وضع داكن
20-04-2024
Logo
فقه السيرة النبوية - الدرس : 01 - مقدمة -1- معرفة السيرة النبوية فرض عين على كل مسلم
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين, أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

هذه هي السيرة :

أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الأول من دروس فقه السيرة، واليوم سيكون الموضوع تمهيدًا للسيرة .
الكون كما تعلمون قرآن صامت، والقرآن كون ناطق، والنبي صلى الله عليه وسلم قرآن يمشي، فإن تحدثنا عن الكون كان التفكر في خلق السموات والأرض، وإن تحدثنا عن القرآن كان الحديث تفسيراً وتحليلاً واستنباطاً، وإذا وصلنا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قرآن يمشي، كانت السيرة .

دعوة القرآن إلى دراسة السيرة النبوية من حيث :

1- أن النبي صلة الوصل للمسلم في ثبوت إيمانه :

أيها الأخوة، بادئ ذي بدء، هل نحن بحاجة إلى تعلم سيرة سيد الخلق؟ الجواب الأول : أن الله جل جلاله حينما قال:

﴿وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ﴾

( سورة هود الآية : 120 )

فإذا كان قلب سيد الأنبياء يزداد ثبوتاً بسماع قصة نبي دونه، فلأن تزداد قلوبنا إيماناً ويقيناً بمساع قصة سيد الأنبياء، هذا دليل .

2- أن النبي قدوة في نقل الإنسان من صحراء الوجود إلى واقعية الحياة ورقيها :

 والدليل الثاني: أن الله سبحان الله حينما قال:

﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ﴾

( سورة المؤمنون الآية : 69 )

الإسلام بمجمله كلمتان: كلمة التوحيد وكلمة الرسالة، لا إله إلا الله، محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام، إذاً: الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام شطر الدين، بل هو جزء لا يتجزأ من الدعوة إلى الله، ذلك لأن في الحياة مثالية حالمة لا أحد يعبأ بها، وفي الحياة واقعية مقيتة لا أحد يلتف إليها، ولكن الناس يشدهون بمثالية واقعية أو بواقعية مثالية، هذا ما نجده في سيرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .

3- دعوة القرآن للإنسان في التفكر بشمائل النبي :

شيء آخر، أن الله سبحان الله حينما قال:

﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ﴾

( سورة سبأ الآية : 46 )

فالتفكر في كمال رسول الله عليه الصلاة والسلام، والتفكر في شمائله، وفي فضائله، وفي منهجه جزء من الدين .

4- تعلم السنة القولية فرض عين على كل مسلم :

شيء آخر، أن في علم الأصول قاعدة ذهبية دقيقة جداً، وهي أنه ما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض، وما لا تتم السنة إلا به فهو سنة, أرأيت إلى الصلاة إنها فرض، لكن الصلاة لا تتم إلا بالوضوء، فإذا كان الوضوء من لوازم الصلاة فهو فرض مثلها، ما علاقة هذا المثل بضرورة تعلم السنة؟ الله عز وجل حينما قال:

﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾

( سورة الحشر الآية : 7 )

كيف نأتمر بما أمر؟ وكيف ننتهي عما عنه نهى وزجر إن لم نعرف ما الذي أمر, وما الذي زجر؟ وكتعقيب دقيق، هو أن كل أمرٍ في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، ما لم تقم قرينة تصرفه عن الوجوب، فإذا قال الله عز وجل:

﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾

( سورة البقرة الآية : 187 ) .

هذا أمر إباحة، وإذا قال الله عز وجل:

﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ﴾

( سورة النور الآية : 32 ) .

هذا أمر ندب، وإذا قال الله عز وجل:

﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾

( سورة الكهف الآية : 29 )

هذا أمر تهديد .
إذا لم تقم قرينة تصرف عن الوجوب فكل أمرٍ في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، إذاً: معرفة سنة النبي القولية فرض عين على كل مسلم، تنفيذاً لأمر الوجوب:

﴿ وَمَا ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ﴾

( سورة الحشر الآية : 7 )

ومعرفتك المنهيات التي نهى عنها النبي فرض عين على كل مسلم كي تنتهي عما عنه نهى وزجر، وحينما قال الله عز وجل:

﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾

( سورة الأحزاب الآية : 21)

كيف يكون النبي e أسوة لنا، أي قدوة لنا، إن لم نعرف ماذا فعل في بيته؟ وكيف عامل زوجته؟ وكيف عامل أصحابه؟ وكيف كان في السلم؟ وكيف كان في الحرب؟ إذاً: معرفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم القولية فرض عين على مسلم تحقيقاً, لقوله تعالى:

﴿ وَمَا ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾

( سورة الحشر الآية : 7 )

ومعرفة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فرض عين تحقيقاً, لقوله تعالى:

﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ﴾

( سورة الأحزاب الآية : 21)

وقالوا: الحديث عن الكمال البشري حديثاً نظرياً لا يؤثر، أما الحديث عن الكمال البشري إذا كان مجسّداً في إنسان يؤثّر، لأن هذا كمال واقعي، نعيشه إنسانًا بيننا, وعاش مع الناس، ولولا أن النبي e بشر تجري عليه كل خصائص البشر لما كان سيد البشر غير أنه بشر، وتجري عليه كل خصائص البشر، فلذلك أنت حينما ترى إنسانًا يشتهي ما تشتهي، ويخاف مما تخاف، ويرجو كما ترجو، ويتألم كما تتألم، هكذا قال النبي عن نفسه:

" اللهم إني بشر أرضى كما يرض البشر، وأغضب كما يغضب البشر " .

( أخرجه السيوطي في الجامع الصغير عن أنس)

لأنه بشر، ولأنه تجري عليه كل خصائص البشر، وانتصر على بشريته كان سيد البشر .

النبي أسوة حسنة لنا معاشر المؤمنين :


فلذلك البند الأول في هذا الدرس الأول هو أن معرفة رسول الله عليه الصلاة والسلام فرض عين على مسلم، بل معرفة سيرته العطرة فرض عين على كل مسلم، ليكون النبي e قدوة لكل مسلم، ذلك في حياة كل منا شخصية يتمنى أن يكونها، وشخصية يكره أن يكونها، وشخصية يكونها، فالشخصية التي تكونها هي أنت، والشخصية التي تتمنى أن تكونها هي طموحك وانتماؤك واتجاهك، قل لي أي شخصية تتمنى أن تكونها أقل لك من أنت، الله عز وجل يبين أن المؤمنين أسوتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:

﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾

( سورة الأحزاب الآية : 21)

دخل إنسان إلى البيت, ولم يكن الطعام جاهزاً، هل يغضب؟ هل يزمجر؟ هل يعنف؟ هل يصبر كما كان النبي e يصبر؟ يصبر، المؤمن في كل موقف يتفكر كيف كان النبي e يفعل؟ كيف يفعل لو كان في ظرف كهذا الظرف؟ لذلك:

﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ﴾

( سورة الأحزاب الآية : 21)

إن أردت الدنيا فقدوتك الأغنياء، وإن أردت الدنيا فقدوتك الأقوياء، أما إذا أردت الله واليوم الآخر فقدوتك الأنبياء، هذه حقيقة أولى .

من خصائص رسالة الإسلام عصمة نبيها عن الخطأ :


أن في حياة المسلمين إنسان واحد عصمه الله من أن يخطئ في أقواله وأفعاله وإقراره، هذه العصمة تتماشى مع أمر الله عز وجل أن نأخذ منه كل شيء، وأن ننتهي عما عنه نهانا، لو أن النبي e ليس معصومًا لكان الأمر بالأخذ عنه أمر بمعصية، إذاً:

﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾

( سورة النجم الآية : 3-4)

لكن البشر ينطقون عن الهوى، أحياناً يخترع قاعدة ليروج سلعته، أحياناً يتكلم لصالح مكاسبه، أحياناً لا يتكلم بالحق حفاظاً على مكاسبه، لكن هذا الإنسان الذي عصمه الله عز وجل، وصفه الله عز وجل بأنه:

﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾

( سورة النجم الآية : 3-4)

كيف نعزو هذا الاجتهاد إلى النبي ؟

ولكن قد تقرأ في القرآن الكريم :

﴿عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ﴾

( سورة التوبة الآية : 43 )

وقد تقرأ في القرآن الكريم:

﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى ﴾

( سورة عبس الآية : 1-2 )

الحقيقة أيها الأخوة, أنه لحكمة بالغة تُرك للنبي صلى الله عليه وسلم هامش ضيق جداً ليجتهد فيه، فإن أصاب في اجتهاده أقره الوحي على هذا الاجتهاد، وكان اجتهاده وحيًا يوحَى، وإذا اجتهد النبي عليه الصلاة والسلام اجتهاداً صعباً هذا الاجتهاد وسام شرف له .
ابن أم مكتوم من أصحابه الكرام، من محبّيه، ممن يذوب شوقاً له، لم يجلس معه، بل جلس مع زعماء قريش الألداء الأعداء المستكبرين، اجتهد النبي e أن هؤلاء إذا أسلموا أسلمت قريش، اجتهد اجتهاداً صعباً، لكن الله بين له أن هذا الرجل الأعمى هو أفضل عند الله من هؤلاء الصناديد، إذاً: الله عز وجل لم يعتب عليه، بل عتب له، وفرق كبير بين أن تعتب على ابنك إن رأيته يلهو والامتحان على الأبواب، وبين أن تعتب على ابنك إن رأيته حتى الساعة الرابعة يدرس، تقول: لا يا بني، نم واسترح، إن لجسمك عليك حقاً، أنت في الحالتين تعتب عليه، لكن الحالة الأولى تعتب عليه، وفي الثانية تعتب له, فإذا عاتب الله النبي صلى الله عليه وسلم فهو عتب له لا عليه، فجاء الوحي وبيّن للنبي e أن هذا أولى من هذا .
بالمناسبة، لا معصية إلا بالتكليف، لم يكن هناك تكليف خالفه النبي عليه الصلاة والسلام, لكنه اجتهاد، وكان اجتهاده وسام شرف له، واجتهد الأصعب، لكن هذا الهامش الضيق جداً الاجتهادي ليكون هناك فرق بين مقام الألوهية ومقام النبوة، فرق توحيدي، لأن أنبياء كثر أُلِّهوا من بعدهم، ومعظم أنبياء الصين هم عند أهل الصين آلهة، هم في الحقيقة أنبياء كرام، لأن الله عز وجل قال:

﴿مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ﴾

( سورة غافر الآية : 78 )

من هنا نفهم لماذا سيدنا الصديق، وهو أقرب الخلق إلى رسول الله ، وهو أحب الناس إليه حينما انتقل النبي إلى الرفيق الأعلى علا صياحه, فقال: " مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مِنْكُمْ مُحَمَّداً ـ محمداً هكذا ـ فَإِن مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ فَإِنَّ اللهَ حَيٌّ لاَ يَمُوتُ " .

( أخرجهما البخاري ومسلم في صحيحهما عن عائشة)

نفي العصمة لغير الأنبياء :


الله أمرنا أن نأخذ عن النبي كل أقواله وكل أفعاله، إذاً: هو معصوم، ولو لم يكن معصوماً لكان الله قد أمرنا باتباع غير المعصوم، وهذا مستحيل، ولكن كما يقال: الشيء بالشيء يذكر، كما أننا نعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم بأقواله وأفعاله وإقراره وصفاته لا نعتقد العصمة لغيره، ومن بديهيات العقيدة الإسلامية أن غير النبي e مهما يكن عالي القدر فليس بمعصوم، وهذه القاعدة مريحة جداً، أنت إذا تعاملت مع كل المؤمنين فأكبرت مؤمناً تألق نجمه، تقول في نفسك: هذا من أتباع النبي e، وإن رأيت زلة قدم آلمتك من أخيك, تقول: هذا من عدم عصمته، وتبقى تحبه، لذلك من الخطأ الكبير أن نعتقد العصمة لغير النبي صلى الله عليه وسلم، وأن نعتقد العصمة لغير النبي هذا مزلق خطير .
مثلاً:

النبي عليه الصلاة والسلام عيّن صحابياً أنصارياً ذا دعابة على سرية كقائد لها في الطريق، فعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ, قَالَ: " بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ ، فَغَضِبَ عَلَيْهِمْ ، وَقَالَ : أَلَيْسَ قَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُطِيعُونِي ؟ قَالُوا : بَلَى ، قَالَ : قَدْ عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ لَمَا جَمَعْتُمْ حَطَبًا ، وَأَوْقَدْتُمْ نَارًا ، ثُمَّ دَخَلْتُمْ فِيهَا ، فَجَمَعُوا حَطَبًا ، فَأَوْقَدُوا نَارًا ، فَلَمَّا هَمُّوا بِالدُّخُولِ فَقَامَ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ ، قَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّمَا تَبِعْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِرَارًا مِنْ النَّارِ ، أَفَنَدْخُلُهَا ؟ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ خَمَدَتْ النَّارُ ، وَسَكَنَ غَضَبُهُ ، فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا أَبَدًا ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ " .

( أخرجهما البخاري ومسلم في صحيحهما عن علي)

العقل لا يعطَّل أبداً، هذا الذي يقول: يجب أن تكون كالميت بين يدي الغاسل، لا، يجب أن تكون صاحياً، لأنه ما من إنسان بعد النبي صلى الله عليه وسلم يوصف بالعصمة، لكن على تفاوت، هذه حقيقة، أنت بإمكانك أن تحب كل المؤمنين، وأنت تتعامل مع كل المؤمنين، وأن تقيم علاقة متينة ومثمرة مع كل المؤمنين، بشرط ألا تعتقد عصمتهم، فأي خطأ آلمك بكل بساطة هذا من عدم عصمته، وأي شيء أكبرته هذا من اتباعه .

دليل آخر على أن النبي لا ينطق عن الهوى :

ثمة طرفة تشير إلى أن الإنسان أحيانا ينطق عن الهوى، مرة أردت أن أشتري ستائر ، دُللت على تاجر هنا في الحريقة، قال لي وقد ألقى محاضرة: إن عرض الستيرة يجب أن تكون ضعف الحائط, أي زائد متر، كي تكون جميلة جداً، أنا استسلمت له، اخترت ثوبًا، لما قاسه وجده أقل بمتر من ضعف عرض الحائط، وأنا أعجبني، قال لي: هذا المطرز على الفرد يأتي أجمل، هو ينطق عن الهوى، مصلحته أن يبيع هذا الثوب، لا أبالغ أن تسعين بالمئة من كلام الناس في تجارتهم, وفي بيعهم, وفي شرائهم ينطقون عن الهوى .
لذلك مرة النبي عليه الصلاة والسلام في موقعة بدر, قال كلاماً موجزاً: لا تقتلوا عمي العباس، واحد ممن كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فكر في كلامه لم يقبل هذا الكلام، قال : أحدنا يقتل أباه و أخاه، وينهانا عن قتل عمه، أقرباؤه لهم قواعد خاصة، النتيجة أنه بعد حين تبين أن عمه العباس في مكة كان مسلماً، وكان عين النبي e، وكان ينقل للنبي e كل شيء في قريش، إدارة النبي e إدارة ذكية جداً، تعتمد على معلومات دقيقة، فعمه العباس أسلم سراً ، وبقي في مكة عيناً للنبي صلى الله عليه وسلم على قريش، لو أن النبي e قال: لا تقتلوا عمي العباس لأنه مسلم، كشفه، وانتهت مهمته، ولو أنه لم يقل: لا تقتلوا عمي العباس وهو في صفوف المشركين الصحابة يقتلونه، الحل أن يقول النبي e كلامًا موجزًا، لا تقتلوا عمي العباس فقط، بعد حين اتضحت لهذا الإنسان هذه الحقيقة، فقال: والله بقيت عشر سنين أتصدق رجاء أن يغفر الله لي سوء ظني برسول الله e، قال تعالى:

﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾

( سورة النجم الآية : 3-4)

لما قال:

" والَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِه اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا "

( أخرجهما البخاري ومسلم في صحيحهما عن عائشة)

المنهج الدعوي الذي نستنبطه من سيرة النبي :

أيها الأخوة، كما أن للسيرة النبوية المطهرة منهج فيما ينبغي أن نفعل، وما ينبغي ألا نفعل, فالسيرة النبوية المطهرة منهج دعوي، أي أن النبي صلى الله عليه وسلم كيف عامل أصحابه؟ كيف علمهم؟ كيف التقى بهم؟ كيف نصحهم؟ كيف أثنى عليهم؟ هل استشارهم؟ هل تواضع لهم؟ هل كان في خدمتهم؟ هل بنى مجده على أنقاضهم؟ هل أحبهم؟ هل أحبوه؟ هذا جانب مهم جداً من سنة النبي العملية، وهو الجانب الدعوي، وما من داعية يقلد النبي في دعوته إلا ويتألق، ويعلو مجده في أوساط الأمة، وما من داعية يخالف سنة النبي e الدعوية إلا ويثير حوله جدلاً كبيراً .

ثمرة الكلمة الطيبة تطبيقها :


أيها الأخوة, نحن بحاجة إلى قرآن يمشي، ونحن بحاجة إلى مسلم يمشي، الكلام النظري تأثيره ضعيف، لماذا؟ لأن الناس كفروا بالكلمة، لماذا كفر الناس بالكلمة؟ لأن كل الممارسات التي يمارسها الناس تتناقض مع كلامهم، تأتي إلى بلد، وتتفنن في إيقاع الأذى، وهدم البيوت، وقتل الأبرياء, وتقول: أنا جئت من أجل الحرية، من أجل أن تنعموا بالحرية، هذا الكلام مع هذه الممارسات يحمل الناس على أن يكفروا بالكلمة كفرًا كاملاً، نحن الآن في مشكلة، الناس كفروا بالكلمة، ولا يمكن أن تستعيد الكلمة قدسيتها إلا بالتطبيق، الأنبياء بماذا جاؤوا؟ هل جاؤوا بالصواريخ, هل جاؤوا بالطائرات؟ هل جاؤوا بحاملات الطائرات؟ هل جاؤوا بالغواصات؟ هل جاؤوا بالأقمار الصناعية؟ جاؤوا بالكلمة, قال تعالى:

﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ﴾

( سورة إبراهيم الآية : 24-25 )

الكلمة الطيبة تفعل فعل السحر في الناس، لكن الناس اليوم كفروا بالكلمة، لأن كل الذي يقال معه ممارسات تتناقض معه، مجلس يأمر بلدًا بعيدًا أن يطبق الديمقراطية، جيد، لكنه هو يمارس القهر والقمع عن طريق حق الفيتو، أو حق النقض، المجلس قمعي، وأمره ديمقراطي، كلام مضحك، لذلك كفر الناس بالكلمة، لا يمكن أن نعيد للكلمة مكانتها إلا بالتطبيق، لذلك قال عليه الصلاة والسلام: " اِسْتَقِيمُوا يُسْتَقَمْ بِكُمْ " .

( أخرجه السيوطي الجامع الصغير عن سمرة)

نماذج من البشرية اعتنقوا الإسلام من وراء السلوك العملي للإسلام :

كنا في الحج مرة، ورأينا رجلا تبدو على ملامحه أنه غربي, علمت بعد حين أن سبب إسلامه هو أن طالباً من سورية أقام في بيته، واستأجر غرفة، ولهذا الرجل فتاة جميلة، لم ير أن هذا الشاب مرة نظر إلى ابنته، كلما وقعت عينه عليها غض بصره، هذا شيء ما استوعبه، ما هذا الإنسان؟ فحاوره، انتهى الحوار بإسلام هذا الإنسان, هذه الكلمة ينبغي أن تكتب بماء الذهب:

(( " اِسْتَقِيمُوا يُسْتَقَمْ بِكُمْ " . ))

( أخرجه السيوطي في الجامع الصغير عن سمرة)

رجل في أمريكا اسمه جفري لنك، هذا الرجل من أكبر ملحدي أمريكا، دكتور في الرياضيات، بجامعة سان فرانسيسكو، سبب إلحاده أنه كان في التعليم الثانوي يدرس، وعنده مدرس للديانة المسيحية، وجاء إلى البيت، وانتقض هذا المدرس أمام أبيه، ما كان من أبيه إلا أن طرده من البيت، فلما طرده من البيت اعتنق الإلحاد، وتابع دراسته، وكان ذكياً إلى درجة غير عادية، كان أستاذه بالجامعة, يقول له: اخرج من القاعة، ولك العلامة التامة، كان يربك أستاذه، استقر به المقام إلى أن أصبح أستاذاً للرياضيات في جامعة سان فرانسيسكو، كانت له مكانة كبيرة في الجامعة، حتى إن أستاذه كان يستشيره أحياناً في بعض رسالات الدكتوراه، عند أستاذه طالبة من الشرق الأوسط، نشأت مشكلة في أطروحتها، فأرسلها إلى هذا الدكتور البروفيسور جفري لنك، ليأخذ رأيه، هذا الأستاذ الجامعي الملحد الذي اعتنق الإلحاد رأى فتاة محجبة حجاباً كاملا، وفي أيام الصيف، والفتيات في أمريكا عرايا في الصيف، فقال: لا بد أن هذه الفتاة تعتنق ديناً عظيماً، وعندها قناعات كبيرة جداً حملتها على أن تخالف كل الفتيات في هذه البلاد، فقال هذا الأستاذ: والله لم أجرؤ على أن أحدق في وجهها، لقدسيتها، واندفعتْ بكلي إلى مساعدتها, وعكفت في اليوم نفسه على قراءة القرآن، قرأ القرآن، لكن عنده شعور أنه ليس كلام الله، فهو يبحث عن بعض الأخطاء، فلما وصل إلى قوله تعالى:

﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً﴾

( سورة يونس الآية : 92 )

قال: هنا الخطأ، له صديق في فرنسا اسمه موريس بوكاي، اتصل به هاتفياً، وقال له : تعال وانظر، هذا فرعون مات، فكيف قال الله عز وجل:

﴿ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ ﴾

( سورة يونس الآية : 92 )

قال: فرعون الذي قالت عنه الآية أنا رممت جثته بيدي، هو الآن في متحف مصر الفرعوني، وأسلم هذا الرجل، وقد لا تصدقون أنه اليوم من أكبر الدعاة الإسلاميين في أمريكا، وقد ألف كتاباً، وترجم إلى العربية يجيب فيه ابنته الصغيرة، قالت له: يا أبت, لماذا أسلمت؟ فأجابها بكتاب، ودرست بعض الكتاب في الجامع العثماني، وإذا قرأتم الكتاب ترون هذا الإنسان أقرب إليكم من أهلكم، الإيمان يجمع، ما سبب إسلام هذا الداعية؟ فتاة محجبة، قال عليه الصلاة والسلام: " اِسْتَقِيمُوا يُسْتَقَمْ بِكُمْ " .

( أخرجه السيوطي في الجامع الصغير عن سمرة)

نحن بحاجة إلى مسلم يمشي، إذا حدثك فهو صادق، وإذا عاملك فهو أمين، وإذا استثيرت شهوته فهو عفيف,

في حديث جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ لِلنَّجَاشِيِّ: " أَيُّهَا الْمَلِكُ ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ ، نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ ، ونسيء الْجِوَارَ ، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا ، نَعْرِفُ نَسَبَهُ ، وَصِدْقَهُ ، وَأَمَانَتَهُ ، وَعَفَافَهُ ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِنُوَحِّدَهُ ، وَنَعْبُدَهُ ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ ، وَأَمَرَ بِصِدْقِ الْحَدِيثِ ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ ، وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ ، وَنَهَانَا عَنْ الْفَوَاحِشِ ، وَقَوْلِ الزُّورِ ، وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ ، لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ " .

( أخرجه أحمد في مسنده عن أم سلمة)

أسباب تخلف المسلمين في هذا العصر :

أخواننا الكرام، حال واحد مستقيم في ألف، واحد في ألف أبلغ من قول ألف في واحد ، ألف داعية على طالب علم واحد، إذا تكلموا كلاماً رائعاً، ولم يكونوا كما يقولون, فحال واحد في ألف خير من قول ألف في واحد .
إن أردت مجتمع ينهض كن قدوة، كان أصحاب النبي e الواحد كالألف، والمسلمون في عصور التخلف والشهوة والشرك الألف كأف، هل يُعقل أن يستنجد سيدنا خالد بسيدنا الصديق بمدد في معركة نهاوند، هو يحتاج خمسين ألف مقاتل، أرسل له الصديق واحدًا؟ هو القعقاع بن عمرو، فلما وصل إليه، قال له: أين المدد؟ قال له: أنا المدد، قال له: أنت! معه كتاب، فتح الكتاب، يقول سيدنا الصديق: يا خالد، لا تعجب أن أرسلت لك القعقاع بن عمرو، فو الذي نفس محمد بيده لا يهزم جيش فيه القعقاع، وانتصروا، بين واحد كألف، وبين ألف كأف، مليار وثلاثمئة مليون مسلم لا وزن لهم اليوم، وليس أمرهم بأيديهم، ولا يملكون شيئاً, قال تعالى:

﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾

( سورة النور الآية : 55 )

هل نحن مستخلفون الآن؟ لا والله, والحقيقة المُرّة أفضل ألف مَرّة من الوهم المريح, قال تعالى:

﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ﴾

( سورة النور الآية : 55 )

هل نحن ممكَّنون في الأرض؟ لا والله, أين التمكين؟ قال تعالى:

﴿وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾

( سورة النور الآية : 55 )

هل نحن آمنون؟ كل يوم فيه تهديد، لماذا؟ ماذا نفعل بهذه الآيات؟ وزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، ماذا نفعل بهذه الآيات؟ قال تعالى:

﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً﴾

( سورة مريم الآية : 59)

وقد أجمع العلماء على أن إضاعة الصلاة لا يعني تركها, ليس كل مصلي يصلي, " إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي, وكف شهواته عن محارمي، ولم يصر على معصيتي, وأطعم الجائع، وكسا العريان، ورحم المصاب، وآوى الغريب، كل ذلك لي " .

( ورد في الأثر)

مقام النبوة عند الله :

أيها الأخوة, أن الاستجابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم هي عين الاستجابة لله، لشفافية النبي عليه الصلاة والسلام يشف عن الحقيقة الإلهية .
للتقريب: بللور من أرقى الأنواع، ونظيف جداً، من شدة إتقان صنعته، ومن شدة نظافته يكاد لا يرى أبداً، لا ترى إلا الذي وراءه، الآن في حالات كثيرة إذا كان البللور نظيفًا جداً يخشى أن تصطدم به، فقد كنت في فندق الأسبوع الماضي الألواح فيه نظيفة جداً، لكن مكتوب عليها عدة كلمات كي تشعر أن هنا لوح بللور، لئلا تتابع السير, فحقيقة النبي صلى الله عليه وسلم أنك إذا استجبت إليه فاستجابتك إليه عين استجابتك لله، الدليل:

﴿وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ﴾

( سورة التوبة الآية : 62 )

لم يقل: يرضوهما، لأن إرضاء رسول الله عين إرضاء الله، ولأن إرضاء الله عز وجل عين إرضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم .

إليكم بيان المنهج النبوي في وصف حالة المؤمن المحب لله ولرسوله :

أيها الأخوة, أن الله لا يقبل دعوة محبته إلا بالدليل، لو قبلت دعوى من دون دليل لادعى كل إنسان محبة النبي صلى الله عليه وسلم, صدق القائل:

كل يدعي وصل بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكَا

فكرة دقيقة جداً، أرجو الله أن تكون واضحة لديكم،

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَالَ: " ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ ، أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ" .

( أخرجهما البخاري ومسلم في صحيحهما عن أنس بن مالك)

بربكم لو سألتم مليارًا وثلاثمئة مليون مسلم: أتحب رسول الله ؟ يقول لك: نعم، إذاً: هذا سؤال ليس له معنى، ما دام كل إنسان يدعي محبة رسول الله ، يريد النبي أن يقول:

" ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ، أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا " .

( أخرجهما البخاري ومسلم في صحيحهما عن أنس بن مالك)

أن يكون الله في قرآنه, والنبي في سنته أحب إليك من الدنيا وما فيها عند التعارض، حينما تتعارض مصلحتك مع الحكم الشرعي، وتقف مع الحكم الشرعي، وتقول: معاذ الله أن أعصيه ، عندئذٍ تذوق حلاوة الإيمان، وحلاوة الإيمان شيء لا يعرفه إلا من ذاقه، وبين حقائق الإيمان وحلاوة الإيمان بون شاسع .
معك خارطة لقصر, صالون 8 بـ 12 ممتاز، لكن هذا ورق، هذا ليس بيتًا، غرفة النوم 6 بـ 8 أيضاً جيد، الشرفة واسعة، ورق، فحقائق الإيمان ورق، لكن حلاوة الإيمان قصر، تسكن هذا القصر، فرق كبير بين أن تقتني خارطة للقصر، وبين أن تكون مالكًا لهذا القصر، هذا بين حلاوة الإيمان, وبين حقائق الإيمان, قال رسول الله :

" ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ ، أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا " .

( أخرجهما البخاري ومسلم في صحيحهما عن أنس بن مالك)

حينما تتعارض مصلحتك مع الحكم الشرعي, مع حكم قرآني، أو مع حكم نبوي، تقف مع الحكم الشرعي، وتضع مصلحتك المتوهمة تحت قدمك، عندئذٍ تذوق حلاوة الإيمان، ذاق حلاوة الإيمان، من آمن بالله رباً، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، لذلك الله جل جلاله لا يقبل دعوة محبته إلا بالدليل، قال تعالى:

﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾

( سورة آل عمران الآية : 31 )

بالمناسبة يمكن أن تصدق أن هناك اليوم الآخر، لكن لو تتبع الناس أعمالك لا يجدون أنك تؤمن باليوم الآخر، هذا التكذيب العملي أبلغ وأخطر، الذي يكذب بلسانه هناك سبيل إلى محاورته، أما الذي يكذب بعمله فهذا لا يحاور، فمحبة النبي صلى الله عليه وسلم فرض عين على كل مسلم، ولكن بمعنى أن يأخذ بأسباب محبة النبي صلى الله عليه وسلم .

ينبغي على المسلم فهم شخصية النبي فهماً علمياً وأن يتعالى على الفهم السطحي:


أيها الأخوة, مرة كنت في العمرة، تمنيت أن أصلي في مكان النبي في الحرم النبوي، المحراب العام كهذا المحراب، ومحراب النبي الذي صلى فيه بأصحابه هذه بالروضة الشريفة، وفيه ازدحام كبير جداً، وانتظرت حتى تمكنت أن أصلي ركعتين في المكان الذي صلى به النبي عليه الصلاة والسلام، والله لقد بكيت كثيراً، لكن جاءني خاطر علمي أن مستخدماً عند أستاذ كبير في الجامعة له مئتا مؤلَّف، لو أنه في غيبة هذا الأستاذ قفز وجلس مكانه على كرسي مكتبه, هل ترتقي مرتبة هذا المستخدم؟ لو أن هذا المستخدم نال المسابقة الابتدائية ارتقى، نال الشهادة الإعدادية ارتقى، نال الثانوية ارتقى، فالذي يرفعك أن تحرص على الاتباع، إنك إن اتبعت النبي e ارتقيت عند الله، أما إذا تبركت، وأنا لا أنكر التبرك، لكن أنكر أن نكتفي به، ابن غير متعلم، له أب من أعلى العلماء، أينما جلس يتحدث عن أبيه العالم، العالم في مكانه، والابن الجاهل في مكانه، أما إذا سار هذا الابن على منهج أبيه يرتقي، فنحن ينبغي ألا نكتفي بالتبرك، ينبغي أن نهتم بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم .
أخواننا الكرام، أن تقول: ألف مليون دولار شيء، وأن تملكها شيء آخر، أعتقد أن المسافة كبيرة جداً، والحديث عن الدين سهل جداً، لكن البطولة أن تكون في مستوى هذا الدين ، والحياة قصيرة، والسفر قريب، والمغادرة قريبة، ومن بلغ الأربعين فقد دخل في أسواق الآخرة، ومن عدّ غداً من أجله فقد أساء صحبة الموت, وصدق القائل:

والليل مهما طال فلا بد من طلوع الفجر
والعمر مهما طال فلا بد مـن نزول القبر

وصدق القائل أيضاً:

كل ابن أثنى و إن طالت سلامته يومًا على آلة حدباء محمول
فإذا حملت إلى القبور جــنازة فاعلم بأنك بعدها محـمـول

أخواننا الكرام، إنسان بلا هدف تافه، إنسان بلا هدف يعيش على هامش الحياة، إذا أردت أن تسعد فأسعِد الآخرين، إن خرجت من ذاتك، وحملت مبدأ، وحملت همّ المسلمين فأنت من أسعد الناس .

 

في دروس قادمة إن شاء الله :

أيها الأخوة الكرام، الطريق الطويل يبدأ بخطوة، وإن شاء الله في دروس أخرى سوف نتابع دقائق حياة النبي عليه الصلاة والسلام، وسوف نستنبط منها منهج، لأن النبي e قرآن يمشي، وهذا المنهج يمكن أن يكون مناراً لنا في حركتنا في الحياة .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور