وضع داكن
28-03-2024
Logo
مختلفة قطر - محاضرة في مدينة الدوحة : 3 - مركز قطر للمؤتمرات - العمل الذكي يتطابق مع العمل العبادي بالنتائج ويختلفان بالبواعث.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

 وجعل النار لكل كفار عنيد، الحمد لله يغفر السيئات، ويضاعف الحسنات ويزيد، يا أيها الناس، يا أيها الناس استجيبوا للنداء، أدوا لقدر نبينا الإنصاف، صلوا على خير الأنام، وسلموا لكي يردها ربي لكم أضعافاً، ضيوف مركز قطر الوطني للمؤتمرات، يا ضيفنا شرفتنا لو زرتنا لوجدتنا نحن الضيوف وأنت رب المنزل، في هذه الليلة الجميلة نقاش فكري يسرنا به الدكتور راتب النابلسي في حديث عن الهوية والأصالة تحت عنوان: هويتنا أصالتنا، لا أطيل عليكم فليشرفنا الدكتور راتب في افتتاح كلمته.

 

التقاء العمل الذكي مع العمل العبادي بالنتائج واختلافهما في البواعث :

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارض عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
 أيها الأخوة الكرام؛ في البداية أشكر للقائمين على هذا الملتقى دعوتهم الكريمة التي إن دلت على شيء فعلى تعلق أهل هذا البلد الطيب بالعلم والعلماء.
 أيها الأخوة الكرام؛ يقول الله تعالى في كتابه العزيز أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

﴿ كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنّاسِ تَأمُرونَ بِالمَعروفِ وَتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤمِنونَ بِاللَّهِ ﴾

[سورة آل عمران: ١١٠]

 قال علماء التفسير: كنتم في هذه الآية بالذات بمعنى أصبحتم، أي أنكم أصبحتم بهذه البعثة - بعثة النبي عليه الصلاة والسلام - خير أمة أخرجت للناس، هذه الخيرية ما أسبابها أو ما علتها؟ جاء بعد قليل علة هذه الخيرية:

﴿ تَأمُرونَ بِالمَعروفِ وَتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ ﴾

 وهناك وقفة متأنية عند كلمة معروف، أي الفطرة السليمة تعرف المعروف ابتداء من دون تعليم، الإنسان له فطرة، وله صبغة، ومعه تكليف، أودع الله فيه الشهوات، فالمعروف الذي تعرفه الفطر السليمة ابتداءً.
 إنسان له أم مثلاً ولم يتلقّ بحياته كلمة في الدين، اشترى طعاماً وأكله وحده وأمه جائعة، يحس بانقباض، يحس بكآبة، هذه الكآبة عقاب الفطرة. لذلك الله عزوجل قال:

﴿ كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنّاسِ تَأمُرونَ بِالمَعروفِ وَتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ﴾

 هذا معنى المعروف والمنكر، المعروف تعرفه الفطر السليمة ابتداء من غير تعليم، والمنكر تنكره الفطر السليمة ابتداء من غير تعليم.
 لكن أحياناً قد تجد إنساناً على مستوى عال من الذكاء، فقد يقوم بأعمال طيبة جداً بغية مصلحته، لذلك قالوا: العمل الذكي يلتقي مع العمل العبادي في النتائج ويختلفان في البواعث.
 مثلاً مدير معمل إذا ساوى بين العمال، أعطى مكافآت للمتفوقين، عاقب المسيئين، ضبط الدخل، ضبط الإنفاق، هذه إدارة حكيمة، قد تكون بدافع حرصه على بقائه في هذا المنصب، هذا عمل ذكي، ويأتي مدير عام مؤمن متشابهان في التصرفات، حساب دقيق، مكافآت للمحسنين، معاقبة للمسيئين، إدارة حكيمة، يلتقي العمل الذكي مع العمل العبادي في النتائج ويختلفان في البواعث.
 لذلك كل الإيجابيات في العالم الغربي أنا أراها إيجابيات إسلامية، لأنهم يعبدون الدولار من دون الله فقط، هناك إيجابيات كثيرة جداً بدافع الذكاء، إما أن تعيش بإيمانك أو بذكائك أو بكليهما، لكن البطولة أن تجمع بين الذكاء والإيمان.

 

الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر علة خيرية هذه الأمة :

 لذلك علة هذه الخيرية: تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، لكن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

(( كيف بكم – أي ما قولكم- إن لم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر؟ - وكأن الصحابة وقتها صعقوا- قالوا: أو كائن ذلك يارسول الله؟ قال: وأشد منه سيكون- صعقوا صعقة أشد- قالوا: وما أشد منه؟ قال: كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟ قالوا: أوكائن ذلك يارسول الله؟ قال: وأشد منه سيكون، قالوا: وما أشد منه؟ - هنا الخطر تبدل القيم- قال: كيد بكم إذا أصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً))

[ ابن أبي الدنيا وأبو يعلى الموصلي في مسنده عن أبي أمامة]

 هذه حالة خطيرة جداً، فإذا بلغتها الأمة فنحن في خطر شديد، تبدل القيم، أي الذي يأكل المال الحرام قد يسمى شاطراً، والذي يرضي الجميع هو منافق لبق، فكل الصفات الأخلاقية الذميمة لها مصطلحات جديدة، والبنت المتفلتة في ثيابها سبورت، فالمعاصي والآثام والإيجابيات والسلبيات في حياة الإنسان إلى الآن مصطلحات لطيفة، لا تشعر بفداحة الذنب فنحن في عصر تبدل القيم.

 

العصور ثلاثة؛ عصر المبادئ و عصر الرجال و عصر الأشياء :

 أحدهم له تقسيم لطيف، نحن مررنا بعصر المبادئ، وبعده عصر الرجال الأبطال، وبعده عصر الأشياء.
 عصر المبادئ؛ ملك الغساسنة جاء المدينة مسلماً اسمه جبلة بن الأيهم، وقد رحب به عمر أجمل ترحيب، ذهب ليؤدي العمرة في مكة المكرمة، في أثناء الطواف حول الكعبة بدوي من فزارة داس طرف ردائه، فاستشاط غضباً وضربه ضربة هشت أنفه، فما كان من هذا الأعرابي البدوي إلا أن شكاه إلى عمر، الآن أمام خليفة المسلمين ملك الغساسنة جبلة بن الأيهم وأعرابي من دهماء الناس وسوقتهم وعامتهم جاء شاعر معاصر صاغ الحوار شعراً:
 قال سيدنا عمر لجبلة: أصحيح ما ادعى هذا الفزاري الجريح؟
 قال جبلة: لست ممن ينكر شياً أنا أدبت الفتى أدركت حقي بيديا.
 قال له عمر: ارض الفتى لابد من إرضائه مازال ظفرك عالقاً بدمائه، أو يهشمن الآن أنفك وتنال ما فعلته كفك، صعق جبلة، قال: كيف ذاك يا أمير هو سوقة من عامة الناس ودهمائهم وأنا عرش وتاج؟ كيف ترضى أن يخر النجم أرضاً؟
 قال له: نزوات الجاهلية ورياح العنجهية قد دفناها أقمنا فوقها صرحاً جديداً وتساوى الناس أحراراً لدينا وعبيداً.
 قال له جبلة: كان وهماً ما جرى في خلدي أنني عندك أقوى وأعز أنا مرتد إذا أكرهتني.
 فقال: عنق المرتد بالسيف تحز، عالم نبنيه كل صدع فيه يداوى، وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى. هذا عصر المبادئ لذلك:

﴿ كُنتُم ﴾

 أي أصبحتم:

﴿ خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنّاسِ ﴾

 علة الخيرية:

﴿ تَأمُرونَ بِالمَعروفِ وَتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ﴾

 لكن لا بدافع الذكاء بل بدافع الإيمان:

﴿ وَتُؤمِنونَ بِاللَّهِ ﴾

 فإن لم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر قالوا: أوكائن ذلك؟ قال: وأشد منه سيكون، والحديث ذكرته.

 

من نعم الله الكبرى توافق الدين مع الفطرة :

 أما حينما ندخل في عصر تبدل القيم فالمشكلة كبيرة جداً، هذه أول نقطة في هذا اللقاء الطيب، أي هذا الدين متوافق مع الفطرة لذلك سمي الإسلام دين الفطرة، دين الفطرة يتوافق توافقاً تاماً مع الفطرة، فأي شيء أمرك الله به حببه إليك، وأي شيء نهاه عنك كرهه إليك، والدليل:

﴿ وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيكُمُ الإيمانَ وَزَيَّنَهُ في قُلوبِكُم وَكَرَّهَ إِلَيكُمُ الكُفرَ وَالفُسوقَ وَالعِصيانَ ﴾

[سورة الحجرات: ٧]

 من نعم الله الكبرى توافق الدين مع الفطرة والإسلام دين الفطرة، أي الإنسان إذا تدين واصطلح مع الله اصطلح مع فطرته، فأحد أكبر مشاعر السعادة بعد التوبة إلى الله أنه اصطلح مع فطرته أيضاً هناك راحة نفسية من الداخل. لذلك أيها الأخوة إسلامنا هو دين الفطرة.
 نقطة ثانية في هذا اللقاء الطيب، هذا مما يؤكد المقولة قول الله تعالى:

﴿ فَأَقِم وَجهَكَ لِلدّينِ حَنيفًا فِطرَتَ اللَّهِ الَّتي فَطَرَ النّاسَ عَلَيها ﴾

[سورة الروم: ٣٠]

 أي أن تقيم وجهك للدين حنيفاً هذا ما فطرت عليه:

﴿ لا تَبديلَ لِخَلقِ اللَّهِ ذلِكَ الدّينُ القَيِّمُ وَلكِنَّ أَكثَرَ النّاسِ لا يَعلَمونَ﴾

[سورة الروم: ٣٠]

 لذلك شاعر كالحطيئة قال عن بعض الأشخاص:

دع المكارم لا ترحل لبغيتها  واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
***

 دخل السجن، عدّ نقاد الأدب أن هذا أهجا بيت قالته العرب، فما قولك إن كان هذا البيت شعار كل إنسان الآن؟ مادام دخله وافراً، بيته واسعاً، زوجته تروق له، عنده أولاد، عنده سيارتان:

دع المكارم لا ترحل لبغيتها  واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
***

 هذا الزمن زمن الانتماء للذات.

 

تولي الله التوفيق بين الزوجين إن بني الزواج على طاعته :

 كنا في زمن المبادئ ثم في زمن الأشخاص. مثلاً القاضي شريح لقيه صديقه الفضيل قال: يا شريح كيف حالك في بيتك؟ قال: والله منذ عشرين عاماً لم أجد ما يعكر صفائي، إنسان تزوج يقول لصديقه: منذ عشرين عاماً لم أجد ما يعكر صفائي؟! قال: وكيف ذلك يا شريح؟ قال: خطبت امرأة من أسرة صالحة، فلما كان يوم الزفاف وجدت صلاحاً وكمالاً - يقصد صلاحاً في دينها وكمالاً في خلقها- فصليت ركعتين شكراً لله على نعمة الزوجة الصالحة، فلما انتهيت من صلاتي وجدت زوجتي تصلي بصلاتي، وتسلم بسلامي، وتشكر شكري، فلما خلا البيت من الأهل والأحباب، دنوت منها فقالت لي: على رسلك يا أبا أمية، ثم قامت فخطبت - شيء جميل يوم عرسه يوجد خطابة- قالت: أما بعد يا أبا أمية إنني امرأة غريبة لا أعرف ما تحب وما تكره، فقل لي ما تحب حتى آتيه، وما تكره حتى أجتنبه، ويا أبا أمية لقد كان لك من نساء قومك من هي كفء لك، وكان لي من رجال قومي من هو كفء لي، ولكن كنت لك زوجة على كتاب الله وسنة رسوله ليقضي الله أمراً كان مفعولاً فاتق الله فيّ وامتثل قوله تعالى:

﴿ فَإِمساكٌ بِمَعروفٍ أَو تَسريحٌ بِإِحسانٍ ﴾

[سورة البقرة: ٢٢٩]

 ثم قعدت، فقال: ألجأتني إلى أن أخطب- اضطر أن يرد على خطابها بخطاب- وقفت وقلت: أما بعد فقد قلت كلاماً إن تصدقي فيه وتثبتي عليه يكن لك ذخراً وأجراً، وإن تدعيه يكن حجة عليك، أحب كذا وكذا، وأكره كذا وكذا، وما وجدت من حسنة فانشريها، وما وجدت من سيئة فاستريها، قالت: كيف نزور أهلي وأهلك؟ قال: نزورهم غباً مع انقطاع بين الحين والحين كي لا يملونا، وفي الحديث الشريف:

(( زر غِبَّاً تزدد حبَّاً ))

[الطبراني عن عبد الله بن عمرو]

 قالت: فمن من الجيران تحب أن أسمح لهن بدخول بيتك ومن منهن تكره؟ قال: بنو فلان قوم صالحون، وبنو فلان قوم غير ذلك، ومضى عليّ عام عدت إلى البيت فإذا أم زوجتي عندنا فرحبت بها أجمل ترحيب، وكانت قد علمت من ابنتها أنها في أهنأ حال، قالت: يا أبا أمية كيف وجدت زوجتك؟ قلت: والله هي خير زوجة، قالت: يا أبا أمية ما أوتي الرجال شراً من المرأة المدللة فوق الحدود، فأدب ما شئت أن تؤدب، وهذب ما شئت أن تهذب، ثم التفتت إلى ابنتها تأمرها بحسن السمع والطاعة، ومضى عليّ عشرون عاماً لم أجد ما يعكر صفائي إلا ليلة واحدة كنت فيها أنا الظالم.
 نستخلص من هذه القصة أو الأقصوصة الحقيقة التالية: إذا بني الزواج على طاعة الله، وفق منهج الله، تولى الله في عليائه التوفيق بين الزوجين، أما إذا بني على معصية الله فيتولى الشيطان التفريق بينهما.

 

 لذلك أيها الأخوة؛ السعادة الزوجية شيء مهم جداً، والإنسان إذا كان في بيته سعيداً قد يواجه المشكلات بصبر وبجلد وبحكمة، أما إذا كان هناك انهيار داخلي فهناك مشكلة كبيرة، فلذلك حينما نحافظ على الأسرة حافظنا على وجودنا.

الفرق بين الفطرة و الصبغة :

 أيها الأخوة؛ المصطلح الأول الفطرة، أن الفطرة لا تعني أن صاحبها كامل، لكن تعني بالضبط أن صاحبها يحب الكمال، أن تحب العدل فطرة، أن تكون عادلاً صبغة، أن تحب الخير فطرة، أن تكون خيراً صبغة، أن تحب إنفاق المال فطرة، أن تكون منفقاً للمال صبغة، الفرق كبير جداً، قال تعالى:

﴿ صِبغَةَ اللَّهِ وَمَن أَحسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبغَةً ﴾

[سورة البقرة: ١٣٨]

 فالصبغة أن تكون كاملاً أما الفطرة فأن تحب الكمال.

 

لا علاقة للطبع بالأخلاق :

 أخواننا الكرام؛ أصبح لدينا فطرة قال تعالى:

﴿ فَأَقِم وَجهَكَ لِلدّينِ حَنيفًا فِطرَتَ اللَّهِ الَّتي فَطَرَ النّاسَ عَلَيها ﴾

 وعندنا صبغة:

﴿ صِبغَةَ اللَّهِ وَمَن أَحسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبغَةً ﴾

 بقي عندنا الطبع، الطبع ليس له علاقة بالأخلاق، إنسان حاد الطبع، إنسان هادئ الطبع، إنسان يميل للعزلة، يميل للقاءات مع من حوله، إنسان يميل للسفر، يكره السفر، هذه طباع، ورد في الأثر أنه:

(( يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلَالِ كُلِّهَا))

[ أحمد عن أبي أمامة ]

 هناك مؤمن حاد الأعصاب، مؤمن هادئ، مؤمن يميل للوحدة، مؤمن يميل للاجتماع، مؤمن يميل إلى عدم السفر أو السفر:

(( يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلَالِ كُلِّهَا إِلَّا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ ))

[ أحمد عن أبي أمامة ]

 فإذا فعل ذلك فليس مؤمناً، والحقيقة هناك كلمات دقيقة جداً قال تعالى:

﴿ وَإِنَّ كَثيرًا مِنَ الخُلَطاءِ لَيَبغي بَعضُهُم عَلى بَعضٍ إِلَّا الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ وَقَليلٌ ما هُم ﴾

[سورة ص: ٢٤]

 استنبط الإمام الشافعي رحمه الله تعالى أن الخليط الذي يبغي على خليطه ليس مؤمناً، قال تعالى:

﴿ وَإِنَّ كَثيرًا مِنَ الخُلَطاءِ ﴾

 الزوجان خلطاء، والشريكان خلطاء، والأخوان خلطاء، والجاران خلطاء:

﴿ وَإِنَّ كَثيرًا مِنَ الخُلَطاءِ لَيَبغي بَعضُهُم عَلى بَعضٍ إِلَّا الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ وَقَليلٌ ما هُم ﴾

[سورة ص: ٢٤]

العبادة علة وجود الإنسان في الدنيا :

 أخواننا الكرام،؛ أنت لو أرسلت ابنك إلى باريس لينال الدكتوراه من السوربون مثلاً، هذه المدينة الكبيرة الواسعة العملاقة المترامية الأطراف، فيها أسواق، فيها ملاه، فيها دور سينما، فيها ملاعب، فيها مكتبات، هذه المدينة العملاقة الكبيرة ابنك في هذه المدينة له علة وجود فيها، له مهمة واحدة هي الدراسة.
لو تساءلنا نحن في الدنيا ما علة وجودنا في الدنيا؟ لماذا نحن في الدنيا؟ لماذا جاء الله بنا إلى الدنيا؟ ما خير ما نفعله في الدنيا؟ قال تعالى:

﴿ وَما خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلّا لِيَعبُدونِ ﴾

[سورة الذاريات: ٥٦]

 كلام رب العالمين، حسناً ما العبادة؟ أريد أن ألفت النظر ينبغي ألا يتوهم أحدنا أن العبادة صوم وصلاة وحج وزكاة فقط، النبي الكريم يقول:

(( بني الإسلام على خمس))

[ أخرجه البخاري وابن خزيمة عن عبد الله بن عمر ]

 فالإسلام شيء والخمس شيء، هذه عبادات شعائرية، الإسلام منهج تفصيلي، يبدأ من أخصّ خصوصيات الإنسان من العلاقات الزوجية، وينتهي بالعلاقات الدولية، منهج تفصيلي قد يصل إلى مئة ألف بند، منهج افعل ولا تفعل، منهج تعليمات الصانع، أنت أعقد آلة بالكون تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز، ولك خالق عظيم، وصانع حكيم، ولهذا الصانع الحكيم والعظيم تعليمات التشغيل والصيانة، فانطلاقاً من حرصك على سلامتك، وانطلاقاً من حرصك على سعادتك، وانطلاقاً من حرصك على استمرارك، ينبغي أن تتبع تعليمات الصانع، لأن الجهة الصانعة هي الجهة الوحيدة التي ينبغي أن تتبع تعليماتها، لأنها جهة خبيرة، قال تعالى:

﴿ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثلُ خَبيرٍ ﴾

[سورة فاطر: ١٤]

الإنسان خاسر إلا إن أنفق وقته استثماراً لا استهلاكاً :

 الآن الإنسان عندما ينطلق لتنفيذ تعليمات الصانع معنى ذلك هو يصون نفسه من الخطأ والخلل، لذلك البطولة الآن أنت أعقد آلة في الكون، ولك وقت، والله ما مرّ معي تعريف للإنسان أدق من هذا التعريف للإمام الحسن البصري: "الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه"، فأنت زمن، أنت وقت، أو رأس مالك هو الوقت، أو أثمن شيء تملكه هو الوقت، فأنت زمن، ولأنك زمن أقسم الله لك بمطلق الزمن، قال تعالى:

﴿ وَالعَصر *إِنَّ الإِنسانَ لَفي خُسرٍ ﴾

[سورة العصر: ١-٣]

 إلهنا، ربنا، مسيرنا، يقسم لنا أننا خاسرون، لم الخسارة يا رب؟ قيل: لأن مضي الزمن وحده يستهلكك، أنت زمن، بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منك، مضي الزمن وحده يستهلكك، لذلك قال تعالى:

﴿ وَالعَصر *إِنَّ الإِنسانَ لَفي خُسرٍ ﴾

 جواب القسم، لكن رحمة الله في إلا:

﴿ إِلَّا الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ وَتَواصَوا بِالحَقِّ وَتَواصَوا بِالصَّبرِ ﴾

 الإمام الشافعي قال عن هذه الكلمات الأربع إنها أركان النجاة، أركان النجاة، أي ما لم يكن في يومك وقت لكي تزداد علماً، ووقت كي تزداد طاعة، وكي تزداد قرباً، وكي تزداد عملاً صالحاً، هذا الوقت خاسر، لذلك ورد في بعض الأدعية النبوية: " لا بورك لي في طلوع شمس يوم لم أزدد فيه من الله علماً، ولا بورك لي في طلوع شمس يوم لم أزدد فيه من الله قرباً".
 فالبطولة أن تؤمن أنك زمن، أو أنك بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منك، فلذلك هذا الزمن إما أن ينفق استهلاكاً كما ينفقه معظم الناس؛ يأكلون ويشربون ويتمتعون ثم يأتي الموت كمفاجأة كبيرة، خبر الموت ينزل كالصاعقة، أما الذي تحرك وفق منهج الله، وبنى حياته على طاعة الله وآمن بالآخرة فله حركة أخرى.

 

العبادة أساسها معرفة و تنتهي بسعادة :

 لذلك أنا من فضل الله شرحت عن الصحابة الكرام مرات عديدة، شرحت حياة سبعين صحابياً، الملاحظة الدقيقة جداً جداً أنه ما من واحد من الصحابة إلا كان في أسعد لحظات حياته عند مفارقة الدنيا، لذلك النبي الكريم قال:

(( الموت تحفة المؤمن))

[ المستدرك عن عبد الله بن عمرو]

 لذلك الآن علة وجودنا العبادة، والعبادة من أدق تعريفاتها طاعة طوعية، الذي خلقنا، والذي حياتنا بيده، موتنا بيده، رزقنا بيده، من حولنا بيده، من فوقنا بيده، الأقوياء بيده، مع كل هذا ما أراد أن نعبده إكراهاً، قال تعالى:

﴿ لا إِكراهَ فِي الدّينِ ﴾

[سورة البقرة: ٢٥٦]

 بل أراد أن تكون علاقتنا به علاقة حب، قال تعالى:

﴿ يُحِبّونَهُم كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذينَ آمَنوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾

[سورة البقرة: ١٦٥]

 الطاعة ما أرادها الله قسرية، قال: طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، فما عرف الله من أطاعه ولم يحبه، وما عرف الله من أحبه ولم يطعه:

أطع أمرنا نرفع لأجلك حجبنــــــــا  فإن منحنا بالرضا من أحبنــــــــــــــا
ولذ بحمانا واحتـــــــــــم بجنابنــــــــا  لنحميك مما فيه أشرار خلقنــــــــــــا
وعن ذكرنا لا يشغلنك شاغـــــــــل  وأخلص لنا تلقى المسرة والهنــــــا
فلو شاهدت عيناك من حسننــــا  الذي رأوه لما وليت عنا لغيرنـــــــــا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنا  خلعت عنك ثياب العجب وجئتنـــــا
ولو ذقت من طعم المحبــــة ذرة  عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنــــــــا
ولو نسمت من قربنا لك نسمـة  لمت غريبا واشتياقــــــــا لقربنـــــــــــا
ولو لاح لك من أنوارنا لائــــــــح  تركت جميع الكائنــــــات لأجلنـــــــــا
فما حبنا سهل وكل من ادعــــى  سهولته قلنا له قــــــد جهلتنـــــــــــــا
فأيسر ما في الحب للصب قتله  وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنا
***

 فالعبادة أخواننا الكرام طاعة طوعية - ليست قسرية- ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تؤدي إلى سعادة أبدية، فهذا التعريف كتل ثلاث؛ كبيرة: العبادة سلوك افعل ولا تفعل، أن تأتمر بما أمر، أن تنتهي عما نهى عنه وزجر، العبادة هذه أساسها معرفة، وتنتهي بسعادة.
 لكن هنالك تعليقاً لطيفاً جدا، أنت حينما تعرف الأمر ولا تعرف الآمر تتفنن في معصية الآمر، أما إذا عرفت الآمر أولاً وعرفت الأمر ثانياً تتفانى في طاعة الآمر، إذا عرفت الآمر أولاً، الصحابة الكرام بقوا في مكة سنوات طويلة يتعرفون إلى الآمر، والآيات المكية كلها عن الآمر، وعن الدار الآخرة فقط، جاء التشريع في المدينة، فإذا ألغينا من حياتنا المرحلة المكية عندنا خطأ كبير، لابد من أن تعرف الآمر وأن تعرف الأمر، إن عرفت الآمر ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر، أما إذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر تفننت في التفلت في الأمر، إذاً هي طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية، لكن هذا التعريف العام الشامل الواسع طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية.

عبادة الهوية :

 لكن عندنا عبادة الهوية؛ والهوية أحد عناوين هذا اللقاء الطيب، عبادة الهوية من أنت؟ أنت غني العبادة الأولى إنفاق المال، وما جعل الله الغني غنياً إلا ليصل بماله إلى أعلى درجات الجنة، وما جعل الله العالم عالماً إلا ليصل بعلمه إلى أعلى درجات الجنة، وما جعل الله القوي قوياً إلا ليصل بقوته إلى أعلى درجات الجنة، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:

(( المؤمن القوي))

[أخرجه مسلم عن أبي هريرة]

 معنى قوي؛ هناك قوة العلم، وقوة المال، وقوة القرار، أنت بمنصب رفيع، بجرة قلم تحق الحق أو تبطل الباطل، أو بإلقاء درس تحقق الغاية من هذا الدرس، أو بإنفاق مال، هذه القوة، والذي يؤكد هذا المعنى قول النبي الكريم:

(( المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف ))

[أخرجه مسلم عن أبي هريرة]

 لأن المؤمن خياراته في العمل الصالح لا تعد ولا تحصى، إذا كان معه مال عنده خيارات واسعة جداً، وإذا كان معه علم عنه فالخيارات أمامه واسعة جداً، وإذا كان يحتل منصباً رفيعاً بجرة قلم يحق حقاً، فإذا كان طريق القوة - أنت تكون قوياً بمالك أو قوياً بعلمك أو قوياً بمنصبك- سالكاً وفق منهج الله يجب أن تكون قوياً، لأن خيارات القوي في العمل الصالح لا تعد ولا تحصى، ولأن علة وجودك في هذه الدنيا العمل الصالح، والدليل قوله تعالى:

﴿ رَبِّ ارجِعونِ * لَعَلّي أَعمَلُ صالِحًا فيما تَرَكتُ ﴾

[سورة المؤمنون: ٩٩-١٠٠]

عبادة الظرف :

 أخواننا الكرام؛ عندنا عبادة الهوية، الغني العبادة الأولى إنفاق المال، والعالم العبادة الأولى إلقاء العلم، لكن هنالك شرطاً: الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله الآية ذكرت صفة واحدة مع أن العلماء لهم آلاف الصفات الله عز وجل أغفلها كلها وأبقى على صفة واحدة، قال تعالى:

﴿ يَخشَونَهُ وَلا يَخشَونَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ﴾

[سورة الأحزاب: ٣٩]

 فإذا خشي العالم غير الله، سكت عن الحق خوفاً، وتكلم بالباطل تملقاً، صفة سماها العلماء مترابطة مع الموصوف تربط وجودي، إن ألغيت هذه الصفة ألغي الموصوف كله، أي الطائرة تطير ألغي الطيران لم تعد تسمى طائرة، قال تعالى:

﴿ الَّذينَ يُبَلِّغونَ رِسالاتِ اللَّهِ وَيَخشَونَهُ وَلا يَخشَونَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ﴾

[سورة الأحزاب: ٣٩]

 فهذه عبادة الظرف، عبادة الهوية، عالم إلقاء العلم دون أن تخشى في الله لومة لائم، غني إنفاق المال، قوي إحقاق الحق، الآن المرأة:

(( اعلمي أيتها المرأة وأعلمي من دونك من النساء أن حسن تبعل المرأة لزوجها، يعدل الجهاد في سبيل الله ))

[أخرجه ابن عساكر وأخرجه البيهقى في شعب الإيمان عن أسماء بنت يزيد الأنصارية]

 ولا يخفى عنكم أن الجهاد ذروة سنام الإسلام، إذاً عندنا عبادة المرأة: رعاية الزوج والأولاد، والغني إنفاق المال، والقوي إحقاق الحق، والعالم إلقاء العلم دون أن تأخذه في الله لومة لائم.
 الآن عندنا عبادة اسمها: عبادة الظرف، هناك مريض معالجة المريض هو الهدف الأول، طالب على مشارف امتحان خطير مصيري، تهيئة أجواء دراسية لهذا الطالب عبادة أيضاً، هذه عبادة الظرف في المرض، في التعليم، والاهتمام بالشؤون العامة عبادة، الاهتمام بالشأن العام، وحينما لا نهتم بالشأن العام ندفع ثمناً بالغاً جداً.

 

عصر الأشياء :

 لذلك فيما يسمى بعبادة العصر جبلة بن الأيهم ذكرت قصته والقاضي شريح ذكرت قصته.
 وعندنا العصر الثالث هو عصر الأشياء، عصر المبادئ، الأشخاص، الأشياء، الأشياء في نص صغير قيمة المرء متاعه، يستمد قيمته من نوع سيارته، من مساحة بيته فقط، هذا آخر الزمان: قيمة المرء متاعه.
 الآن يوجد بالأرض سبعة مليارات ومئتا مليون ما منهم واحد إلا وهو حريص على سلامته وسعادته واستمراره، من منا يحب الفقر؟ لا أحد، من منا يحب القهر؟ لا أحد، من منا يحب المرض؟ لا أحد، حريص على سلامتك، وعلى سعادتك، وعلى استمرارك، اعلم يقينا أن سلامتك وسعادتك واستمرارك باتباع تعليمات الصانع وهي بين يديك، فلذلك قال تعالى:

﴿ وَلِمَن خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ ﴾

[سورة الرحمن: ٤٦]

 يقول أحد العلماء الكبار: ماذا يفعل أعدائي بي بستاني في صدري، إن حبسوني فحبسي خلوة، إن أبعدوني فإبعادي سياحة، وإن قتلوني فقتلي شهادة، فماذا يفعل أعدائي بي؟

 

تسخير الكون للإنسان تسخير تعريف و تكريم :

 الآن سلامة الفرد بشرطين، قال تعلى

﴿ ما يَفعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُم إِن شَكَرتُم وَآمَنتُم ﴾

[سورة النساء: ١٤٧]

 هذا الكون مسخر لنا تسخير تعريف وتسخير تكريم، استدل على ذلك من قول النبي الكريم حينما رأى هلالاً قال:

(( هِلالٌ خَيْرٍ وَرُشْد ))

[ أخرجه الطبراني في الكبير عن رافع بن خديج ]

 خير ننتفع من ضوئه، ورشد يرشدنا إلى الله، أي شيء تقع عينك عليه في الكون له وظيفتان: وظيفة نفعية، ووظيفة إرشادية، وهذا استنبطناه من قول النبي صلى الله عليه وسلم:

(( هِلالٌ خَيْرٍ وَرُشْد ))

[ أخرجه الطبراني في الكبير عن رافع بن خديج ]

 فلذلك أيها الأخوة عندنا الآن هذا التسخير تسخير التعريف ينبغي أن تؤمن كرد فعل لتسخير التعريف، وتسخير التكريم ينبغي أن تشكر، فإذا آمنت وشكرت حققت الهدف من وجودك لذلك ما من داع أبداً ليكون هناك متاعب لك، الدليل قوله تعالى:

﴿ ما يَفعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُم إِن شَكَرتُم وَآمَنتُم وَكانَ اللَّهُ شاكِرًا عَليمًا ﴾

 تسخير التعريف آمنت، تسخير التكريم شكرت، آمنت وشكرت كفرد انتهت كل المتاعب، فأي واحد من الأخوة الكرام إن أردت سلامة الدنيا فاشكر واستقم.

 

من طبق سنة النبي فهو في مأمن من عذاب الله :

 أخواننا الكرام؛ هذا عن الفرد أما عن المجتمع فالآية دقيقة جداً وغالية جداً، قال تعالى:

﴿ وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم وَأَنتَ فيهِم ﴾

[سورة الأنفال: ٣٣]

﴿ وَما كانَ ﴾

 فيها ملمح لغوي، لو إنسان سئل: هل أنت جائع؟ يقول لك: لا، سألك عن حالة ليس متلبساً بها، لكن لو كان الإنسان محترماً جداً وسئل: هل أنت سارق؟ يقول: لا فقط؟ يقول: ماكان لي أن أسرق، ما كان لي نفي الشأن، لا أسمح ولا أرضى، عدّ العلماء عشرة أفعال تنفى في هذه العبارة.
 الآن دقق في هذه الآية:

﴿ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُم وَهُم يَستَغفِرونَ ﴾

 أي يا محمد مادامت سنتك قائمة في حياتهم هم في مأمن من عذاب الله:

﴿ وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم وَأَنتَ فيهِم وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُم وَهُم يَستَغفِرونَ ﴾

 إذا أنت أمام بحبوحتين؛ إما أن يكون المجتمع مطبقاً لسنة رسول الله، هو في مأمن من عذاب الله، أو أن يستغفر، أما كفرد:

﴿ ما يَفعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُم إِن شَكَرتُم وَآمَنتُم ﴾

 كفرد سلامته بالإيمان كرد فعل إيجابي لتسخير التعريف، والشكر كرد فعل إيجابي لتسخير التكريم هذه كفرد، أما كمجتمع:

﴿ وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم وَأَنتَ فيهِم ﴾

أنواع الهداية :

 أخواننا الكرام، الهداية أنواع: في الهدى البياني أنت مرتاح، بصحة طيبة، ببيتك مع زوجتك مع أولادك ليس عندك مشكلة، سمعت حلقة دينية، حضرت خطبة جمعة، تأثرت، هذه مرحلة راقية جداً اسمها: الهدى البياني، لا تعاني من أي مشكلة، اطلعت على تفسير آية، تفسير حديث، قصة عن صحابي، موضوع بالإعجاز العلمي، تأثرت هذا الهدى البياني أرقى أنواع الهدى، الموقف الكامل منه الاستجابة، قال تعالى:

﴿ يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا استَجيبوا لِلَّهِ وَلِلرَّسولِ إِذا دَعاكُم لِما يُحييكُم ﴾

[سورة الأنفال: ٢٤]

 لم يستجب هذا الإنسان يخضع لترتيب آخر التأديب التربوي، قال تعالى:

﴿ وَلَنُذيقَنَّهُم مِنَ العَذابِ الأَدنى دونَ العَذابِ الأَكبَرِ لَعَلَّهُم يَرجِعونَ ﴾

[سورة السجدة: ٢١]

 التأديب التربوي فإن لم يتب هناك درجة ثالثة الإكرام الاستدراجي، أي يأتيه إكرام كبير لعله يشكر، لو أن إنساناً لم يستجب بالهدى البياني، ولا بالتأديب التربوي تاب، ولا بالإكرام الاستدراجي شكر بقي القصم، والبطولة وأرجو أن نكون جميعاً من الصنف الأول الهدى البياني، بين يديك كتاب كريم مع سنة مطهرة مع تاريخ عن الصحابة الكرام، والأمر بين يديك، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، تحرك في الوقت المناسب.
 أما الإنسان إذا أهمل فيكون قد دفع خسارة كبيرة جداً.

 

أنواع المصائب :

 الآن بقي شيء دقيق جداً؛ المصائب تأتي بالدنيا لها أنواع، هناك مصائب الأنبياء مصائب كشف، عندهم كمالات قد لا تظهر إلا في المصيبة، مثل الرسول الذي ذهب مشياً للطائف على قدميه ودعاهم إلى الله والإيمان، فكذبوه وسخروا منه، وأغروا صبيانهم بضربه، جاءه ملك الجبال قال له: يا محمد أمرني ربي أن أكون طوع إرادتك لو شئت لأطبقت عليهم الأخشبين قال: " لا يا أخي اللهم اهد قومي إنهم لا يعلمون لعل الله يخرج من أصلابهم من يوحده"
 هذا اسمه مصيبة الكشف، وهناك مصيبة الدفع أي تأتي مصيبة تدفع المؤمن إلى أعمال طيبة أكثر، إلى قيام الليل، إلى ذكر، إلى تلاوة قرآن، مصيبة الدفع، وأحياناً يسهم هذا المؤمن بهداية إنسان، فالمصائب للأنبياء دفع وللمؤمنين رفع. أما لغير المؤمنين فقصم، هذه أنواع المصائب التي تصيب فئات المجتمع عامة.
 أرجو الله سبحانه وتعالى أن يحفظ لكم إيمانكم جميعاً، وأهلكم وأولادكم وصحتكم ومالكم واستقرار بلادكم، وهذه نعمة غالية جداً حافظوا عليها، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور