- (083) سورة المطففين
- /
- (083) سورة المطففين
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد ، وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألوِيَتِه ، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات .
العدالة و الضبط أهم صفتين في المؤمن :
إذاً أيها الأخوة ويل تعني الهلاك ، والدمار ، والشقاء للمطففين ، والتطفيف هو التقليل ، وكل أنواع الغش في الأرض في القارات الخمس من آدم إلى يوم القيامة تدخل تحت هذه الكلمة ، بعض الآثار النبوية قال عليه الصلاة والسلام :
((من عامل الناس فلم يظلمهم ، وحدثهم فلم يكذبهم ، ووعدهم فلم يخلفهم ، فهو ممن كملت مروءته ، وظهرت عدالته ، ووجبت أخوته ، وحرمت غيبته))
مرة ثانية :
((من عامل الناس فلم يظلمهم ، وحدثهم فلم يكذبهم ، ووعدهم فلم يخلفهم ، فهو ممن كملت مروءته ، وظهرت عدالته ، ووجبت أخوته ، وحرمت غيبته))
كلمة عدالة دقيقة جداً ، فالإنسان المؤمن يتصف بالعدالة والضبط ، العدالة صفة نفسية ، لا يغش ، لا يخاتل ، لا يحتال ، لا يأخذ ما ليس له ، كأن له حقوقاً مدنية تؤكدها العدالة ، والضبط لا يغلط في الكلام ، يتمتع بقدراته كاملة ، فأهم صفتين في المؤمن العدالة والضبط ، أصبح مؤمناً ، شهادته مقبولة ، كلامه صادق ، موقفه عدل ، كل صفات المؤمن تؤكدها العدالة والضبط ، العدالة صفة نفسية ، والضبط صفة فكرية ، أي ذاكرته قوية لا ينسى، لا يتجاهل ، فالعدالة والضبط صفتان أساسيتان في المؤمن ، تؤهلانه ليكون موثوقاً عند الناس ، العدالة والضبط ، العدالة صفة نفسية ، والضبط صفة فكرية ، لذلك :
((من عامل الناس فلم يظلمهم ، وحدثهم فلم يكذبهم ، ووعدهم فلم يخلفهم ، فهو ممن كملت مروءته ، وظهرت عدالته ، ووجبت أخوته ، وحرمت غيبته))
حالات تجرح العدالة :
1 ـ أكل لقمة من حرام :
هناك بحث دقيق جداً وخطير جداً ؛ هذه العدالة تسقط إذا حدثت الناس فكذبت عليهم ، هذه العدالة تسقط إذا عاملتهم فلم تنصفهم ، هذه العدالة تسقط إذا وعدتهم فلم تؤدِّ ما وعدت به ، لكن هناك حالات لا تسقط العدالة لكنها تجرحها ؛ سقوط العدالة شيء وجرحها شيء آخر ، إناء من البلور قد يكسر ، صار مئة قطعة ، هذا الكسر سقطت عدالته ، وقد يشعر ، هناك خط أصاب هذا الإناء نقول : هذا الإناء مشعور ، ليس سليماً ، مكسور شيء ومشعور شيء آخر ، قال : هناك صفات للإنسان تجرح عدالته كثيرة جداً ، من هذا الصفات أكل لقمة من حرام ، أنت أمام بائع الفواكه في أول المواسم بعض الفواكه غالية جداً أخذت قطعة وأكلتها لتمتحن طعمها ثم لم تشتر ، أنت في هذه العملية أكلت لقمة من حرام ، مادة غذائية غالية تأخذ لقمة كبيرة تأكلها وتمشي ، أكل لقمة من حرام هذا يجرح العدالة ، أنت في الأساس لا تريد أنت تشتري ، أردت أن تمتحن هذه المادة الغذائية لعقت لقعةً كبيرةً إذاً هي من حرام ، هذا العمل على أنه طفيف يجرح العدالة ، أكل لقمةً من حرام .
2 ـ التطفيف :
الآن تطفيف بتمرة ، أحياناً الميزان يضع فيه اللحم والكفة الثانية يدفعها فتنزل فيأخذ اللحم ويعطيه للزبون ، أما لو أنه انتظر الميزان الذي أخذه أقل من حقه ، كفة البضاعة تعلو لم يأخذ هذا المواطن حقه ، هذا اسمه : تطفيف بتمرة ، إذا أراد أن يشتري يشتري بدقة عالية جداً أي القماش إذا اشتراه يشتريه مع المقياس المتري على شكل قوس ، أما إذا باعه فيبيعه مشدوداً أي هناك فرق ، هذا التطفيف بسنتمترين أو ثلاثة ، بتمرة ، بوجبة ، كله محسوب ، لذلك :
((إذا وزنتم فأرجحوا))
تطييباً لخاطر المشتري أرجح تطميناً لك على نفسك الأمارة بالسوء :
((إذا وزنتم فأرجحوا))
تطفيف بتمرة .
3 ـ ملء العين من الحرام :
من ملأ عينه من الحرام ؛ يمشي في الطريق ، والطريق فيه نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات ، المشي بهذا الطريق المزدحم بالكاسيات العاريات ، بالمائلات المميلات يجرح العدالة ، ليس مكانك في هذا الأمكنة ، أنت كمؤمن لا ينبغي أن تكون في هذه الأمكنة المتفلتة التي لا تراعي لا مروءة ، ولا عفة ، ولا كمال أيضاً ، هذا أيضاً التنزه في الطرقات الممتلئة بالكاسيات العاريات يجرح العدالة .
4 ـ صحبة الأراذل :
الآن صحبة الأراذل ؛ رفيق سوء ، رفيق متفلت بكلامه ، كلامه بذيء ، سبابه فاحش ، أن تصحب هذا الإنسان تجرح عدالتك ، يوجد ثلاث وثلاثون نقطة كلها تجرح العدالة ، مكانتك هبطت ، مكانتك الاجتماعية هبطت ، ومكانتك عند الله هبطت ، لأن المزاح الفاحش يجرح العدالة ، هناك شخص عنده طرف كلها بالألفاظ الفاحشة ، الإنسان يستحي أن يسمعها منفرداً ، هذا الطرف الفاحشة لا يمكن أن تكون للمؤمن :
(( لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلا اللَّعَّانِ وَلا الْفَاحِشِ وَلا الْبَذِيءِ))
طرفة يمكن أن تلقيها على مسامع بعض الناس تجرح عدالتك ، والله أنا أعتقد المؤمن يعيش ستين أو سبعين سنة لا يتكلم بحياته كلمة بذيئة ، ولا سباباً فاحشاً أبداً ، هذا أيضاً مما يجرح العدالة .
5 ـ إطلاق العنان للفرس :
شيء آخر ؛ من أطلق لفرسه العنان أي انطلق به مسرعاً ، والآن عند أهل العلم والفقه السرعة الزائدة تجرح عدالة السائق ، أنت لا تملك السيارة بعد المئتين ، يكفي مئة ، هذه السرعة فيها مفاجآت ، معك خمسة ركاب أنت منتحر الآن بهذه الطريقة ، فالسرعة الزائدة عبر عنها من أطلق لفرسه العنان ، في القديم كان يوجد فرس الآن ومن أطلق لمركبته العنان ، العداد وصل للمئتين والأربعين .
مرة كنت في ألمانيا إنسان قاد سيارة بالليل ويوجد مطب و كانت السرعة مئتين وأربعين هذا جرح عدالته ، أنت لا تملك المركبة بعد سرعة معينة ، دقق المعاملة مع الناس لا نقول سقطت عدالته :
((من عامل الناس فلم يظلمهم ، وحدثهم فلم يكذبهم ، ووعدهم فلم يخلفهم ، فهو ممن كملت مروءته ، وظهرت عدالته ، ووجبت أخوته ، وحرمت غيبته))
لذلك هذا العدل الضبط ممنوع أن تغتابه ، حرمت غيبته ، وتحاسب عن ذلك ، أذكر أن إنساناً قال للآخر : لقد اغتبتني ؟ قال : ومن أنت حتى أغتابك لو كنت مغتاباً أحداً لاغتبت أبي وأمي لأنهما أولى بحسناتي منك ، الذي يغتاب الآخر يأخذ حسناته ويطرح عليه سيئاته ، هذا الجزاء في الدنيا قبل الآخرة .
6 ـ قيادة حيوان مخيف :
إذاً من أطلق لفرسه العنان جرحت عدالته ، ومن قاد برذوناً أي حيواناً مخيفاً ، أحياناً تمسك كلباً ، وهناك طفل يمشي مع والده خاف خوفاً شديداً ، يجب أن تتنزه في الطرقات من دون كلب ، معه كلب كبير ، أنت مالكه ، لكن الطفل لا يفهم هذا ، ذلك كلب مخيف ويمشي في الطريق ، هذا شيء واقع ولا سيما في بلاد الغرب ، أي الكلب هو الرفيق ، صار من قاد برذوناً جرحت عدالته ، من أطلق لفرسه العنان جرحت عدالته ، من صاحب الأراذل جرحت عدالته ، من طفف بتمرة جرحت عدالته .
7 ـ المشي حافياً :
ومن مشى حافياً جرحت عدالته ، أن تمشي حافياً في الطريق جرحت عدالتك أيضاً.
8 ـ الأكل بالطريق :
الآن : ومن أكل في الطريق هذا الطريق ليس للطعام والشراب ، الآن الناس تأكل الشطائر في الطريق ، هذا أيضاً يجرح العدالة ، اجلس في البيت ، تناول طعامك في البيت، على مائدة ، يوجد كأس ماء ، حولك أهلك ، أما هذا الشطائر إذا بمطعم لا يوجد مشكلة ، أما من أكل في الطريق فقد جرحت عدالته .
9 ـ الحديث عن النساء :
ومن كان حديثه عن النساء ؛ فلانة طويلة ، فلانة بيضاء ، فلانة عفريتة مثلاً ، لا يوجد له حديث إلا على النساء ، هذا أيضاً إنسان جرحت عدالته ، هذا من قلة المروءة ، إذا كان حديثه عن النساء من قلة المروءة فإذا ذكر عن جمال زوجته ما طولها أمام الرجال ، فإذا حدثهم عن علاقته بها بالفراش ، هذه أسرار مصونة .
10 ـ ارتفاع الصوت في البيت :
أخواننا الكرام ؛ من علا صياحه في البيت يسمعه جميع الجيران ؛ صياح ، سباب، شتم ، تغليق أبواب ، و كسر نوافذ ، هذه الحالة العنيفة جداً ليست من صفات المؤمن ، المؤمن هادئ ، فيه هدوء الملائكة ، فيه رحمة إلهية ، فيه سكينة ، فيه رضا ، فيه تلطف ، هذا هو المؤمن .
من علا صياحه في البيت فسمعه من في الطريق جرحت عدالته .
من حاسب نفسه في الدنيا حساباً عسيراً كان حسابه يوم القيامة يسيراً :
لذلك قد تعيش مع مؤمن ثلاثين سنة لا تسمع منه كلمة نابية واحدة ، يوجد كلمات قاسية ، أنا أذكر في التعليم يكون الأستاذ عصبي المزاج ، طفل أخطأ ، يقول له : أنت غبي ، هل علمت ماذا فعلت بهذا الطفل ؟ قلت له : غبي ، هو يصدقك ، هو ليس غبياً قد ترافقه هذه الكلمة عشرين عاماً ، عقدته ، أنشأت له عقدة نفسية ، فكل كلمة محاسب عليها ، كل نظرة ، أحياناً مدرس يهتم بخمسة طلاب فقط الأذكياء ويهمل الباقين ، مشكلة كبيرة ، فأنت إذا حاسبت نفسك حساباً عسيراً كان حسابك يوم القيامة يسيراً ، إن حاسبت نفسك في الدنيا حساباً عسيراً كان حسابك يوم القيامة يسيراً ، فإن حاسبت نفسك في الدنيا حساباً يسيراً كان حسابك يوم القيامة حساباً عسيراً :
﴿ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُون﴾
لي قريب حدثني هذه الحكاية له قريبة يحبها حباً جماً لدرجة غير معقولة ، هذه القريبة توفيت وأنا ليس من عادتي الحديث عن الأحلام والرؤى لكنني مضطر ، رأى هذه القريبة في منامه تشتعل ناراً ، قلق عليها أشدّ القلق ثم فوجئ بعد أسبوع أن رأى الرؤيا نفسها مرة ثانية ، ومرة ثالثة ، أقسم بالله بثمانية أشهر كلما رآها في الرؤيا يراها تشتعل ، بعد حين رآها ترتدي ثياباً بيضاء ، وجهها منير ، سألها : ما القصة يا عمتي ؟ فقالت له : الحليبات ، كلمة واحدة ، ما الحليبات لم يفهمها ؟ تتبع هذا الموضع بشهر حتى عرف أن هذه المرأة عندها أولاد ولزوجها أولاد ، تسقي أولادها كأس حليب كامل ، وأولاد زوجها نصف الكأس حليب ونصفه ماء ، قالت له : الحليبات ، الله كبير ، لأنه ابن زوجك يأخذ نصف الكمية ، ولأنه ابنك يأخذ كمية كاملة ؟! دققوا يا أخوان أنا والله لا أتشدد لكن هذا هو العدل :
﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى﴾
محاسبة الله للإنسان محاسبة دقيقة :
أيها الأخوة الكرام ؛ يوجد أعمال طيبة جداً جداً جداً يضيق الوقت عن ذكرها ، أنت بعمل طيب ترقى عند الله ، تصل بهذا العمل إلى أعلى عليين ، وبعمل آخر تصل به إلى أسفل سافلين ، فالأمور محسوبة بدقة ، والله عز وجل يحاسب حساباً دقيقاً ، اما بالاستغفار فيعفو ، بالتوبة يعفو ، أما لا استغفار لا توبة والأمور تمشي هكذا .
﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ﴾
أن يخلق عبثاً ! فلا بد من محاسب ، ولا بد من معاقب ، والبطولة أن تضع هذه الحقيقة أمام عينك كلما أردت أن تفعل شيئاً لا يرضي الله .