وضع داكن
25-04-2024
Logo
الدرس : 2 - سورة التكوير - تفسير الآيات 15 - 21 ، القسم في القرآن الكريم ، تفسير معنى الخنس .
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

معنى القسم في القرآن الكريم :

 أيها الأخوة الكرام ؛ لا زلنا في تفسير الجزء الأخير من القرآن الكريم ، ولازلنا مع سورة التكوير ، وصلنا إلى قوله تعالى :

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ * وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ﴾

[ سورة التكوير : 15-21 ]

 لا بد من وقفة متأنية عند القسم في القرآن الكريم ، القسم له أداة هي واو القسم ، قال تعالى :

﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ﴾

[سورة الليل: 1]

﴿ وَالْفَجْرِ * ولَيَالٍ عَشْرٍ ﴾

[ سورة الفجر: 1-2]

 قضية القسم بالنسبة إلى الذات الكاملة ، الإله العظيم له توجهات معينة ، الإنسان من عادته أن يقسم بعظيم ، يقول لك : والله ، ورب الكعبة ، الله عز وجل من أعظم العظماء فإذا أقسم الله بذاته ما معنى القسم ؟ قال بعضهم : لفت نظر ، يلفت الله أنظارنا إلى هذا الشيء الذي هو عظيم عندنا لا عنده ، العظمة في القسم الإلهي بالنسبة لبني البشر لا لخالق البشر ، هذا هو المعنى الأول لفت النظر .
 معنى آخر ، أو أن هذا الشيء البديهي من المسلمات لا يحتاج إلى قسم ، إذا قال الله عز وجل : لا أقسم ، أي أن تقول : الشمس ساطعة ، والشمس ساطعة تملأ الأفق بضوئها هل أنت بحاجة أن تقول للآخر : والله إنها ساطعة ، شيء بديهي ، هذه التوجهات المتعلقة بالقسم إذا كان متعلقة بالذات الإلهية .

 

كمال الله عز وجل كمال مطلق :

 لكن هذا الكون الحقيقة هو الثابت الأول في الإيمان ، هذا الكون يشف عن وجود الله وكماله ووحدانيته ، أي شيء في الكون يدل على الله .

وفي كل شيءٍ له آيةٌ  تدل على أنه واحـد
***

 أي الأشياء الأساسية الثابتة ، الله موجود ، الله كامل ، الله واحد ، وجوده وكماله ووحدانيته ، وما لم تؤمن بالكمال المطلق عند الله ، الكمال المطلق ، أي أنت لو سمعت عن قاض بقي في القضاء أربعين عاماً وأحكامه كلها عادلة إلا حكماً أو حكمين ، تقول عنه : عادل، الإنسان نسبي ، يغلب على الظن أنه عادل .

(( كُلُّ بَني آدمَ خطَّاءٌ وخيرُ الخَطَّائينَ التَّوابونَ ))

[الترمذي عن أنس بن مالك]

 لكن الذات الإلهية مطلقة ، أي مليار مليار مليار تصرف أو فعل من أفعال الله كمالها مطلق مع الذات الإلهية لا يوجد نسبية ، يوجد إطلاق .

 

وقفة متأنية عند كلمة الخنس :

 الله عز وجل يقول :

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ ﴾

[ سورة التكوير : 15]

 ما الخنس ؟ طبعاً لا أقسم شيء بديهي لا يحتاج إلى قسم ، وعند بعض علماء اللغة قد تكون هذه اللا زائدة ، الأقوى أن هذا الشيء لا يحتاج إلى قسم لأنه بديهي .
 أما الخنس فلا بد من وقفة متأنية عند كلمة الخنس ، الخنس واحد من أغرب الأجسام في الفضاء ، هذه النجوم نرى نحن بالمراصد ثقوباً سوداء ، والثقب الأسود شيء دقيق جداً ، مجموعة من النجوم يرتد ضوءها إلى ذاتها من شدة قوة الجذب فيها ، حتى الضوء لا يصدر عنها ، ينجذب إلى داخلها ليس فراغاً لكنه ممتلئ بكتل ، أما هذه الكتل فقوة جذبها تجعل الضوء الذي ينبغي أن يصدر عنها منجذباً إليها ، هذه الثقوب السوداء قيل : لو أن الأرض دخلت في هذه الثقوب لكان حجمها كالبيضة بالوزن نفسه ، الأرض بأكملها الخمس قارات لو أنها دخلت في هذا الثقب لغدا حجمها بحجم البيضة مع الوزن نفسه .
 أخواننا الكرام ؛ قضايا الفلك شيء لا يصدق ، وهذا الكون يشف عن عظمة الله ، يشف عن وحدانيته ، يشف عن كماله ، والكون الثابت الأول ، أي الشمس والقمر والنجوم والجبال والبحار والسهول والهضاب والنباتات والأطيار والأسماك والحيوانات وخلق الإنسان ، هذا الشيء الثابت الذي لا يستطيع إنكاره إنسان ، لذلك الله عز وجل لا تدركه الأبصار ، ولكن العقول تصل إليه ولا تستطيع أن تحيط به ، قال تعالى :

﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ﴾

[ سورة البقرة : 255]

 العقل كالمركبة الأرضية قد تنقلك إلى ساحل البحر فقط ، فترى البحر ، لكن هذه المركبة لا تسطيع بها أن تخوض البحر ، فالعقول تصل إلى الله ولا تحيط به ، الذات الكاملة لا يعرف الله إلا الله فقط ، أعظم معرفة في بني البشر معرفة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكنها معرفة نسبية لأنه بشر ، لذلك قيل : لا يعرف الله إلا الله .

(( ابن آدم اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء ))

[تفسير ابن كثير]

 الخنس واحد من أغرب الأجسام في الفضاء ، قال : هو عبارة عن منطقة في الفضاء ، تكون فيها الجاذبية عالية جداً ، لدرجة أن الضوء لا يتمكن من الهروب منها ، لأن الضوء لا يهرب من جاذبية الثقوب السوداء ، فهي تظهر باللون الأسود ، ولما كانت الثقوب السوداء تبتلع الضوء وهو أسرع الأشياء التي نعرفها ، أسرع شيء في الكون الضوء ثلاثمئة ألف كيلو متر بالثانية ، هذه أعلى سرعة في الكون ، ومع ذلك ومع كل هذه السرعة الضوء لا يستطيع أن يصدر من الثقوب السوداء يرتد إلى الداخل ، لذلك لا يمكن لأي جسم آخر أن يتفلت من جاذبية هذه الثقوب السوداء ، وبالمناسبة هذه الثقوب السوداء ليست فراغاً أبداً ، هو ممتلئ بالمواد المتركزة في حيز صغير ، مثل ذكرته قبل قليل ؛ الأرض إن دخلت إلى هذا الثقب غدت بحجم البيضة والوزن نفسه .

 

مسلمات علم الفلك :

 أيها الأخوة الكرام ؛ الآن من مسلمات علم الفلك ؛ في الكون مئة ألف مليون مجرة تقريباً ، درب التبابنة مجرتنا هي مجرة متوسطة ، ليست بالكبيرة ولا بالصغيرة ، أما الشيء الذي لا يصدق أن هذه المجرة على شكل مغزل ، المجموعة الشمسية بأكملها نقطة على هذا المغزل ، هذه المجرة طولها يقدر بمئة وخمسين ألف سنة ضوئية ، يقطع الضوء في الثانية الواحدة ثلاثمئة ألف كيلو متر في الدقيقة ضرب ستين ، في الساعة ضرب ستين ، في اليوم ضرب أربع وعشرين ، في السنة ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين ، مئة وخمسون ألف سنة ضوئية ، لذلك يقول : مسافات فلكية ، شيء يفوق حدّ الخيال .
 مثلاً الأرض بينها وبين الشمس مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر ، لو وضعنا واحداً في الأرض وأصفاراً إلى الشمس وكل ميلمتر صفر ، تصور رقماً واحد بالأرض وأمامه مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر ، و كل ميلمتر صفر، هذا الرقم إذا نسب إلى اللانهاية فهو صفر، أخواننا الذين درسوا رياضيات هذه بديهيات ، أكبر رقم إذا نسب إلى اللانهاية فهو صفر ، الله عز وجل خلق الإنسان لحياة لا نهائية ، لحياة أبدية ، هل يعقل أن يضيع الإنسان هذه الحياة من أجل سنوات عدة عاشها في الأرض وأثقلها بالمعاصي والآثام ؟ كيف لا نقف عند اسمها ؟ حياة دنيا ليست عليا ، الله دعانا إلى جنة عرضها السموات والأرض ، لذلك لا يوجد إنسان يختار الدنيا على الآخرة إلا وهو في المقياس العقلي من أغبى الأغبياء ، والآخرة بين أيدينا ، ونحن جميعاً سوف نصل إليها شئنا أم أبينا ، بين أن تصل إليها ناجحاً في جنة عرضها السموات والأرض وبين أن يصل الإنسان إلى هذه الدار الآخرة مقيداً بقيود معاصيه .
 أخواننا الكرام ؛ للتقريب إذا أقرب نجم ملتهب يبعد عنا أربع سنوات ضوئية ، عدا الشمس ، أربع سنوات ضوئية له معنى دقيق جداً ، هذا النجم لو كان هناك طريق معبد إليه هذا اسمه افتراض علمي ، ومعنا مركبة أرضية وانطلقنا بساعة معينة يا ترى متى نصل إليه ؟ يا ترى مئة ساعة ؟ ألف ساعة ؟ قال : بعد خمسين مليون عام .
 الآن السؤال : متى نصل إلى نجم القطب بعده عنا أربعة آلاف سنة ضوئية ؟ كنا بأربع سنوات فقط ، مجرة المرأة المسلسلة تبعد عنا مليوني سنة ضوئية ، بعض المجرات التي كشفت حديثاً تبتعد عنا ثلاثة عشر ألف مليون سنة ضوئية ، افتح القرآن الكريم واقرأ قوله تعالى:

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾

[سورة الواقعة: 75-76]

 لو تعلمون ، فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظنّ أنه قد علم فقد جهل ، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً ، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً .

 

الشّدة التي يحياها المؤمن لصالحه :

 أيها الأخوة الكرام ؛ قال تعالى :

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ ﴾

[ سورة التكوير : 15]

 هذه النجوم العملاقة التي ترتد أشعتها إلى داخلها فتغدو ثقوباً سوداء ، ومرة ثانية لو دخلت الأرض إلى هذه الثقوب لأصبح حجمها بحجم البيضة بالوزن نفسه .
 أيها الأخوة الكرام ؛ خطر في بالي مثل عندنا بالفيزياء قساوة ومتانة ، المتانة مقاومة قوى الشد ، الفولاذ متين ، المصاعد تستخدم حبال الفولاذ ، التلفريك يستخدم حبال الفولاذ، أمتن عنصر في الأرض الفولاذ المضفور ، لذلك مقاومة قوى الشد تأتي عن طريق المتانة ، فإذا قال الله عز وجل :

﴿ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾

[ سورة الأعراف : 183]

 كلام خالق الأكوان ، أي هذا الكافر في قبضة الله ، بأي لحظة ينهيه الله عز وجل، الله هو القوي ، أما أقسى عنصر في الأرض فهو الألماس ، ما الذي يأتي بعده ؟ ميناء الأسنان، فالإنسان نقطة من ماء مهين ، أسنانه أو ميناء أسنانه من حيث القساوة تأتي بعد قساوة الألماس ، ممكن سنتمتر مكعب من الألماس يتحمل ضغطاً يقدر بخمسمئة كيلو ، هذه القساوة ، المتانة مقاومة قوى الشد ، أمتن شيء الفولاذ المضفور ، القساوة الألماس ، لذلك استنباط لطيف كلما كثرت الضغوط على المؤمن أصبح كالألماس ، السبب هذا الألماس ما الذي يصنعه ؟ هو فحم جاءته ضغوط جداً وحرارة عالية ، فانقلب إلى ألماس ، والآن يوجد ألماس صناعي زيركون يصنع بهذه الطريقة ، فحم عادي ضغوط شديدة وحرارة عالية ، هذه الشدة التي يحياها المؤمن أحياناً لصالحه ، تجعله كالألماس إن صح التعبير .
 أخواننا الكرام ؛ وعزتي وجلالي لا أقبض عبدي المؤمن وأنا أحبّ أن أرحمه ، إلا ابتليته بكل سيئة كان عملها سقماً في جسده ، أو إقتاراً في رزقه ، أو مصيبة في ماله أو ولده ، حتى أبلغ منه مثل الذر ، فإذا بقي عليه شيء شددت عليه سكرات الموت حتى يلقاني كيوم ولدته أمه .

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور