وضع داكن
23-04-2024
Logo
ندوة : الحوار أحد الوسائل الفعّالة في إقناع الآخر - ضرورة الابتعاد عن العنف .
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع :
 أهلاً وسهلاً بحضراتكم في هذا الجزء من الحوار ، نتحدث عن الآخر ، إذا كنا في منتدى نتحدث عن الحوار ، نتحدث عن تعزيز السلم في المجتمعات الإسلامية ، إلى أن الآخر هو محور هام في الحوار ، من هو الآخر ؟ هل الآخر الذي نريد أن نصل إليه هو الآخر هو الغرب ؟ هو المختلف عنا في الدين ؟ أم أن الآخر هو من يشاركنا نفس الدين ولكن يختلف معنا إلى حدّ ما قطعياً ؟ فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي الداعية الإسلامي لماذا دائماً نتحاور بعد الدم ؟

 

اللجوء إلى الحوار قبل سفك الدم :

الدكتور راتب :
 لأن الحوار لم يكن داخلاً في برامجنا ، لما صار الدم احتجنا إليه .
المذيع :
 الدم هو الذي يقصد ضرورة الصلح .
الدكتور راتب :
 أحياناً .
المذيع :
 نحن عندما نتحدث عن الحوار كنا دائماً نتحدث عن الآخر ، والآخر هو الذي يختلف عنا بالثقافات ، بالدين ، اكتشفنا أن الآخر أصبح بداخلنا ومن داخلنا ، ممكن ترجع ذلك إلى ماذا ؟

 

الاختلاف جزء من طبيعة الحياة البشرية و علة الاختلاف أن الإنسان مخير :

الدكتور راتب :
 الآية الكريمة ، قال تعالى :

﴿ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾

[ سورة هود : 118-119]

 الاختلاف جزء من طبيعة الحياة البشرية ، لأن الإنسان مخير ، علة الاختلاف أنه مخير ، هذا اختار الآخرة ، هذا اختار الدنيا ، هذا اختار جمع المال ، هذا اختار المتعة ، فالخيارات متنوعة ، فصار هناك خلاف بين طبقات المجتمع ، أو بين أفراد المجتمع ، فحينما نريد أن نستخدم الحوار نحاول أن نقرب ، فإذا أقنعتني بوجهة نظرك وأقنعتك بوجهة نظري نقترب من بعضنا ، هذا سلوك حضاري .
المذيع :
 هذا السلوك الحضاري يتجلى في العالم الإسلامي في الفترة الأخيرة ، أي لماذا في القرون الأخيرة أصبح ملمح الاختلاف والعنف والدم إسلامياً ، هل جزء من الدين الإسلامي ما يستدعي ذلك أم أننا نحتاج إلى فقه جديد ؟ إلى اجتهاد جديد ؟ إلى ترقية ؟

 

الحوار أحد الوسائل الفعّالة في إقناع الآخر :

الدكتور راتب :
 الدين الإسلامي من وحي السماء ، والسماء وحيها مقطوع في صحته ، تتكلم عن وحي السماء ، فالدين الإسلامي كقرآن ، كشرح له في السنة الصحيحة هذا من عند الله عز وجل، فالله عز وجل كلامه مطلق ، أما نحن فقد نختلف في الفهم ، نتحاور كي نقرب أفهامنا من بعضنا البعض ، أنا أريد قبل أن نتابع أن أقدم ومضة من ومضات الحوار .
 النبي صلى الله عليه وسلم وهو سيد الخلق وحبيب الحق ، هذا الإنسان العظيم جاءه شاب والنبي عنده عدد من الصحابة الكرام ، قال له : ائذن لي بالزنا ، الصحابة ضجوا ، قال لهم : دعوه ، تعال يا عبد الله ، اقترب ، قال له : أتحبه لأمك ؟ احمر وجهه ، قال : لا ، قال : ولا الناس يحبونه لأمهاتهم ، لأختك ؟ لخالتك ؟ لعمتك ؟ لابنتك ؟ يقول هذا الشاب : دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وما من شيء أحب إليّ من الزنا ، وخرجت من عنده وما من شيء أبغض إليّ من الزنا .
 هذا حوار ، إنسان يتحدى سيد الخلق وحبيب الحق ائذن لي بالزنا ، الزنا كبيرة ، فيأخذه ويقنعه ويأتيه بالحجج حتى اقتنع ، فأنا أرى أن الحوار أحد الوسائل الفعالة في إقناع الآخر ، سيدنا عمر عيّن والياً قال : اذهب إلى عملك ، خذ الكتاب واعلم أنك مصروف رأس سنتك ، وأنك تصل إلى أربع خلال فاختر لنفسك - أنا أقدم نموذج حاكم عيّن والياً أو عيّن محافظاً بالتعبير المعاصر- ماذا قال له ؟ إن وجدناك أميناً ضعيفاً استبدلناك لضعفك وسلمتك من معرتنا أمانتك ، إن وجدناك خائناً قوياً استهنا بقوتك ، وأوجعنا ظهرك ، وأحسنا أدبك ، وإن جمعت الجرمين جمعنا عليك المضرتين ، فهذا منهج ، قال تعالى :

﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾

[ سورة القصص:26 ]

 سيدنا عمر سأل والياً : ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب ؟ قال : أقطع يده بحسب الحكم الشرعي ، قال : إذاً فإن جاءني من رعيتك من هو جائع أو عاطل فسأقطع يدك ، إن الله قد استخلفنا عن خلقه لنسد جوعتهم ، ونستر عورتهم ، ونوفر لهم حرفتهم ، فإن وفينا لهم ذلك تقاضيناهم شكرها ، إن هذه الأيدي خلقت لتعمل ، فإذا لم تجد في الطاعة عملاً التمست في المعصية أعمالاً .
 أنا أتمنى أي إنسان يحتل منصباً قيادياً بدءاً من الأب وانتهاء بأعلى منصب أن يحاسب نفسه ، أحياناً المشكلات التي تنبع في بيئته قد تكون من صنعه ومن تقصيره ، فالحوار مع الذات المونولوج كما تفضلت هذا مهم جداً ، لماذا ابني يفعل كذا ؟ هناك تقصير من الأب ، أنا حينما أعزي الأخطاء إلى أصحابها ، وأحيد نفسي كلياً عن المسؤولية وقعت في خطأ كبير ، أنا حينما أتهم نفسي أولاً عندئذ ممكن أن أحاور الطرف الآخر .
المذيع :
 دعنا نتهم أنفسنا في مواجهة من يعتنق الفكر الإرهابي ، قبل أن أذهب إلى الفكر الإرهابي الذي يستند هو الآخر إلى مراجع دينية عندما يتحدث يقول : قال الله ، وقال الرسول ، فأنا وأنا ديني يقول لي : إني لا أكره العاصي ولكن أكره المعصية ، هو دينه كما يقرؤه يقول له: اقتل هذا ، هذا من الجاهلية ، هذا كافر ، باسم الدين دعونا نأخذ فاصلاً كي نتيح الوقت أكثر لتفصيل الحوار ، بعد الفاصل نواصل مع ضيفنا العزيز .
 أهلاً وسهلاً بحضراتكم ، نواصل حواري مع ضيفي العزيزين وكنت أتحدث مع فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، كنا نتكلم في جزئية على نفس الأرضية ...

ضرورة تأمين الحاجات الأساسية للشباب :

الدكتور راتب :
 هؤلاء الشباب الذين يظهر العنف منهم ، هؤلاء الشباب كشباب ماذا يتمنون ؟ أنا أقول : طلباتهم معقولة جداً ، يتمنى فرصة عمل ، يتمنى بيتاً صغيراً ، يتمنى زوجة ، فإذا وجد الشاب في مجتمع ، الأمل في الزواج معدوم ، وفي بناء بيت معدوم ، وفي تأمين فرصة عمل معدوم ، هذا الإنسان يقع في تطرفين ؛ تطرف تشددي ، وتطرف تفلتي ، التطرف التشددي التكفير والتفجير ، والتفلتي الإباحية ، هذا الشاب قبل أن أوقعه في التشدد أو التطرف ، قبل أن أوقعه في عمل عنيف يجب أن أنتبه إلى حاجاته الأساسية ، أي شاب يحتاج إلى سكن متواضع، إلى زوجة تحصنه ، إلى فرصة عمل يعيش منها ،  فحينما لا ننتبه لهؤلاء الشباب، الأقوياء يتمتعون بكل شيء ، ومن لفّ لفهم ، ومن حولهم ، ومن يداريهم ، وعامة الناس محرومون من كل شيء ، هذه البؤرة غنية جداً لظهور الفكر الإرهابي .
المذيع :
 الشباب ومن يحادثهم ، كلمات ، حضرتك نحن الأجيال القادمة هي من تحدثهم ، ويجب أن يكون الحوار عقلياً في حين أن الذي يقتلون أو يعتنقون فكر الإرهاب من الشباب هم يستندون إلى فكر قديم ولم يقبلوا بفكر جديد من دعاة وعلماء جدد .

موانع السلم الأهلي :

الدكتور راتب :
 لكن يضاف كلمة بتأويل غير صحيح .
 أنا أقول كلمة : إذا كان هناك موانع للسلم الأهلي ، موانع أقول : الإقصاء ، العرقي أو الطائفي ، والديني ، والمذهبي .
 أنت حينما تقصي إنساناً ، تقصي جماعة ، تقصي طائفة ، الإقصاء أحد أسباب العنف والإرهاب .
 الكيل بمكيالين هذا شيء لا يحتمل ، أن تكيل بمكيالين دائماً ، مكيال لك ومكيال لغيرك .
 أن ترى لك ما ليس لغيرك ، وأن ترى على غيرك ما ليس عليك ، هذه من موانع السلم الأهلي .
 أن تكون الثروات والأشياء الأساسية في بلد ما ملك فئة قليلة ، حرمت منها الأكثرية الكثيرة .
 هذه كلها موانع للسلم الأهلي .
المذيع :
 موانع السلم أم صوانع الإرهاب ؟
الدكتور راتب :
 صوانع الإرهاب ، كلاهما يلتقيان بالنتيجة .
المذيع :
 أخشى من يسمعنا يعتقد أننا نبرر للإرهاب في حين أن الإرهاب يستند إلى فكر هو الذي يحتاج إلى مراجعة ، مثله مثل البيئة ، الثقافة ، الغناء .
الدكتور راتب :
 قول دقيق : أعط الإنسان رغيف خبزه أي حاجاته الأساسية وكرامته أي حريته وخذ منه كل شيء ، سيدنا عمر خاطب أحد الولاة قال : و لا تغلق بابك دونهم ، فيأكل قويهم ضعيفهم ، إذا كان أقل إنسان يمكن أن يدخل على أكبر إنسان هذا الذي تحته يعد للمليون قبل أن يظلمه ، أعط الإنسان رغيف خبزه وكرامته وخذ منه كل شيء ، ولا تغلق بابك دونهم ، فيأكل قويهم ضعيفهم .
المذيع :
 وهذا هو الحل ألا يغلق الباب دونهم .

 

ضرورة الابتعاد عن العنف لأن العنف لا يلد إلا العنف :

الدكتور راتب :
 كتاب ألّفه فرانز فانون باللغة الفرنسية وقد ترجم ، هذا الكتاب محوره الكلي أن العنف لا يلد إلا العنف ، فإذا آمنا بهذه الحقيقة أو هذا القانون أية قضية إذا عالجناها بالعنف نواجه عنفاً مثيله ، هذه حقيقة دقيقة ، هناك حوار ، تفاهم ، لقاء ، وعندنا عنف ، العنف لا يلد إلا العنف ، والذي نشكوه في مجتمعاتنا هو العنف من قبل الطرف الأول أو الثاني ، هذا العنف سببه أن الاستبداد والتحكم والإقصاء وأن تقيس الأشياء بمقياسين ، هناك أسباب كثيرة جداً من أبرزها سلوك طريق العنف لا يولد إلا عنفاً آخر ، وإذا ظنّ العنيف أن بعنفه ينهي قضية وقع في خطأ كبير كبير كبير .
المذيع :
 وأنا أخشى من شيء في نهاية هذا الحوار وأتمنى حضراتكم أن تشاركوني الرأي ، دائماً حينما نجلس إلى العلماء ويصورون المسألة على أن هناك أزمة في الاقتصاد ، في العدالة، في حين عندما نتعامل مع فكر متشدد أو فكر إرهابي نجد أن المشكلة هي أحياناً في الفهم ، أحياناً هناك آراء قديمة ، فكر غير متجدد ، عدم وجود اجتهاد جديد وفقه جديد يتواءم مع العصر ، فالعلماء يغسلون أيديهم أهذا الدين العظيم بما فيه ؟ ثم نترك الحياة ونتحدث عن الحوار ثم الذي يتحدث هو الموت والقتل ، كيف يمكن الاعتراض بأن لدينا مشكلة لدى العلماء المتخصصين بالدين ؟

تبدل القيم أخطر مرحلة تمر بها الأمم :

الدكتور راتب :
 قال تعالى :

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾

[ سورة الرعد : 11 ]

 نبدأ من تصوراتنا ، من مبادئنا ، من قيمنا ، كما تفضلت هناك حالة عنف و تجاوزات كثيرة لكن هذه ناتجة من سوء فهم ، لذلك العلاج لا بعنف مقابل ، قال تعالى :

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾

[ سورة الرعد : 11 ]

 إن لم يبدأ التغيير من النفس المشكلات لا تحل ، تأكيداً لكلامك أريد أن أقول فكرة دقيقة حينما قال الله عز وجل :

﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾

[ سورة آل عمران : 110]

 في الجامعة العربية كتبت هذه الآية في قاعة الاجتماعات ، هذه الآية نفتخر بها كثيراً لكن إذا تابعنا قراءتها ، قال تعالى :

﴿ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾

[ سورة آل عمران : 110]

 قال علماء التفسير : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علة خيرية هذه الأمة ، فإن لم نأمر بالمعروف ، ولم ننه عن المنكر ، ولم نتحاور ، فقدنا خيريتنا ، فأصبحنا أمة كأية أمة خلقها الله ، قال تعالى :

﴿ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾

[سورة المائدة : 18 ]

 النبي الكريم يقول :

(( كيف بكم إذا لمْ تأمروا بالمعروفِ ولم تَنْهَوْا عن المنكر ؟ قالوا : يا رسول الله ، وإنَّ ذلك لكائن ؟ نعم ، وأشدُ ، كيف بكم إذا أمرتُم بالمنكر ونهيُتم عن المعروف ؟ - صعقوا صعقة أشدّ - قالوا : يا رسول الله وإنَّ ذلك لكائن ؟ قال : نعم ، وأَشدُّ منه سيكون ، قالوا : وما أشد منه ؟ قال : كيف بكم إذا رأيتُمُ المعروفَ منكراً والمنكرَ معروفاً ))

[أخرجه زيادات رزين عن علي بن أبي طالب]

 تبدل القيم أخطر مرحلة تمر بها الأمم ، تبدل القيم ، أي :

دع المكارم لا ترحل لبغيتها  و اقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
***

 هذا البيت قال عنه نقاد الأدب أهجى بيت قالته العرب ، و دخل صاحبه السجن الآن شعار كل إنسان .

دع المكارم لا ترحل لبغيتها  و اقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
***

 ما دام بيتك واسعاً ، والأمور ميسرة ، ومركبتك فارهة ، والزوجة تروق لك ، دعك من الشأن العام .
المذيع :
 زوجة واحدة ؟
الدكتور راتب :
 هذا موضوع ثان يحتاج إلى ندوة .

 

خاتمة وتوديع :

المذيع :
 نشكرك جداً فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، أعتقد أن هذه نهاية طيبة لهذه الحلقة .
 أشكر ضيوفي الأعزاء مرة أخرى ، نورتم أشكركم ، غداً حلقة جديدة ، و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور