وضع داكن
26-04-2024
Logo
الدرس : 1 - سورة الانفطار - تفسير الآيات 01 - 05 ، الكون آية عظيمة تدل على وجود الله ووحدانيته وكماله .
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

دقة اللغة العربيّة :

 أيها الأخوة الكرام ؛ لا زلنا في تفسير الجزء الثلاثين من القرآن الكريم ، واليوم مع سورة الانفطار تبدأ بقوله تعالى :

﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ﴾

[ سورة الانفطار : 1-5]

 الحقيقة أن اللغة العربية كلمات وأفعال وأدوات ، فالكلمة ما دلت على شيء ، إنسان، حيوان ، جماد ، صفة ، والفعل ما دلّ على حدوث عمل ، إن كان العمل قد وقع فعل ماض ، إن كان العمل يقع الآن مضارع ، إن كان الأمر والنهي لم يقع بعد هذا فعل مستقبلي ، على كلّ الفعل واضح ، حدوث عمل ، والاسم ما دلّ على إنسان أو حيوان أو جماد أو نبات ، أما الأداة كإذا ، ولم ، وعن ، ولا ، حروف الجر جمعت في قول واحد :

با من إلى عن لام على  في رب حتى واو وتاء
مذ منذ حاشا كاف عدا  لولا لعل كي خلا
***

 جمعت حروف الجر في هاتين البيتين ، فحروف الجر من الأدوات أيضاً ، ما معنى إذا ؟ بالإعراب الدقيق ظرف لما يستقبل من الزمان ، قال تعالى :

﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴾

[ سورة النصر: 1]

 إذا جاء لا تعني أنه جاء ، سوف يأتي ، ظرف لما يستقبل من الزمن ، لكن إذا وقوع ما بعد إذا محقق مئة في المئة ، قال تعالى :

﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴾

[ سورة النصر: 1]

 لكن إن لا تعني تحقق الوقوع ، قال تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ ﴾

[ سورة الحجرات : 6]

 قد يأتي وقد لا يأتي ، الفرق بين إذا وبين إن ، إذا لتحقق الوقوع بينما إن لاحتمال الوقوع ، هذه دقة اللغة العربية .

 

الفكر الذي أكرمنا الله به أداة لمعرفته سبحانه :

 قال تعالى :

﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ ﴾

[ سورة الانفطار : 1]

 انفطرت انشقت ، والشيء الذي يلفت النظر أن الله عز وجل وصف قرآنه الكريم بأنه مثاني ، ما معنى مثاني ؟ أي أن الآية تأتي آية أخرى تنثني عليها فتفسرها ، قال تعالى :

﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ ﴾

[ سورة الانفطار : 1]

 يوجد آية ثانية ، قال تعالى :

﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ ﴾

[ سورة الانشقاق : 1]

 فالانفطار هو الانشقاق ، آية ثانية انعطفت على الآية الأولى ففسرتها ، وأفضل أنواع التفسير ما جاء التفسير في القرآن الكريم ، كلمة انفطرت أي انشقت ، نظام الكون انتهى ، مجرات بألوف الملايين ، درب التبابنة مجرتنا ، المجموعة الشمسية بأكملها نقطة ، المجموعة الشمسة أحد كواكبها الأرض ، فلو نظرنا إلى المجموعة الشمسية لرأيناها نقطة واحدة على درب التبابنة ، التفكر في خلق السموات والأرض هو أقصر طريق لمعرفة الله ، وأوسع باب ندخل منه على الله ، لأن الله عز وجل لا تدركه الأبصار ولكن العقول تصل إليه ، والكلام دقيق تصل إليه ولا تحيط به ، تماماً كالمركبة الأرضية قد تنقلك إلى ساحل البحر ، لكن هذه المركبة لا تستطيع بها أن تخوض البحر ، فالعقل يصل إلى الله ، والعقل أعقد جهاز في الكون على الإطلاق ، الذاكرة حجمها كحبة العدس ، فيها سبعون مليار صورة ، الدماغ أعقد شيء خلقه الله، بل إن الدماغ كما يقال عاجز عن فهم ذاته ، فهذا الفكر الذي أكرمنا الله به أداة معرفة فعالة دقيقة ، هذا الفكر ينبغي أن نستخدمه لمعرفة الله .

(( ابن آدم اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء ))

[ تفسير ابن كثير]

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾

[ سورة آل عمران: 190]

 والسموات والأرض مصطلح قرآني يعني الكون والكون ما سوى الله ، قال تعالى :

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ ﴾

[ سورة آل عمران: 190]

 أولي العقول .

 

الدعاء نوع من أنواع الصلة بالله :

 وقال تعالى :

﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ ﴾

[ سورة آل عمران: 191 ]

 هناك حالة رابعة ؟ عندنا واقف أو قاعد أو مضطجع ، قال تعالى :

﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ ﴾

[ سورة آل عمران: 191 ]

 أي يذكرون الله دائماً ، ذكر الله الدائم كالدعاء مثلاً ما معنى قوله تعالى :

﴿ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُون ﴾

[ سورة المعارج : 23]

 هناك إنسان يصلي باستمرار ؟ الدعاء نوع من أنواع الصلة ، قبل أن تقدم على عمل يا رب أعني ، يا رب إني تبرأت من حولي وقوتي وعلمي والتجأت إلى حولك وقوتك وعلمك يا ذا القوة المتين ، الدعاء نوع من أنواع الصلة .

التفكر في خلق السموات والأرض أقصر طريق لمعرفة الله :

 لذلك قال تعالى :

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً ﴾

[ سورة النساء: 147]

 من هنا نفهم أن الإنسان إذا استفاد من عظمة هذا الكون فآمن بالله ، واستفاد من عظمة الكون فأطاع الله ، إذا شكر وآمن حقق الهدف من وجوده ، وعندئذ تتوقف جميع المعالجات الإلهية .
 إذاً التفكر في خلق السموات والأرض أقصر طريق لمعرفة الله ، وأوسع باب ندخل منه على الله ، فالانفطار هو الانشقاق ، قال تعالى :

﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ﴾

[ سورة الانفطار : 1-5]

 هذا التحول الجذري السماء انشقت ، القبور بعثرت ، البحار فجرت ، البحار مياه ، ما ترتيب الماء ؟ أوكسجين وهيدرجين ، الأوكسجين أشدّ المواد في الأرض اشتعالاً ، والهيدرجين غاز آخر أشدّ الغازات إعانة على الاشتعال ، فالأوكسجين والهيدروجين يصبحان ماء ، نطفئ بالماء النار ، ما هذا الخلق ؟ هذه البحار لو أن الله عز وجل أشعلها لكانت ناراً كلها ، عندي صور من موسوعات راقية جداً في قيعان البحار نار ملتهبة .
 أيها الأخوة الكرام ؛ مرة ثانية : أقصر طريق إلى الله وأوسع باب ندخل منه على الله التفكر في خلق السموات والأرض .

 

الآيات هي القنوات السالكة لمعرفة الله :

 لذلك يوم القيامة السماء تنشق ، أي تنتهي وظيفتها ، ما وظيفة السماء في الدنيا ؟ أن نتعرف إلى الله من خلالها ، ما وظيفة البحار ؟ الجبال ؟ التلال ؟ ما وظيفة الجزر ؟ ما وظيفة النبات ؟ ما وظيفة الحيوان ؟ ما وظيفة الإنسان ؟ كل هذه المخلوقات تشير إلى عظمة الله ، تشير إلى وجود الله وإلى وحدانيته وإلى كماله ، كأن الكون يشف عن عظمة الله ، كأن الله عز وجل جعل الكون دليلاً عليه ، هذا الدليل لأنه آيات قال تعالى :

﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾

[سورة الجاثية : 6]

 معنى ذلك الآيات هي القنوات السالكة لمعرفة الله ، التفكر في ذات الله ممنوع ، لا تفكروا في ذاته فتهلكوا ، ولكن التفكر في مخلوقات الله ، كلما ازددت تفكراً في هذه المخلوقات ازددت علماً بالله ، كلما ازددت تفكراً في هذه المخلوقات ازددت قرباً من الله ، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في بعض أدعيته : " لا بورك لي في طلوع شمس يومٍ لم أزدد فيه من الله علماً ، ولا بورك لي في طلوع شمس يومٍ لم أزدد فيه من الله قرباً ". من هو المغبون أي الخاسر؟ المغبون من تساوى يوماه ، يجب أن تقفز كل يوم قفزة إيمانية ، قفزة نوعية ، أن تزداد معرفة بالله ، وأن تزداد قرباً له .
 التعريف الجامع المانع للإنسان أنه بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه ، يوم القيامة السماء تنفطر ، تنشق ، الكواكب تنتثر ، تتفلت من جاذبياتها ، يتوقف نظام الكون ، تتوقف هذه الأنظمة الدقيقة جداً ، لأن كل كوكب يدور حول كوكب دورة مغلقة ، هذا معنى قوله تعالى :

﴿ وَالسَّمَاء ذَاتِ الرجع ﴾

[ سورة الطارق: 11]

 يرجع الكوكب إلى مكان انطلاقه ، هذا الكون مجرات ، والمجرات بألوف المليارات، وأحد هذه المجرات الصغيرة المتوسطة درب التبابنة ، والمجموعة الشمسية بأكملها نقطة على هذا التجمع من النجوم ، لذلك قال تعالى :

﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾

[ سورة يونس: 101 ]

الكون آية عظيمة تدل على وجود الله ووحدانيته وكماله :

 نحن أيها الأخوة ؛ نتوهم أن الأوامر الصلاة والصوم والحج والزكاة والنطق بالشهادة، هذه العبادات شعائرية لكن التفكر في خلق السموات والأرض أمر إلهي ، بل إن هذا الأمر يأتي على فعل مضارع ، قال

﴿ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾

[ سورة آل عمران: 191 ]

 والفعل المضارع يعني الاستمرار ، عندنا فعل ماض ، عندنا فعل أمر ، عندنا فعل مضارع ، المضارع يفيد الاستمرار ، إذا انفرط عقد هذا النظام الكوني يوم القيامة ، انتهت وظيفة الكون ، الكون آية عظيمة تدل على وجود الله ، ووحدانيته ، وكماله ، يوم الدين انتهى التكليف، انتهت الدنيا ، انتهى وقت العمل ، جاء وقت الجزاء ، انتهى التكليف ، جاء التشريف ، انتهت الرتابة ، جاء الصعود في السعادة التي خلقنا من أجلها ، والدليل :

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾

[ سورة هود :119]

 خلقهم ليسعدهم .

 

بطولة الإنسان أن يعد للساعة عدتها :

 قال تعالى :

﴿ وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ ﴾

[ سورة الانفطار : 3]

 تصبح لهيباً ، والكواكب انتثرت أي انفرط عقدها ، والسماء انشقت أي كما قلت قبل قليل انفرط عقدها ، في هذا اليوم علمت نفس ما قدمت وأخرت ، قدمت عملاً كان ينبغي أن يؤخر ، وأخرت عملاً كان ينبغي أن يقدم ، قال تعالى :

﴿ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ﴾

[ سورة الانفطار : 5]

 إنسان اعتنى بتزيين بيته عناية فائقة ، بعد النهاية جاءه ملك الموت ، هذه اللحظة الحرجة يأتي ملك الموت يأخذك من الدنيا ، الذي جمعته في عمر مديد ينتهي في ثانية واحدة ، إذا توقف القلب انتهت الحياة ، فكل آمال الإنسان ، وكل طموحاته ، وكل مكانته ، وكل هيمنته مبنية على ضربات القلب ، إذا توقفت هذه الضربات انتهت الحياة ، جاءت النعوة فقد كل شيء جمعه في عمر مديد ، لذلك البطولة أن نعد لهذه الساعة ، قال تعالى :

﴿ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ﴾

[ سورة الانفطار : 5]

 هناك شيء قدمته وكان ينبغي أن تؤخره ، و هناك شيء أخرته كان ينبغي أن تقدمه ، لذلك المتفوقون في الحياة عندهم أولويات ، أن تعرف الله من أولوياتك ، أن تبحث عن أمره ونهيه من أولوياتك ، أن تعمل عملاً صالحاً تتقرب إليه من أولوياتك ، البطولة في الأولويات ، أما كل إنسان يأكل ويشرب ويعمل ، فهذا العمل إذا كان للدنيا فقد ضيع خيراً كثيراً.
 لذلك أخواننا الكرام أنت بحاجة إلى تذكرة يومية ، التذكرة اليومية أن تصلي الفجر في جماعة :

(( من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي ، ومن صلى العشاء في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح ))

[مسلم عن جندب بن عبد الله]

 أرجو الله سبحانه وتعالى أن يحفظ إيمانكم جميعاً ، ومن يلوذ بكم ، وأن يحفظ عليكم صحتكم واستقراركم .

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور