وضع داكن
24-04-2024
Logo
الحلقة - 03 - العبادة1 - العبادة وشموليتها ، عبادة شعائرية وعبادة تعاملية .
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع :
  أعزائي المشاهدين ؛ السلام عليكم و رحمة الله ، مرحباً بكم إلى حلقة جديدة من ربيع الإيمان ، وفي حديقة ربيع الإيمان نرحب مرة أخرى مجددين ترحيبنا بفضيلة أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي ، أهلاً وسهلاً فضيلة الشيخ ، و أسأل الله تبارك و تعالى أن يبارك لك في هذا الحضور .
 أعزائي المشاهدين سنتحدث في هذه الحلقة إن شاء الله عن معنى كبير جداً يتناول كافة أنشطة الإنسان ؛ عن معنى العبادة ، هذا المقصد العظيم الذي خلقنا لأجله ، والعبادة لا بمفهومها الضيق بل بمفهومها الواسع ، فإلى ربيع الإيمان إن شاء الله مع فضيلة الدكتور مرحباً بك مرة أخرى .
 دكتور الإيمان بالله سبحانه والعبادة مفهوم واسع كبير ، ولا شك أن هناك من ضيقه وجعله مجرد طقوس ، ولا شك أن للعبادة شأناً أكبر من ذلك كيف توضحون هذا ؟

 

للعبادة شأن عظيم لأنها ثمن الجنة :

الدكتور راتب :
 أريد أن أقدم لهذا السؤال الطيب بمثل ، إنسان عنده ابن متفوق جداً ، أرسله إلى باريس لينال الدكتوراه ، هذا الشاب في هذه المدينة العملاقة الكبيرة فيها دور سينما ، فيها ملاه ، فيها أسواق ، فيها جامعات ، فيها حدائق ، فيها مؤسسات ، فيها معالم سياحية ، هذا الطالب في هذه المدينة نقول : علة وجوده في هذه المدينة شيء واحد هو نيل الدكتوراه ، والإنسان إذا عرف من هو ، وأنه خلق للجنة ، وأن الله عز وجل جاء به إلى الدنيا ليعبده ، فتكون هذه العبادة ثمناً للجنة ، أنت حينما تؤمن وفق كتاب الله وسنة نبيه تعرف أن علة وجودنا في الدنيا الوحيدة أن نعبد الله ، والدليل ولولا الدليل لقال من شاء ما شاء ، قال تعالى :

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الذاريات: 56]

 علة وجودنا في الدنيا أن نعبده ، لكنني أريد أن أبين للأخوة المشاهدين أن عدداً من الناس كبير يتوهم أن العبادة هي الشعائرية فقط ، أن تصلي ، وأن تصوم ، وأن تحج بيت الله الحرام ، وأن تدفع الزكاة ، مع أن العبادة وأنني أربأ بنفسي عن المبالغة قد تصل إلى خمسمئة ألف بند ، منهج تفصيلي يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية ، كيف تختار زوجتك؟ كيف تربي أولادك ؟ كيف تمضي أوقات فراغك ؟ كيف تقوم بعملك ؟ كيف تعامل أصدقائك ؟ الأسئلة لا تنتهي ، المنهج تفصيلي كامل ، فالذي يتوهم العبادة عبادات شعائرية هو في خطأ كبير جداً .
 فالعبادة من بعض تعريفاتها : طاعة ، خضوع لمنهج الله ، هذا الإله هو الصانع ، هو الحكيم ، هو العليم ، هو الغني ، هو القدير ، له منهج افعل ولا تفعل ، بنوده كبيرة جداً ، تبدأ معك من أخصّ خصوصياتك وتنتهي بأكبر موضوع في الحياة .
المذيع :
 دكتور لماذا هذا الشمول في العبادة ، لماذا يتناول منهج الله عز وجل كافة ألوان وأشكال ومستويات نشاط الإنسان ؟ على ماذا يدل هذا ؟

 

الحكمة من الشّمول في العبادة :

الدكتور راتب :
 على أن الإنسان هو المخلوق الأول ، الحقيقة الإنسان خلق لمعرفة الله ، وسأدخل في موضوع دقيق قليلاً ، الله عز وجل لا نهائي في علمه ، في أسمائه ، في كمالاته ، والإنسان خلق ليعرف الله ، قيل : الأرض للنبات ، والنبات للحيوان ، والحيوان للإنسان ، والإنسان لمن ؟ لله سبحانه ، قال تعالى :

﴿ وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ﴾

[ سورة طه : 41]

 الإنسان خلق ليعرف الله ، فعلة وجوده أن يعرف الله ، قال تعالى :

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا ﴾

[ سورة الطلاق : 12 ]

 علة هذا الكون أن نعرف الله ، قال تعالى :

﴿ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾

[ سورة الطلاق: 12 ]

 بالمناسبة كتعليق أنت إذا كنت تركب مركبة ، والإشارة حمراء ، والشرطي واقف ، وهناك ضابط سير ، أي مستحيل أن تخالف القواعد ، أولاً لأن واضع قانون السير علمه يطولك من خلال هذا الشرطي ، وقدرته تطولك بكتابة ضبط وحجز المركبة ، فأنت حينما توقن أن واضع القانون علمه يطولك وقدرته تطولك مستحيل أن تعصيه ، حينما يعلم التاجر علم اليقين أن كل صفقاته المستوردة نسخة منها بالمالية لا يمكن أن يخفي عن المالية الصفقة ، مع مخلوق من بني البشر فكيف مع الخالق ؟ فأنت حينما تتأكد أن علمه يطولك وأن قدرته تطولك لا يمكن أن تعصيه ، لذلك قال تعالى :

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾

[ سورة الطلاق : 12 ]

 لماذا اختار من أسمائه اسمي العليم والقدير ؟ هذان الاسمان متعلقان باستقامتك ، المستقيم يعلم علم اليقين أن علم الله يطوله ، وقدرته تطوله ، فلذلك الإنسان إذا عرف الله عز وجل ، وعرف سرّ وجوده ، وغاية وجوده عبد ربه ، العبادة بالمفهوم الشائع غير المنضبط ، العبادة الشعائرية أما العبادة بالمفهوم الديني ، فالعبادة الشعائرية والتعاملية ، ما شاهدها ؟ أو ما دليلها ؟ سيدنا جعفر رضي الله عنه حينما سأله النجاشي عن الإسلام قال :

(( أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف ، فكنا على ذلك ، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه ، وصدقه ، وأمانته ، وعفافه ، فدعانا إلى الله لتوحيده ، ولنعبده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ))

[ابن خزيمة عن جعفر بن أبي طالب ]

 هذه بعض بنود العبادة التعاملية ، ففي اللحظة التي يتوهم فيها المسلم أن العبادة شعائرية فقط وقع بخطأ كبير ، وخطأ مدمر ، العبادة منهج كامل شمولي .
المذيع :
 الحقيقة الإيمانية تتكون من مكونات أساسية ، ما هي هذه المكونات ؟

 

مكونات الحقيقة الإيمانية :

الدكتور راتب :
 العبادة الإيمانية أن تعلم أن الله موجود وكامل ، هذه نقطة مهمة جداً ، ذات كاملة ويعلم السر وأخفى ، هذا المنطلق الإيماني ينتج عنه استقامة ، ينتج عنه انضباط ، ينتج عنه تطبيق افعل ولا تفعل ، فالعبادة طاعة ، لكن لا يمكن أن تطيع من تجهله ، لا بد من أن تعرفه، وهذا الشيء أكّده سيدنا علي حينما قال : " أصل الدين معرفة الله ".
 أنا أقول دائماً : إذا عرفت الله ثم عرفت أمره تفانيت في طاعة الآمر ، أما إذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر ، تفننت في معصيته ، مشكلة المسلمين اليوم الأمر معروف ، كل طلابنا درسوا بالمدارس الأمانة ، والصدق ، والعفاف إلى آخره ، لكن ما عرفوا الآمر ، فحينما نعرف الآمر ، ثم يأتينا الأمر نتفانى في طاعته ، أما إذا عرفنا الأمر ولم نعرف الآمر فنتفنن في معصيته .
المذيع :
 فضيلة الشيخ العبادة بالمفهوم الصحيح أن تعرف الآمر أولاً ثم تعرف الأمر .
الدكتور راتب :
 أما إذا اقتصرنا على الأمر ، أي الدين فقه فقط ، حلال وحرام ، من الآمر ؟ عفواً عندما يكون هناك جندي في الخدمة الإلزامية ، يأتيه أمر من عريف ، هذه أدنى رتبة في الجيش سبعة ، رتبة عريف غير من لواء ، كلما عظم الآمر عظم الأمر ، فالخالق هو الآمر ، فأنت إذا عرفت الله الإنسان يعد للمليون قبل أن يعصيه ، لذلك لا يوجد إنسان يعصي الله إلا لضعف معرفته بالله .
المذيع :
 ولذلك لا يمكن للعبادة فقط أن تكون بمنحى طقوس لأن الطقوس بين العبد وبين الله عز وجل .
الدكتور راتب :
 الطقوس لا تصمد أمام الشهوات ، أنا أبين لو فرضنا طناً من الحديد ، تركناه من طائرة ونزل هل يقف في طريقه ورق ؟ ولا كرتون ، قوة اندفاعه مخيفة جداً ، فالشهوات قوة كبيرة لا توقفها العبادات وحدها ، توقفها معرفة الله عز وجل ، توقفها معرفة وعده ووعيده ، توقفها ما وعدنا به من جنة عرضها السموات والأرض ، توقفها ما توعد الله عز وجل العصاة في جهنم ، فحينما تعرف الله وتعرف أمره ونهيه وتعرف وعده ووعيده تنضبط .
المذيع :
 فضيلة الشيخ لماذا ظهر هذا الانفصال بين الحقيقة وأجزائها ، هناك من يرى أن العقل بعيد عن النص ، بعيد عن الدين .

سبب الانفصال بين الحقيقة و أجزائها :

الدكتور راتب :
 عندي جواب أرجو أن يكون واضحاً ، لماذا بقي الصحابة في مكة سنوات عديدة -ثلاث عشرة سنة - والآيات كلها عن الله عز وجل وعن خلقه ، وعن كماله ، وعن عظمته ؟ أما التشريع فجاء في المدينة ، فإذا فهمنا الدين تشريعاً فقط ، أهملنا أكبر جانب في الدين معرفة الله عز وجل ، دون أن نشعر نعلم طلابنا الفقه فقط ، أحكام الصلاة ، أحكام الصوم ، أحكام الزكاة ، الحج ، الأمانة ، إلى آخره ، من الآمر ؟
 مرة ثانية إذا عرفت الآمر ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر ، أما إذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر فتفننت في معصيته .
المذيع :
 تقسيم جديد لعصر التشريع المرحلة الأولى التركيز على معرفة الآمر ، والثانية إذا تجهزت القلوب بمعرفة الله جاء وقت التطبيق .
الدكتور راتب :
 الإنسان يلاحظ نفسه بعلاقاته مع الأشخاص الذين حوله ، كلما كان الشخص مركزه أكبر ، ومعه صلاحيات أوسع ، عنده شيء يعطيك أكبر ، والشيء يخوفك منه أكبر تطيعه ، تطيعه على قدر الحجم .
المذيع :
 دكتور كنت ذكرت مرة عن قضية الحقيقة وتجتمع بخطوط وشبهتها تشبيهاً جميلاً .

الحق دائرة تتقاطع فيها أربعة خطوط :

الدكتور راتب :
 أنا أرى أن الحق دائرة تتقاطع فيها أربعة خطوط ، خط النقل الصحيح والفهم الصحيح ، طبعاً ذكرت هذا الشرط القيدي ، النقل الصحيح ، والفهم الصحيح ، والتأويل الصحيح، وخط العقل الصريح ، وخط الفطرة السليمة ، وخط الواقع الموضوعي ، أي ما هو الحق ؟ ما قبله العقل الصريح غير التبريري .
المذيع :
 هل من مثال يوضح ذلك ؟
الدكتور راتب :
 مثلاً تأتي دولة عظمى إلى بلد نفطي من أجل أن تأخذ نفطه ، تقول : جئنا من أجل الحرية ، هذا كذب ، لذلك مرة واحدة القائد العسكري في العراق صرّح تصريحاً رسمياً قال: جئنا من أجل النفط ، لمرة واحدة ، فالعقل الصريح هو حقيقي ، أما التبريري فكل إنسان عندما يغلط يغطي خطأه بتغطية مقبولة ، يقبض مالاً حراماً يقول لك : أنا عندي أولاد أريد أن أربيهم ، عندنا عقل تبريري ، فالخط الأول هو العقل الصريح ، الخط الثاني النقل الصحيح مع التأويل الصحيح ، هناك نصوص غير صحيحة ، نصوص موضوعة ، تأويل غير صحيح .
المذيع :
 كنت مرة ذكرت أنه لا يوجد نص أو حديث أو أثر يناقض العقل من كل وجه إلا كان ضعيفاً .
الدكتور راتب :
 نحن عندنا بالرياضيات إذا كان هناك شيئان يساويان شيئاً واحداً فهما متساويان ، فإذا كان النقل من عند الله القرآن والسنة ، والعقل من عند الله فالمصدر واحد ، يجب أن يتوافق العقل مع النقل ، لابن القيم رحمه الله كتاب في هذا الموضوع ، توافق العقل مع النقل ، أي مستحيل وألف ألف مستحيل أن يأمرك الله عز وجل بشيء ويقول لك العقل الذي خلقه الله لك: هذا الشيء غير صحيح ، فهو قاعدة عامة ، توافق العقل مع النقل قطعاً واقع ، لكن أحياناً يبدو لك عدم التوافق ، إما لعدم حدية أحدهما ، إما النقل غير صحيح ، الحديث ضعيف ، أو العقل غير صريح عقل تبريري ، الذي له مصلحة بشيء محرم يعطي تبريرات غير صحيحة ، أما العقل الصريح فيتوافق توافقاً تاماً مع النقل الصحيح مع الفطرة السليمة ، أروع شيء بالدين أن هذا الدين أحكامه التفصيلية تتوافق مع فطرة الإنسان .
المذيع :
 ما هي الفطرة ؟

تعريف الفطرة :

الدكتور راتب :
 هذه السيارة كيف صممت ؟ صممت من أجل طريق معبد ، فإذا ركبتها على طريق معبد ، سرعة رائعة ، صوت خفيف ، انسيابية رائعة ، شيء رائع ، كل الميزات تظهر بالطريق المعبد ، امش بهذه السيارة بطريق وعر ، صخور ، أصوات تكسير ، وسرعة بطيئة ، الفطرة الإنساننية تتوافق توافقاً تاماً مع منهج الله عز وجل ، أنت حينما تصدق تشعر بسعادة ، أنت مبرمج على الصدق ، فإذا جاء الفعل صادقاً توافقت الفطرة مع السلوك ، أنت مبرمج على الكرم فإذا جاء السلوك فيه عطاء ترتاح ، أحد أكبر أسباب سعادة المؤمن توافق سلوكه مع فطرته ، والدليل قوله تعالى:

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ ﴾

[ سورة الروم : 30]

 أن تقيم وجهك للدين حنيفاً هو ما فطرت عليه ، أو هو ما برمجت عليه ، أو هو ما ولفت عليه ، أنت مبرمج وفق الدين .
المذيع :
 الفطرة هي الاستعدادات أو هي التجهيزات التي أمدنا الله عز وجل بها ؟

 

الفرق بين الفطرة و الصبغة :

الدكتور راتب :
 هناك شيء دقيق جداً ؛ الفطرة ليس أن تكون كاملاً أن تحب الكمال فقط ، الإنسان قد يحب الصدق و لكنه يكذب ، هذه الفطرة ، أما الصبغة فأن تكون كاملاً ، هناك فرق بين الفطرة والصبغة ؛ الفطرة أن تحب الصدق فقط ، وقد يكذب الإنسان ، أما الصبغة فأن تكون صادقاً ، أن تحب الشيء شيء ، وأن تكون في مستواه شيء آخر ، أن تكون في مستواه الصبغة ، وأن تحبه فقط فطرة .
المذيع :
 دكتور الخط الرابع هو الواقع الموضوعي ، ذكرت العقل الصريح والنقل الصحيح والفطرة السليمة والواقع الموضوعي ، ماذا تقصد بالواقع الموضوعي ؟

تعريف الواقع الموضوعي :

الدكتور راتب :
 مثلاً يقول لك شخص : معظم المسلمين عندهم تعدد زوجات ، ليس صحيحاً ، ثلاثة بالمئة فقط ، لكن أعداء الدين يكبرون ويضخمون هذا وصف غير موضوعي ، هو في الحقيقة ما جاء به النقل الصحيح وقد أوّل تأويلاً صحيحاً ، وما أكده العقل الصريح ، وما ارتاحت إليه الفطرة السليمة ، وما أكده الواقع الموضوعي ، هذا هو الحق ، إذاً دائرة تتقاطع فيها أربعة خطوط ، خط النقل الصحيح مع الفهم الصحيح ، وخط الفطرة السليمة ، وخط الواقع الموضوعي ، وخط العقل الصريح .
المذيع :
 أشياء جميلة وللمرة الأولى نسمع مثل هذه الأجزاء ، دكتور كيف نوظف هذه الحقيقة في الوظيفة الكبرى ؟

كيفية توظيف الخطوط الأربعة في العبادة :

الدكتور راتب :
 اقرأ القرآن الكريم العقل يقبله ، والفطرة إذا طبقته ترتاح إليه ، وأنت حينما تطبق هذا الدين يعلو اسمك بين الناس والواقع يؤكده ، شيء دقيق ؛ أربعة خطوط ، خط النقل الصحيح مع العقل الصريح مع الفطرة السليمة مع الواقع الموضوعي .
المذيع :
 دكتور كيف نوظف هذا الفهم للحقيقة في المقصد والذي هو العبادة وهو موضوعنا اليوم ؟
الدكتور راتب :
 لو أخذنا الصلاة مثلاً ، الصلاة أنا حينما أؤدي حركاتها وسكناتها وقراءاتها ولم تنعقد الصلة مع الله أنا كأنني ما صليت ، أنا عليّ أن أفهم كل عبادة ما حقيقتها ؟ وما أساسها ؟ وما سرها ؟

العبادة طاعة طوعية ممزوجة بمحبة قلبية :

 لذلك الإمام الغزالي رحمه الله تعالى في إحياء علوم الدين يقول : كل عبادة فيها سر، أسرار الصلاة ، أسرار الحج ، فأنت حينما تعرف حقيقة العبادة تقطف ثمارها ، العبادة طاعة طوعية ، الله عز وجل هو الخالق ما أرادنا أن نطيعه إكراهاً ، الذي خلقنا وحياتنا بيده وسعادتنا بيده كل شيء بيده ما أراد أن تكون علاقتك به علاقة إكراه ، قال تعالى :

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾

[ سورة البقرة : 256 ]

 بل أرادها أن تكون علاقة حب ، قال تعالى :

﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾

[ سورة المائدة : 54 ]

 أي أراد الله أن تكون علاقته بعباده علاقة حب ، فهي طاعة طوعية .
المذيع :
 دكتور ما الفرق بين المعنيين ؟
الدكتور راتب :
 لو فرضنا إنساناً بدائرة ، وفيها مدير عام سيئ جداً وقاس وظالم ، نطيعه ولكن نطيعه ونكرهه ، فالعبرة أن تكون طاعة طوعية ، المؤمن يطيع الله طاعة طوعية ، لأنه قطف ثمار الطاعة ، الآن ممزوجة بمحبة قلبية ، العلماء قالوا : ما عبد الله من أحبه ولم يطعه ، وما عبد الله من أطاعه ولم يحبه . هذان شرطان في المصطلحات الحديثة كل منهما لازم غير كاف، الطاعة والمحبة ، طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، يجب أن تطيعه وأن تحبه ، أساسها - العبادة - معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية .
طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية .

 

خاتمة و توديع :

المذيع :
 دكتور نقف عند السعادة الأبدية ، ونسأل الله عز وجل أن يبارك لكم بعلمكم ، وأشكركم على هذا البيان ، وإن شاء الله نكمل في السعادة الأبدية في الحلقة القادمة إن شاء الله.
 أعزائي المشاهدين أشكركم شكراً جزيلاً على حسن متابعتكم ، كما أتقدم بالشكر الجزيل إلى فضيلة أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي ، الذي أمتعنا بهذا اللقاء وأسأل الله أن ألقاكم في حلقة مقبلة في ربيع الإيمان إن شاء الله ، وإلى لقاء آخر ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
 جزاكم الله خيراً فضيلة الدكتور ، وأحسن إليكم ، وبارك فيكم على هذه الجهود والمعاني الطيبة .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور