وضع داكن
20-04-2024
Logo
الدرس : 6 - سورة النبأ - تفسير الآيات 31 - 40، من هم المتقون ؟ الفوز الحقيقي في التقوى ، الحكمة من وصف الجنة .
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم ، إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

الفوز الحقيقي هو النجاح في الدنيا والآخرة معاً :

 أيها الأخوة الكرام ؛ لازلنا مع تفسير الجزء الثلاثين ، ومع السورة الأولى وهي سورة النبأ ، ومع قوله تعالى :

﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا ﴾

[ سورة النبأ :31]

 والحقيقة قال تعالى :

﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾

[ سورة الأحزاب : 71]

 والفوز هو النجاح في الدنيا والآخرة معاً ، الفوز هو أن تحقق علة وجودك في الدنيا ، الله عز وجل جاء بنا إلى الدنيا كي نعبده ، قال تعالى :

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الذاريات: 56]

 فالإنسان إذا عبد الله ، أي خضع لمنهجه في كل شؤون حياته ، هذه حقيقة العبادة ، لذلك ومن يطع الله ورسوله فيما أنزل إلينا من القرآن من توجيهات ، من أمر ، من نهي ، فقد فاز فوزاً عظيماً ، والفوز العظيم هو الشيء الذي يصعب تصوره ، قال تعالى :

﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾

[ سورة النساء: 113 ]

 فحينما تعرف الله فقد عرفت كل شيء ، فإذا غبت عن هذه المعرفة غاب عنك كل شيء ، قال تعالى :

﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا ﴾

[ سورة النبأ :31]

 فالفوز الحقيقي في التقوى ، والتقوى أن تنظر بنور الله ، التقوى أن تقيم أمر الله في نفسك أولاً ، وفي بيتك ثانياً ، وفي عملك ثالثاً ، في الجنة :

﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا ﴾

[ سورة النبأ :31]

 قال تعالى :

﴿ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾

[ سورة النحل : 32]

وصف الجنة :

 قال تعالى :

﴿ حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا ﴾

[ سورة النبأ :32]

 نحن في الأرض نسر بالحديقة ، بالبستان الجميل ، باللون الأخضر ، بالجبل الشامخ المكلل بالثلج ، بالبحر ، بالنهر ، بالأطيار ، بالأسماك ، هذه مظاهر جمالية ، وهي من تجليات الله عز وجل الجميل ، الله عز وجل يتجلى باسم الجميل على أشياء كثيرة ؛ ففي حياتنا جمال ، والإنسان يحب الجمال والكمال والنوال ، فإذا ذكر الله لنا بعض مظاهر الجمال في الجنة ، قال تعالى :

﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا * حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا ﴾

[ سورة النبأ :31-32]

 الحديقة مكان جميل فيها نبات أخضر ، و أشجار باسقة ، وأطيار ، وأزهار ، وحقول، وأنهار ، وجداول ، هذه كلها أشياء جميلة في الدنيا ، أرادها الله أن تكون مرتكزاً لصفات الجنة في الآخرة ، والإنسان أحياناً تكون هذه الصور الجميلة في القرآن عن الجنة باعثاً له على طاعة الله ، باعثاً له على الخضوع لأمر الله ، قال تعالى :

﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا * حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا ﴾

[ سورة النبأ :31-32]

 والجنة كما ذكرها الله فيها جنات تجري من تحتها الأنهار ، وفيها حور عين ، وفيها النظر لوجه الله الكريم ، قال تعالى :

﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾

[ سورة القيامة : 22-23]

 قال تعالى :

﴿ حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا * وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا ﴾

[ سورة النبأ :32-33]

 الكواعب وصف للنساء بصفات مميزة يحبها الرجال ، أتراباً في سن واحدة ، الترب من كان في سنك ، الله عز وجل يصف الجنة ببعض ما فيها ، فيها أشجار ، فيها أنهار ، فيها أطيار ، فيها رياحين ، فيها كل شيء تلذ له الأعين ، لكن وفيها حور عين ، وفيها ولدان مخلدون ، إذاً :

﴿ حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا * وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا ﴾

[ سورة النبأ :32-33]

 الكواعب وصف للنساء بصفات مميزة يحبها الرجال ، أتراباً في سن واحدة ، قال تعالى :

﴿ وَكَأْسًا دِهَاقًا ﴾

[ سورة النبأ :34]

 دهاقاً أي ممتلئاً ، الشراب طيب ، والمنظر طيب ، والنساء جميلات ، والأزهار ، والأطيار.

 

ذكر الله يطمئن النفس :

 قال تعالى :

﴿ لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا ﴾

[ سورة النبأ :35]

 ما هو اللغو ؟ الآية تقول :

﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾

[ سورة المؤمنون : 1-3]

 من أجمل ما كتب عن اللغو ما سوى الله ، والإنسان إذا انشغل بالحديث عما سوى الله وقع في اللغو ، واللغو غير مسعد ، لذلك القوم إذا جلسوا مجلساً ، وذكروا الله فيه ، تجلى عليهم الله عز وجل برحمته ، برضوانه ، أما إذا جلسوا في مجلس لم يذكروا الله فيه فقد قاموا عن أنتن من جيفة حمار ، فالبطولة أنك إن جلست في مجلس أن تذكر الله فيه ، هذا الذكر يطمئن النفس ، قال تعالى :

﴿ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾

[ سورة الرعد : 28]

الفوز العظيم يكون بدخول الجنة و النظر إلى وجه الله الكريم :

 إذاً الفوز العظيم يكون بدخول الجنة ، في هذه الجنة حدائق ، بساتين ، أشجار ، أطيار ، أعناب ، فواكه ناضجة ، فواكه طيبة ، فواكه في متناول اليد ، أي فواكه بين يديك ، قال تعالى:

﴿ وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا ﴾

[ سورة النبأ :33]

 هنا الحوريات في الجنة ، سميت كواعب بصفة متميزة في المرأة يحبها الرجال ، أتراباً في سن واحدة ، هذه بعض صفات الجنة :

﴿ وَكَأْسًا دِهَاقًا ﴾

[ سورة النبأ :34]

 دهاقاً أي ممتلئاً ، جمال منظر ، جمال نبات ، جمال أطيار ، جمال نساء :

﴿ لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا ﴾

[ سورة النبأ :35]

 اللغو ما سوى الله ، حديث عن الدنيا قد يضيق به الصدر ، قد يحتار فيه الإنسان، ما تفسيره ؟ لا مانع من ذكر بعض الحوادث التي نعيشها ، أما أن يكون المجلس كله في سلبيات الحياة ، يقوم الجالسون فيه عن حالة سيئة جداً ، قد يتسرب اليأس إلى النفوس ، دائماً وأبداً لا تنس أن الأمر بيد الله ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، قال تعالى :

﴿ وَكَأْسًا دِهَاقًا * لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا ﴾

[ سورة النبأ :34-35]

 وأي جلسة تجلسونها ، أي سهرة تسهرونها ، أي لقاء تلتقون به ، إذا دخل ذكر الله إلى هذا اللقاء يسعد الحاضرون سعادة كبرى ، قال تعالى :

﴿ لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا ﴾

[ سورة النبأ :35]

 الكذب الشديد ، الإكرام المادي في الجنة موجود معه إكرام من نوع آخر ، قال تعالى :

﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾

[ سورة القيامة: 22-23]

 والنظر إلى وجه الله الكريم يغيب الإنسان من نشوة النظرة خمسين ألف عام .

 

الحكمة من وصف الله الجنة لنا :

 الآن قال تعالى :

﴿ جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا ﴾

[ سورة النبأ :36]

 هذا جزاء الآخرة ، جنات تجري من تحتها الأنهار ، سيدنا علي يقول : " يا بني ما خير بعده النار بخير ، وما شرّ بعده الجنة بشر ، وكل نعيم دون الجنة محقور ، وكل بلاء دون النار عافية ".
 وما وصف الله لنا الجنة إلا لنقبل عليها ، لنأخذ بأسبابها ، قال تعالى :

﴿ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾

[ سورة النحل : 32]

 تحتاج الجنة إلى عمل صالح ، تحتاج إلى استقامة على منهج الله ، تحتاج إلى بر الوالدين ، إلى وفاء زوجي ، إلى تربية الأولاد ، إلى أن تختار حرفة ترضي الله ، فيها عطاء للآخرين ، لذلك منهج الله يبدأ من أخص خصوصيات الإنسان من علاقته بأسرته وتنتهي بالعلاقات الدولية ، فأنت حينما تخضع لمنهج الله ، وتؤمن بالله ، عندك مئات بل ألوف الخصوصيات والجزئيات التي ينبغي أن تأخذ بها ، تأتي الآية :

﴿ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾

[ سورة النحل : 32]

 العمل في الدنيا هو ثمن الجنة ، لكن كما قيل : ادخلوا الجنة برحمتي ، واقتسموها بأعمالكم ، أي كل أعمالكم الصالحة لا تساوي ثمن الجنة ، تساوي ثمن مفتاح الدخول فقط ، أعمالك الصالحة تساوي سبب دخول الجنة ، أما الجنة فبرحمة الله .
 إذاً وصف الجنة في القرآن الكريم :

﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا * حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا * وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا * وَكَأْسًا دِهَاقًا * لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا ﴾

[ سورة النبأ :31-35]

 اللغو ما سوى الله ، والكذب شيء مخالف للحقيقة ، وهذا مما اتصف به آخر الزمان .

﴿ جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا ﴾

[ سورة النبأ :36]

 لذلك يا بني ما خير بعده النار بخير ، وما شرّ بعده الجنة بشر ، وكل نعيم دون الجنة محقور ، وكل بلاء دون النار عافية .

﴿ مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا ﴾

[ سورة النبأ :36]

يوم القيامة هو يوم تصفية الحسابات :

 من هو الله ؟

﴿ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا ﴾

[ سورة النبأ :37]

 السموات والأرض مصطلحٌ قرآني يعني الكون ، والكون ما سوى الله ، لا يغيب عن ذهنكم أن في الكون مئات ألوف ملايين المجرات ، ومن المجرات المتواضعة مجرة درب التبابنة مجرتنا ، والمجموعة الشمسية نقطة في درب التبابنة ، الكون عظيم ، لذلك هؤلاء الناس الذين عرفوا الله لهم مصير رائع .

﴿ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا ﴾

[ سورة النبأ :37]

 ذنوبهم ، انحرافهم ، عدوانهم ، طغيانهم ، كان حجاباً بينهم وبين الله :

﴿ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا ﴾

[ سورة النبأ :37]

 الإنسان حينما يقع بذنب كبير قد لا يستطيع أن يتكلم .

﴿ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا * يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا ﴾

[ سورة النبأ :37-38]

 هذا اليوم الصعب ، يوم الدينونة ، يوم الحساب ، يوم تصفية الحسابات . فلذلك الإنسان حينما يدخل هذا اليوم في حساباته ، قال تعالى :

﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ ﴾

[ سورة المؤمنون: 74]

 الإنسان الذي ألغى الآخرة من حساباته لا يستقيم على أمر الله ، عن الصراط لناكبون ، والحقيقة الدقيقة أنه لا يمكن أن تستقيم على أمر الله إلا إذا آمنت باليوم الآخر ، والآيات المكية في معظمها تؤكد على الإيمان بالله واليوم الآخر ، أنت إذا آمنت بالله واحداً ، موجوداً ، كاملاً ، أسماءه حسنى ، صفاته علا ، وآمنت باليوم الآخر يوم الدينونة ، يوم الجزاء، يوم الحساب ، أنت حينما تدخل اليوم الآخر في حساباتك تستقيم ، ولا تستطيع أن تؤذي مخلوقاً، لذلك أركان الإيمان ، الإيمان بالله و اليوم الآخر والأنبياء والكتب وما إلى ذلك ، لكن الركنين الأساسيين في الإيمان وردا معاً في مئات الآيات الإيمان بالله واليوم الآخر ، فاليوم الآخر يوم الدينونة ، يوم الحساب .

 

أكبر إنجاز يحصّله الإنسان في الدنيا القلب السليم :

 قال تعالى :

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾

[ سورة الشعراء:88-89]

 و القلب السليم هو القلب الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله ، والقلب السليم هو القلب الذي لا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله ، والقلب السليم هو القلب الذي لا يعبد غير الله.
 أكبر إنجاز تحصّله في الدنيا أن تنتهي الحياة بقلب سليم ، هذا القلب السليم قلب لا يشتهي شهوة لا ترضي الله ، والقلب السليم هو القلب الذي لا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله، والقلب السليم هو القلب الذي لا يعبد غير الله ، يقول الله عز وجل :

﴿ ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ ﴾

[ سورة النبأ :39]

 أي وقوعه حق لا ريب فيه ، والحق الشيء الثابت والهادف ، لا بد من أن يقع هذا اليوم ، في هذا اليوم تسوية الحسابات ، قال تعالى :

﴿ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا ﴾

[ سورة النبأ :39]

 طريق الإيمان واضح ، يكفي أن تتفكر في خلق السموات والأرض ، تنتهي من هذا التفكر إلى إيمان بوجود الله ، ووحدانيته ، وكماله ، ويكفي أن تقرأ كتابه ، وتأتمر بما أمر ، وتنتهي عما عنه نهى وزجر ، ويكفي أن تقوم بأعمال صالحة تكون ثمن دخول الجنة .

 

العاقل من يعد ليوم الحساب عدته :

 إذاً :

﴿ ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا ﴾

[ سورة النبأ :39]

 مآباً : صالحاً ، عودة صالحة ، مصيراً رائعاً ، دخولاً للجنة ، قال تعالى :

﴿ إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا ﴾

[ سورة النبأ :40]

 العذاب قريب ، كل شيء آت قريب ، كل متوقع آت وكل آت قريب ، والإنسان يكون في غمرة الحياة الدنيا يفاجأ أنه اقترب أجله ، أي الموت يأتي بأسباب طفيفة جداً ، خثرة في الدماغ تنتهي الحياة ، سكتة في القلب تنتهي الحياة ، فالإنسان كل طموحاته ، وكل آماله ، وكل مكانته مبنية على ضربات قلبه ، إذا توقف القلب الموت قريب ، قال تعالى :

﴿ إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ﴾

[ سورة النبأ :40]

 بين يديه عمله :

﴿ اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً ﴾

[ سورة الإسراء: 14]

 قال تعالى :

﴿ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا ﴾

[ سورة النبأ :40]

 ليتني لم أخلق ، لذلك إن العار ليلزم المرء يوم القيامة حتى يقول : يا رب لإرسالك بي إلى النار أهون عليّ مما ألقى ، وإنه ليعلم ما فيها من شدة العذاب .
 فالبطولة والذكاء والتوفيق والنجاح أن تعد لهذا اليوم عدته ، الإعداد لهذا اليوم بين يديك ، يكفي أن تطيع الله ، أن تقيم أمره في نفسك ، وفي بيتك ، وفي عملك ، عندئذ تدخل جنة ربك .

 

يوم القيامة يوم حق يحاسب فيه كلّ إنسان على عمله :

 أخواننا الكرام ؛ حينما قال الله عز وجل :

﴿ ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ ﴾

[ سورة النبأ :39]

 كلمة حق كثيرة في القرآن الكريم ، الحق هو الله أولاً ، الله هو الحق ، لكن الحق هو الشيء الثابت ، أي قانون ، مثلاً المعادن تتمدد بالحرارة هذا قانون ، بأي مكان ، بأي زمان، في أوربا ، في آسيا ، قبل ألف عام ، بعد ألف عام ، القانون طابعه ثابت ، فالحق ثابت ، هذا الدين حق ، القرآن حق ، الحياة الدنيا بطاعة الله حق ، الموت حق ، الجنة حق ، النار حق ، والإنسان حينما يقترب أجله يلقن هذه التلقينات ، فلذلك :

﴿ ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا ﴾

[ سورة النبأ :39]

 من شاء أي من أراد ، الإنسان مخير ، مخير قولاً واحداً ، قال تعالى :

﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾

[ سورة الكهف: 29 ]

 وحينما يلغى الاختيار نقع في خطأ كبير ، قال تعالى :

﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ﴾

[ سورة الأنعام : 148]

 الجنة حق والنار حق ، وهذا اليوم الذي وعد الله به ، قال تعالى :

﴿ إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ﴾

[ سورة النبأ :40]

 أعماله بين يديه ، انحرافه ، استقامته ، عمله الصالح ، عمله السيئ ، تفلته من منهج الله ، إيقاع الأذى بالآخرين ، بنى مجده على أنقاض الآخرين ، بنى حياته على موتهم ، بنى عزه على ذلهم ، بنى غناه على فقرهم ، هذا كله يراه الإنسان أمامه ماثلاً ، وعندئذ يستحق العذاب الذي وعد الله به ، والبطولة والذكاء أن ننجو في هذا اليوم من عذاب الله ، فالدنيا مكان عمل والآخرة دار جزاء ، لكن أحياناً الله عز وجل يكافئ بعض المحسنين في الدنيا تشجيعاً للباقين ، ويعاقب بعض المسيئين في الدنيا ردعاً للباقين ، ولكن الحساب الختامي يوم القيامة .

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور