وضع داكن
19-04-2024
Logo
الدرس : 088 - الذوق في الإسلام 1 - الذوق أدب أصلي في الإسلام.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الذوق أدب أصلي في الإسلام :

 أيها الأخوة الكرام؛ من مسلمات هذا الدين أن الإسلام عقائد، وفكر، ومنطلقات نظرية، وعبادات؛ صلاة وصوم وحج وزكاة ونطق بالشهادة، ومعاملات؛ خلق وأمانة وتواضع، وآداب، يقال: إن الكلمات إذا تعددت ينبغي أن تتنوع، فاليوم الحديث عن بعض آداب الإسلام، هذه الآداب مصطلح أصلي في الإسلام يقابله مصطلح معاصر اسمه الذوق، في الإسلام أذواق، هذه الأذواق ليست فرائض ولا عبادات ولا عقائد ولكن أذواق، مثلاً جلسة في بيت، فيها تجار كبار، وفيها موظفون، من الذوق ألا يتحدث التاجر عن دخله الكبير وهناك موظف يمكن معاشه بربح يومي، يعمل له مشكلة، فليس من الذوق أن تتحدث عن دخلك في جلسة فيها تنوع، اشتريت بيتاً فخماً جداً وزارك أحد أقربائك الفقراء، ليس من الذوق أن تطلعه على تفاصيل البيت، وعلى مساحته، وعلى موقعه، هناك أشياء لا يوجد تحريم فيها لكنها ليست من الذوق، لذلك هذا اللقاء الطيب أتحدث فيه عن بعض أذواق الإسلام.

 

أدبيات التعامل :

 عندنا شيء اسمه: أدبيات التعامل، أو جمال التعامل، نفس مرهفة جميلة، موقف جميل، تصرف جميل، حركة جميلة، لمسة جميلة، كلمة جميلة، عن جمال النظام، عن جمال النظافة، جمال الأناقة، جمال التناسق، جمال الانسجام، جمال في البيت، جمال في مكان العمل، جمال في الطريق، جمال في الأماكن العامة، الحقيقة المؤلمة لم نهتم بهذه الجماليات الأولاد أحبوا أوربا، ترى الأناقة نظام، أنا مرة سافرت من لوس أنجلوس إلى مصيف يبعد عنهاا مئة كيلو متر، تشتهي أن ترى سنتمتراً لونه بني، كله أخضر، الطرقات كلها محددة، ورود على اليمين وعلى اليسار، اعتنوا ببلادهم عناية تفوق حدّ الخيال، أنا لا أقول هذا هو الدين، لا، عندما أنت تعتني ببلدك، تعتني بالمرافق العامة، هناك لمسات جمال ببلدك، هذا يشد أهلها إليها، لكن طبعاً بالدول النامية البيوت فيها أناقة كبيرة جداً، البيوت فقط، لكن ممكن أن يضع في الشرفة أثاثاً قديماً، عنده أجهزة غير مستعملة، منظر البيت من الخارج لا يرضي أبداً، أعرف أحد أخواننا يسكن إلى جانب سفير دول قوية، السفير أحبّ أن يغير طلاء البناء كله، فجاء استأذن الجار، أي لون يعجبك؟ اللون لك وليس لي، لفتة أنا أستأذن جاراً بلون الطلاء لعله لا يعجبه، فنحن حياتنا أحياناً تفتقر إلى الذوق، والذوق حالة راقية جداً بالإنسان، أي يعبرون عن الذوق نفس شفافة تفهم الخطأ، وتحرص على عدم الوقوع به، عندنا ابتسامة الابتسامة من الذوق، في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال عليه الصلاة والسلام :

((... َالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ))

[الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه]

 أذكر أنه دخل اعرابي على النبي صلى الله عليه وسلم نظر قال: أيكم محمد؟ ماذا تفهم من هذا الكلام؟ أعرابي لا يعرف النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليه في مجلسه قال: أيكم محمد؟ أي ليس له كرسي فخم جداً؟ لا يوجد وسادة تحته؟ أبداً مع أصحابه، يوجد روايتان، الأولى قال له: أنا، والثانية قال له صحابي: ذاك الوضيء.
 من كلمة أيكم محمد؟ يفهم منها حديث طويل، تواضعه؛ واحد من أصحابه، كانوا في سفر، و أرادوا أن يعالجوا شاة، يذبحون شاة ليأكلوها، فقال أحدهم: عليّ ذبحها، وقال الثاني: عليّ سلخها، وقال الثالث: عليّ طبخها، فقال عليه الصلاة والسلام: وعليّ جمع الحطب، فقال أحد الصحابة الكرام: نكفك ذلك، قال: أعلم أنكم تكفونني، ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه.
 أحياناً يكون هناك سفر مع بعض الأخوة يتقاسمون الخدمات، والله لا أقولها مفتخراً: لا يمكن ألا يكون لي دور في جلي الصحون، لا يمكن، أنا واحد منكم، أنت عندما تكون واحداً من أخوانك يحبونك، لكن إن صار هناك استعلاء، ومقام فلن يحبك أحد، إن لم يكن هناك مقامات أنت مؤمن، كن واحداً من عامة المؤمنين، كلما تواضعت يكثر من يحبونك، عندما تتكلم عن دخلك، عن بيتك، وأحياناً تتكلم عن أشياء ليست من المعقول إطلاقاً تتكلم عن زوجتك، بعضهم من قلة المروءة يتحدث عن الأهل بالتفاصيل، أنت موفق بزواجك لكن هذا الكلام لا يحكى، دع هذه النعمة بينك وبين ربك عز وجل، قال تعالى:

﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾

[سورة الضحى: 11]

 قد يفهم هذا النص فهماً خاطئاً، تحدث الناس بالنعم المشتركة؛ نعمة الأمن بهذا البلد، هذه نعمة لكن يتمتع بها كل الناس، نعمة أن هناك جوامع فيها دروس، النعم المشتركة حدث عنها لا يوجد مانع تنفيذاً لقوله تعالى:

﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾

[سورة الضحى: 11]

 أما النعم الخاصة فهذه ينبغي ألا تتباهى بها، لأن هذا قد يخلق مشكلة مع من حولك.

 

الإسلام منهج وعبادات ومعاملات وأذواق خارج البيت و داخله :

 أنا مضطر أنا أن أقول لكم: يتوهم الناس أن الشفافية، الأناقة، اللفتات الجميلة هذه من عند الغرب فقط، إذا الإنسان لم يدرس بمدرسة أجنبية لا يتخلق بهذه الأخلاق، هذا خطأ كبير جداً، الإسلام منهج وعبادات ومعاملات وأذواق.
 هناك إنسان يتربى على الأدب والرقي والذوق يظن الإسلام عكس ذلك، فتراه حينما يسمع كلمة متدين ينتظر منه عدم اللياقة، وعدم النظافة، وعدم النظام، صار الذوق عند هذا الإنسان الواهم حاجزاً بينه وبين التدين، وهناك إنسان يظن أن الإسلام في المسجد، أنا أقول لكم كلاماً دقيقاً: يظن الإنسان أن خارج البيت ينبغي أن يكون أنيقاً، عليه أن يلبس أفضل الثياب، معظم الناس يتزين، ويتعطر، ويرجل شعره، و يلمع حذاءه، هذا كله ظاهري خارج البيت، أما في البيت فلا يوجد سلطة عليه أبداً، لذلك ورد في بعض النصوص:

((خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي))

[الترمذي عن عائشة أم المؤمنين]

 هناك شخص خارج البيت لطيفاً، أنيق، ابتسامته على وجهه دائماً، يصافح، ينحني انحناء كاملاً، يعظّم الضيف، هذا مقبول لكن هل من المعقول أن يكون كل لطفك وذكائك وأنوستك- من الإيناس- ومحبتك خارج البيت أما في البيت فظاظة وكلام قاس؟! لذلك أنا أقول: بطولتك أن تكون في البيت جيداً لأنه هو الكاشف الحقيقي، والدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم:

((خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي))

[الترمذي عن عائشة أم المؤمنين]

 كلمة أقولها تجاوزاً: هناك عيد في بيتك إما بدخولك أو بخروجك، هناك أب إذا خرج ارتاحوا، تنفسوا الصعداء، قاس في البيت، كلامه قاس، يضرب أحياناً، يدفع الأبواب بعنف، يخرج من البيت يرتاح الجميع منه، فصار العيد بخروجه، لكن بطولتك أن يكون العيد بدخولك، علامة أبوتك الصالحة أن يكون العيد بدخولك لا بخروجك.

 

عبادة الذوق عبادة راقية جداً :

 أيها الأخوة الكرام؛ الرقي، الذوق، الأدب، النظام، هذه أصول في الدين كبيرة جداً، أي إذا لم يكن المؤمن عنده ذوق من الذي عنده ذوق؟ الذي عرف الله عز وجل، اتصل بالرحيم، اتصل باللطيف، اتصل بالحسيب يحاسب نفسه، والله المؤمن أحياناً يتكلم كلمة خطأً لا ينام الليل، لذلك ورد:

(( لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ تَعالى فَيَغفِرُ لَهُمْ))

[ مسلم عن أبي هريرة رضي اللّه عنه ]

 معنى الحديث إن لم تشعروا بذنوبكم، المؤمن يحاسب نفسه حساباً عسيراً، والله أثنى على النفس اللوامة، قال تعالى:

﴿ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ﴾

[سورة القيامة: 1-2]

 فالعبادة هذه عبادة راقية جداً، عبادة الذوق، أو عبادة الخلق، من هو الشخص الذي يتمتع بأعلى مستوى في الأرض؟ رسول الله، أوتي الوحي، أوتي الحكمة، أوتي القرآن، أوتي البيان، لو ذهبت تتحدث عن خصائصه لا تنقضي، كأن الله عز وجل يقول له: أنت، أنت يا محمد على كل هذه الخصائص:

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾

[ سورة آل عمران: 159 ]

 أقول لكم هذا القانون: هذا القانون أنا أسميه: قانون الالتفاف والانفضاض، إما أن يلتف أولادك حولك، أو أن ينفضوا عنك، يأتي الأب تجد هذا دخل إلى غرفته، وهذا دخل إلى هنا، ابتعدوا، وإما أن يلتف أولادك حولك، بطولتك أن يلتفوا حولك، أولادك، أقرباؤك، أصدقاؤك في العمل، يحبونك، دخلت سلموا عليك كلهم، فلذلك الآية تقول:

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾

[ سورة آل عمران : 159 ]

 هذه الباء باء السبب، أي يا محمد بسبب رحمة استقرت في قلبك من خلال اتصالك بنا كنت ليناً معهم، فلما كنت ليناً معهم التفوا حولك، هذا الالتفاف، لو كان الإنسان بعيداً عن الله، منقطعاً عن الله، يمتلئ القلب قسوة، وهذه القسوة تنعكس على الناس غلظة وفظاظة، قال تعالى:

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾

[ سورة آل عمران: 159 ]

 ممكن أن تشير هذه الآية إلى قانون الالتفاف والانفضاض، قال تعالى:

﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾

[ سورة آل عمران : 159 ]

ثناء الله عز وجل على النبي الكريم بخلقه العظيم :

 هناك تعريف للإيمان جامع مانع، تعريف لابن القيم الجوزية، قال: الإيمان هو الخلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان.
 فلما النبي صلى الله عليه وسلم أراد الله أن يثني عليه، أي آتاه القرآن، آتاه الوحيين، وحي متلو هو القرآن، ووحي غير متلو هو كلامه صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:

﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾

[ سورة النجم: 3-4 ]

 آتاه البيان، الفصاحة، آتاه الجمال، لو ذهبت تعدد الذي آتاه الله إياه لما انتهيت، لكن لما أراد الله أن يمدحه قال تعالى:

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾

[ سورة القلم : 4]

 أنت قدمت لابنك مثلاً سيارة ليس من المعقول أن تعمل له حفل تكريم من أجل السيارة، هذه منك وليس منه، لكن عندما يأتي بالدرجة الأولى بالشهادة التوجيهية تعمل له حفل تكريم، التكريم بما هو متفوق فيه، فلذلك الله عز وجل حينما أثنى على النبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى:

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾

[ سورة القلم : 4]

 أي النبي صلى الله عليه وسلم قال الله عنه :

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾

[ سورة القلم : 4]

الزمن أثمن شيء يملكه الإنسان :

 وقد لا يخطر في بالكم أن الله عز وجل أقسم بعمر النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:

﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾

[ سورة الحجر : 72]

 لعمرك؛ هذه لام القسم، أقسم الله بعمر النبي صلى الله عليه وسلم، فلذلك المؤمن أثمن شيء وقته، الوقت يمضيه في طاعة الله، في الدعوة إلى الله، في خدمة الخلق، في التقرب إلى الحق، أنت وقت، التعريف الجامع المانع للإنسان أنه زمن، هو بضعة أيام ، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه، ولأنك زمن أقسم الله بمطلق الزمن، قال تعالى:

﴿ وَالْعَصْرِ﴾

[ سورة العصر : 1 ]

 أقسم الله بمطلق الزمن، جواب القسم:

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾

[ سورة العصر: 2 ]

 جواب القسم أيها الإنسان أنت خاسر لا محال لماذا؟ قال: لأن مضي الزمن يستهلكه، كل واحد منا له عمر، والله أعلم إذا كان عمره عند الله فرضاً ثلاثاً وتسعين سنة وستة أشهر وثلاثة أسابيع وأربعة أيام وثلاث ساعات وثماني دقائق وسبع ثوان، كلما نظر إلى عقرب الثوان مشى حركة نقص العمر ثانية، فأنت زمن، بضعة أيام ، كلما انقضى يوم انقضى بضع منك، لأنك زمن أقسم الله لك بمطلق الزمن، لأن الزمن هو أنت، ولأن الزمن هو رأس مالك الوحيد، ولأن الزمن هو أثمن شيء تملكه.

 

أركان النجاة :

 أيها الأخوة الكرام؛ هذا الزمن ينفق إنفاقين؛ إنفاق استهلاكي كما يفعل معظم الناس، وإنفاق استثماري، عندما نأكل ونشرب ونسهر ونتكلم بالدنيا فقط وما صدر عن الجزيرة، وعن المحطة الفلانية، فقط نحكي أخباراً، ولا يأتي في بالنا الواحد الديان، أبداً، ولا دينه، ولا عظمته، ولا المصير، نتكلم بالدنيا ونرجع إلى البيت نأمل وننام ونستيقظ للعمل، نتغدى الظهر، ننام ساعتين، عندنا سهرة، عندنا لقاء، نقضي حياتنا بإنفاق استهلاكي للزمن، فنحن خاسرون، قال تعالى:

﴿و العصر* إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾

[ سورة العصر : 1-2 ]

 أنت زمن، أنت أيام، كلما مضى يوم راح منك يوم، لكن من هو الذكي الموفق العاقل؟ الذي ينفق هذا الوقت إنفاقاً استثمارياً، أي يفعل في الوقت الذي سينقضي عملاً ينفعه بعد مضي الوقت، لذلك قال تعالى:

﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾

[ سورة العصر : 1-3 ]

 أولاً: آمنوا، قال تعالى:

﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾

[ سورة العصر : 3 ]

 ثانياً: وعملوا الصالحات، ثالثاً: وتواصوا بالحق، رابعاً: وتواصوا بالصبر، أربعة أشياء تلغي خسارتك، أربعة أشياء سماها الإمام الشافعي أركان النجاة، لذلك: لا بورك لي في طلوع شمس يومٍ لم أزدد فيه من الله علماً، ولا بورك لي في طلوع شمس يومٍ لم أزدد فيه من الله قرباً.

 

بطولة الإنسان لا أن يعيش الماضي بل يعدّ للمستقبل :

 من هو المغبون؟ المغبون من تساوى يوماه، أيام متكررة لا معنى لحياته إطلاقاً، أكلنا وشربنا وسهرنا ونمنا حتى تطبع النعوة أو حتى يحس بمرض، لا يوجد إنسان لا يمرض، أو لا يوجد إنسان لا يوجد عنده بوابة خروج، كيف أن هناك بالمطارات بوابات خروج، يقول لك: رقم البوابة الخاص بنا: سبعة وستون، يوجد بوابة يخرج منها، وكل واحد منا له بوابة يخرج منها، هذا يموت بحادث، حادث سير أحياناً، هذا موت طبيعي.
 فلذلك أخواننا الكرام؛ بطولتك وذكاؤك لا أن تعيش الماضي، ولا أن تعيش الحاضر، بل أن تعيش المستقبل، وأخطر حدث في المستقبل مغادرة الدنيا، تصور بيتاً أربع غرف وصالون؛ غرفة الضيوف فيها فرش فخم جداً، وثريات، وديكورات، وجبصين، هناك أناقة بالبيت ثم أين؟ إلى القبر، والله أشاهد الذكاء كله أن تعد للقبر، أذكر أن شخصاً من الصالحين له بيت واسع جداً، حفر قبراً في بيته عنده ساحة كبيرة كان يضطجع كل يوم خميس ويتلو قوله تعالى:

﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾

[ سورة المؤمنون : 99-100]

 فيخاطب نفسه ويقول: قومي لقد أرجعناك.

 

بطولة الإنسان أن يدخل الموت بحساباته اليومية :

 البطولة أن كل إنسان يدخل الموت بحساباته اليومية، أنا كل يوم أدخل إلى البيت بشكل عامودي، وهناك مرة سوف أخرج بشكل أفقي، فكر بهذا الخروج، إذا تأخر الرجل يقولون له: لماذا لم تخبرنا؟ أما إذا دفنوه لن يخبرهم أبداً، ما جاء أبوكم؟ دفناه وانتهى لم يبق أب أساساً، هذه الساعة الحقيقة مؤلمة جداً اجعلها عيداً، الموت دققوا:

(( تحفة المؤمن الموت ))

[الطبراني، وأبو نعيم، والحاكم، والبيهقي، عن ابن عمر]

 الموت جنة المؤمن، اجهد أن يكون الموت تحفة لك، وجنة لك، الموت عرس المؤمن، أنا أشبه الموت- وكلامي دقيق - بإنسان ذكي جداً جداً لكنه فقير جداً جداً، استطاع أقرباؤه أن يساعدوه ببطاقة طائرة إلى أمريكا ودخول الجامعة، ما معه مصروف يشتغل في النهار بجلي الصحون وفي الليل يدرس، أمضى سبع سنوات من أصعب سنوات حياته كلها جهد في النهار و الليل إلى أن نال الدكتوراه، موعود ببلده إذا أخذ الدكتوراه سيكون وزير صحة مثلاً، طبعاً ما معنى وزير صحة؟ أي عنده بيتان أو ثلاثة، سيارتان أو ثلاث، دخل فلكي مثلاً، مكانة اجتماعية، صار سيادة الوزير، وضع رجله بعدما درس وتعب وأخذ الشهادة وصدقها وضع رجله في سلم الطائرة، وضع رجل هذا الطالب في سلم الطائرة هو الموت عند المؤمن، انقضى عهد التكليف، وجاء عهد الإكرام، قال تعالى:

﴿ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾

[ سورة ق : 35]

 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور