- (007)-سورة-الأعراف
- /
- (007)-سورة-الأعراف
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم ، إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الإخوة الكرام ، مع الدرس السادس والعشرين من دروس سورة الأعراف ، ومع الآية الخامسة والستين ، وهي قوله تعالى :
﴿ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾
قومُ عاد :
1 – قومُ عاد مَثلٌ للذين من بعدِهم :
أول شيء قوم عاد ضرب الله مثلاً بهم للأمم الطاغية الباغية المستكبرة المعتدية .
2 – قومُ عاد تفوّقوا في المجالات الدنيوية :
لذلك لو حللنا مجموعة الصفات التي وصفوا بها في القرآن الكريم لأخذنا العجبُ العجاب ، هؤلاء القوم تفوقوا في شتى المجالات ، قال تعالى :
﴿ لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ﴾
وهؤلاء القوم كانوا متغطرسين .
﴿ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾
وهؤلاء القوم تفوقوا في البنيان ، قال تعالى :
﴿ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ﴾
وهؤلاء القوم بظاهر الآية تفوقوا في الصناعة :
﴿ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ﴾
وهؤلاء القوم تفوقوا في الناحية العسكرية ، قال تعالى :
﴿ وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ﴾
وهؤلاء القوم تفوقوا في الناحية العلمية ، قال عزوجل :
﴿ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ﴾
تفوقوا في شتى المجالات ، تغطرسوا ، استكبروا ، تفوقوا في العمران ، في الصناعة ، في الحرب ، في العلم .
3 – قومُ عاد قوم طاغون معتدون مفسدون :
وهؤلاء القوم ماذا فعلوا ؟ قال :
﴿ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ﴾
لم يقل : طغوا في بلدهم ، بل
﴿ فِي الْبِلَادِ ﴾
﴿ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ ﴾
بالطغيان يحاربون ، وينتهكون الحرمات ، ويقتلون الأبرياء ، و ينشرون الفساد في الأرض .
﴿ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ* إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾
﴿ وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ﴾
من معاني : وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى
﴿ وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى﴾
من معاني هذه الآية : أن هناك عادا ثانية ، ويعاني العالم منها ما يعاني اليوم ، وإن صفات عاد الأولى تنطبق انطباقاً تاماً على صفات عاد الثانية . لذلك كان المصير واحدا :
﴿ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾
لكن الشيء الذي يلفت النظر أن الله جل جلاله ما ذكر أنه أهلك قوماً إلا وذكّرهم أنه أهلك أشد من هو أشد منهم قوة ، إلا عاداً حينما أهلكها قال :
﴿ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾
فبنص هذه الآية لم يكن فوق عاد إلا الله ، وهذه عبرة ما بعدها عبرة .
وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ
أيها الإخوة ، يقول الله عز وجل :
﴿ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ ﴾
1 – إعراب
( أخاهم ):ماذا تعني ( أخاهم )؟
( أخاهم )مفعول به بفعل محذوف تقديره : وإلى عاد أرسلنا أخاهم ، إذاً : هو مفعول به بفعل محذوف تقديره أرسلنا .
2 – معنى
( أخاهم ):ما معنى أخاهم ؟ أي من جنسهم ، هم بشر ، وهودٌ بشر ، وأن لغته كلغتهم ، وهذه نعمة كبيرة ، واللغة أكبر حاجز بين شخصين .
﴿ أَخَاهُمْ هُوداً ﴾
أي من جنسهم ، هو بشر تجري عليه كل خصائص البشر ، وهو نبي لهم ، ولغته من لغتهم ، هم يأنسون به ، لماذا ؟ لأنهم يعرفون عنه كل شيء .
أنت مثلاً لك أخ ، أنت كبير في السن ، وهو صغير ، تعرفه من ولادته إلى الآن ، لا يغيب عنك شيء منه .
فأخوهم من جنسهم ، وهو بشر ، ولغته كلغتهم ، يعرفون عنه كل شيء .
إذا قال لك رجلٌ غريب : تعال اذهب معي إلى هذا المسجد فإنك تخاف منه ، لا تعرفه ، أما لو قال لك أخوك ذلك فأنت مطمئن إليه .
معنى ( أخاهم ) أنه من جنسهم ، لولا أنه بشر تجري عليه كل خصائص البشر لما كان صالحاً لهدايتهم ، هم يشتهون ، وهو يشتهي كما يشتهون ، هم يخافون ، وهو يخاف كما يخافون ، هم يبحثون عن السلامة والسعادة ، وهو يبحث عن السلامة والسعادة ، هو من جنسهم ، ويتكلم بلسان قومه ، لغته كلغتهم ، ولأنهم يعرفون عنه كل شيء فما توجسوا منه خيفة ، ولم يخافوا منه ، بل أنسوا به .
وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ
أما معنى :
﴿ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ ﴾
الأخوّة أخوَّتان ، أخوة قريبة ، وأخوة بعيدة .
دخل على معاوية بن أبي سفيان حاجبه ، قال : أخوك في الباب ، يطلب أن يلتقي بك ، ومعاوية لا ليس له أخ ، قال له : أدخله ، دخل ، قال له : أنت أخي ؟ قال له : نعم ، أنا أخوك من آدم ، هذه أخوة بعيدة .
كل واحد من بني البشر أخ لأي واحد ، لأب واحد هو آدم ، ولأم واحدة هي حواء ، فكل إنسان على وجه الأرض في القارات الخمس هو أخوك من أبيك البعيد وأمك البعيدة .
ثم أعطى معاوية هذا الرجلَ مبلغا من المال فرآه يسيراً ، فعاتبه ، قال له معاوية : لو أعطيت كل أخ لي من أبي آدم لما وصلك شيء ، فهذا أخ بعيد ، أما الأخ القريب فمن أخ لأب وأم مباشرة .
وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ
﴿ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ ﴾
1 – علةُ وجود الإنسانِ عبادةُ الله :
الدين كله مضغوط بكلمة العبادة ، بل إنّ علة وجودك على وجه الأرض أن تعبد الله .
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾
هذه علة وجودك .
2 – ما هي العبادةُ ؟
والعبادة كما أقول دائماً : هي طاعة ، لكنها ليست قسرية ، بل هي طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية
فما عبَد الله من أطاعه ولم يحبه ، وما عبد الله من أطاعه قسراً ، وما عبد الله من أحبه ولم يطعه ، هي طاعة طوعية ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية .
﴿ اعْبُدُواْ اللّهَ ﴾
أكبر وهم توهمه المسلمون أنهم ظنوا أن العبادة أداءُ العبادة الشعائرية ، ولكن حقيقة العبادة هي أن تطيع الله جل جلاله في كل مفردات منهجه ، وقد تصل هذه المفردات إلى 500 ألف نوع ، في طعامك وشرابك ، في صحوك ونومك ، في سفرك ، في حلك وترحالك ، في زواجك وطلاقك ، في أفراحك ومسراتك وأحزانك ، في قوتك وضعفك ، في فقرك وغناك ، وأنت مع زوجتك ، وأنت مع أولادك ، بل إن هذا المنهج منهج تفصيلي ، يبدأ من الفراش الزوجية ، ويستمر إلى أن ينتهي بالعلاقات الدولية .
﴿ اعْبُدُواْ اللّهَ ﴾
أنواع العبادات :
1 – عبادةُ الهوية :
هناك عبادة الفرد ، عبادة الهوية ، الغني عبادته الأولى إنفاق المال ، والقوي عبادته الأولى إحقاق الحق ، والعالِم عبادته الأولى تعليم العلم ، والمرأة عبادتها الأولى رعاية زوجها وأولادها ، هذه عبادة الهوية .
2 – عبادةُ الظرف :
هناك عبادة الظرف ، عندك قريب مريض ، العبادة الأولى العناية بالمريض ، عندك ضيف ، العبادة الأولى إكرام الضيف ، عندك ابن في أسبوع الامتحان ، العبادة الأولى رعاية هذا الابن ، وتهيئة الجو المناسب له .
3 – عبادةُ الوقت :
هناك عبادة الوقت ، وقت الفجر وقت ذكر ، وصلاة ، وعبادة ، وتلاوة ، وقت النهار وقت العمل ، وقت العيد وقت سرور وبهجة ، في كل وقت عبادة لله ، وكل ظرف له عبادة ، وكل شخص له عبادة .
4 – عبادةُ العصر :
وهناك عبادة العصر ، إذا أراد أعداء المسلمين إفقارنا فكسب المال الحلال ، واستخراج الثروات ، وإنشاء السدود ، وتطوير الصناعات ، والبحث عن دخل كبير تحل به مشكلات المسلمين هي العبادة الأولى .
إن أرادوا إضلالنا فترسيخ معالم الدين ، وتوضيح قيم الدين ، والرد على المفترين ، وتوضيح بعض الشبهات هي العبادة الأولى .
إن أرادوا إفسادنا فرعاية الشباب والشابات ، وتهيئة مناشط إسلامية لهم ، وصيانة أخلاقهم هي العبادة الأولى .
إن أرادوا إذلالنا ، فبذل الغالي والرخيص ، والنفس والنفيس أول عبادة ، هذه عبادة العصر .
فالعبادة أوسع مفهوم في الدين ، تدور معك حيثما كنت ، أينما سافرت ، وفي أي سن كنت ، في سن الشباب ، في سن الكهولة ، في سن الشيخوخة ، متزوجا كنت أو غير متزوج ، عاملا كنت أو غير عامل ، موظفا كنت ، أو طبيبا ، أو مهندسا ، فما من إنسان إلا وهناك مئات الأحكام الشرعية التي ينبغي أن يفعلها حتى يعبد الله عز وجل . إذاً :
﴿ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ ﴾
لماذا نعبد الله ؟
لماذا نعبد الله ؟
لأنه الخالق .
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ﴾
مَن الجهة التي تستحق أن تعبدها ؟ الجهة الصانعة ، لأنها خبيرة في صنعتها .
﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾
الله وحده يعلم وسائل سلامتك وسعادتك ، قال تعالى :
﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾
هذا قانون .
قال تعالى :
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ﴾
وفي آيات كثيرة قال عزوجل :
﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾
﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾
فلذلك الله عز وجل بيّن كل شيء ، فعبادته هي علة وجودنا ، وغاية وجودنا ، العبادة هي أن تعرفه فتطيعه ، فتسعد بقربه في الدنيا والآخرة ، فهو تعالى خلقك ليسعدك .
﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾
لابد أن تعبد الله وحدَه ، و لا تعبد معه غيرَه :
﴿ اعْبُدُواْ اللّهَ ﴾
وحده ، لذلك هناك من يعبد إنساناً ، ولئلا تعجبوا فهو لا يقول : هو إله ، يقول : فلان ، لكن يعامله كإله ، يعصي الله ويطيعه ، يترك فرضاً دينياً ويقول : فلان ، لكن يعامله كإله ، يعصي الله ويطيعه ، يترك فرضاً دينياً إرضاءً له ، أو تملقاً له .
فالعبادة لها شكل ، أن تقول : بوذا إله ، هذه عبادة ظاهرها شرك أكبر ، لكن أن ترضي إنساناً ، وتغضب خالق الأكوان فهذه عبادة من نوع ثانٍ ، هذه عبادة ضمنية ، فأنت حينما تطيع مخلوقاً وتعصي خالقك تكون بهذا قد عبدته من دون الله .
لذلك :
(( تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ ، وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ ))
واللهُ عز وجل أكد هذا المعنى فقال :
﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ﴾
هناك من يعبد المرأة من دون الله ، هناك من يعبد الدرهم والدينار من دون الله ، هناك من يعبد الطعام والشراب من دون الله ، هناك من يعبد السياحة من دون الله ، فالشهوات آلهة تُعبَد من دون الله .
وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ
﴿ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ ﴾
1 – معنى
( مِن )في هذه الآية :
( مِن )تفيد استغراق أفراد النوع ، للتوضيح : لو قلت لأحدِهم : هل معك مال لأشترك معك في مشروع يحتاج إلى مليونين ؟ فإذا قال : ما عندي مال ، فالمعروف أنه ما عنده المليون الذي طلبته لهذا المشروع ، ما عنده المال الكافي ، أما إذا قلت له : ما عندي من مال ، أي ما عندي ولا ليرة ، فـ ( من )تفيد استغراق أفراد النوع .
إذا دخلت إلى صف ، وقلت : لكم عندي هدية ، فإنك تشمل بقولك هذا الحاضرين فقط ، أمّا إذا قلت : ما من طالب في هذا الصف إلا وله عندي هدية ، فإن الغائبين يشملهم كلامُك ، فـ ( من )تفيد استغراق النوع .
2 – مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ
﴿ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ ﴾
الإله هو المسيِّر ، وما في جهة في الأرض مهما بدت لك قوية يمكن أن تفعل شيئاً .
﴿ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾
الله وحده هو الفعال ، فعال لما يريد .
الله :
﴿ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾
3 – التوحيد ينجي صاحبَه :
ولا يعد الإيمان إيماناً منجياً إلا بالتوحيد ، وهو ألاّ ترى مع الله أحداً ، ألاّ ترى فاعلاً إلا الله ، ألاّ ترى معطياً إلا الله ، ألاّ ترى مانعاً إلا الله ، ألاّ ترى مُعِزًّا إلا الله ، ألاّ ترى مذلاً إلا الله ، ألاّ ترى خافضاً إلا الله ، ألاّ ترى ضاراً إلا الله ، ألاّ ترى نافعاً إلا الله ، هذا هو التوحيد ، ألاّ ترى مع الله أحداً ، أن تعلم أن يد الله تعمل وحده ، ولا أحد معه إطلاقاً .
﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ﴾
﴿ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ ﴾
مرة ذكرت أنّ طائرة دخلت في سحابة مكهربة ، وهي على وشك السقوط ، وفيها خبراء من دولة ، شعار هذه الدولة( لا إله )وقد تداعت من الداخل ، هؤلاء الملحدون دون أن يشعروا توجهوا إلى الله يلجؤون إليه بالدعاء ، الإيمان شيء فطري في كيان الإنسان ، لكن وهو في غنى وقوة يستغني عن الله .
﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾
﴿ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ ﴾
ليس في الكون إلا الله ، لا فعال إلا الله ، لا رزاق إلا الله ، لا معطي إلا الله ، لا مانع إلا الله ، لا معز إلا الله ، لا مذل إلا الله ، لا موفق إلا الله ، كل شيء حينما تعلم أنه بيد الله تتجه إلى الله وحده ، ولا تتجه إلى سواه .
4 – الشركُ لا يغفره الله :
لذلك :
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ ﴾
لماذا ؟ لو أن لك في حمص مبلغا ضخما جداً يُقدَّرُ بخمسة ملايين ليرة ، وركبت قطار حمص ، وقطعت بطاقة من الدرجة الأولى ، لكنك ركبت في جهة من الدرجة الثالثة ، أليس هذا خطأ كبيرا ؟ لكن القطار متحرك نحو حمص ، وسوف تصل إليها ، سواء ركبتَ في الدرجة الأولى أو الثالثة ، مع أنك دفعت مبلغا كبيرا ، وركبتَ في جهةٍ متواضعة جداً ، وجلست بعكس سيرِ القطار ، فأصبتَ بالدوار ، هذا خطأ ثانٍ ، وجلست أمام شباب غير منضبطين فأزعجوك كثيراً ، هذا خطأ ثالث ، لكن القطار في طريقه إلى حمص ، والمبلغ سوف تأخذه ، ثم تلوى بطنُك من الجوع ، ولا تعلم أن هناك مطعما صغيرا ، فأمضيت ساعتين أو ثلاثا وأنت جائع جوعاً شديداً ، هذا خطأ رابع ، لكن القطار في طريقه إلى حمص ، والمبلغ سوف تأخذه ، يمكن أن ترتكب أخطاء كثيرة تغتَفر ، أما لو أخطأت فركبت قطار مدينة درعا ، واتجهت نحو الجنوب ، ولو كانت درجة القطار فخمة جداً ومريحة ومكيفة ، وفيها نوافذ رائعة ، وفيها خدمة عالية ، لكن سفرك لا تجني منه خمسة ملايين ليرة ، لأنك اتجهت إلى لا شيء .
الآن اتجهْ إلى الله ، هناك أخطاء يغفرها الله لك ، هناك تقصير يسامحك الله عنه ، هناك زلة يقيلك الله من هذه العثرة ، هناك تقصير في العبادة يسامحك الله عنه ، هناك عدوان فتستسمح منه فيعفو عنك ، لكن لو أنك كفرت بالله ـ لا سمح الله ـ وتوجهت إلى إنسان ما عنده شيء ، ليس الموضوع أن الله عاقبك ، وأنه لم يغفر لك ، لا ، هذا يسمونه تحصيل حاصل ، لكنك توجهت إلى لا شيء .
أحدُهم كان يعاني آلاما شديدة جداً ، فتوجه إلى أرقى مستشفى فيه عناية الأطباء ، ومخابر تحليل ، وتصوير ، وحالات تخدير ، وعناية مشددة ، وتحليل دقيق ، أما وأنت في حالة مرضية شديدة تتوجه إلى مستودع خشب ، لا فيه طبيب ، ولا مستشفى ، ولا غرفة عمليات ، ولا مسكِّنات فهذا جنون ، لذلك :
﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ ﴾
لا لأنه يعاقبك ، أنت حينما اتجهت إلى غيره فغيرهُ ما عنده شيء ، هو مفلس مثلك ، فلو أن فقيرا يتلوى من الجوع فتوجه إلى أفقر منه لقال له : ما عندي شيء أعطيك إياه ، فخاب ظنه فيه . فلذلك :
﴿ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ ﴾
هو المسير ، بيده الأمر ، دقق : بيده الخلق والأمر ، كل شيء خلقه أمره بيده ،
﴿ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾
﴿ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ ﴾
5 – أَفَلاَ تَتَّقُونَ
ألا تتقون سخطه ، ألا تتقون ناره ، ألا تتقون المعيشة الضنك التي توعد الله بها المعرضين ؟ أفلا تتقون النار التي توعد بها الكفار والمجرمين ؟
﴿ أَفَلاَ تَتَّقُونَ ﴾
أيها الإخوة ،
﴿ قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾
قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ
1 – قَالَ الْمَلأُ
الملأ شخصيات كبيرة ، الوجهاء ، علية القوم ، بكل مجتمع فيه أكابر ، وقد يكون هؤلاء الأكابر :
﴿ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا﴾
شخصيات مهمة مرموقة ، قوية ، غنية ، حولها مجموعات كبيرة .
2 – الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ
﴿ قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ﴾
معنى ذلك هناك ملأ ليسوا كفاراً ، هناك إنسان مِلْء السمع والبصر ، لكنه مؤمن ، مِلْء السمع والبصر ، لكنه متواضع ، مِلْء السمع والبصر ، لكنه سخي ، مِلْء السمع والبصر ، ولكنه يصغي إلى الحق ، مِلْء السمع والبصر ، ولكنه يعطي من ماله .
﴿ قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾
هذه إشارة إلى أن هناك ملأ مؤمنين ، الله عز وجل أعطى الملُك لمن لا يحب ، وأعطاه لمن يحب ، إذاً : لا علاقة له بالتقييم ، أعطى الملك لفرعون وهو لا يحبه ، أعطاه لنبي كريم سيدنا هو سليمان وهو يحبه ، أعطى المال لقارون وهو لا يحبه ، أعطى المال لسيدنا عثمان بن عفان وهو يحبه ، فما دام الشيء الواحد يعطى لمن يحب ولمن لا يحب إذاً ليس مقياساً للتقييم بتاتاً .
3 – إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ من الْكَاذِبِينَ
﴿ قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ ﴾
السفاهة هي الأعمال العابثة ، تقول : فلان سفيه .
بالمناسبة ، المؤمن قد يُتَّهم بأنه أبله ، لكنه أبله عند مَن ؟ عند البُله ، لما يمتنع المؤمن عن دخل كبير فيه شبهة يتهمه المنحرفون بالجنون ، لكنه عند العقلاء عاقل جداً ، وعند البلهاء أبله ، فلا تعبأ إذا كنت عند البلهاء أبلهَ ، لا تعبأ بهذا الكلام ، وقالوا عن النبي : إنه مجنون ، والمجنون من عصا الله ، والله عز وجل أخرسهم ، فقال له :
﴿ مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾
أنت العاقل ، لذلك قد يضحك الإنسان أولاً ، والذي يضحك أولاً يبكي كثيراً ، لكن البطولة أن تضحك أخيراً .
﴿ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ﴾
مثلاً : هناك شريكان ، أحد الشريكين تمنى أن يستخدم بضاعة محرمة أو ممنوعة في القوانين ، كالتهريب ، لكنّ الشريك الآخر رفض ، فحلت الشركة ، الذي أراد أن يعمل ببضاعة غير نظامية جاءته ملايين مملينة ، فاتهم هذا الشريك بالغباء والحمق ، ثم ألقي القبض على الشريك الأول ، وأخذت كل أمواله ، وأودع في السجن ، من هو الفهيم ؟ ومن هو الأذكى والأعقل والأنجح ؟ فأنت مع الله في تفوق حقيقي ، والآية الكريمة :
﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾
يقول لك أحدُهم : أرضي الدنم فيها بخمسة آلاف ليرة ، فصار ثمن الدنم خمسة ملايين ، يكاد يذوب ، أخذها بخمسة آلاف ، الآن الدنم بخمسة ملايين ، يكاد يذوب ، ليس هذا هو الفوز ، الفوز :
﴿ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ﴾
﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾
الدنيا تغر وتضر ، وتمر ،
﴿ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾
﴿ قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ من الْكَاذِبِينَ ﴾
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾
قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ
أنا لست سفيهاً ، لكنني رسول ، أنا معي وحي ، معي منهج ، معي منهج خالق الأكوان .
﴿ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
﴿ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ﴾
أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَ
أنصحكم ، وأنا أمين على مستقبلكم الأخروي .
﴿ أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾
أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُم
النبيُّ بشرٌ كباقي البشر :
أي من غير المعقول أن يرسل خالق السماوات والأرض لهؤلاء البشر الشاردين التائهين رسولاً يبين لهم ، يشرح لهم ، يهديهم ، يدلهم إلى طريق والسعادة والسلامة .
هل يعظم على أب إن رأى ابنه شارداً أن ينصحه ؟ هل يعظم على أب يمتلئ قلبه رحمة إن رأى ابنه على مشارف السقوط في دراسته أن يعظه ؟
﴿ أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ ﴾
من بني جلدتكم ، تعرفونه ، تعرفون ماضيه ، تعرفون أمانته وصدقه ، وعفافه ونسبه ، يتكلم بلغتكم ، وهو بشر ، يشعر بما تشعرون ، ويتألم لما تألمون ،
﴿ أَوَ عَجِبْتُمْ ﴾
لذلك ؟
من معاني الذِّكر :
المعنى الأول :
﴿ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ ﴾
القرآن هو من الذكر .
﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ﴾
﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ﴾
أهل القرآن .
المعنى الثاني :
والذكر هو الصيت والسمعة .
﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾
المعنى الثالث :
والذكر هو المكانة .
﴿ وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾
المعنى الرابع :
والذكر هو كل الكتب السماوية .
﴿ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ﴾
المعنى الخامس :
والذكر هو التسبيح .
﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾
المعنى السادس :
والذكر هو الخير العميم .
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾
المعنى السابع :
ذكر الله لك منحك الأمن ، منحك السكينة ، منحك الرضى ، منحك السعادة ، منحك التوفيق ، منحك الآخرة ، الخير العميم .
﴿ أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُم ﴾
ما هو القصد من الذكر ؟ لينذركم :
الذكر أولاً ، ثم يأتي الإنذار ، وبعده الالتزام ، وبعد الالتزام الفوز بسعادة الدنيا والآخرة ، فالإنذار ليس القصد منه أن يزعجكم .
إذا شعر الإنسان بألم في بعض أسنانه فليس القصد من هذا الألم أن يتألم الإنسان ، القصد أن يبادر إلى الطبيب كي يعالج هذا الخلل الطارئ ، فيكسب هذه السن ، الألم أحياناً ليس هدفاً في حدّ ذاته ، الألم وسيلة لهدف كبير .
وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ
﴿ أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُم وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ ﴾
1 – ذكرُ آلاء الله طريقُ الفلاح :
هل تصدقون أن ذكر آلاء الله طريق الفلاح ؟
(( يا رب ، أي عبادك أحب إليك حتى أحبه بحبك ؟ قال : أحب عبادي إلي تقي القلب ، نقي اليدين ، لا يمشي إلى أحد بسوء ، أحبني ، وأحب من أحبني ، وحببني إلى خلقك ، قال : يا رب إنك تعلم إني أحبك ، وأحب من يحبك ، فكيف أحببك إلى خلقك ؟ قال : ذكرهم بآلائي ، ونعمائي ، وبلائي ))
ذكرهم بآلائي كي يعظموني ، وذكرهم بنعمائي كي يحبوني ، وذكرهم ببلائي كي يخافوني .
2 – لابد من اجتماع التعظيم والمحبة والخوف في قلب المؤمن :
إذاً : الحالة الطبيعية أن يجتمع في قلب المؤمن تعظيم لخلق الله عن طريق آياته الكونية ، وأن يكون في قلبه محبة له عن طريق النعم التي منّ الله بها علينا ، وأن يكون في قلبه خوف من البلايا التي يصيب الله بها بعض خلقه ، فالحالة الصحية للقلب تعظيم ، ومحبة ، وخوف .
3 – وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً
﴿ لِيُنذِرَكُم وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾
كان عليه الصلاة والسلام إذا نظر في المرآة قال :
(( اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي ))
إذا نظر أحدهم في المرآة فوجد نفسه كاملا ، له عينان ، له أذنان ، له شعر ، له أسنان ، في أجهزة سليمة ، يمشي على قدمين ، فهذه نعمة كبيرة جداً ، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا استيقظ يقول :
(( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي فِي جَسَدِي ، وَرَدَّ عَلَيَّ رُوحِي ، وَأَذِنَ لِي بِذِكْرِهِ ))
﴿ فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾
الآن ردَّ عليه القومُ :
﴿ قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾
قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ
1 – قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ
هناك آلهة متعددة ، كاللات والعزى ، كيف جعلتَه إلها واحدا ؟
قد لا تصدقون أنه صدر كتاب لإنسان أحمق قال فيه : آلهة قريش ديمقراطيون !!! لأنهم قبِل بعضُهم بعضا ، أما إله محمد فقمعي ، لأنه( لا إله إلا الله )لم يقبل معه إلها آخر ، حماقات ما بعدها حماقات .
2 – التوحيد راحة ما بعدها راحةٌ :
﴿ قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ ﴾
شيء مريح جداً أن يكون لك إله واحد .
(( مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمًّا وَاحِدًا هَمَّ آخِرَتِهِ كَفَاهُ اللَّهُ هَمَّ دُنْيَاهُ ، وَمَنْ تَشَعَّبَتْ بِهِ الْهُمُومُ فِي أَحْوَالِ الدُّنْيَا لَمْ يُبَالِ اللَّهُ فِي أَيِّ أَوْدِيَتِهَا هَلَكَ ))
(( اعمل لوجه واحد يكفيك الوجوه كلها ))
شيء رائع جداً ، إنه إله واحد ، علاقتك معه ، فلا تمزق عندك ، ولا تبعثر ، ولا تشرذم ، ولا قلق .
دقق : إذا كان الرجل موظفا في شركة ملكٌ لخمسة أولاد ، وكلهم شركاء ، هذا يعطي أمرا ، والثاني يعطي أمرا معاكسا ، يتمزق الموظف ، لو أن لهذه الشركة مديرا واحدا فعلاقته مع واحد ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد .
التوحيد مريح جداً ، لا يحتاج الرجل إلى أن ينافق ، ولا إلى أن يكذب ، ولا إلى أن يخاف أبداً ، علاقته مع واحد يرضيه ، فإذا رضي الله عنه حلت كلت كل مشكلاته .
(( مَنْ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ ، وَمَنْ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ ))
3 – الاحتجاج بالتقاليد والعادات البالية : وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا
﴿ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ﴾
﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾
هذه التقاليد والعادات البالية ،
﴿ قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾
أين هي النار ؟ هي خبر ، لكنه صادق ، الشهوات محسوسة ، ترى بيتاً جميلاً ، ترى طعاماً نفيساً ، ترى امرأة جميلة ، ترى مركبة فارهة ، الشهوات محسوسة ملموسة ، أما الآخرة فخبرٌ .
4 – الجاهل يحكمه الواقع : فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ
الآن أنت ذاهب إلى حمص بالسيارة ، ولك خمسة ملايين ، وصلت إلى منطقة دوما في ظاهر دمشق ، فوجدت لوحة مكتوب عليها خمس كلمات : الطريق إلى حمص مغلقة بسبب تراكم الثلوج في منطقة النبك ، هل تكمل السير ؟ خمس كلمات أوقفتك ، وعطفت ورجعت ، وإذا كان الدابة ماشية أين تقف ؟ عند الثلج ، ما الذي حكم العاقل ؟ النص ، ما الذي حكم الدابة ؟ الواقع ، لا تقل : أنا واقعي ، الواقعي ليس واقعياً ، أما العاقل فيحكمه النص .
﴿ فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾
﴿ قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ﴾
قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤكُم
إنها أسماء لا معنى لها إطلاقاً ، وإذا قلت : الله خالق السماوات والأرض ، إذا قلت : الله قوي ، فقوته ظاهرة ، المسمى موجود ، الله رحيم ، رحمته ظاهرة ، الله حكيم ، حكمته ظاهرة ، وأحيانا تضفي على إنسان تافه جداً صفات غير موجودة إطلاقاً ، فإذا تضعضع إنسان إلى مخلوق فقير ، ورجا منه العطاء يكون أحمق ، كمن وقف عند إله مِن تمر ، وتذلل أمامه ليحل له مشكلته .
والله مرة ذهبت إلى منطقة في ظاهر لوس أنجلوس فيها معبد وثني ، دخلنا المعبد فإذا بصنمين كبيرين من البرونز والماس ، وهذا الماس غالٍ جداً ، قدرت بمليون دولار ، والناس ينبطحون أمامهما انبطاحا كاملا ، بعضهم مثقفون ، يتوجهون بكلام إلى البرونز ؟! والله شيء مضحك ، وفي مدخل المعبد وجدت كسّارة جوز هند ، فقلت : ما هذه ؟ قيل لي : الآلهة تحب جوز هند ، هذا الصنم يأكل جوز الهند ؟ الهند مليئة بهذا الشكل ، البوذا عنده من الفواكه شيء نفيس جداً ، وقد تدخل بقرة إلى محل تجاري فتأكل من أنفس أنواع الفاكهة ، وصاحب المحل في غاية السعادة ، لأن الإله دخل إلى دكانه ، وأكل الفواكه ، إنه شيء مضحك حقًّا !!!
﴿ قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤكُم مَّا نَزَّلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ ﴾
﴿ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ﴾