وضع داكن
25-04-2024
Logo
الحلقة - 25 - رحلة الموت - الانسان بضعة أيام .
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع :
  السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته مرحباً بكم إلى حلقة جديدة من ربيع الإيمان باسمكم نرحب بفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي . أهلاً وسهلاً فضيلة الدكتور وأسأل الله عز وجل أن ينفع بك ، ويجعل هذه الحلقة خالصة لوجه الله الكريم .
 أعزائي المشاهدين في حديقة ربيع الإيمان اليوم مع فضيلة الدكتور المربي محمد النابلسي سنتحدث اليوم إن شاء الله تعالى عن باب حديقة ربيع الإيمان ، أكرر أقول عن باب حديقة ربيع الإيمان لأننا اليوم بإذن الله تعالى سنتكلم عن الانتقال من ربيع الإيمان إلى جنة الرحمن ، مرحباً بك فضيلة الدكتور .
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم و نفع بكم .
المذيع :
 دكتور حديثنا اليوم سيكون عن رحلة الموت ، والتي هي باب ربيع الإيمان إلى جنة الرحمن بإذن الله تعالى .

 

الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد ، وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطاهرين ، أمناء دعوته ، وقادة ألوِيَتِه ، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات .
 ما من تعريف للإنسان يلفت النظر كتعريف الإيمان بالحسن البصري قال : الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه ، الإنسان يعيش سنوات معدودة ، يلتقي مع أشخاص معدودين ، يتزوج ، ينجب أولاداً ، يأكل ، يشرب ، يسافر ، بعد ذلك يمرض ويموت ، فالإنسان يبدأ بالولادة ، أول همّ أن يكون كامل الأوصاف ، فإذا جاء كامل الأوصاف من أكبر النعم عند الأب والأم ، الآن بعد حين تظهر أسنانه ، بعد حين يمشي ، بعد حين تختفي الحاجة إلى قضية خروجه ، يتوقف بعد ذلك يتكلم ، بعد ذلك يقرأ الفاتحة ، كلما جاء ضيف إلى البيت يأتي الأب بابنه ويسمعه الفاتحة ، وهكذا ، ثم يدخل إبتدائي إعدادي ثانوي جامعة ، هناك طب و هندسة و إختصاصات منوعة ، ويوجد أيضاً صيدلة مثلاً ، و هناك فرع أدبي وعلمي ، وكل حرفة لها ميزات ، ولها سلبيات ، ولها إيجابيات ، ولها دخل معين ، يختار يدخل فرع الطب فرضاً ، هناك أنواع منه ، يوجد طب نفسي ، و طب عظام ، وفي طب جسمي ، يختار فرعاً معيناً ، و هناك ماجستير ، و دكتوره ، بعد ذلك درس في أمريكا ، يا ترى استقر هناك ؟ عاد إلى بلده بعد ذلك يتزوج ، هذه طويلة ، هذه قصيرة ، وهذه كذا وهذه كذا .
المذيع :
 دكتور هذا قول الله :

﴿ وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا ﴾

[سورة نوح :14]

الدكتور راتب :
 ومن ثم ينجب أولاداً أو لا ينجب ، يا ترى منه السبب أم منها السبب ؟ بعد ذلك يكبر الأولاد يا ترى دخلوا جامعة ، علامتهم تؤهلهم للجامعة أو لا تأهلهم ؟ كل مرحلة لها همومها ، ومن ثم كبر في السن ، صار عنده ضغط ، وعند انقراص فقرات ، فأصبح لديه قائمة أدوية ومن ثم تأتي النعوة ، هذه ما كتبته له الحياة ، كل واحد منا هكذا يمشي ، فالحياة تنتهي بالموت، فالبطولة والذكاء ماذا بعد الموت؟
 أنا أرى أن عامة الناس يعيشون حاضرهم وماضيهم فقط ، و لا يوجد واحد بالألف يعيش مستقبله ، يعيش حاضره و ماضيه ، كنت بالمصرف الفلاني ، تاجرت ، سافرت ، تزوجت ، أنجبت ، أكلت ، شربت ، يتحدث عن ماضيه وعن حاضره ، ولكن لو فكر بالمستقبل يا ترى كم سنة سأعيش ؟ من يضمن أن يعيش ساعة ؟ هناك قصص لا تعد ولا تحصى ، الإنسان يتفاجأ أن أجله قد انتهى ، لكن ماذا بعد الموت ؟ ما الذي في القبر ؟ فقضية العلم الديني هذا علم له أثر مستقبلي ، يجب ان يعلم بالضرورة ، كيف ؟ سائق سيارة يا ترى كيف صنعت المكابح ؟ من أي مادة ؟ ليس من الضروري أن يعرف ، إذا لم يعرف لن يخسر شيئاً ، لأن لديه مكابح فعالة ، أما مادة المكبح من أي مادة صنعت هذا ليس مهماً ، فأنت كسائق سيارة تحتاج إلى مجموعة معلومات ، العلماء سموها حقائق يجب أن تعلم بالضرورة ، ويوجد مليون معلومة بالسيارة لا تحتاجها ، هذا الشكل الانسيابي كيف تمّ ؟ يا ترى ضغط أم طرق ، هناك مليون سؤال لو لم تعرفهم لا تتأثر انتفاعك بالسيارة ، لذلك قالوا كلمة دقيقة جداً : الانتفاع بالشيء ليس أحد فروع العلم به ، إنسان أمي لا يقرأ ولا يكتب لكن بيته حار جداً ، اشترى مكيفاً ضغط مفتاح جاءه الهواء البارد ، انتفع بالمكيف ، يأتي شخص آخر معه دكتوراه بالتبريد ممكن أن يحدثك خمس ساعات عن آلية التبريد بالمكيف ، لكن الإنسان الأمي انتفع بالمكيف والمتعلم انتفع به ، فالمكيف لا يحتاج كي تنتفع منه أن تعلم آليته الدقيقة ، الانتفاع بالشيء ليس أحد فروع العلم به .

 

من طبق منهج الله قطف كلّ ثماره :

 ما علاقة هذا الكلام بلقاء الله تعالى ؟ أي أنت بمجرد أن تطبق منهج الله تقطف كل ثماره ، لو فرضنا أنك تعرف الحكم والأدلة والبراهين والنصوص واختلاف العلماء بهذا الموضوع شيء جيد كداعية ، أما كانتفاع يأتي إنسان فقط كان صادقاً ، لم يفهم حكمة الصدق ، وأفعال الصدق ، ونتائج الصدق ، و لكنه كان صادقاً أميناً فقطف كل ثمار صدقه وأمانته وهو لا يفقه شيئاً في فلسفة الصدق ، فالنقطة الدقيقة الآن الانتفاع بالشيء ليس أحد فروع العلم به ، لماذا؟ لأن هذا الدين بكل ما فيه ما دام لكل الناس يجب أن ينتفع منه الجاهل والعالم ، والمثقف والعربي وغير العربي ، أصبح الانتفاع بالشيء ليس أحد فروع العلم به ، بمجرد أن تطبق قاعدة في الدين تقطف ثمارها ، أما الداعية فيحتاج إلى التعليم والتبيين والتوضيح والأدلة العقلية والنقلية والنصوص وما إلى ذلك ، فالإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه ، لكن بين أن يعلم وبين ألا يعلم إذا عرف سرّ وجوده أصبح الموت ضمن برنامجه ، كيف أن الطالب تسعة أشهر في العام الدراسي من هو الطالب الأول على القطر؟ سألوا طالباً نال الدرجة الأولى على القطر في بلد معين ؟ فقال : إن ساعة الامتحان لم تغادر مخيلتي ولا ثانية، ما دامت ساعة الامتحان دائماً ماثلة أمامه هو يعمل من أجلها ، هذا نال الدرجة الأولى .
 أنا أقول : تتزوج ، تختار فرعاً في الجامعة تحبه وتنتفع به ، تنجب أولاداً ، تشتري بيتاً ، تؤسس معملاً ، تدخل شيئاً في الجامعة ، تختار حرفة معينة ، تتاجر ، افعل ما شئت هذا كله لا يتعارض مع التفكير بالموت .
المذيع :
 دكتور أنا أريد أن أسألك لماذا يجب على المسلم أن يستعد للموت ؟ أي ما فائدة استعدادنا للموت ؟ وهل هذا الاستعداد قيمة سلبية في الحياة أم هو له قيمة إيجابية دافعة ؟

 

الاستعداد للموت قيمة إيجابية تدفع إلى طلب العلم :

الدكتور راتب :
 الحقيقة نحن جئنا إلى هذه الدنيا لهدف ، فإذا غاب عنا هذا الهدف تحركنا حركة غير صحيحة ، الإنسان يتحرك ، هو كائن متحرك ، يدفعه إلى الحركة حاجته إلى الطعام والشراب، تحركه حاجته إلى الطرف الآخر ، تحركه حاجته إلى تأكيد الذات ، إما ان تأتي الحركة صحيحة فيسلم ويسعد في الدنيا والآخرة ، وإما أن تأتي الحركة غير صحيحة فيشقى ويهلك في الدنيا والآخرة ، فنحن إذا فكرنا بالموت كأكبر باعث لنا على متابعة طلب العلم ، أي الموت ينهي كل شيء ؛ ينهي غنى الغني ، ينهي فقر الفقير ، ينهي علم العالم ، ينهي جهل الجاهل ، ينهي وسامة الوسيم ، ينهي بدانة البدين ، ينهي كل شيء .
المذيع :
 دكتور لماذا خلق الله الموت ؟

الحكمة من خلق الموت هي معرفة قيمة الحياة :

الدكتور راتب :
 الحقيقة لأن الله خلقنا للآخرة ، هنا نقطة دقيقة الإنسان خلق للآخرة :

﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ ﴾

[ سورة المؤمنون : 74]

 فلما أنكر الآخرة تحرك وفق شهواته ، فالإنسان ما الذي يحركه ؟ إما باعث شهواني أو باعث عقلاني ، فإذا حركه مبدأ ، أو قيمة أخلاقية ، أو طاعة لله ، قيمة أو مبدأ حركه فالإنسان يتحرك وفق الطريق الصحيح ، أما إذا تحركت شهوته ، بالمناسبة ممكن أنا أعتبر الشهوة هي زاوية من مئة و ثمانين درجة لكن يوجد مئة درجة مسموح بها ، والبقية غير مسموح بها ، من هو المؤمن ؟ الذي يتحرك وفق شهوته في المساحة المسموح بها ، أي اشتهى المرأة يوجد زواج ، اشتهى المال يوجد عمل مشروع ، فما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناةً نظيفةً تسري خلالها ، فالتفكير بالموت حتى يعلم قيمة الحياة ، أنه يوجد يوم سوف تنتهي الحياة ، ينتهي عملي ، ينتهي كسبي للمال ، يغلق باب الإنفاق ، هذا اليوم ينهي كل شيء .
المذيع :
 دكتور معنى مرة من المرات ذكرته بارك الله فيك عن أن الموت إنما خلق الموت ليكون الإنسان مستعداً لكرم الله عز وجل ، فالدنيا لا تليق بكرم الله عز وجل ، أن يعطي سبحانه وتعالى لكل الناس ما يريد فخلق الموت ليكون قنطرة إلى هذا العطاء .

 

الدنيا مرحلة انتقالية :

الدكتور راتب :
 الدنيا الله عز وجل جعلها مرحلة انتقالية ، جعلها ممراً ولم يجعلها مقراً ، فالذي غفل عن الآخرة يجعلها مقراً ، ألاحظ أنا أن إنساناً عمل في التجارة ، أو درس ، أو له دخل كبير ، أول شيء اعتنى بالبيت بشكل كبير ، وهو يهمل صلاته ، صيامه ، زكاته ، ومعرفته بالله، اعتنى بالبيت لدرجة تفوق حدّ الخيال ، اعتنى ببيت المصيف ، اشترى مركبة من أعلى مستوى، أي استقر بالحياة ، ارتقى بالحياة ، ارتقى في عمله وفي دخله وفي استمتاعه بالحياة ، هذا لم يدخل الموت في حسابه ، المشكلة أن الذي يحصله الإنسان في ستين عاماً بالتسلسل بشكل تراكمي تراكمي يخسره في ثانية واحدة ، وقف القلب ، هذه البناية من ثلاثين طابقاً ، والطابق مؤجر بأعلى سعر ، والدخل فلكي ، هل الدخل الفلكي ما دام القلب ينبض له قيمة ، توقف القلب ليس له قيمة ، في أعلى منصب ملك ، بأعلى منصب مادام القلب ينبض ، توقف القلب لم يعد ملكاً ، هذه نقطة دقيقة .
المذيع :
 دكتور أعتذر منك نستوقفك هنا لنأخذ فاصلاً قصير ثم نعود إليك بعد الفاصل .
 أعزائي المشاهدين فاصل قصير ونعود بكم بعد الفاصل بإذن الله إلى فضيلة الدكتور فابقوا معنا .
 أعزائي المشاهدين ؛ مرحباً بكم مرةً أخرى ، قبل الفاصل وقفنا عند الحديث فضيلة الدكتور عن نهاية الحياة ، كنت ضربت أكثر من مثال لرحلة الموت ، لحقيقة الموت ، تبين لنا حقيقة الموت ، لكم مثال جميل مثال السباق ، والمثال الآخر المالك والمستأجر ؟

الموت نهاية الحياة وهو بداية حياة سعيدة جداً :

الدكتور راتب :
 أنا أتصور سباقاً ، يوجد فيه جميع أنواع السيارات ، جديدها وقديمها ، كبيرها وصغيرها ، قويها وضعيفها ، هذا الطريق الذي هو مكان السباق ينتهي بجرف هار ، فالكبيرة وقعت ، والصغيرة وقعت ، والحديثة وقعت ، والأنيقة وقعت ، والغالية وقعت ، والنفيسة وقعت ، فالموت ينهي غنى الغني ، ينهي فقر الفقير ، ينهي ضعف الضعيف ، ينهي وسامة الوسيم ، ينهي دمامة الدميم ، ينهي أي مرض ، لذلك من فضل الله على الإنسان أن أمراض الدنيا تنتهي عند الموت ، ولكن أمراض النفس تبدأ بعد الموت ، الكبر والانحراف والظلم والتعدي .
المذيع :
 ثمارها أي نتائجها .
الدكتور راتب :
 ثمارها بعد الموت ، لذلك الموت نهاية الحياة ، لكن بداية حياة سعيدة جداً ، فالذي غفل عن الجنة غفل عن كل شيء ، لأن الله عز وجل فيما ورد في الأحاديث القدسية :

((أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأتْ ، ولا أذن سمعتْ ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ ))

[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة]

 أحياناً نقرأ الحديث دون أن نقف في ثنيات معانيه قليلاً ، أعددت لعبادي الصالحين ما لاعين رأت ، أنت في حياتك مرئيات ، أنا مثلاً ولدت في الشام ، سافرت إلى أمريكا ، إلى أستراليا ، إلى أوروبا ، إلى مجموعة مدن وقد تصل إلى خمسين مدينة ، لكن لم أر مدينة في إفريقيا ، فأنا عندي ساحة المرئيات محدودة ، لكن ساحة المسموعات أوسع بكثير " كوالا لمبور" عاصمة ماليزيا ، مثلاً هناك مدن كثيرة أنا أسمع عنها في الأخبار ، أما الخواطر فلا تعد ولا تحصى ، أنا يخطر ببالي إنسان طوله ألف متر ، هذا خاطر ، فالحديث :

((أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأتْ ، ولا أذن سمعتْ ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ ))

[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة]

 شيء رائع جداً ؛ المرئيات محدودة ، المسموعات أوسع بكثير ، أما الخواطر فلا نهاية لها :

((....ما لا عين رأتْ ، ولا أذن سمعتْ ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ ))

[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة]

المذيع :
 دكتور لكم مثال كذلك جميل جداً يظهر حقيقة الموت مثال المالك والمستأجر ، أود حقيقة أن تتحدث عنه للمشاهدين ؟

 

الموت أكبر حافز على الاستقامة :

الدكتور راتب :
 الحقيقة أن الإنسان أحياناً يستأجر بيتاً ، وله دخل كبير ، هذا البيت ليس له ، ونظام الإيجار ببلد معين حينما يعطي أمراً مالك البيت للمستأجر أن يخرج يجب أن يخرج خلال ثانية واحدة ، قد تكون الساعة الثالثة ليلاً ، ولا يستطيع أن يأخذ معه شيئاً ، فكل حجمه المالي ، كل ثروته ، كل إمكانياته ، خبراته ، قدراته وضعها في هذا البيت ؛ إما أجهزة ، أو أدوات ، أو مكتبة ضخمة ، أو ثياب فخمة ، أو أثاث راق جداً ، فكل شيء حصّله في الحياة وضعه في هذا البيت ، فإذا جاء الأمر من صاحب البيت أن يغادر لا يستطيع أن يأخذ معه شيئاً ، لكن له بيتاً في مكان بعيد ، يستطيع أن يعمره وهو في الدنيا ، أي يبني بناء صحيحاً ، يكسوه كسوة درجة أولى ، فالبطولة ان تعمر البيت الذي تصير إليه لا البيت التي تسكنه ، لذلك في النعوات كلها تلفت نظري كلمة : وسيشيع إلى مثواه الأخير ، أي هذا المثوى الحالي هو مثوى مؤقت ، فمهما اعتنيت ببيتك أحياناً الإنسان له أقرباء أغنياء ، يموت هذا الغني فنحن يجب أن نعزيه ، ننظر إلى البلاط من الذي اختاره ؟ المرحوم ، من اشترى هذه الثريات ؟ المرحوم ، من هيأ الزخرفة بأذواقه العالية ؟ المرحوم ، نذكر كل شيء في البيت من جبصين ، أحياناً تزيينات جبصينية من أثاث ، من ثريات ، من سجاد ، من غرف ضيوف ، البيت نفسه من الذي اختاره ؟ من الذي هندسه هذه الهندسة ؟ المرحوم ، أين الرحوم ؟ تحت الأرض ، فلذلك البطولة أن تعيش للمستقبل ، أنا كأني ذكرت أنه كان يوجد عالم من علماء الشام الكبار توفي رحمه الله ، له تلميذ هو أحد أخواني ، قال لي تلميذه : كل خميس اشترى قبراً بأحد مقابر دمشق ، وكل خميس يزوه ، يزور قبره ، وعلى الشاهدة اسمه ، لكن تاريخ الوفاة فارغ ، أن تعيش المستقبل ، حتى بلغني أحد الصالحين - أنا لا أقول أن نفعل هذا - حفر ببيته قبراً يضطجع به كل خميس ويتلو قوله تعالى :

﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾

[ سورة المؤمنون : 99-100]

 يخاطب نفسه يقول : قومي لقد أرجعناك ، فأنا أقول : الموت أكبر حافز على الاستقامة .
المذيع :
 دكتور في بعض الناس ينتقدون ركيز الدين على تذكر الموت ويعتقدون أن تذكر الموت ربما يكون قيمة تشائمية أو سلبية في الحياة ؟

 

الموت قيمة إيجابية وتفاؤلية :

الدكتور راتب :
 صدق ولا أبالغ التفكر بالموت قيمة إيجابية وتفاؤلية ، أنت حينما تتحرك وفق ما رسمه الله لك من نهاية الحياة أول شيء ضبط الإنسان من المعاصي ، من الدخل الحرام ، كل الأشياء الكبيرة التي سوف تكون سبباً لشقاء الإنسان تركها ، فهو تحرى الدخل الحلال ، اختار زوجة صالحة ، ربى أولاده تربية صحيحة ، لا يوجد لديه مشكلة ، أما الذي يمشي في تفلت غير منضبط ، دخله حرام ، يوجد غش بعمله ، ما ربى أولاده ، يوجد لديه قلق عميق ، القلق العميق يجعله إنساناً آخر ، لا يوجد إنسان يتجاهل حقيقة كبرى وهي الموت إلا يوجد عنده قلق، لذلك تجد معظم الناس يا ترى يأتيني مرض خبيث ؟ بجوز أن تصاب بمرض خبيث ، لذلك عنده قلق عميق ، قالوا : توقع المصيبة مصيبة أكبر منها ، وقالوا : أنت في من خوف المرض في مرض ، ومن خوف الفقر في فقر ، فالإنسان إذا لم يعرف الله ، ولم يبحث عن آخرته، وكانت حركته غير منضبطة ، يوجد لديه قلق عميق ، لذلك قال لنا إنسان في جامعة : نسب الأمراض النفسية في أوروبا مئة و ستة وخمسون بالمئة ، هذا الرقم جديد عليّ ، بالمئة ثلاثون، أربعون ، بالمئة تسعون ، بالمئة مئة ، بالمئة مئة وستة وخمسون !! أي مئة إنسان معهم أمراض نفسية وستة وخمسون بالمئة معهم مرضين نفسيين . فهناك أمراض نفسية بالبعد عن الدين تزيد.
المذيع :
 دكتور لماذا يكره الإنسان أن يتذكر الموت ؟ لا يحب ذلك ؟

سبب كراهية بعض الناس تذكر الموت :

الدكتور راتب :
 مثلاً إذا كان الطالب كسولاً ، سمع كلمة امتحان لا يحبها ، أما المتفوق بدراسته فالامتحان محبب عنده ، وا كربتاه يا أبت ، سيدنا بلال وهو على فراش الموت ، فقال : لا كرب على أبيك بعد الموت غداً نلقى الأحبة محمداً و صحبه .
 العبد الفقير قرأت تقريباً أو درست تاريخ أربعين صحابياً بتفاصيل بالغة ، الشيء الذي لفت نظري أن في هذه القصص والسير قاسماً مشتركاً واحداً هو أن هؤلاء الصحابة الكرام ما منهم واحد إلا كان عند الموت من أسعد لحظات حياته ، وا كربتاه يا أبت ، قال : لا كرب على أبيك بعد اليوم غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه .
المذيع :
 دكتور هذا خط فاصل بين تذكر الموت عند المؤمن وعند غير المؤمن ، أي عند غير المؤمن يرى في الموت نهايةً ، والمؤمن يرى في الموت بدايةً ، لذلك تذكر الموت ليس قيمة سلبية كما يقولون ، كنت مرةً دكتور ذكرت مثالاً جميلاً .

الموت يضاعف سرعة الحياة :

الدكتور راتب :
 كنت في شيكاغو - والقصة قديمة جداً من حوالي عشرين سنة - في المطار بساط متحرك يمشي ، كان عليّ جديداً لم يكن مألوفاً ، الآن هو موجود بكل الوطن العربي ، وقفت عليه و هو يمشي ، مشيت عليه السرعة تضاعفت ، وجدت على يمين الممشى حاجزاً وعلى اليسار حاجزاً ، خطر إلى ذهني فكرة أن الموت هكذا ، فأنت أولاً بالتفكير بالموت تتضاعف سرعتك إلى الله ، و الشيء الثاني يمنعك أن تزل قدمك يمنة أو يسرة .
المذيع :
 دكتور أي أن الموت يضاعف سرعة الحياة ؟
الدكتور راتب :
 أبداً وله قيمة إيجابية كبيرة ، بالضبط لو أن طالباً ذكر الامتحان ، يدرس كل يوم ، تذكر الامتحان يتعمق في دراسته ، تذكر الامتحان يبحث عن التفوق ، ما دام الامتحان ماثلاً أمامي أبحث ، أدرس ، أتعمق في الدراسة ، أبحث عن التفوق ، أما إذا غفلت عن الامتحان فهذا أخطر شيء ، لذلك أحد أكبر أمراض النفس الغفلة عن الله عز وجل ، الغفلة عن الله .
المذيع :
 دكتور هذا هو الموت المعنوي ، جاء في بيت الشعر :

ليس من مات فاستراح بميت  إنما الميت ميت الأحياء
***

 دكتور كيف يكون ميت الأحياء ؟

 

الموت المعنوي :

الدكتور راتب :
 الحقيقة أنا لي حياة نفسية وحياة إيمانية ، فأنا عندما أنسى أني إنسان خلقت لجنة عرضها السموات والأرض ، خلقت في الدنيا لعمل صالح ، خلقت في الدنيا لمعرفة الله ، أنا عندما أعطل كل أسباب وجودي في الدنيا أنا كأني ميت :

﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاء﴾

[سورة النحل:26]

 أنا إنسان من خلقني ؟ لماذا خلقت ؟ ماذا بعد الموت ؟ أين كنت قبل الموت ؟ لماذا كلفت ؟ الذي خلقني بماذا أمرني ؟ ما الذي يرضيه ؟ ما الذي لا يرضيه ؟

﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاء﴾

[سورة النحل:26]

المذيع :
 دكتور ممكن أن يشتاق الإنسان للموت ؟

 

تمني المؤمن الحياة ليزداد عمله الصالح :

الدكتور راتب :
 الحقيقة أنا لي رأيي المتواضع : لا يوجد إنسان يحب الموت ، لكن المؤمن يتمنى أن يبقى حياً ليزداد عمله الصالح ، فبالازدياد يطمئن .

خاتمة و توديع :

المذيع :
 نسأل الله تعالى أن يكتب لنا ولكم وللمسلمين أجمعين العمل الصالح ، وأن يثيبكم ، وأن يختم لنا ولكم وللمسلمين بالعمل الصالح ، جزاك الله دكتور عن هذه الإشراقة الطيبة .
 أعزائي المشاهدين ، وصلنا إلى نهاية حلقة هذا اليوم من ربيع الإيمان ، وكان حديثنا هذا اليوم عن باب حديقة ربيع الإيمان الذي ينقلنا ونسأل الله أن ينقلنا وإياكم إلى جنات الرحمن ، نشكر باسمكم فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، جزاك الله خيراً فضيلة الدكتور ونعدكم إن شاء الله بلقاء آخر في حلقة مقبلة إن شاء الله تعالى ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور