وضع داكن
16-04-2024
Logo
الحلقة - 08 - هدف اي إنسان السلامة والسعادة - السعادة الأبدية .
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع :
أعزائي المشاهدين ؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، مرحباً بكم جميعاً إلى حلقة جديدة من حلقات ربيع الإيمان ، مع فضيلة أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي ، مرحباً بكم فضيلة الدكتور ، و أهلاً و سهلاً بكم ، و جزاك الله خيراً على تشريفنا في هذا اللقاء .
الدكتور راتب :
بارك الله بكم .
المذيع :
أعزائي المشاهدين ؛ وصلنا في الحلقة الماضية عند الحديث عن : جاهد تشاهد ، دكتور هذه الكلمة الرائعة التي تختصر الكثير الكثير ، معرفة الله عز وجل تحتاج إلى مجاهدة لكي يصبح الإيمان مشاهداً ، كأن الإنسان شاهد كما يشهد على قضية ما ، هل جليت لنا الأمر ووضحت بارك الله بك ؟

 

السلامة و السعادة مطلب كل إنسان على سطح الأرض :

الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد ، وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطاهرين ، أمناء دعوته ، وقادة ألوِيَتِه ، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين .
الحقيقة الرقم السابق ستة آلاف مليون ، اليوم الرقم سبعة آلاف مليون عدد سكان الأرض ، سبعة آلاف مليون ما منهم واحد على الإطلاق إلا ويبحث عن شيئين ؛ عن السلامة والسعادة .
ألا يكون مريضاً ، هناك ورم خبيث ، و فقر ، و مصائب لا تعد ولا تحصى ، والسعادة ، السلامة وضعها سلبي والسعادة إيجابي ، لكن لماذا الشقاء في الأرض ؟ نقص علم ، لذلك أزمة أهل النار في النار أزمة علم فقط ، والدليل قال تعالى :

﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾

[ سورة الملك : 10]

فالإنسان حينما يعرف الحقيقة يسعد بها ، فالإنسان عقل يدرك ، وقلب يحب ، وجسم يتحرك ، العقل غذاؤه العلم ، والقلب غذاؤه الحب ، والجسم غذاؤه الطعام والشراب ، إذا غذى عقله بالحقائق لا بالأباطيل ، بالحقائق لا بالترهات ، لا بالضلالات ، لا بالأساطير ، القضية دقيقة جداً جداً سيدنا عمر يخاطب ابنه عبد الله ، ابن عمر دينك دينك إنه لحمك ودمك، خذ عن الذين استقاموا ، ولا تأخذ عن الذين مالوا .
فنحن الآن رقم سمعته اليوم بالأخبار أن عدد سكان الأرض سبعة مليارات ، ما منهم واحد على الإطلاق إلا ويبحث عن سلامته وسعادته ، أنت مبرمج ، مولف ، مفطور على حبّ وجودك ، وعلى حبّ سلامة وجودك ، وعلى حبّ كمال وجودك ، وعلى حبّ استمرار وجودك ، الآن سلامة الوجود وكمال الوجود واستمرار الوجود بطاعة الله ، لأن الله عز وجل هو الخالق ، هو الصانع ، وما من جهة في الكون ينبغي أن تتبع تعليماتها إلا الجهة الصانعة ، أي مواطن لو أن عنده كومبيوتر غال جداً وأصابه عطب هل يذهب إلى بائع الخضراوات إلى جاره ؟ مستحيل ، يذهب إلى الوكالة ، قال تعالى :

﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾

[ سورة فاطر : 14]

سبعة مليارات إنسان همهم الأول السلامة والسعادة ، من أين يأتي الشقاء ؟ من الجهل ، لذلك الجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به ، إنسان أفقه ضيق جداً أراد أن يسافر إلى أمريكا ، كنت في أمريكا سمعت هذه القصة ، زوجته ما سمحوا لها والقصة من أندر القصص ، وضعها في محفظة كبيرة وجعل لها ثقوباً ، جاءت مع العفش ، طبعاً الحرارة هناك تقدر بخمسين تحت الصفر فماتت ، ما الذي أماتها ؟ الجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به .
المذيع :
قالت الأعراب : لا يبلغ الأعداء من جاهل ما يبلغ الجاهل من نفسه .
الدكتور راتب :
لذلك إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، و إذا الآخرة فعليك بالعلم ، وإن أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، إذاً القضية أن الإنسان بفطرته أي إنسان من أي انتماء ، من أي جنس ، من أي عرق ، من أي لون ، من أي ثقافة ، يبحث عن سلامته وسعادته .
المذيع :
دكتور هذه السعادة هي الجزء المكمل للمنظومة ، أو الرباعية التي تفضلت بها في الحلقة السابقة ، وكنا قد وعدنا مشاهدينا الكرام أن نستكمل الحديث عنها ، وهي الطاعة الطوعية الممزوجة بالمحبة القلبية أساسها المعرفة اليقينية التي تفضي إلى سعادة أبدية .

 

همّ الإنسان الأول أن يكون سعيداً :

الدكتور راتب :
الإنسان لأنه قبِل حمل الأمانة كان عند الله المخلوق الأول ، فلما قبِل حمل الأمانة سخر الله له ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه ، قال تعالى :

﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾

[ سورة لقمان : 20 ]

فالإنسان همه الأول أن يكون سعيداً ، يشقى بالجهل ، هناك من يقول دائماً : نحن عندنا أعداء تقليديون ؛ الصهيونية ، الاستعمار ، أنا لي رأي آخر : أكبر عدو لنا هو الجهل .
المذيع :
دكتور ليتك توضح هذه النقطة ، لماذا يكون الجهل أكبر أعدائنا في هذا الوقت ونحن نعيش ربيع العالم العربي وحديثنا عن ربيع الإيمان ؟

 

الجهل أكبر أعداء الإنسان :

الدكتور راتب :
لأن الإنسان أعقد آية في الكون ، وهذه الآلة لها تعليمات ، فأنت انطلاقاً من حبك لذاتك ، من حرصك على سلامتك ، أتمنى أن أسامح في هذه الكلمة الإنسان أحياناً انطلاقاً من أنانيته ينبغي أن يطيع ربه .
المذيع :
يحقق ذاته بطاعته لربه .
الدكتور راتب :
حينما يحرص على سلامته وسعادته ينبغي أن يطيع ربه ، لأن الطاعة تعليمات الصانع ، والنقطة الدقيقة جداً العلاقة بين الطاعة وبين ثمارها علاقة علمية ، علاقة سبب بنتيجة ، بمعنى لو جاءت جهة تنكر وجود الله إنكاراً كلياً ، وطبقت منهج الإسلام قطفت كل ثماره في الدنيا ، بمعنى أن منهج الله منهج موضوعي ، هناك علاقات علمية بين المقدمات والنتائج ، مثلاً بيت له بابان ؛ الأب ارتأى أن يقفل باب وأن يفتح باب ، أي يستعمل باب واحد، فجاء الابن خالف وخرج من الباب الذي منع الأب استعماله ، فضربه ، لا نجد علاقة بين السلوك بخروج طفل من باب هو مصنوع للخروج وبين تلقي العقاب ، العلاقة وضعية ، الأب وضعها ، ومعظم قوانينا وضعية ليست علمية ، لكن حينما يضع الابن أصبعه على المدفأة المشتعلة وتحترق نقول : هناك علاقة علمية بين وضع الأصبع على المدفأة المشتعلة وبين احتراقها ، أنت حينما تؤمن تعلم أن كل أمر إلهي العلاقة بينه وبين النتائج علاقة علمية ، لذلك قال بعض علماء الأصول : علة أي أمر إلهي أنه أمر إلهي .
أذكر مرة عالماً أمريكياً هداه الله إلى الإسلام فالتقى مع عالم من الشام ، جاء موضوع لحم الخنزير ، فشرح له هذا العالم الذي من الشام ساعات مطولة على الدودة الشريطية ، ومضارها ، فبعد هذا الشرح المطول ابتسم هذا الذي أسلم في أمريكا ، قال له : كان يكفيك أن تقول لي : إن الله حرمه .
أنت مع طبيب قلب وبيتك في الطابق الثالث ، ولا بد من تبديله ببيت أرضي ، لا تناقشه أبداً ، أنت لا تناقش طبيب منعك من الملح ، طبيب من بني البشر لكنك تثق بعلمه لا تناقشه ، فكيف خالق الأكوان ؟ فلذلك النقطة الدقيقة علة أي أمر أنه أمر ، قال له : كان يكفيك أن تقول لي : إن الله حرمه ، هذا إيمان عال .

مرور المؤمن في حياته بمراحل ثلاث ؛ مرحلة التأديب والابتلاء والتكريم :

هناك حالة بالقرآن الكريم تؤكد عبودية الإنسان ، ابن في مقتبل شبابه ، ابن سيدنا إبراهيم ، وهو نبي ، قال الله له : اذبحه ، لا نقبل لا شرعاً ، ولا عادة ، ولا تقليداً ، لكن كأن هذه القصة تبين أن إبراهيم عليه السلام كان الأول في العبودية لله عز وجل ، نحن أحياناً نمتحن امتحان عبودية ، تأتي مشكلة وأنت مستقيم استقامة تامة ، قد تقع في حيرة ، أنا أقول دائماً : المؤمن يمر في حياته أو في علاقته مع الله بمراحل ثلاث ؛ مرحلة التأديب ، ومرحلة الابتلاء ، ومرحلة التكريم ، هذه المراحل قد تكون متداخلة وقد تكون متمايزة .
الإمام الشافعي سئل: أندعو الله بالتمكين ؟ قال : لن تمكن قبل أن تبتلى ! قال تعالى:

﴿ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾

[ سورة المؤمنون: 30]

فلا بد من أن يمتحن الإسلام ، يمتحن فيما أعطاه ، وفيما أخذ منه ، إن الحظوظ التي وزعها الله في الدنيا توزيع ابتلاء ، هذا غني مادة امتحانه مع الله الغنى ، هذا فقير مادة امتحانه مع الله الفقر ، هذا قوي ، هذا ضعيف ، هذا وسيم ، هذا ذميم ، الله عز وجل وزع الحظوظ في الدنيا توزيع ابتلاء لكن الشيء الدقيق سوف توزع في الآخرة توزيع جزاء .
المذيع :
دكتور نقف عند توزيع الجزاء ونأخذ فاصلاً ونتابع ..
أعزائي المشاهدين ؛ مرحباً بكم مرة أخرى عوداً حميداً إلى حديقة ربيع الإيمان مع فضيلة أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي ، وقفنا عند توزع الابتلاء وتوزيع الحظوظ ..
ومنطق العبودية القسري الإلزامي أعتقد أن هذا لا يشكل ولا يبني الحقيقة كاملة .

 

توزيع الحظوظ في الدنيا توزيع ابتلاء :

الدكتور راتب :
أقصد بالحظوظ الوسامة حظ إيجابي ، والدمامة حظ سلبي

هناك إنسان وسيم وإنسان غير وسيم ، إنسان قوي بجرة قلم يحق حقاً ويبطل باطلاً ، إنسان عنده أفق واسع جداً ، إنسان محدود جداً ، إنسان ذكي وإنسان أقل ذكاء ، إنسان غني وإنسان فقير ، إنسان قوي و إنسان ضعيف ، القوة والضعف ، والوسامة والدمامة ، والغنى والفقر ، والصحة والمرض ، هذه حظوظ ، حظه نصيبه ، فالإنسان نصيبه دخله محدود ، وهناك إنسان نصيبه دخله فلكي ، إنسان نصيبه أنه جميل الصورة ، إنسان آخر أقل جمالاً ، وإنسان دميم ، هذه الحظوظ موزعة توزيع ابتلاء ، توزيع امتحان ، لأن الحياة الدنيا أمام الآخرة صفر ، واحد في الأرض وأصفار إلى الشمس ما هذا الرقم ؟ كل ميلمتر صفر ، ثلاثة أصفار ألف ، ثلاثة أخر مليون ، ثلاثة ثالثة ألف مليون ، ثلاثة رابعة مليون مليون ، وإلى الشمس تخيل واحداً في الأرض وكل ميلمتر صفر إلى الشمس ، مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر ، هذا الرقم إذا نسب إلى اللانهاية صفر ، لا شيء ، الدنيا لا شيء ، قال تعالى :

﴿ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾

[سورة الزمر : 15 ]

لذلك إذا أردت الدنيا فتعرف إلى الله عز وجل تأتيك وهي خاضعة لك .
المذيع :
وهي في الآخرة توزيع جزاء ، كيف يكون هذا ؟

 

توزيع الحظوظ في الآخرة توزيع جزاء :

الدكتور راتب :
بعض الأمثلة أحياناً في بلد فقير في آسيا معظم الفتيات يعملن في دول أخرى ، تركت زوجها وأولادها وتعمل في بيت أحياناً عشرين ساعة في اليوم ، أحياناً ثماني عشرة ساعة، بدخل مئة دولار أو مئة وخمسين دولاراً ، وامرأة ثانية تسكن في بيت أربعمئة متر ، له إطلالة رائعة ، ويقف أمام بيتها عدد من السيارات ، كل يوم وليمة ، كل يوم حفلة ، من بلد لبلد ، وتنتهي الحياة هكذا ؟ مستحيل وألف ألف مستحيل .
مرة أخ كريم ضرب مثلاً رائعاً ؛ إنسان دخل إلى مسرح فتح الستار وبدأ الفصل الأول ، أحد الممثلين آذى ممثلاً آخر ، أرخي الستار لا أحد يقوم لأن المسرحية لم تنته ، نريد أن نشاهد النهاية .
المذيع :
دكتور كيف نوظف هذه المعرفة باتجاه السعادة الأبدية ؟ كل واحد فيما قسم الله حظه في الدنيا ، أحدهم خلقه يتيماً ، وآخر خلقه ذكياً ، وآخر خلقه عالماً إلى آخره ، سمعنا وقرأنا عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم وظفوا هذه العطايا وهذه من الله توظيفاً صحيحاً ، كنت ذكرت لنا بعض القصص فيمن وظفوا هذه الحظوظ توظيفاً يدل على أنهم يعيشون سعادة راقية في الحياة الدنيا ، مثل قصة طبيب الأسنان الذي جاءته معلمة عندها مشكلة بأسنانها .

كيفية توظيف الإنسان حظوظه باتجاه السعادة الأبدية :

الدكتور راتب :
هو أحد أخواني طبيب أسنان متفوق جداً ، جاءته إنسانة علم بعدها أنها معلمة ، عندها مشكلة بأسنانها تحتاج إلى تقويم ، والتقويم أسعاره مرتفعة جداً ، مبلغ فوق طاقتها ، فاعتذرت وعادت ، هي إذا ابتسمت أمام طالباتها يبدو المنظر غير مقبول ، يصبح محط سخرية وضحك ، فلما علم أنها معلمة ودخلها محدود والمبلغ فوق طاقتها ، قال لي طلبتها مرة ثانية و قلت لها : هل تقبلين تقويم أسنانك هدية مني لوجه الله ؟ قالت له : جزاك الله خيراً ، يقسم بالله هذا الطبيب أنه عاش بسعادة لا توصف ، طبعاً هو عنده كل يوم عشرات الزبائن ومبالغهم كبيرة ومعه دخل كبير ، لكن هذه الإنسانة الفقيرة التي لا يوجد عندها إمكان أن تعمل تقويماً لأسنانها وقدم لها هذا الطبيب هذه الخدمة وابتغى بها وجه الله شعر بسعادة لا توصف .
يقول لي رجل آخر : أنا جئت إلى الشام الساعة الثانية عشرة في الليل ، وجدت إنساناً يقف مع امرأة ، والمرأة معها طفل - وقت أحداث لبنان القصة قديمة بالسبعينات - توقف جاؤوا إلى الشام ما عندهم مسكن ولا مأوى الساعة الثانية عشرة ليلاً ومعهم ابن مريض ، قال لي ذهبت إلى المستشفى هناك طبيب مناوب عالج هذا الطفل ، وأنا من صيدلية لصيدلية مناوبة أمنت الدواء ، الساعة الرابعة انتهى علاج الطفل مع الدواء ، قال لي : والله حوالي شهر وأنا بسعادة لا توصف ، إذا أردت أن تسعد قدم لله عملاً ، الناس يبحثون عن السعادة .
المذيع :
هناك مثال يقرب هذا المعنى بجلاء وبوضوح قصة هذا الجندي الأغر الذي بينه وبين اللواء مراتب كثيرة .
الدكتور راتب :
أنا أضرب هذه القصة ، هذا الجندي بأقل رتبة في الجيش سبعة ، عريف ، ليس بإمكانه بأي جيش في العالم أن يقابل العماد قائد الجيش ، بينه وبين العماد رتب ، رتب كثيرة عريف أو عريف أول ، مساعد أو مساعد أول ، ملازم أو ملازم أول ، رائد ، مقدم ، عقيد ، عميد ، لواء ، عماد ، لكن هذا المجند بأقل رتبة في الجيش يستطيع أن يدخل على العماد أعلى رتبة في الجيش بلا استئذان لو وجد ابنه في مسبح ويكاد يغرق فأنقذه ، لذلك ما الذي يجعلك مع الله ؟ العمل الصالح ، قال تعالى :

﴿ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾

[ سورة فاطر: 10]

الحقيقة أستاذ طالب جزاك الله خيراً ، الاستقامة سلبية ، أنا ما أكلت مالاً حراماً ، ما غششت ، ما كذبت ، طابع الاستقامة سلبي أما العمل الصالح ففيه عطاء وبذل للمال ، بذل من وقته ، من جهده ، من مكانته ، من جاهه .
المذيع :

﴿ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾

[ سورة فاطر: 10]

دكتور ذكرت قصة رائعة لهذا الذي كان يصلح موتورات ماذا صنعت به التوبة ؟ وكيف وجد السعادة ؟

 

الغنى غنى النفس :

الدكتور راتب :
أحياناً موتور كهربائي يتعطل ، فصاحب هذا المحرك لا يفقه ما الذي حصل ، يأخذه لمن يعمل في إصلاح المحركات ، لف المحرك أجرته خمسة آلاف ليرة تقريباً ، هذا الأخ قبل أن يتوب يأتيه محرك شريطه الخارجي مقطوع يلحمه بثانية ويأخذ خمسة آلاف ، هو ما لفه أبداً فقط لحمه وأخذ خمسة آلاف ، قال لي : بعد أن عرفت الله يكون الشرط خمسة آلاف يأتي بعد خمسة أيام جاهز ، كم تريد ؟ يقول له : خمس وعشرون ليرة ، من خمسة آلاف إلى خمس وعشرين ، يقول له : فيه خط مقطوع وصلته لك .
المذيع :
الغنى غنى النفس .

الناس زمرتان ؛ الأقوياء والأنبياء :

الدكتور راتب :
عفواً سامحني بهذه الكلمة : إن لم تنقلب مقاييس الإنسان مئة في المئة لا يعد مؤمناً ، المؤمن يسعده أن يعطي لا أن يأخذ ، يا من جئت الحياة فأعطيت و لم تأخذ ، أما غير المؤمن فيسعده أن يأخذ ، لذلك يقع على رأس الهرم البشري - وهو الآن سبعة آلاف مليون - زمرتان هم الأقوياء والأنبياء ، والأنبياء ملكوا القلوب و الأقوياء ملكوا الرقاب ، وشتان بين أن تملك قلب الإنسان وبين أن تملك رقبته .
المذيع :
دكتور هذه رسالة واضحة بليغة لكل الأقوياء على الأرض .
الدكتور راتب :
الأقوياء عاش الناس لهم ، الأنبياء عاشوا للناس ، الأقوياء يمدحون في حضرتهم ، والأنبياء يمدحون في غيبتهم ، لذلك الناس جميعاً تبع لقوي أو نبي ، إن كنت تابعاً لقوي ، أنت قوتك بما تملك من سلطة ، أما إذا كنت تابعاً لنبي فقوتك بكمالك ، بعطائك ، فالأنبياء أعطوا ولم يأخذوا ، الأنبياء ملكوا القلوب ، الأنبياء عاشوا للناس ، أما الأقوياء فملكوا الرقاب ، وعاش الناس لهم ، ويمدحون في حضرتهم فقط لا في غيبتهم .
المذيع :
ولذلك المؤمن يجد السعادة الحقيقية عندما يقدم الصالحات للناس ويساعد الآخرين ، مساعدة الآخرين جنة النعيم .

السعادة الحقيقية يجدها المؤمن عندما يقدم الصالحات للناس ويساعدهم :

الدكتور راتب :
مرة كنت بجلسة ، فيها ثلاثون أخاً كريماً ، قال أحدهم : تقول : المؤمن سعيد ؟ مثله مثل أي إنسان آخر ، إذا كان هناك حر شديد يعاني المؤمن من الحر كما يعاني غير المؤمن ، إذا كان هناك أسعار مرتفعة يعاني كما يعاني غيره ، فهو أكد أنه لا يوجد فرق بين المؤمن وغير المؤمن ، أنا قلت له مثلاً آخر : إنسان فقير جداً وعنده ثمانية أولاد ودخله لا يكفيه خمسة أيام ، دخله محدود جداً ، وعليه ديون ، له عم يملك خمسمئة مليون ولا يوجد عنده أولاد، ومات بحادث ، فهذه الثروة الفلكية انتقلت إلى هذا الفقير ، لكن إلى أن يقبض هذه المبالغ يحتاج إلى سنة ، بين براءات ذمة وروتين معقد لماذا هو في هذا العام أسعد إنسان ؟ إن رأى مركبة فارهة سآخذ مثلها ، إن رأى قصراً رائعاً سأشتري مثله ، هو دخل بالوعد ، الله عز وجل يقول :

﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾

[ سورة القصص: 61]

فالمؤمن وعد الله له بالجنة يمتص كل مشكلاته ، هو يعاني ما يعاني ، قال تعالى :

﴿ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾

[ سورة المؤمنون: 30]

لكن الله عز وجل وعده بالجنة .

 

خاتمة و توديع :

المذيع :
هذه أجمل الرسائل للباحثين عن السعادة ، دكتور نشكرك على هذه المعاني الراقية والماتعة .
وأنتم أعزائي المشاهدين أشكركم شكراً جزيلاً ، وأرجو أن تكونوا قد استمتعتم كما استمتعت بصحبة فضيلة أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي ، أعزائي المشاهدين ألتقيكم إن شاء الله في حلقة قادمة من ربيع الإيمان ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور