- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠14برنامج ربيع الإيمان - قناة اليرموك
مقدمة :
المذيع :
أعزائي المشاهدين ؛ مرحباً بكم إلى حلقة جديدة من ربيع الإيمان ، نرحب باسمكم بفضيلة أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي ، أهلاً وسهلاً فضيلة الشيخ .
الدكتور راتب :
بارك الله بكم ، ونفع بكم .
المذيع :س
جزاكم الله خيراً على هذه الأوقات التي تعطينا .
أعزائي المشاهدين ؛ سنتحدث في هذه الحلقة المباركة بإذن الله تعالى عن موضوع مهم جداً في ربيع الإيمان حيث تبدو الألوان على حقيقتها ، نتحدث اليوم عن الإنصاف في حياة المسلم ، دكتور الإنصاف قيمة مهمة للغاية لماذا هي مهمة وما معناها ؟
الموضوعيّة قيمة أخلاقيّة و علميّة :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا بما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أستاذ طالب جزاك الله خيراً ، بادئ ذي بدء الإنسان هو المخلوق الأول والمكرم والمكلف ، لكن من خلال علاقته بالآخرين قد يجد إيجابيات وسلبيات ، وقد يتحدث عنهم خيراً أو شراً ، وقد يمدحهم أو يذمهم ، البطولة في الحديث عن الناس ، أو عن الأشياء ، أو عن القضايا ، أو عن المواقف ، يجب أن يكون الإنسان موضوعياً ، الحقيقة هذا حجمها لا نكبرها ولا نصغرها ، ألِف الناس إذا أحبوا جهة تعاموا عن سلبياتها ، وإذا كرهوا جهة بالغوا في سلبياتها، الحقيقة أن تقف موقفاً موضوعياً ، أن يكون الكلام موافقاً للواقع دون زيادة أو نقصان، هذا خلق من أرقى أنواع الأخلاق ، لذلك اصطلح على تسمية هذا الخلق بالموضوعية ، فالموضوعية قيمة لكنني أراها قيمة علمية وقيمة أخلاقية معاً ، وإذا صحّ أن يلتقي العلم بالأخلاق يلتقيان بالموضوعية ، فأنت حينما تعطي الشيء حجمه الحقيقي دون زيادة أو نقصان، وحينما تعطي المشكلة حجمها الحقيقي ، والقضية حجمها الحقيقي ، فأنت منصف ، لكن الإنسان حينما يتفاعل مع الآخرين ، ويرى إيجابياتهم وسلبياتهم ، هذه الرؤية تجعله يبالغ في السلبيات أو في الإيجابيات وهذه مشكلة كبيرة جداً ، فلذلك الذي يعاني منه الناس أنهم يبالغون في مديح من يحبون ، ويبالغون في ذم من يبغضون ، لذلك :
((أحْبِبْ حبِيبَك هَوْنا مَّا ، عسى أن يكونَ بَغِيضَكَ يوماً مَّا ، وأبْغِضْ بغيضَك هَوْنا مَا عسى أن يكونَ حبيبَك يوماً ما ))
أنا أذكر أني كنت أحضر مناقشة دكتوراه في جامعة لها قيمتها ، فذكر الطالب الذي تناقش أطروحته عبارة فيها تعميم ، فقال له الأستاذ المشرف : التعميم من العمى . هذه الكلمة لا أنساها التعميم من العمى ، فلذلك قبل أن تطلق حكماً عاماً على أهل بلدة ، أو على مجتمع معين ، أو على أبناء حرفة معينة ، أو على فئة معينة ، أو على طبقة معينة ، قبل أن تطلق حكماً عاماً تذكر قول الله عز وجل :
﴿ وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾
من للتبعيض ، بعضهم وليسوا جميعاً ، فأنت عود نفسك أن تكون موضوعياً ، الموضوعية قيمة أخلاقية ، والموضوعية قيمة علمية ، فأنت إذا كنت موضوعياً أي منصفاً ، فأنت جمعت بين العلم والأخلاق معاً .
المذيع :
لذلك يقول الله عز وجل في سورة آل عمران :
﴿ وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ﴾
الإنصاف جميل جداً .
مخالفة الإنصاف سلبية تشتت الجمع و تضعف التفوق :
الدكتور راتب :
شيء مريح ، والإنصاف له آثار مذهلة في المجتمع ، أحياناً زوج وزوجته ، تعمل ليلاً نهاراً ، تربي أولادها ، تخدم زوجها ، ولأتفه غلطة يقيم عليها الدنيا ولا يقعدها ، هذا ليس إنصافاً ، يتحدث عن أمها بسخرية ما بعدها سخرية ، فإن تكلمت عن أمه كلمة واحدة أقام عليها الدنيا ، أنا لذلك أقول : في الحياة صفتان أساسيتان ، إنساني وعنصري ، إما أن تكون إنسانياً أو تكون عنصرياً ، الإنساني يعطي الشيء حجمه الحقيقي ، أما العنصري فيكبر إمكاناته ، يضخم ذاته شخصيته ويزدري شخصية الآخرين ، هذا عنصري ، أنا أقول : العنصرية تبدأ بين الزوجين وتنتهي بحق الفيتو في مجلس الأمن ، لماذا هذه الدول الخمس إذا قالت : لا ، يلغى القرار ؟ لماذا وقد يكون عادلاً ومنصفاً ؟ هذا عنصرية ، أنت حينما تأخذ ما ليس لك فأنت عنصري ، ، حينما تعطي الآخر أقل من حقه فأنت عنصري ، أنا أقول : ما من سلبية في حياتنا مؤلمة ، تشتت جمعنا ، تفرقنا ، تضعف التفوق والتألق كمخالفة الإنصاف .
المذيع :
من الصفات الكبرى التي تجمع الكثير من الصفات .
من لم يستطع أن ينصف نفسه لن ينصف غيره :
الدكتور راتب :
بلغني أن كتاباً طبع منه خمسة ملايين نسخة ، كيف تؤثر في الناس ؟ ديل كارنيجي ، أحد العلماء في مصر ألّف كتاباً على شاكلته لكنه جاء بالقضايا بنصوص إسلامية ، فمثلاً أنت مدير مؤسسة ، وعندك موظف يتأخر ، فجئت وعنفته تعنيفاً غير معقول ، يقول لك هذا الكتاب : ابدأ بالحديث عن إيجابياته ثم ذكره بأخطائه صار هناك توازن و إنصاف ، لذلك مرة دخل إلى المسجد النبوي صحابي جليل خاف أن تفوته الركعة الأولى فأسرع في مشيه وأحدث جلبة وضجيجاً ، فلما انتهى النبي صلى الله عليه وسلم قال له كلمة رائعة :
(( زادك الله حرصاً ولا تعُدْ ))
الزوج أحياناً يتألم من زوجته في موضوع ، لا تنسى أن هذه إنسانة مخلصة لك وتتعب كثيراً ، وتربي وتعمل وتقدم ، فذكرها بفضلها ، ذكرها بإيجابياتها ، هذا شيء مهم جداً في الحياة ، يحتاجه الزوج ، يحتاجه المعلم مع طلابه ، يحتاجه رئيس الدائرة ، يحتاجه أي إنسان بمنصب قيادي ، فأنت حينما تعامل من حولك ومن دونك معاملة موضوعية تعرف إيجابياتهم وسلبياتهم ، فأنت منصف لهم .
المذيع :
دكتور في القرآن الكريم حتى في حق الله عز وجل ، يأذن لمن أراد الاعتراض عليه يوم القيامة ، يسأله الله عز وجل ويقرره وهو أعلم بحاله .
الدكتور راتب :
لذلك قالوا : ما لم تنصف نفسك لن تستطيع أن تنصف غيرك ، أن تعرف حجمك الحقيقي لا أن تبالغ وتبالغ وتقلل من شأن الآخرين ، هذا مرض نفسي ، يبالغ بقدراته ، يتعامى عن أخطائه ، يبالغ بأخطاء الآخرين ، يتعامى عن إيجابياتهم ، هذا موقف غير أخلاقي .
المذيع :
دكتور ينسى أنه ابن والذي أمامه أب وله حق الأبوة والطاعة والبر ، وينسى أنه زوج والتي أمامه زوجته وتحتاج إلى مودة ورحمة .
ترك الإنصاف يفتت المجتمع و يضعفه :
الدكتور راتب :
vلذلك ترك الإنصاف يفتت المجتمع ، ترك الإنصاف يجعل المجتمع مخترقاً ، والإنصاف بين الزوجين ، بين الأولاد ، بين البنات ، بين الأصهار ، بين الموظفين ، بين العمال ، أي إنسان بمنصب قيادي بدءاً من الأب وانتهاء بملك الملوك ، يحتاج إلى إنصاف في معاملة من حوله ، أنا أقول دائماً ، قال تعالى :
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾
أي يا محمد بسبب رحمة استقرت في قلبك كنت ليناً معهم ، فلما كنت ليناً معهم التفوا حولك ، إذاً الرحمة التي في قلب القائد ، مدير المجمع ، مدير المعمل ، مدير المؤسسة ، مدير الثانوية ، صاحب المحل التجاري ، بيد الملك ، هذه الرحمة تجعله ليناً ومنصفاً ، قال تعالى :
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ ﴾
لو كنت منقطعاً عنا يمتلئ القلب قسوة ، ومع القسوة تحابي من يمدحك ، وتبعد من لا يمدحك .
المذيع :
دكتور كنت تسمي هذا بقانون الالتفاف والانفضاض ، سنعود بعد فاصل ..
أعزائي المشاهدين ؛ مرحباً بكم نعود إلى فضيلة أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي ، قانون الالتفاف والانفضاض .
الإنصاف يجعل الإنسان مؤمناً و أخلاقياً :
الدكتور راتب :
الحقيقة النبي صلى الله عليه وسلم كما تعلمنا أن أقواله تشريع ، وأن أفعاله تشريع ، وأن إقراره تشريع ، فمرة عقب موقعة بدر ، استعرض الأسرىس فإذا في الأسرى أحد أصهاره أبو الربيع ، طبعاً هو مشرك ، وجاء ليقاتل النبي صلى الله عليه وسلم وقع أسيراً ، النبي ما نسي إيجابياته قال : "والله ما ذممناه صهراً" . كان صهراً رائعاً ، هذه الكلمة أنا فيما أتصور سبب إسلامه ، أنت مدير دائرة ، مدير مدرسة ، مدير جامعة ، مدير مؤسسة ، عندما العامل أو الموظف يشعر أن إمكانياته وإيجابياته عندك معلومة ومقدرة هذا شيء رائع جداً ، الذي يجعل الإنسان ينتمي إليك ويلتف حولك إنصافك له ، فإذا لم يكن هناك إنصاف ، أنا لا أقول هذا الكلام من فراغ أنا أشعر أن هناك أسراً فيها جحود لبعض الأولاد ، بنت لها زوج غني ، زوجها هو المحترم ، ويدعى إلى الولائم ، وإذا أصابه شيء بسيط جداً الكل يزوره ، وزوج البنت الثانية فقير يكاد يموت ولا أحد يزوره ، هذا الشيء مؤلم جداً ، أنت حينما تنصف تؤكد إيمانك ، حينما تنصف تؤكد أنك عالم ، موضوعي ، حينما تنصف تؤكد أنك أخلاقي ، أنت بالإنصاف أخلاقي، وبالإنصاف مؤمن ، وبالإنصاف عالم .
المذيع :
دكتور الذي لا ينصف الناس من نفسه يكون متكبراً ، وكما قلت قبل مدة رقصت الفضيلة ..
الدكتور راتب :
تاهت الفضيلة تيهاً بفضلها فانكشفت عورتها
***
المذيع :
دكتور جميلة ، اللهم استر عوراتنا .
أنواع الإنصاف :
الدكتور راتب :
الإنصاف أنواع ، أول أنواع الإنصاف أن تنصف ربك ، أن تعرف أسماءه الحسنى وصفاته الفضلى ، أن تعرف ألوهيته ، ربوبيته ، أن تعرف كماله ، أن تعرف قيوميته ، هذا كله من إنصاف الله عز وجل ، فمعرفة الله إنصاف له ، الآن أن تنصف الأنبياء والمرسلين ، هؤلاء معصومون ، لا تقبل قصة تقدح في كمالهم ، لا تقبل رواية إسرائيلية تشدك إلى بعض الكذب عليهم ، فينبغي أن تنصف ربك بتوحيده ، وعبادته ، ومعرفة كمالاته ، وأن تنصف أنبياءه بكمالاتهم ، قال تعالى :
﴿ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ﴾
وأن تنصف من حولك ، أنا أقول : لو بدأنا بالأسرة ، هذه الزوجة تحتاج إلى زوج ينصفها ، وأحياناً هي متفرغة ، بيتها جيد ، طعامها جيد ، والزوج يعمل ليلاً نهاراً ، أيضاً الزوج يحتاج إلى امرأة تنصفه ، تعرف قدره ، تعرف جهده ، تعرف حرصه ، تعرف بعده عن أي طريق مغلوط ، نحن بحاجة إلى الإنصاف بكل مراحل الحياة ، يحتاج الزوجان إلى الإنصاف ، وأي دائرة حكومية ، وأي مؤسسة ، وأي شركة ، أنت حينما تعطي الإنسان حجمه الحقيقي أرى أنه ينبغي ألا نعجب من قول بعض العلماء : إن الله ينصر الأمة الكافرة العادلة المنصفة على الأمة المسلمة الظالمة . لأن الدنيا تصلح بالكفر والعدل ولا تصلح بالإيمان والظلم ، لذلك الإنسان لو شرد عن الله إذا أنصف من حوله يكسب الدنيا .
المذيع :
دكتور ربما ينطبق هذا حتى على الأسرة ، ربما أن تنصلح بالعدل حتى لو كان الإنسان بعيداً ، بعض الآباء يعطي أبناءه ولا يعطي بناته ، يعطي بعض الأبناء ولا يعطي الآخرين .
العدل قوام الحياة :
الدكتور راتب :
والله يدمر أولاده بهذه الطريقة ، ويحملهم على العداوة والبغضاء ، أنا أرى أن العدل فيه قوامة الحياة كلها ، فالعالم الغربي بذكائه وتجاربه المؤلمة المتراكمة ، مال إلى الإنصاف، فالإنسان يأخذ حقه ، بهذه الطريقة كان قوياً ، وبهذه الطريقة امتلك العالم كله ، وكأن هذه الدنيا لكل من أحسن إدارتها ، مؤمناً كان أو كافراً ، انتقلنا إلى موضوع آخر ، إن الله ينصر الأمة الكافرة العادلة على الأمة المسلمة الظالمة .
المذيع :
دكتور ما قاله سيدنا عمر وهذا من أعظم الإنصاف ، لما رأى رجلاً من أهل الكتاب شيخاً كبيراً ويحتاج إلى مال ويسأل الناس ، فقال : ما أنصفناك ، أخذنا منك الجزية وأنت قوي ، ونتركك وأنت شيخ كبير ، فأمر له بالنفقة .
ضرورة العدل مع جميع الناس :
الدكتور راتب :
يروى أن سيدنا عمر وهو يمشي في الطريق رأى رجلاً قال له : والله لا أحبك ، يبدو أنه كان منحرفاً ، فسأله سؤالاً قال له : وهل يمنعك بغضك لي من أن تعطيني حقي ؟ قال: لا والله ، فكان غير مؤدب ، قال له : إذاً إنما يأسف على الحب النساء . ما دام حقي أناله منك شتان عندي بين أن تحبني وبين ألا تحبني ، هذا الإيمان .
المذيع :
دكتور الله عز وجل يقول في هذا الموضوع :
﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾
الدكتور راتب :
المؤمن من يشنأ ؟ الكافر ، الكافر ينبغي أن تكون عادلاً معه ، أنا هذا الذي أراه ، العدل والإحسان ليس له علاقة بهوية الإنسان ، ينبغي أن تكون منصفاً وعادلاً مع كل من حولك.
المذيع :
دكتور لذلك ذكرت قصة هذا الشاب الذي تدين من جديد ، فقام أحد الأخوة الكبار يريد أن يصافحه بعد الصلاة ، فقال له : هذه لم ترد من السنة ، فقال له : هل قلة الحياء من السنة ؟
اشتقاق الإنسان المكارم الأخلاقية من خلال الاتصال بالله عز وجل :
الدكتور راتب :
أنا أقول هذا اجتهاد شخصي : أنت إذا اتصلت بالله لا بد من أن تشتق منه الكمال، فهذا الكمال الذي كان من الصلاة يجعلك في التعامل مع الآخرين كاملاً ، الله عز وجل قال :
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾
قال العلماء : ذكر الله أكبر ما فيها .
قال ابن عباس : ذكر الله لك أيها المصلي وأنت تصلي أكبر من ذكرك له ، إنك إن ذكرته أديت واجب العبودية ، لكنه إن ذكرك منحك الكمال . أريد أن أبين أن هناك علاقة وشيجة بين مكارم الأخلاق وبين الاتصال بالله عز وجل ، ورد في الأثر : "إن مكارم الأخلاق مخزونة عند الله تعالى فإذا أحبّ الله عبداً منحه خلقاً حسناً ".
أي أن الإنسان من خلال اتصاله بالله يشتق منه الكمال ، أي مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن تتصل بالرحيم ثم لا تكون رحيماً ، أن تتصل بالعدل ثم لا تكون منصفاً ، أن تتصل باللطيف ثم لا تكون لطيفاً ، إن مكارم الأخلاق مخزونة عند الله تعالى ، فإذا أحبّ الله عبداً منحه خلقاً حسناً ، ولعل مناسبة الاتصال هي الصلاة ، فقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنه أن الله عز وجل حينما قال :
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾
قال بعض العلماء : " ذكر الله أكبر ما فيها" . لكن ابن عباس لفتنا إلى معنى آخر قال : " ذكر الله لك أيها المصلي وأنت تصلي أكبر من ذكرك له ، إنك إن ذكرته أديت واجب العبودية ، لكنه إذا ذكرك جعلك منصفاً ، جعلك حليماً ، جعلك رحيماً ، جعلك لطيفاً ، جعلك وقافاً عند حدوده " فهذا الفضل الأخلاقي يشتق من الله ، وعندما غفلنا عن عظمة الصلاة ، ورد في بعض الآثار :
(( ليس كل مصلٍّ يصلي ، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي ، وكف شهواته عن محارمي ، ولم يصر على معصيتي ، وأطعم الجائع ، وكسا العريان ، ورحم المصاب ، وآوى الغريب كل ذلك لي ، وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوأ عندي من نور الشمس على أن أجعل الجهالة له حلماً ، والظلمة نوراً ، يدعوني فألبيه ، ويسألني فأعطيه ، يقسم عليّ فأبره ، أكلؤه بقربي ، وأستحفظه ملائكتي ، مثله عندي كمثل الفردوس لا يمس ثمرها ولا يتغير حالها ))
أنت حينما تتصل بالله عز وجل تشتق منه الإنصاف والرحمة والأدب والحلم واللطف هذه مكارم الأخلاق ، النبي صلى الله عليه وسلم سيد الأنبياء والمرسلين أوتي الوحي ، أوتي القرآن الكريم ، أوتي المعجزات ، أوتي حدث ولا حرج لكن الله أراد أن يمدحه قال له :
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾
فمعنى ذلك الإمام ابن القيم رحمه الله يقول : " الإيمان هو الخلق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان" .
(( وإنما بعثت معلماً ))
النبي صلى الله عليه وسلم ضغط بعثته بكلمات :
(( وإنما بعثت معلماً ))
(( إنما بُعِثتُ لأُتَمِّمَ حُسْنَ الأخلاقِ ))
أنا لا أتصور أن هناك مؤمناً غير أخلاقي ، المؤمن لا يكذب ، لا يحقد ، لا يحتال، لا يستعلي ، لا يتكبر ، أكاد أقول : المؤمن لا يكون مؤمناً إلا إذا عشقته من كماله ، من تواضعه ، من إنصافه ، من محبته ، من عدله ، فهذا الدين حينما افتقد هذه الأخلاق الناتجة عن اتصال محكم بالله ، ما الذي يحصل ؟ الإنسان إذا قصر في استقامته دون أن يشعر حجب عن ربه ، فإذا حجب عن ربه أصبحت صلاته شكليةً ، وعباداته غير مجدية ، لذلك مرة ثانية :
(( ليس كل مصلٍّ يصلي ، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي ... ))
أي تفكر في خلق السموات والأرض كما تحدثنا في لقاءات سابقة .
(( ...إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي ، وكف شهواته عن محارمي ، ولم يصر على معصيتي ... ))
تاب من حين لآخر ، الآن العمل الصالح :
(( ... وأطعم الجائع ، وكسا العريان ، ورحم المصاب ، وآوى الغريب كل ذلك لي، وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوأ عندي من نور الشمس ...))
فالإنسان هذه المكارم الأخلاقية تشتق من الله عز وجل من خلال اتصال محكم بالله، وقبل الصلاة هناك استقامة .
خاتمة و توديع :
المذيع :
دكتور ما أنصفناك ، وما أنصفنا أعزاءنا المشاهدين بانتهاء وقت الحلقة ، لكن قدر الله عز وجل .
أعزائي المشاهدين ؛ ما أجمل أن نكون في ربيع الإيمان مع فضيلة أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي ، الذي يجعل هذا الربيع ربيعاً دافئاً خلاباً ، أشكركم شكراً جزيلاً على هذه الحلقة المميزة ، وأنتم أعزائي المشاهدين أشكركم على حسن متابعتكم ، وأسأل الله أن ألقاكم في حلقة مقبلة في ربيع الإيمان إن شاء الله ، وإلى لقاء آخر ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .