أن يستيقظ كل يوم كاليوم السابق ؟ مستحيل ، أنتم إذا سافرتم إلى المطارات هناك بوابة ، وكل واحد منا له بوابة خروج ، والذكاء والعقل والحكمة والتفوق والنجاح أن تعد لهذه الساعة التي لا بد منها ، ورد في الأثر أن الإنسان يخاطب بعد موته : " عبدي رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبقَ لك إلا أنا ، وأنا الحي الذي لا يموت ".
البطولة أن تدخل ساعة مغادرة الدنيا في حساباتك اليومية ، الشيء الدقيق الإنسان إذا دنا أجله ولم يكن مستعداً له ، هناك مشكلة كبيرة جداً عافاكم الله جميعاً منها ، سوف ينتقل من بيت ، من زوجة ، من أولاد ، من كنائن ، من أصهار ، من بنات ، من مكانة اجتماعية إلى القبر . عبدي رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبقَ لك إلا أنا ، وأنا الحي الذي لا يموت .

العاقل هو من يدخل الله في حساباته :

لذلك الإمام الشافعي رحمه الله تعالى حينما ذكر سورة العصر قال : " لوتدبر الناس هذه السورة لكفتهم , لماذا ؟ لأنك في أدق التعريفات بضعة أيام ، وكلما انقضى يوم انقضى بضع منك ، فأنت زمن أو رأس مالك هو الزمن ، أو أثمن شيء تملكه هو الزمن ، ولأنك زمن أقسم الله لك بمطلق الزمن فجاء جواب القسم ، قال تعالى :

﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾

[ سورة العصر: 2 ]

بعض العلماء قالوا : أية خسارة هذه ، ما نوع هذه الخسارة ؟ أجابوا : إن مضي الزمن وحده يستهلكك ، قبل أن تقول : مؤمن وغير مؤمن ، صالح أو طالح ، غني أو فقير ، قوي أو ضعيف ، قبل كل ذلك مضي الزمن وحده يستهلكك ، لو ركبت قطاراً ، وهذا القطار يقف وقوفاً نهائياً في المحطة الفلانية ، كلما تحرك عقرب الثواني حركة اقتربت إلى النهاية ، من هو الذكي ؟ من هو العاقل ؟ من هو الحكيم ؟ من هو المتفوق ؟ هو الذي يدخل الله في حساباته ، يدخل هذه الساعة ساعة المغادرة . عبدي رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبقَ لك إلا أنا ، وأنا الحي الذي لا يموت .
لذلك النص الأول :

(( أخوف ما أخاف على أمتي الشرك والشهوة الخفية . قلت : يا رسول الله أتشرك أمتك من بعدك ؟ قال : نعم أما إنهم لا يعبدون شمساً ولا قمراً ولا حجراً ولا وثناً ...))

[أحمد عن شداد بن أوس ]

لن يتكرر في بلاد المسلمين الشرك الجلي ، ليس له وجود في عالمنا ، لكن عندنا شركاً خفياً .

(( ... أما إنهم لا يعبدون شمساً ولا قمراً ولا حجراً ولا وثناً ولكن يراؤون بأعمالهم ...))

[أحمد عن شداد بن أوس ]

فالذي تغلبه شهوته فيفعل معصية هو في الحقيقة يؤكد ضعف إيمانه ، الذي يؤكد ضعف الإيمان عدم الالتزام ، وراء عدم الالتزام رؤية ، أي رأى إرضاء زوجته أكبر من إرضاء الله وقع في الشرك الخفي ، أنتم جميعاً في الأعياد التكبير من سنة النبي الكريم ، الله أكبر الله أكبر ، دققوا والكلمة قاسية والحقيقة مرة ، إذا أرضيت مخلوقاً وعصيت خالقك أنت ما قلت الله أكبر ولا مرة ولو رددتها بلسانك ألف مرة ، هذه الحقيقة .

 

زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين :

أخواننا الكرام ؛ كلكم يقرأ القرآن ألا ترون معي أن وعود الله للمؤمنين بالنصر لا تعد ولا تحصى ؟ قال تعالى :

﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾

[ سورة الصافات: 173]

﴿ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة الروم: 47]

﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ﴾

[ سورة آل عمران: 160]

كأن هذه الوعود غير محققة ، أليس هناك تساول كبير ؟ أيعقل أن خالق السموات والأرض - والله زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين - الوعود الآن غير محققة ؟ خمس عواصم ، وضع صعب جداً ، اشكروا الله على بلادكم ، أنتم في نعم كبيرة جداً لو قيست ببلاد أخرى ، فلذلك يا أخوان هذه قضية خطيرة ، قضية حياة أو موت ، سعادة أو شقاء ، توفيق أو تعسير ، الإنسان حينما يغادر الدنيا يقال له : عبدي رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبقَ لك إلا أنا ، وأنا الحي الذي لا يموت .
شيء خطير ؛ بطولتك ، عقلك ، ذكاؤك ، حكمتك أن تدخل هذا الموت في حساباتك اليومية ، لذلك :

(( إن أخوف ما أتخوف على أمتي الإشراك بالله ، أما إني لست أقول يعبدون شمساً و لا قمراً و لا وثناً و لكن أعمالاً لغير الله و شهوة خفية ))

[ أحمد و ابن ماجه عن شداد بن أوس ]

أيها الأخوة ؛ نص آخر : " الشرك أخفى من دبيب النملة السمراء - نملة على صخرة- على الصخرة الصماء , في الليلة الظلماء , وأدناه أن تحب على جور , وأن تبغض على عدل ".
إنسان نصحك بأدب كرهته ، إنسان أعطاك شيئاً أكرمك وتعلم يقيناً أنه غير مؤمن ترضى عنه ، وأدناه أن تحب على جور ، وأن تبغض على عدل .
أتمنى أن أدغدغ مشاعركم القضية والله سهلة لا تكلف شيئاً ، الحقيقة المُرّة أفضل ألف مَرّة من الوهم المريح ، هناك وضع يعاني منه المسلمون في شرق الأرض وغربها ، ما السبب ؟ السؤال الكبير أين الخلل ؟ هل تصدقون أن خالق السموات والأرض يخلف وعده ؟ قال تعالى :

﴿ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ﴾

[ سورة التوبة: 111 ]

مستحيل ، أما الشيء الحقيقي فأن هناك تقصيراً .

 

ديننا العظيم نوعان ؛ دين فردي ودين جماعي :

قد يكون هناك جواب ثان : هذا الأمر ليس بيدي ، أنا أقول لك كلمة دقيقة : هذا الدين العظيم نوعان ؛ دين فردي ودين جماعي ، أنت كفرد مسلم إن طبقت هذا الدين على مستواك فقط قطفت ثماره الفردية ، والدليل قال تعالى :

﴿ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ﴾

[ سورة النساء: 174 ]

هذا الكون مسخر لك تسخير تعريف وتسخير تكريم ، موقفك من تسخير التعريف أن تؤمن ، وموقفك من تسخير التكريم أن تشكر ، فإذا آمنت وشكرت حققت الهدف من وجودك، وعندئذ تتوقف جميع المعالجات الإلهية ، والآية :

﴿ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ﴾

[ سورة النساء: 174 ]

قبل أن تقول : الناس قصروا ، ما قصروا ، تفلتوا من منهج الله ، لم يتفلتوا ، دعك من كل هذا ، أنت انتبه إلى نفسك ، لذلك : الشرك أخفى من دبيب النملة السمراء , على الصخرة الصماء , في الليلة الظلماء , وأدناه أن تحب على جور , وأن تبغض على عدل .

 

الله عز وجل خلق الإنسان ليسعده و يرحمه :

مرة ثانية : لا تكن أسطورياً تتعلق بأساطير لا تقدم ولا تؤخر ، كن واقعياً ، الإله العظيم ما خلقنا ليعذبنا ، خلقنا ليسعدنا والله ، والدليل قوله تعالى :

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾

[ سورة هود:119]

خلقهم ليرحمهم ، خلقهم ليسعدهم ، ما الرحمة ؟ والله لا أملك قدرة أن أشرحها لكم ، يا ترى الرحمة توازن ؟ توازن ، رضا ؟ رضا ، سعادة ؟ سعادة ، توفيق ؟ توفيق ، نظر ثاقب ؟ نظر ثاقب ، قرار حكيم ؟ قرار حكيم ، بيت سعيد ؟ بيت سعيد ، زوجة صالحة ؟ زوجة صالحة، لذلك الحديث :

(( استقيموا ولن تحصوا ))

[ ابن ماجه عن ثوبان]

الخيرات ، هناك آثار نفسية وآثار اجتماعية وآثار صحية وآثار قلبية للاستقامة ، أنا لا أجرؤ أن أقول : جربوا ، الذات الإلهية لا تجرب ، ولكن لو أن واحداً منكم عاهد ربه على أن يستقيم استقامة تامة وعلى أن يخطب ود الله :

(( إذا كان ثلث الليل الأخير نزل ربكم إلي السماء الدنيا فيقول : هل من تائب فأتوب عليه ؟ هل من سائل فأعطيه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ هل من طالب حاجة فأقضيها له ؟ حتى يطلع الفجر))

[أحمد عن أبي هريرة]

أي أقم علاقة مع الله ، علاقة حقيقية ، اجعل بينك وبين الله خطاً ساخناً ، لو عندك هاتف من أغلى الأنواع لكن لا يوجد خط ليس له قيمة ، لو عندك هاتف من أسوأ الأنواع و يوجد خط فهو جيد ، فأنت أقم خطاً ساخناً مع الله ، الخط الساخن مع الله إياك ثم إياك ثم إياك أن تتوهم أن في الإسلام حرماناً ، اسمعوا قوله تعالى :

﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ﴾

[ سورة القصص: 50 ]

أخواننا الذين درسوا شريعة عندنا مفهوم مخالف ، المعنى المخالف ، الذي يتبع هواه – شهوته- وفق هدى الله لا شيء عليه ، والله إن لم تقل ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني هناك مشكلة ، أنت تدعى إلى جنة في الدنيا وجنة في الآخرة والدليل ، قال تعالى :

﴿ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾

[ سورة محمد الآية : 6]

ذاقوا طعمها في الدنيا .

فـلو شاهدت عيناك من حسننا الذي رأوه لمــــا وليت عنا لغيرنـــــــــا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنا خلعت عنك ثياب العجب وجئتنــــــــا
ولو ذقت من طعم المحبـــــة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنـــــــــا
ولو نسمت من قربنا لك نسمــة لــمــــــت غريباً واشتياقاً لقربنـــــــــا
فما حبنا سهل و كل من ادعـى سهولتـــــــــــه قلنا له قـد جهلتنـــــــــا
فأيسر ما في الحب للصب قتله وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنا
***

أنواع الذنوب :

أخواننا الكرام ؛ هناك ذنب يغفر ، وذنب لا يترك ، وذنب لا يغفر

مثلاً بين مدينة وأخرى يوجد قطار ؛ في الجزائر ، في سوريا ، لا يوجد مشكلة ، أنت قاطع بطاقة من الدرجة الأولى ، ولتكن التجربة في دمشق ؛ دمشق حمص ، قطعت درجة أولى خطأ دخلت إلى عربة من الدرجة الثالثة ، هذا خطأ ، إلا أن القطار في طريقه إلى حمص ، ولك مبلغ كبير ستأخذه ، هذا خطأ ، قاطع درجة أولى واخترت عربة فيها شباب غير ملتزمين أزعجوك كثيراً ، هذه غلطة ثانية لكن القطار في طريقه إلى حمص ، الثالثة : بالقطار يوجد عربة فيها الطعام مجاني وأنت لا تعلم هذه غلطة ثالثة ، أما الخطأ الذي لا يغفر لك بحمص مليون ليرة وأنت تاجر فركبت طريق عمان ، لا يوجد شيء ، هذا هو الخطأ ، الشرك لا يغفر ، قال تعالى :

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾

[ سورة النساء : 84]

كأنك توجهت لغير الله ، أما لو ركبت قطار حمص أخطأت باختيار العربة ومع شباب غير ملتزمين وهناك مطعم ما استخدمته ، هذه كلها أخطاء ، أما بالنهاية القطار سيصل إلى حمص وستأخذ هذا المبلغ الكبير ، أما أن تأخذ خط عمان فهذا خطأ لا يغفر ، لذلك :

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾

[ سورة النساء : 84]

سياسة الله مع عباده :

أخواننا الكرام ؛ الله عز وجل سياسته مع عباده بنود ؛ أول بند الهدى البياني ، أنت جالس في الجامع ، أكرمني الله أن ألتقي بكم ، أكرمني أنا ، وهناك موضوع دقيق تحدثت به هذا هدى بياني ، أنت معافى سليم صحيح ، عندك بيت ، 

وأولاد ، وأهل ، و لا يوجد عندك مشكلة

سمعت خطبة بجامع والله مؤثرة ، الخطيب اعتنى بها كثيراً ، أتى بالآيات بالأحاديث ، أو كنت قاعداً تشاهد ندوة بين عالمين ، تابعتها هذه مرحلة راقية جداً جداً جداً ، أنت بكامل صحتك ما عندك مشكلة في بيتك ، ولا في عملك ، الله عز وجل سمح لك أن تطلع على تفسير آية معينة ، أو على قصة لصاحبي جليل ، أو على حديث شريف رائع ، هذه مرحلة راقية جداً اسمها الهدى البياني ، الموقف الكامل أن تستجيب ، قال تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكم ﴾

[ سورة الأنفال: 24 ]

دقق الآن دعاكم لما يحييكم ، هذا الذي أعرض عن الله ، رفض منهج الله ، كيف وصف في القرآن ؟ شيء لا يصدق ، قال تعالى :

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾

[ سورة النحل: 21 ]

﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾

[ سورة المنافقون: 4 ]

جماد ، قال تعالى :

﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾

[ سورة الفرقان : 44]

دواب ، قال تعالى :

﴿ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾

[ سورة الجمعة: 5 ]

هذا قرآن ليس لك خيار مع الدين ، الدين ليس وردة تتزين بها ، الدين هواء تستنشقه ، فإن لم تستنشق هذا الهواء انتهت حياتك :

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾

[ سورة النحل: 21 ] 

﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾

 

[ سورة المنافقون: 4 ]

﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾

[ سورة الفرقان : 44]

إنسان بأرقى مرحلة ، مرحلة الهدى البياني ، بين يديه العلوم الإسلامية ، خطب ناجحة جداً ، كتاب تفسير رائع ، ندوة استفاد منها ، هذا الهدى البياني الموقف الكامل منه الاستجابة ، والآية:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكم ﴾

[ سورة الأنفال: 24 ]

ما استجاب ، تماماً كما يقول لك طبيب الهضمية لا سمح الله معك قرحة ، هذه القرحة بحمية قاسية جداً خلال ستة أشهر تشفى شفاء كاملاً ، وإن آثرت أن تأكل ، آثرت لذة الطعام على لذة القوام عندك عمل جراحي ، فالإنسان إن لم يستجب بالرخاء أخضعه الله لمرحلة ثانية اسمها التأديب التربوي ، قال تعالى :

﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

[ سورة السجدة : 21]

المرحلة الثانية اسمها : التأديب التربوي ، ما تاب ، بالإكرام ما شكر ، وبالتأديب ما تاب، هناك مرحلة ثالثة ، المرحلة الثالثة : الإكرام الاستدراجي ، تأتيه الدنيا يجمع أموالاً طائلة . 

***

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور