وضع داكن
20-04-2024
Logo
الدرس : 080 - أمراض النفس أخطر بكثير من أمراض الجسد.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

قضايا الدين و الآخرة قضايا مصيرية تحدد مصير الإنسان الأبدي :

 أيها الأخوة الكرام؛ هناك مرض يصيب المجتمعات الإنسانية، هذا المرض غريب، هو الانشغال في الجزئيات، لا يوجد إنسان لا يملك قوائم إنجازات مستمرة، إصلاح الماء، دفع فواتير الكهرباء، من هذا النوع زيارة فلان، عيادة المريض الفلاني، دفع الصدقة، لقاء مع المدير العام عنده مشكلة بعمله، إلى آخره، الحياة الإنسانية مجموعة جزئيات، لكنهم في خطر كبير حينما أغرقوا في الجزئيات، ثم يفاجأ الإنسان أنه اقترب أجله، ماذا بعد الموت؟ ماذا في القبر؟ ماذا في البرزخ؟ ماذا يوم القيامة؟ هذه حقائق خطيرة، مصير الإنسان مصير أبدي، السعادة كلها والشقاء كله والإحباط كله، إن العار ليلزم المرء يوم القيامة حتى يقول: يا رب لإرسالك بي إلى النار أهون عليّ مما ألقى، وإنه ليعلم ما فيها من شدة العذاب.
 قضايا الدين، قضايا الآخرة، قضايا الإيمان بالله، قضايا الاستقامة، قضايا مصيرية تحدد مصيرك الأبدي، إما في جنة يدوم نعيمها أو في نار لا ينفذ عذابها، لذلك أخطر مرض يصاب به الإنسان على الإطلاق الورم الخبيث؟ لا ليس الورم الخبيث، الورم الخبيث منته، ينتهي عند الموت، أخطر شيء لأمراض النفس أنها تبدأ بعد الموت، بالدنيا مشغول بالشهوات والمصالح والإنجازات، أعرف شخصاً أنشأ ملهى في لبنان، وعمره ثلاث وثمانون سنة، ثلاث وثمانون سنة ما خطر في باله أن يستثمر فائض أمواله إلا بملهى؟ الإنسان إذا طلب العلم عرف حقيقته، من أنا؟ أنا مخلوق أول عند الله عز وجل، وخلقني للجنة، والجنة بين يدي، أسباب الجنة بين يدي أي إنسان، يكفي أن يستقيم على أمر الله، ما من شهوة أودعها الله بالإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، بالدين لا يوجد حرمان إطلاقاً، حتى أن هناك آية أصل في هذا الموضوع، قال تعالى:

﴿ وَمَنْ أَضَلُّ ﴾

[ سورة القصص : 50 ]

 أي ليس على وجه الأرض إنسان أضل من هذا، قال تعالى:

﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ ﴾

[ سورة القصص : 50 ]

من يتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه :

 الآن دقق:

﴿ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ﴾

[ سورة القصص : 50 ]

 المعنى المخالف عند علماء الأصول: الذي يتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه، بالدين لا يوجد حرمان هناك تنظيم فقط، ما من شهوة أودعها فيك على الإطلاق إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، اشتهى المرأة فتزوج، اشتهى المال هناك كسب مشروع.
 الآن عندنا الحاجة الجنسية موفرة بالزواج، الزواج أطهر وأنقى، لي زميل عمل وليس صديقاً، مرة كنت أمشي معه فحدثني ما يلي: قال لي: أنا لي جاهلية خطيرة، ثم تبت إلى الله، ثم قال لي: والله ساعة مع الزوجة، مع الطمأنينة، مع الراحة النفسية، مع تطبيق منهج الله أسعد من مليون جلسة مع امرأة لا تحل لي.
 أولاً: طمئن نفسك ما من شيء أودعه الله فيك من شهوة من الشهوات- والكلام للشباب- إلا يوجد قناة نظيفة رائعة تسمو بها، لذلك قال تعالى:

﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً ﴾

[ سورة السجدة : 18]

 هذه يقابلها بالمنطق كمن كان كافراً، هكذا المنطق، قال تعالى:

﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾

[ سورة السجدة : 18]

 معنى ذلك أن من لوازم الكفر الفسق، الله ألغى كلمة الكفر وحلّ محلها كلمة الفسق، أي مستحيل إنسان يبتعد عن الله و لا يخطئ، لا يوجد ضابط ويوجد شهوات، الشهوة كالمحرك تماماً، بالمناسبة من دون شهوات لا يوجد حياة، ولا جنة، ولا نار، الشهوة قوة دافعة، تحتاج إلى شيئين؛ مثل المحرك في السيارة تنطلق به، تحتاج السيارة إلى مقود، الطريق هو الشرع، والمقود هو العقل، والاندفاع هو الشهوة، الشهوة تندفع بها لكن على الطريق الصحيح، أي ما من شهوة حرمها الله عليك إلا لها قناة نظيفة تسري خلالها، لذلك قالوا: في الدنيا جنتان جنة القرب، والجنة التي وعد الله بها المؤمنين، قال تعالى:

﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾

[ سورة الرحمن: 46]

خيار الإنسان مع الإيمان خيار وقت فقط :

 أيها الأخوة الكرام؛ أن تعرف الحقيقة بوقت مبكر، أريد أن أقول لك كلمة دقيقة: أنت مع مليون موضوع معك خيار الرفض إلا مع موضوع واحد لا يوجد غيره، معك خيار الوقت، أي إن لم تؤمن الآن وأنت صحيح، شاب، قوي، تستطيع أن تطلب العلم لا بد أن تؤمن بعد فوات الأوان، الدليل لأن أكفر كفار الأرض فرعون الذي ادّعى الألوهية وقال:

﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾

[ سورة النازعات : 24]

 والذي قال :

﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾

[ سورة القصص: 38 ]

 فرعون، هذا الكافر العنيد، الجبار المتكبر، حينما أدركه الغرق قال :

﴿ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ ﴾

[ سورة يونس : 90 ]

 فقال الله عز وجل:

﴿ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ ﴾

[سورة يونس : 91]

 أنا أقول لكم هذه الحقيقة: الحقائق التي جاء بها الأنبياء ما من إنسان على وجه الأرض؛ مسلم، مسيحي، يهودي، بوذي، علماني، ملحد، كافر، هندوسي، سيخي، ما من إنسان على وجه الأرض إلا ويؤمن عند الموت بالحقائق التي جاء بها الأنبياء، قال تعالى:

﴿ فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾

[ سورة ق : 22 ]

 لكن هذا الإيمان متى؟ بعد فوات الأوان، والبطولة أن تؤمن قبل فوات الأوان، أن تؤمن وأنت شاب، وأنت قوي وعقلك معك، معظم الناس بعد الثمانين يصلح، ما بقي شيء يخاف عليه، يصلي، لكن عندما أشاهد شاباً في المسجد كثيراً يكبر في عيني، النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ريح الجنة في الشباب ".
 إن الله يباهي الملائكة بالشاب التائب يقول: " انظروا عبدي ترك شهوته من أجلي".
 ما من شيء أحبّ إلى الله من شاب تائب، أول حياته قوي، الشهوات قوية، ضبط نفسه لكن في الإسلام لا يوجد حرمان، لا يوجد حرمان أبداً، والله الذي أشعره أنه ما من شاب ضبط نفسه إلا الله أكرمه أحسن إكرام من جنس عمله، أي هيأ له زوجة صالحة، تسره إن نظر إليها، وتحفظه إن غاب عنها، وتطيعه إن أمرها.

(( إِنَّ الدُّنْيَا كُلَّهَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ ))

[النسائي عن عمرو بن العاص ]

 التي إذا نظرت إليها سرتك، وإذا غبت عنها حفظتك، وإذا أمرتها أطاعتك.

 

الإنسان بضعة أيام :

 أيها الأخوة الكرام؛ من أنت؟ أنت زمن، صدق ولا أبالغ قرأت آلاف الصفحات لا يوجد تعريف للإنسان لفت نظري وأثّر بي كتعريف التابعي الجليل الحسن البصري قال: الإنسان بضعة أيام ، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه.
 لو فرضنا واحداً من الأخوة الكرام له عند الله ثلاث وثمانون سنة، وأربعة أشهر، وثلاثة أسابيع، وستة أيام، وأربع ساعات، وثماني دقائق، وسبع ثوان، انظر إلى الساعة كلما يتحرك العقرب ثانية النهاية ثابتة اقتربنا منها، فالعمر في تناقص، لذلك التعريف الجامع المانع الرائع الدقيق العميق للإنسان أنه بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه، أنت زمن فقط، ولأنك زمن أقسم الله لك بالزمن، قال تعالى:

﴿ وَالْعَصْرِ ﴾

[ سورة العصر: 1]

 يقول لك في جواب القسم إنك خاسر، قال تعالى:

﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّاِ ﴾

[ سورة العصر: 1-3]

 رحمة الله في إلا، عندنا أربع كلمات بعد إلا، إن فعلتها ألغيت الخسارة، قال تعالى:

﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾

[ سورة العصر: 1-3]

 فيا أيها الأخوة الكرام؛ الذي أتمناه أن يكون واضحاً لدى أخوتي الكرام أنك بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منك، لذلك قالوا: الأشياء المتحركة فيها طول وعرض وارتفاع، ولأنها تتحرك فيها بعد رابع هو الزمن، فأنت لك بعد رابع لأنك تتحرك، أما هذه الطاولة فلا تتحرك، لها أبعاد ثلاثة فقط؛ طول عرض ارتفاع، الذي يتحرك نضيف له بعداً رابعاً وهو الحركة، فالإنسان بعده الرابع هو الزمن، وهو بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه.

 

الزمن أثمن شيء يملكه الإنسان في حياته :

 الآن هناك نقطة دقيقة جداً هذا الزمن الذي هو أنت، هذا الزمن الذي هو رأس مالك، هذا الزمن الذي هو أثمن شيء تملكه، كيف ينفق؟ قال: ينفق بطريقتين؛ بطريقة استهلاكية و طريقة استثمارية، استيقظنا، صنعنا طعاماً، أكلنا، ذهب إلى العمل قد يكون موظفاً، قد يكون تاجراً، لا يهم، عنده عمل جلس سبع ساعات ركب سيارته جاء إلى البيت اصنعوا لنا طعاماً، أكل نام عند العصر، استيقظ عنده سهرة، أحياناً يكون هناك أدوار أسبوعية شهرية، سهرة عائلية، سهرة زملاء، لقاء أسبوعي أو سهرة مع الجيران للساعة الثانية عشرة، تعب نام استيقظ يتفاجأ بلحظة صعبة - يوجد شيء اسمه في المطار بوابة، كل إنسان عنده بوابة خروج- فكل واحد منا له بوابة خروج، هذا يخرج من الدنيا بحادث سير، هذا بموت طبيعي، كل واحد له بوابة، الحادث مثل البلورة كسرتها، أو أطفأتها، الموت الطبيعي أطفأتها، قطعت عنها الإمداد، أو حادث حطمها فقدت القدرة على استقبال الطاقة، هناك موت، لا يوجد إنسان على وجه الأرض أعقل ممن أعدّ لهذا اليوم عدته، أن عبدي رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبقَ لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت.

 

تمتع المؤمن بالأمن عند اتباع منهج الله :

 عقلك ذكاؤك تفكيرك فهمك توفيقك أن تعد لهذه الساعة، لكن تتزوج وتشتري بيتاً وتفرشه بذوق عال، وتستقبل الضيوف، وتعمل وليمة، وتحضر وليمة، و تسافر كله مسموح ما دام ضمن المنهج، لكن تأكل مالاً حراماً هذا ممنوع، يكون لك لقاء مع امرأة لا تحل لك ممنوع، أنت عندك منهج تمشي عليه، ما دام هناك منهج تمشي عليه عندك راحة نفسية هذه لا تقدر بثمن، المؤمن يتمتع بحالة من الأمن لا يتمتع بها غيره قطعاً، قال تعالى:

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴾

[ سورة آل عمران : 81-82]

 يتمتع بحالة من الأمن لا يمكن أن تتصور، هو عبد له، إله عظيم بيده كل شيء، هو أطاع هذا الإله، أدِّ الذي عليك واطلب من الله الذي لك.
 أيها الأخوة الكرام؛ والله بعملي الدعوي ألتقي بأشخاص ثم أفاجأ بأنهم توفوا، تراهم مؤمنين لهم خريف عمر جميل جداً، كنت مرة بحلب وأحد زملائي بالدعوة له شيخ في حلب، زرنا بيته، له بيت عربي صغير، نظافة غير معقولة، أقسم لكم بالله شعرت أن الجنة بهذا البيت، إذا الإنسان أمضى شبابه في طاعة الله له خريف عمر رائع جداً، تجد بناته أمامه، أولاده أمامه، بكل أدب، وهناك آباء يعاملون معاملة قاسية من أولادهم لا تعقل أبداً، أنت عندما تكون باراً بوالديك يكون أولادك في خدمتك بشكل يفوق حدّ الخيال، من الذي لا يحب أن يكون أولاده حوله بكل أدب؟ بكل خدمة؟ يكون مع والديه باراً بهما، هذه خدمة معوضة، بقدر برك لوالديك يبرك أولادك.

 

الثقة بالله و الاستقامة على أمره :

 فيا أيها الأخوة الكرام؛ قضية الدين قضية خطيرة، قضية حاسمة، وأساسية، كل إنسان أكل شرب نام عمل جمع أموالاً اشترى بيتاً ثم تزوج ثم حضر درساً، نجح في الشركة، وبعد ذلك ارتقى لأعلى منصب ثم وسع البيت ثم هناك موت، فهذه النهاية، سماها الله مصيبة الموت، أي فجأة الذي جمعته بثمانين سنة خطوة خطوة، وسعت البيت، نقلت عملك لمحل أرقى بشارع مزدهم تبقى تحسن، تحسن، هذه التحسينات التي استمرت ثمانين سنة يأتي الموت يخلصك إياها بثانية واحدة، توقف القلب لا المعمل لك، ولا البيت لك، ولا عندك شيء إطلاقاً، إذا الله عز وجل ابتلاه بمرض قبل الموت جاء أولاده و بصموه وهو نائم أحضروا أوراقاً بيضاء وهو لا يدري وأخذوا كل أملاكه وهو حي، والله كل قصة عندي بحكم عملي الدعوي يشيب لهولها الولدان، أحياناً شخص يضع ثقته بأولاده وهذا نوع من الشرك ضع ثقتك بالله عز وجل، فهذا الأب الذي أنت جهدت حتى يذهب إلى أمريكا ويحضر دكتوراه، لم يرجع إلى بلده وتزوج أمريكية ونسيك، ضن عليك برسالة كل شهر، أب وأم مثقفون ثقافة عالية، اعتنوا بابنهم عناية كبيرة، بذلوا كل شيء له، حتى أصبح دكتوراً أرسلوه ليحضر بورداً، فلم يعد إلى البلد و لم يراسلهم أو يخاطبهم، ضع أملك بالله عز وجل، اعتن بأولادك واجب لكن إياك أن تعلق آمالاً عليهم، عندما تعلق آمالك على غير الله عز وجل الله يؤدبك، أي جهة عندما تضع ثقتك بها وتنسى الله لا يأتيك الألم الشديد إلا من هذه الجهة.
 إنسان له صديق استلم منصباً رفيعاً جداً، قال له: إن لزمك خدمة أنا حاضر، فاطمأن هذا الشخص، مرة اضطر له دخل إلى عنده في المكتب ما قال له تفضل اجلس، ما المشكلة؟ هذه ممنوعة، هذا صار معه إحباط بشكل يفوق حدّ الخيال، عندما تضع أملك بشخص الله يغار، يأمر هذا الشخص أن يتخلى عنك، وإذا أملك بالله كل الناس في خدمتك، حتى أن الأعداء يخدمونك، وحينما تضع ثقتك بأقرب الناس إليك قد يتخلون عنك وأنت حي ترزق، أنا أقول: البطولة لا في مطلع العمر بل في خريف العمر، بعدما قطع الشخص الأربعين، الخمسين، الستين، بقي له عشر سنوات؟ عشرون؟ خمس عشرة؟ ثماني عشرة؟ هذه بين أن يقضيها بأجمل حياة بين أهله وأولاده وكنائنه وأصهاره معزز مكرم، وبين أن يتلقى إهمالاً؟! أحياناً لا يسمحون للأب أن يجلس مع الضيف، أبداً يقفلون الباب عليه، هناك آباء عندهم آلام بنفسهم لو وزعت على أهل بلد لكفاهم.
مرة أب والله شكا لي عن ابنه، الأب بالسبعين أو بالثمانين، أنا ما مرّ معي إنسان أكثر أناقة منه، هو أبيض البشرة، يلبس مانطو بني درجة أولى، مرة دخل إلى عند ابنه- ابنه صار رئيس جامعة- قال له: أبو فلان اجلس هناك، عنده عمداء الكليات، أشعرهم أن هذا ليس له علاقة، أبوه، هذا الأب كان يفتخر دائماً بولده، قال له: اقعد هناك، سيموت الأب، فأنا ماذا قلت له؟ قلت له: هل درس على حسابه أم على حسابك؟ قال: لا درس على حسابي، توقعته أخذ بعثة أو منحة، قال: لا أنا دافع عنه، كل دراسته على حسابي، بعد أن صار رئيس جامعة دمشق ما قدر أن يقول: هذا أبي، مع أني أشهد الله هو من أخواني ما شاهدت إنساناً بالثمانينات بأناقته، هو أنيق وأبيض ومرتب، استحى فيه، أنت ضع أملك بالله.
 والله أعرف مئة قصة أو أكثر، وضع أمله بأولاده تخلوا عنه، وأهملوه، أقول كلمة ثانية: لا تغلط وتكتب كل شيء لغيرك وأنت حي، إياك أن تغلط هذه الغلطة، شخص وضع كل شيء باسم بعض أولاده، والله أهملوه إهمالاً، أهانوه إهانات تفوق حدّ الخيال، أخذوا كل شيء منه، لم يعد له قيمة عندهم إطلاقاً، لا تغلط، دع شيئاً باسمك، دع شيئاً لا تحتاج لأحد، أحياناً هناك أخطاء مدمرة، فالإنسان إذا أمضى شبابه في طاعة الله وكهولته في طاعة الله- أنا من باب الوفاء الإلهي وإكرام العباد - له عند الله شيخوخة راقية، هذه الراقية أي محترم، معزز، مكرم، مبجل، وأساساً الإنسان عندما يتحرك هذه نعمة كبيرة، أنا أعرف قريبة لي تملك ملايين مملينة، أصيبت بالشلل، أول أسبوع خدمة عشر نجوم، كل أسبوع تنقص الخدمة بعد ذلك صاروا يقولون لها: خفف الله عنك، معها أموال طائلة، وكل الناس حولها بخيرها، ومع ذلك ضاق خلقهم منها، الله يخفف عنك، الإنسان يضع أمله بالله عز وجل، والاستقامة عين الكرامة، بالاستقامة أنت مكرم عند الله، والاستقامة أصل في الدين، أي شيء بالدين لا يوجد شيء قبله، عندما استقمت كنت على الطريق الصحيح .
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور