وضع داكن
28-03-2024
Logo
ساعة صيام - قناة الجزيرة - الندوة : 2 - ساعة صيام ، كيف نتدبر القرآن .
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
 بسم الله الرحمن الرحيم، أهلاً بكم في برنامج: ساعة صيام، وفيها كيف نتخذ القرآن الكريم طريقاً للوصول إلى الله عز وجل؟ وما هي القواعد التي تعين على تدبر آياته ومعانيه؟

﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾

[سورة الانعام:153]

 الآية تظهر وبوضوح معنى ولفظاً كيف أن السبيل الى الحق واحد، بينما تتعدد سبل الباطل وطرقه، وفي القرآن آيات بينات ترشدنا الى ماهية السبيل وعنوانه، فيقول تعالى:

﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾

[سورة الإسراء:9]

 فكيف نتلمس طريق الوصول إلى الله من كتاب الله؟ وما هي القواعد التي تساعد على فهم معاني القرآن واستخلاص العبر منها؟ وهل علاقتنا بالقرآن في الأساس هي علاقة تعبد أم تدبر أم كلاهما؟ كل ذلك وأكثر سيكون موضوع لحلقة اليوم من ساعة صيام، والتي يسعدنا أن نلتقي الدكتور محمد راتب النابلسي الداعية الإسلامي، وعضو المجلس الإسلامي السوري، والأستاذ الجامعي، نرحب بكم إذاً، أهلاً بحضرتكم معنا.
الدكتور راتب:
 بارك الله بكم، ونفع بكم.
المذيع:
 ماهي خصائص القرآن الكريم؟ ما أثرها في غرس هيبته في نفوس المسلمين بصفة عامة؟

 

العبادة الشعائرية لا تقطف ثمارها إلا إذا صحت العبادة التعاملية :

الدكتور راتب:
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلام والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطاهرين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
 بادئ ذي بدء, قالوا : الكون قرآن صامت, والقرآن كون ناطق, و النبي قرآن يمشي, لي تعليق دقيق, الآن ما لم ير المسلمون إسلاماً يمشي أمامهم , لأن النجاشي سأل سيدنا جعفر عن الإسلام فقال : " أيها الملك , كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام , ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الرحم، ونسيء الجوار، حتى بعث الله فينا رجلاً نعرف أمانته وصدقه وعفافه ونسبه- أي إن حدث فهو صادق، إن عاملك فهو أمين، إن استثيرت شهوته فهو عفيف, ويأتي النسب تاجاً على هذه الثلاثة - فدعانا الى الله لنعبده و نوحده ونخلع ما كان يعبد آباؤنا من الحجارة والأوثان , وأمرنا..." الآن ستأتي قائمة بالعبادات التعاملية, وقبل أن أذكرها هناك عبادات شعائرية كالصلاة والصوم والزكاة والحج والنطق بالشهادة, وهناك عبادات تعاملية وما لم تصح العبادة التعاملية لا نقطف ثمار العبادة الشعائرية , والأدلة كثيرة جداً :

(( يؤتى برجال يوم القيامة لهم أعمال كجبال تهامة يجعلها الله هباء منثورة ، قيل يا رسول الله جلهم لنا ، قال: إنهم يصلون كما تصلون ، ويأخذون من الليل كما تأخذون ، ولكنهم إذا خلو من محارم الله انتهكوها))

[ ابن ماجه عن ثوبان]

 انتهت الصلاة.

(( مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ ، فَليسَ للهِ حاجة فِي أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ ))

[أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة ]

 انتهى الصيام.

(( من حج بمال حرام فقال : لبيك اللهم لبيك ، قال الله له : لا لبيك ولا سعديك حجك مردود عليك))

[الأصبهاني في الترغيب عن أسلم مولى عمر بن الخطاب ]

 الزكاة:

﴿قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾

[سورة التوبة:53]

 الشهادة:

(( من قال لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة، قيل: وما حقها؟ قال: أن تحجزه عن محارم الله))

[رواه الطبراني عن زيد بن أرقم]

 إذاً عندنا عبادات شعائرية وأخرى تعاملية، وما لم تصح العبادة التعاملية لا تقطف ثمار العبادة الشعائرية. الحديث الصحيح:

(( ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))

[أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عباس]

 فإذا كانوا مليار وسبعمئة مليون، وليس أمرهم بيدهم، وللطرف الآخر عليهم ألف سبيل وسبيل، هنا مشكلة كبيرة، إذا عندنا آيات لا تعد ولا تحصى تعد أهل الإيمان بالنصر، فإن كانت هذه الآيات معطلة ما السبب؟ قال الله تعالى:

﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾

[سورة النور:55]

 وقال:

﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ﴾

[سورة النور:55]

 وقال:

﴿وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾

[سورة النور:55]

 إذاً إن لم نكن مستخلفين، والحقيقة مرة، ولم نكن ممكنين، ولم نكن آمنين، أين الخلل؟ بكلمة واحدة، يعبدونني، فإذا أخلّ الطرف الآخر بما كلف به من عبادة فالله جلّ جلاله في حل من وعوده الثلاثة، لئلا يتساءل الإنسان ألسنا على الحق؟ المؤمن ما لم يلتزم أمر الله ونهيه، الإيمان يسمونه الإقرار السلبي لا يقدم ولا يؤخر، حتى الإعجاب السلبي، قد نفتخر بهذا الدين العظيم دين الوحيين، قد نفتخر، قد نفتخر، ما لم نطبق لا نقطف ثمار هذا الدين، قال الله تعالى:

﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

[سورة آل عمران:31]

 ومن أعجب العجب أن تعرفه ثم لا تحبه، ومن أعجب العجب أن تحبه ثم لا تطيعه.
المذيع:
 فيما يتعلق بوصف القرآن كيف جاء ولكن في القرآن أي كيف وصف القرآن نفسه؟

 

من يتبع هدى الله لا يضل عقله ولا تشقى نفسه :

الدكتور راتب:
 قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾

[سورة الإسراء:9]

 للأصلح دائماً، من أية ناحية؟ الناحية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية والشخصية، إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم، الآن من القرآن، قال تعالى:

﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾

[سورة البقرة:38]

 لا خوف عليهم تغطي المستقبل، ولاهم يحزنون تغطي الماضي، فالذي يتبع هدى الله عز وجل لا يندم على ما فات، ولا يخشى مما هو آت، الآن قال الله تعالى:

﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾

[سورة طه:123]

 لا يضل عقله ولا تشقى نفسه، اجمع الآيتين، الذي يتبع هدى الله عز وجل لا يضل عقله ولا تشقى نفسه، ولا يندم على ما فات، ولا يخشى مما هو آت، ماذا بقي من سعادة الدنيا؟
المذيع:
 فيما يتعلق بدلالات هذا التوصيف، كيف يفهمه المسلم البسيط غير المثقف؟ غير القارئ؟

 

أساس العلم التلقي و ليس القراءة فقط :

الدكتور راتب:
 والله الحقيقة آيات القرآن الكريم معظمها مجملها واضح كشمس، أي إن الله يحب الصادقين، لا تحتاج إلى تفسير، إن الله يحب المحسنين، لا تحتاج إلى تفسير، القرآن بلغة عربية، بعض الآيات لا تزيد عن واحد بالألف تحتاج إلى مفسر، قال الله تعالى:

﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾

[سورة الأنبياء:7]

 أي الآيات في مجملها واضحة كوضوح الشمس، لكن بعض الآيات ولحكمة بالغة بالغة بالغة جاءت بحاجة لشرح كي نؤكد دور المفسر، دور الإنسان في الدعوة الى الله، لأنه من لم يأخذ العلم عن الرجال فهو ينتقل من محال الى محال، أي لو فرضنا كان ممكن أن نوزع على الطلاب الكتب فقط، كنا وفرنا المليارات من رواتب المدرسين، فلابد من أن يكون المعلم إنساناً، الكتاب وحده لا يكفي، المعلم هو الأصل.
المذيع:
 والعلم أساسه التلقي وليس القراءة.
الدكتور راتب:
 من لم يأخذ العلم عن الرجال فهو ينتقل من محال الى محال.
المذيع:
 جميل جداً، كيف يتخذ المسلم القرآن طريقاً للتعرف على الله؟

اتخاذ القرآن الكريم طريق للتعرف إلى الله :

الدكتور راتب:
 والله القرآن الكريم فيه آيات كونية، وفيه آيات تكوينية، معنى كونية، مثلاً لما صعد رواد الفضاء إلى القمر بعد مسافة ليست بسيطة صاح رائد الفضاء: لقد أصبحنا عمياً، ما الذي حصل؟ في الأرض ظاهرة فيزيائية اسمها انتثار الضوء، فأشعة الشمس تسلط على ذرات الهواء، هذه الذرات تعكسها على ذرات أخرى، ففي الأرض في النهار مكان فيه أشعة الشمس ومكان فيه ضوء الشمس، فلما صعد رواد الفضاء الى القمر وتجاوزوا طبقة الهواء أُلغي انتثار الضوء، فأصبحوا في ظلام دامس، فقال رائد الفضاء - والشيء مسجل، رحلة أبولو ثمانية أول رحلة للقمر-: لقد أصبحنا عمياً لا نرى شيئاً، افتح القرآن قال الله تعالى:

﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ﴾

[سورة الحجر:14-15]

 حقيقة كشفت قبل عشرين عاماً، تأتي آية قرآنية قبل ألف وأربعمائة عام تشير إليها، هذا ماذا يؤكد؟ أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن.
 المعركة التي تمت بين الفرس الروم في غور فلسطين، شيء ثابت تاريخياً، بعد اكتشاف أشعة الليزر، تقاس بها المسافات بدقة بالغة، حتى المسافة بين الأرض والقمر قيست بأشعة الليزر، تصدر أشعة وتعود تقسيم اثنين نحصل على المسافة، اكتشف أن أعمق نقطة في الأرض على الإطلاق غور فلسطين، تفتح القرآن قال الله تعالى:

﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ﴾

[سورة الروم2-3]

 دليل قطعي مفحم أن الذي خلق الأكوان هو الذي خلق هذا القرآن، الآية:

﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾

[سورة الحج:27]

 ما قال بعيد لأن الخط إذا استمر على الكرة ينحني.
 شيء ثان، الأرض لها وجه باتجاه الشمس منير، بعكس اتجاه الشمس مظلم، هناك منطقة بينهما بين المغرب والعشاء وبين أذان الفجر إلى شروق الشمس، ماذا قال الله تعالى؟

﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾

[سورة الحج:61]

 أي هناك وقت بالأرض يتداخل الليل مع النهار مرتين، يولج الليل في النهار هي من المغرب الى العشاء، ويولج النهار في الليل فجراً.
 أيضاً إشارات قرآنية الى حقائق علمية دقيقة جداً، هذا يؤكد مرة أخرى أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن.
المذيع:
 يُثَبّت المسلمين أكثر على إيمانهم، ويكشف لغير المسلمين أن هذا الكتاب هو الحق.

 

القرآن الكريم يثبت إيمان المسلمين و يكشف لغير المسلمين أنه الحق :

الدكتور راتب:
 نعم والدليل:

﴿ سَنُرِيهِمْ ﴾

[ سورة فصلت : 53 ]

 الله المتكلم، والمسلمون مخاطبون، والطرف الآخر، هذا الطرف الآخر أسباب إيمانه أن حقائق اكتشفوها وطاروا فرحاً باكتشافها فإذا في القرآن إشارة لها.
سؤال من أخ مستمع:
 نحن في الدول الإسكندنافية يوجد من يصوم مع السعودية، ومن يصوم مع دول أخرى، فهل يجب أن يتم حساب عدد ساعات الصيام وفقاً لعدد ساعات الصيام في السعودية؟

 

حساب ساعات الصيام في الدول الإسكندنافية :

الدكتور راتب:
 حينما يكون هناك ليل لمدة ستة أشهر، ونهار لستة أشهر، هذه حالة تكون في الدائرة القطبية، الفتوى على توقيت مكة المكرمة، أو أقرب مدينة فيها ليلاً أو نهاراً، هذه الفتوى.
المذيع:
 لو عدنا الى موضوع حلقتنا القرآن، كيف يكون كتاب الله سبيلاً لصناعة المنظومة الإيمانية في نفوس المؤمنين؟

 

التفكر في مخلوقات الله تزيد الإنسان إيماناً بالله و قرباً منه :

الدكتور راتب:
 الحقيقة أن هذا الإله العظيم لا تدركه الأبصار، ولكن العقول تصل إليه، تماماً كأن تركب مركبة أرضية – سيارة- هذه تستطيع أن تصل بها الى البحر، ولكن لن تستطيع أن تخوض بها غمار البحر، لذلك تفكروا في مخلوقات الخالق ولا تفكروا في ذاته فتهلكوا، الإنسان لا شيء أمام الذات الإلهية، فاذا تفكر في مخلوقاته يرقى الى الله، يزداد إيماناً، يزداد قرباً من الله، فإذا أراد أن يتفكر في ذات الله فهذه منطقة خطرة يوجد نهي صريح جداً عنها، تفكروا في مخلوقات الخالق ولا تفكروا في ذاته فتهلكوا.
المذيع:
 فضيلة الدكتور، القرآن كما قلنا نزل لهداية الناس جميعاً، لكن هناك هدفاً هل هذا الهدف في أصله التعبد أم التفكر أم كلاهما؟ أم أن هناك توصيفات أخرى؟

ضرورة قراءة القرآن وفق قواعد اللغة العربية ثم تطبيقه و تدبره :

الدكتور راتب:
 والله أنا أرى أن قراءته ينبغي أن تكون تعبداً، وأن قراءته ينبغي أن تكون فهماً ثم تدبراً، وهذا معنى قوله تعالى:

﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾

[سورة البقرة:121]

 حق التلاوة أن تقرأه وفق قواعد اللغة العربية، وإن أمكن أن تقرأه وفق قواعد علم التجويد، ثم أن تفهمه فهماً دقيقاً جداً، ثم أن تطبقه، التطبيق هو التدبر، أين أنا منه؟

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾

[سورة التحريم:6]

 هل أفعل هذا أنا؟ فبين أن تقرأه قراءة صحيحة، وبين أن تقرأه إن أمكن قراءة مجودة، ثم أن تفهمه فهماً دقيقاً وعميقاً وواسعاً ثم أن تتدبره، أين أنا من هذه الآية؟ هل أنا مطبق لها؟ هل أنا مقصر؟ أن تضع نفسك في كل آية في المكان الصحيح، غير مطبق، إذاً هذه الآيات تصف الهدف والوسيلة.
المذيع:
 إذاً ما تصنيف من يقول: إني أُحب الله وأُحب الرسول لكن في الواقع لا تراه مصلياً حتى في الظاهر؟

 

من لم يتبع رسول الله فهو غير محبّ له :

الدكتور راتب:
 الجواب قرآني، قال الله تعالى:

﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾

[سورة آل عمران:31]

 فإن لم تتبع رسول الله أنت في الأساس مدع، تدّعي الحب ولست محباً.

المذيع:
 إذاً ما هي القواعد أو الضوابط أو المنهاج الذي يعين على فهم القرآن، لأنه في الواقع هناك كما ذكرت آيات صعبة الفهم، وبالتالي ماهي الأشياء المعينة على فهم القرآن الكريم؟

الأشياء المعينة على فهم القرآن الكريم :

الدكتور راتب:
 هناك آية دقيقة جداً، قال الله تعالى:

﴿ وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ* فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ* كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ﴾

[سورة الشعراء:198-200]

 أي إذا الإنسان لم يكن مستقيماً، و هو بعيد عن الدين لا يفهم القرآن، نسلكه في قلوب المجرمين وكأنه أعجمي، لو أنزلنا هذا القرآن على أمة أخرى غير عربية لن تفهم منه حرفاً، ولا كلمة، قال:

﴿كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ﴾

 وهناك آية:

﴿ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى﴾

[ سورة فصلت:44]

 و :

﴿ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ﴾

[سورة الإسراء:82]

المذيع:
 ماهي الضوابط أو القواعد أو الأطر التي يتم بها تبسيط معاني القرآن؟
الدكتور راتب:
 أنا أرى أن هذا الدين عظيم، لكن لابد من أن نبسطه، ولابد أن نعقلنه، وأن نربطه بالعقل، وأن نطبقه، بهذا نقطف ثماره.
المذيع:
 اسمح لي فضيلة الدكتور من الذي يمكن أن يُعمل عقله في فهم الآيات؟ من هو المؤهل؟

 

القرآن حمّال أوجه وكل العلوم في خدمته :

الدكتور راتب:
 أولاً: خمس وتسعون بالمئة من الآيات واضحة وضوح الشمس، قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾

[سورة التوبة:119]


 بعض الآيات التي تحتاج الى تفسير، قال الله تعالى:

﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾

[سورة النحل:43]

المذيع:
 وبالتالي هل هذا هو منهج وحيد يتم من خلاله فهم هذه الآيات بهذا الشكل أم هناك مناهج أخرى ومناحي أخرى يمكن للإنسان أن يتجه اليها من خلال ربما قواعد فقهية معينة؟
الدكتور راتب:
 أحياناً تقرأ القرآن من زاوية الإعجاز، من زاوية الفقه زاوية ثانية، من زاوية الدعوة الى الله زاوية ثالثة، هذا القرآن حمّال أوجه، تؤخذ ألفاظه من حفاظه، وتؤخذ معانيه ممن يعانيه، فأحياناً الآية تحتاج الى تفسير فقهي، حكم فقهي، أحياناً تحتاج الى تفسير كوني عن السموات والأرض نستعين بعلم الفلك، أحياناً نحتاج الى جواب اجتماعي، فالقرآن حمّال أوجه ومتنوع، وكل العلوم في خدمة القرآن، قال الله تعالى:

﴿ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾

[سورة هود:120]

 فإذا قلب سيد الأنبياء يزداد ايمانه ثبوتاً بسماع قصة نبيٍ دونه، فلأن يمتلئ قلبنا ايماناً بسماع قصة سيد الأنبياء والمرسلين من باب أولى.
المذيع:
 ما الذي يجب أن نتوقف عنده في هذه القصص التي يمكن أن تكون قصصاً مكررة كقصة فرعون، أي ما الهدف من تكرارها؟

 

ضرورة فهم كل قصة في القرآن الكريم من زاوية :

الدكتور راتب:
 كلمة مكرر تحتاج الى شرح، أحياناً أنا أتناول الموضوع من ناحية أشخاص، من زاوية بيئة، من زاوية حوار، من زاوية مفاجآت، من زاوية بداية عقدة نهاية، هناك زاويا كثيرة، أنا أتصور ليس في القرآن تكرار، لكن قصة سيدنا موسى جاءت بأعداد كبيرة، بكل آية من زاوية، فإذا كشفنا الزاوية وضعنا يدنا على الجواب.
المذيع:
 حضرتك ذكرت أن خمساً وتسعين بالمئة من آيات القرآن يمكن فهمها ببساطة، لكن الطرف الآخر الإنسان هناك من لديه فطرة سليمة وهناك من تشوهت فطرته، وبالتالي هل كل إنسان يمكن له أن يفهم هذه الآيات؟

 

حاجة الآيات المتشابهة إلى شرح و تفسير :

الدكتور راتب:
 لا، فاسألوا اهل الذكر، مثلاً:

﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا﴾

[سورة السجدة:13]

 كأن المعنى الضمني وكأننا لم نشأ:

﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾

[سورة السجدة:13]

 هذه اسمها آية متشابهة، تحتاج إلى من يشرحها لك, لذلك لو أنكم تتوهمون أنني جعلتكم مهتدين أصلاً، وأنني أجبرتكم على أعمالكم, لو أنكم توهمتم أنني أجبرتكم على أعمالكم ما جبرتكم إلا على الهدى, ولو شئنا أن نلغي اختياركم, ولو شئنا أن نلغي تكليفكم لما أجبرناكم إلا على الهدى, ولكن الهدى القسري لا جدوى منه إطلاقاً, ولا يسعد الإنسان, لابد من أن تأتيه باختيارك, لابد أن تأتيه بمبادرة منك, ولو شاء ربك لهدى الناس جميعاً, هداية قسرية, إذا كان الإنسان يملك حاجة ثمينة شهرت عليه السلاح أعطني إياها, يعطيك إياها, هل يرى نفسه محسناً؟ لا، مقهوراً، قال الله تعالى:

﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾

[سورة السجدة:13]

 أن أعمالكم أنتم مخيرون بها، والأعمال السيئة أنتم اخترتموها وسوف أُحاسبكم عليها.
المذيع:
 في نهاية هذه الحلقة، ما الذي تقوله الى المسلمين في ظل هذه الأزمات التي يعيشونها؟ وهذا العالم الذي لا يكترث للإنسانية بصفة عامة؟

 

السعادة و التوفيق و النجاح في معرفة الله و طاعته :

الدكتور راتب:
 والله في أصل العقيدة ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا يرفع إلا بتوبة، هذه بلا مجاملات، أي بلا سبب إطلاقاً يأتي بلاء هذا مستحيل، قال الله تعالى:

﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾

[سورة الشورى:30]

((لا يصيب رجلاً خدش عود ، ولا عثرة قدم ، ولا اختلاج عرق إلا بذنب , وما يعفو الله أكثر))

[رواه الطبري عن قتادة]

 هذا الأصل في الدين, لكن حينما الإنسان يكون عنده ابن ذكي ومتفوق, وابن ثان ذكي ومقصر, والثالث منغولي, ترك المنغولي نهائياً، لا يوجد أمل منه، وترك الأول لأنه حقق الهدف, وصب جام غضبه على الثاني, فنحن أمة مؤمنة, هناك تقصير, يسوق الله لنا من الشدائد من أجل أن نعود إليه ونصطلح معه, و إذا رجع العبد الى الله نادى مناد في السموات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله, فالحقيقة والنتيجة الكبيرة جداً أن نصل الى الله , ابن آدم اطلبني تجدني فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء, السعادة والتوفيق والنجاح والفلاح والتفوق في معرفة الله وطاعته, والحقيقة أن الإنسان إذا عرف الله عرف كل شيء, هو القوي والغني والجميل والناصر و العدل, كل أسماء الله الحسنى عند الله عز وجل, لذلك إن مكارم الأخلاق مخزونة عند الله تعالى، فإذا أحبّ الله عبداً منحه خلقاً حسناً .

خاتمة و توديع :

المذيع:
 شكراً لكم فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي، الداعية الإسلامي، وعضو المجلس الإسلامي السوري، والأستاذ الجامعي. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور