- (082) سورة الانفطار
- /
- (082) سورة الانفطار
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد ، وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطاهرين ، أمناء دعوته ، وقادة ألوِيَتِه ، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات .
صور يوم القيامة :
لا زلنا أيها الأخوة في سورة الانفطار ومع قوله تعالى :
﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ* وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ ﴾
انتثرت تبعثرت ، كان هناك نظام ينتظمها ، نظام الجاذبية والدوران ، أما بعد أن انفرط عقدها تناثرت وتبعثرت :
﴿ وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ﴾
البحر ماء ، ما تركيب الماء ؟ أكسجين وهيدروجين ، عنصر مشتعل بشكل مذهل وعنصر آخر يعين على الاشتعال ، عنصر مشتعل متفجر وعنصر يعين على الاشتعال ، فلو أن شرارة لامست الماء لانفجرت البحار كلها :
﴿ وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَت﴾
أسجر النار أشعلها ، لذلك أنا رأيت صوراً بأم عيني بقاع البحر نيران ، نيران الماء يحتاج إلى شرارة كهربائية يشتعل الماء كلياً ، فلذلك أخواننا الكرام :
﴿ وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ﴾
تفجر عن طريق الاشتعال :
﴿ وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ﴾
هؤلاء البشر في القبور ، القبور بعثرت ، هنا المشكلة ، هنا الطامة الكبرى ، لقد جاء يوم الدين ، يوم الحساب ، يوم الجزاء ، يوم الدينونة ، يوم القصاص :
﴿ وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَت﴾
شيء ينبغي ألا يُقدّم قُدّم ، المصلحة تقتدي أن تبيع البضاعة مغشوشة ، فقدمت الغش على طاعة الله عز وجل ، هذه البضاعة فيها عيب ينبغي أن تبينه للشاري ، أغفلت بيان عيب البضاعة عن الشاري ، فأنت عندما تتحرك وفق مصلحتك انتهى الإنسان ، أما إذا تحركت وفق منهج الله فقمت على أمره أي الله عز وجل ما من شيء إلا أعطاك الموقف الكامل منه ، فإذا عرفت الله تأكل وتشرب وتعمل وتربح المال وتتزوج وتنجب وتربي أولادك ، الآية الدقيقة جداً:
﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ﴾
المعنى المخالف الذي يتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه .
ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة طاهرة :
مرة ثانية ؛ ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناةً طاهرةً نظيفةً تسري خلالها ، اعتقد معي يقيناً ليس في الدين حرمان لكن يوجد تنظيم ، في أصل خلقنا أودع الله في كل إنسان محبة المرأة ، لكن لها قناة نظيفة طاهرة ، تتزوج امرأة ، يعجبك جمالها ، تنجب منها أولاداً ، والأولاد ينجبون الأحفاد ، أسرة سعيدة مترابطة متماسكة ، أي الذي عنده أولاد و أحفاد وأنعم الله عليه بالصحة التامة هو وأولاده في اللقاءات العائلية سعادة كبيرة جداً ، فأنت حينما تتحرك وفق منهج الله الأمور كلها جيدة :
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾
أي جنة في الدنيا وجنة في الآخرة ، و هناك دليل قرآني :
﴿ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ﴾
عرفها لهم أي ذاقوا طعمها في الدنيا ، فأنت حينما تؤمن ، وتصطلح مع الله ، صدق ولا أبالغ إن لم تقل : ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني يكون في إيمانك خلل ، لماذا ؟ لأنك مع الله ، مع الخالق ، مع القوي ، مع الغني ، مع الحكيم ، مع الرحيم ، مع اللطيف ، فإذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ و يا رب ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟
﴿ وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ *وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ﴾
لذلك هناك بعض البرامج التي ترفع إمكانات الإنسان ، البرمجة العصبية اللغوية قال : ابدأ من النهاية ، فالمؤمن من توفيق الله له ، ومن عقله الراجح ، يبدأ من النهاية ، من الموت ، فأي شيء في هذه الساعة الحرجة قد لا يرضي الله فابتعد عنه .
أولاً : لا يوجد حرمان في الدين ، الله عز وجل أعطاك قنوات نظيفة طاهرة سامية راقية لشهواتك ، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة طاهرة .
العاقل من يكتشف حقيقة الإيمان قبل يوم القيامة :
إذاً :
﴿ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ﴾
ينبغي أن تعلم قبل فوات الأوان ، فرعون وهو يغرق ماذا قال ؟ آمنت أنه لا إله إلا بالذي آمنت به بنو إسرائيل ، آمن فرعون ولكن متى ينبغي أن يؤمن ؟ دقق :
﴿ يوم لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾
الطالب عندما لا يدرس يدخل إلى الامتحان فيقدم الورقة بيضاء ، فينال صفراً بجدارة ، رجع إلى البيت فتح الكتاب المقرر قرأ البحث فهمه ، فهمه بعد فوات الأوان ، فكل إنسان يوم القيامة يكتشف الحقيقة :
﴿ فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيد﴾
لكن ليته كشف الحقيقة في وقت مبكر :
﴿ يوم لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾
إذاً :
﴿ وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ *وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ﴾
الذي أخّره كان ينبغي أن يقدمه ، و هناك أشياء قدمها كان ينبغي أن يؤخرها :
﴿ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ﴾
بطولة المؤمن أن يكتشف الحقيقة التي ينبغي أن يعرفها عند الموت في وقت مبكر :
الآن الخطاب موجه إلى هذا الإنسان :
﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيم﴾
ما هو الغرور ؟ أن تتوهم شيئاً على خلاف ما هو ، إنسان رأى في الطريق علبة أنيقة جداً على طرف الرصيف فحملها ومضى راكضاً ، ظنّ فيها عقد ألماس أو ذهب ، بعد حين نزع اللصاقة عن غلافها ، بعد حين نزع الغلاف ، بعد حين فتح العلبة فإذا فيها قمامة المحل ، تخيل أن داخلها عقد ألماس أو ذهب فإذا هي قمامة المحل ، خيبة أمل كبيرة جداً، صدق هذه الحادثة الطريفة تقابلها خيبة أمل كبيرة ، في البدايات المال كل شيء في حياتنا ، في وسط العمر المال شيء لكن ليس كل شيء ، في النهاية وهو على فراش الموت : يا ليتني قدمت لحياتي ، ليس المال شيئاً ، فهذه الشهوات التي أودعت فينا نكتشف بعد فوات الأوان أنه لا قيمة لها إطلاقاً .
أيها الأخوة الكرام ؛
﴿ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ﴾
فالاغترار أن ترى الشيء بحجم أكبر من حجمه ، والدنيا تغر وتضر وتمر ، لكن متى تعرف الحقيقة ؟ على فراش الموت .
مرة ثانية ؛ في البدايات المال كل شيء عند الشاب ، في وسط العمر المال شيء ولكن ليس كل شيء ، على فراش الموت ليس بشيء ، فكل بطولتك كمؤمن أن تكتشف الحقيقة التي ينبغي أن تعرفها عند الموت في وقت مبكر .
طلب العلم يغذي الإنسان برؤية صحيحة :
إذاً لا بد من طلب العلم ، هذا الطلب يغذي الإنسان برؤية صحيحة دائماً ، الحقيقة أن الإنسان قد يغتر الدنيا ، وقد يغتر بالله ، كيف ؟
﴿مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيم﴾
أي أن تقول : النبي الكريم يشفع لنا ، من قال لك ذلك ؟
﴿ يوم لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾
من قال لك ذلك ؟
﴿ أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّار﴾
والشفاعة ورد فيها حديث صحيح ، أي الإنسان عندما تكون علاماته جيدة جداً ينقصه في مادة واحدة علامة أو علامتين ، يضاف له في الامتحانات العامة علامتين ، هذا هو المفهوم الحقيقي للشفاعة ، أما تفلت كامل من الدين ، حياته كلها شهوات ، واختلاط ، وأكل مال حرام ، أي شفاعة تتأملها ؟
﴿ أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّار﴾
أخطر شي أن يغتر الإنسان بنفسه أو بالدنيا :
يا أيها الأخوة ؛ أخطر شيء أن تقع في الغرور ، أن تغتر بالدنيا ، أو أن تغتر بنفسك ، أنا لا يوجد مثلي أحد ، فالبطولة أن تعرف ذاتك على حقيقتها ، قد يكون هناك تفلت، قد يكون هناك منهج غير مطبق ، فالإنسان عندما يعرف نفسه على حقيقتها ، ويعرف حقيقة الدين ، يقيّم نفسه تقييماً صحيحاً ، ومن عرف نفسه عرف ربه :
﴿ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ * يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيم﴾
ينبغي ألا تغتر بعفو الله ، عفو الله له ثمن :
﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾
فيا أيها الأخوة ؛ قضية الدين قضية خطيرة ، قضية مصيرية ، قضية سعادة أو شقاء ، حياة أو فناء ، قضية آخرة ، لذلك الذي يقول :
﴿ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ * يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾
إذاً أيها الأخوة ينبغي أن نعرف الحقيقة التي ينبغي أن تكون سبباً لسعادتنا ، فإن لم نعرفها فنحن في متاهة ، وفي شقاء كبير .
الحكمة البالغة من التصميم الإلهي للكون :
أخواننا الكرام ؛ الآية تقول :
﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَت﴾
ما تعني كلمة إذا ؟ إذا ظرف ، باللغة يوجد فعل و اسم و ظرف ، الظرف ظرف مكان وظرف زمان ، يوجد لدينا فعل ، والفعل له فاعل والفاعل له مفعول به ، هذه الحركة فعل فاعل مفعول به تحتاج إلى أرض هو ظرف المكان ، وتحتاج إلى زمان ظرف الزمان ، فيوجد عندنا من المنصوبات المفعول فيه ، أي مفعول به و مفعول فيه ، المفعول فيه ظرف المكان والزمان ، جلست إلى جانب الشجرة ظرف مكان ، أتيته عصراً ظرف زمان ، فهنا :
﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَت﴾
إذا ظرف لما يستقبل من الزمن ، هذا الظرف إذا تعني حتمية الوقوع ، إذا جاء نصر الله والفتح ، لم يأت بعد إذا جاء ، لكن هذا المجيء حتمي قطعي مستحيل ألا يأتي ، إذا تفيد هذا المعنى ، تفيد حتمية الوقوع ، لكن إن تفيد احتمال الوقوع ، إن جاءكم فاسق بنبأ قد لا يأتي هذا الفاسق :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾
فحينما تفهم الأدوات في اللغة ، اللغة أفعال وأسماء وأدوات ، هناك حتى و لما و لم و إذا ، عندنا كان الجامعة سنة بأكملها عن الأدوات في اللغة فقط ، ما ست وأربعون حالة لها ، فالأدوات علم قائم بذاته ، هناك فعل واسم و أدوات ، فإذا ظرف مكان أو زمانه لكن ليس ظرفاً واقعاً سيتحقق في المستقبل ، ظرف لما يستقبل من الزمن :
﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ* الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ﴾
فقط للتوضيح ما معنى سواك ؟ أنت تبني بناء وتحتاج إلى بناء لسيارتك ، هذا البناء يجب أن يسوى مع السيارة ، كيف ؟ أي يجب أن تدخل السيارة بهذا البناء يكون طوله أطول من السيارة بقليل ، وسقفه أعلى من سفح الصندوق بقليل ، وعلى الطرفين يوجد متسع لفتح أبواب السيارة ، هذا معنى البناء مسوى للسيارة ، أي تنطبق مواصفاته مع السيارة ، فالله عز وجل قال : " فسواك " أي جعل ذكراً وأنثى ، وجعل الإنجاب متتابعاً ، لو كان الإنجاب كل مئة سنة يموت ولا ينجب مثلاً ، الإنجاب ، الدورة ، دورة الشمس والقمر ثماني ساعات في اليوم ، لو كان اليوم مئة ساعة يشتغل وينام ويستيقظ ، وهذا العمل فيه أناس نائمون و أناس يعملون ، فتصبح الحياة فوضى ، لذلك جعل اليوم أربعاً وعشرين ساعة ، وجعل الدورات دورة الأرض حول الشمس سنة بكاملها ، ويوجد فصول ، التصميم الإلهي لهذا الكون يوجد فيه حكمة بالغة ينبغي أن تكتشف هذه الحكمة ، إذاً :
﴿ وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ* يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيم﴾
مخاطبة عامة الناس بأصول الدين ومخاطبة المؤمنين بفروع الدين :
إذا قال الله عز وجل : يا أيها الإنسان - خاطب البشر جميعاً - والنقطة الدقيقة في القرآن أن الله يخاطب عامة الناس بأصول الدين ويخاطب المؤمنين بفروع الدين :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ﴾
حالة خاصة ، موضوع دين ، يخاطب المؤمنين بفروع الدين ، ويخاطب الكفار بأصول الدين :
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ﴾
فنحن عندنا أصول وعندنا فروع .
أعظم إيمان المرء أن يرى أن الله معه :
يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم ؟ تغتر به حينما تظن أنه لن يحاسبك ، هذا غرور مؤلم جداً ، هذا الذي خلق الأكوان ، وجعلك المخلوق الأول تأخذ ما ليس لك ؟ تعتدي على أخيك الإنسان ولا تحاسب ؟ دقق في هذه الآية :
﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى﴾
من دون حساب ! تستغل قوتك فتأخذ ما ليس لك ؟ تستغل أنك أنت زوج ومعك حق الطلاق فتهددها بالطلاق بلا سبب دائماً ؟ تجعلها ترتعد خوفاً منك ؟ إله كبير ، فالذي يتحرك بالحياة الدنيا و يبتعد عن الإيمان أن الله يراقبه وقع في خطأ كبير ، لذلك أعظم إيمان المرء أن ترى أن الله معك ، وإذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ و يا رب ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟
لذلك أيها الأخوة ؛ ابتعد قدر ما تستطيع عن أن تغتر بنفسك أولاً ، وبالحياة الدنيا ، إنسان على فراش المرض جاءه أحد أقربائه وهو تلميذ عنده قال له : أنا أنشأت سينما وتوقعت أن أعيش عمراً مديداً ، وأنفق من أرباح هذه السينما ، هذا الموت يختطفني وأنا في مقتبل الحياة وبكى ، فأنت خطط وفق منهج الله ، لا تخطط وفق ما يمليه عليك الشيطان ، هذه مشكلة كبيرة.
إذاً أيها الأخوة :
﴿ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيم﴾
اجعل هذه الآية وسط عينيك لا تقبل حديثاً إلا إذا كان موثقاً ، لا تقبل أمراً إلا معللاً ، لا تقبل نهياً إلا معللاً ، إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم ، ابن عمر دينك دينك إنه لحمك ودمك ، خذ عن الذين استقاموا ولا تأخذ عن الذين مالوا .