وضع داكن
28-03-2024
Logo
مختلفة تونس : 1 - محاضرة في مدينة صفاقس ، جامع اللخمي - عبادة التفكر من خلال الآيات الكونية أوسع باب ندخل بها إلى الله وأقصر طريق إليه.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارض عنا وعنهم يا رب العالمين. اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

تسخير الكون للإنسان تسخير تعريف و تكريم :

 أيها الأخوة الكرام؛ الإنسان هو المخلوق الأول عند الله، الأول رتبة، لأن الله سبحانه وتعالى في عالم الأزل حينما خلق الخلائق نفوساً لا صوراً عرض عليها الأمانة، قال تعالى:

﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾

[سورة الأحزاب:72]

 لأن الإنسان قبِل حمل الأمانة كان المخلوق الأول عند الله، لذلك سخر الله له ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه تسخير تعريف و تسخير تكريم، موقف المؤمن من تسخير التعريف أن يؤمن، وموقفه من تسخير التكريم أن يشكر، بماذا كرمنا ربنا؟ كرمنا بنعمة الإيجاد، قال الله تعالى:

﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا﴾

[سورة الإنسان:1]

 افتح كتاباً طبع قبل ولادتك، في أثناء طبع الكتاب من أنت؟ أين كنت؟

﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا﴾

[سورة الإنسان:1]

 إذاً تكرم الله علينا بنعمة الإيجاد، أنت موجود، وتفضل الله علينا بنعمة الإمداد، أمدك بالهواء، بالماء، بالزوجة، بالأولاد، بالطعام، بالشراب، وتفضل علينا بالإمداد، وتفضل علينا بنعمة الهدى والرشاد، نعمة الإيجاد ونعمة الإمداد ونعمة الهدى والرشاد، موقفك من تسخير التعريف أن تؤمن، وموقفك من تسخير التكريم أن تشكر، الآية تقول:

﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا﴾

[سورة النساء:147]

 أنت حينما تؤمن وحينما تشكر تحقق الهدف من وجودك، وحينما تحقق الهدف من وجودك تتوسط المعالجات الإلهية على مستوى الفرد.

 

محبة الإنسان للسلامة و السعادة و الاستمرار :

 إن أردت أن تسلم هل هناك إنسان في الأرض من السبعة مليارات والمئتي مليون لا يتمنى السلامة؟ من يحب المرض؟ من يحب الفقر؟ من يحب القهر؟ ما من واحد على وجه الأرض إلا ويتمنى السلامة، والسلامة ترافقها السعادة، وأي إنسان يتمنى السعادة، صحته طيبة، زوجته صالحة، أولاده أبرار، بناته متفوقات، له مكانة بالمجتمع، شيخ الأزهر الذي شرح مفردات القرآن عاش مئة وثلاثين سنة، فالإنسان يحب السلامة والسعادة والاستمرار، سلامتك بالاستقامة، لأنك أعقد آلة في الكون، وهذا التعقيد تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز، ولأن لك صانعاً عظيماً وحكيماً، ولهذا الصانع العظيم تعليمات التشغيل والصيانة، لأنك آلة، أنت أعقد آلة هناك تعليمات للتشغيل والصيانة، فانطلاقاً من حبك لذاتك، انطلاقاً من أنانيتك ينبغي أن تتبع تعليمات الصانع، لأن تعليمات الصانع تؤدي إلى السلامة، وتحقيق الأمن، لأن الصانع هو الجهة الوحيدة التي ينبغي أن تتبع تعليماتها، لأنها الجهة الخبيرة، قال تعالى:

﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾

[سورة فاطر:14]

 فالقضية قضية سلامة وسعادة واستمرار، مثلاً إنسان يمشي في الطريق، رأى لوحة: أمامك خط توتر كهربائي عال، ممنوع الاقتراب، خطر الموت، هل يشعر أن هذا التنبيه وضع حد لحريته أم ضمان لسلامته؟ في اللحظة التي تفهم أوامر الدين ضماناً لسلامتك فأنت فقيه، بشكل أو بآخر أحب نفسك، إن أحببتها بحثت عن طرق سلامتها، وعن طريق سعادتها، وعن طريق استمرارها، السلامة بالاستقامة، السلامة سلبية يقول لك: أنا ما كذبت، أنا ما أكلت مالاً حراماً، كل استقامة فيها ما، العمل سلبي، أما العمل الصالح فدفعت من مالك الحلال، من وقتك الثمين، قدمت خبراتك للمسلمين، قدمت اهتمامك، قدمت مالك، السلامة قبلها ما، ما أكلت مالاً حراماً، ما غششت، ما كذبت، أما العمل الصالح فدفعت، أسست معهداً شرعياً، رعيت طالب علم، ربيت أولادي، عرفتهم بالله عز وجل، إذا أخ كريم أرسل ابنه إلى باريس لينال الدكتوراه من السوربون، هذه المدينة العملاقة الكبيرة المترامية الأطراف فيها معامل، فيها متاجر، فيها دور سينما، فيها مسارح، فيها دور سكن، فيها مؤسسات، فيها دور للحكومة، هذه المدينة العملاقة، إذا كان الطالب أرسله والده إلى باريس لينال الدكتوراه من السوربون نقول له في لغة العصر: علة وجودك في هذه المدينة نيل الدكتوراه، لأنك إذا عرفت علة وجودك عندك جزئيات، أولاً تختار بيتاً قريباً من الجامعة، توفر الوقت والجهد والطريق، تصاحب طالباً يتقن اللغة الفرنسية تماماً، تختار مجلة متعلقة باختصاصك، عندما يكون هدفك واضحاً ينبع من الهدف الواضح مليون جزئية، وأنت عندما تريد أن تعرف الله، حينما تريد أن تصل إليه، حينما تريد أن تصطلح معه، حينما تريد أن تخطب وده، هذه الإرادة توجد أمامك آلاف الجزئيات التي تحقق هذه الإرادة، فلذلك:

(( ما من عبد يعتصم بي دون خلقي أعرف ذلك من نيته، فتكيده السموات بمن فيها إلا جعلت له من بين ذلك مخرجاً، وما من عبد يعتصم بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته إلا قطعت أسباب السموات بين يديه ))

[ رواه ابن عساكر عن كعب بن مالك ]

(( مَنْ كانَتِ الآخرةُ هَمَّهُ، جعل الله غِناه في قلبه، وجمع عليه شَمْلَهُ، وأتَتْهُ الدنيا وهي راغِمَة، وَمَنْ كانت الدنيا هَمَّه، جعل الله فَقْرَه بين عينيه، وفَرَّق عليه شَمْلَهُ، ولم يأتهِ من الدنيا إلا ما قُدِّر له ))

[الترمذي عن أنس بن مالك ]

(( ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء ))

[تفسير ابن كثير]

الإنسان كائن متحرك تحركه حاجات ثلاث :

 أيها الأخوة الكرام؛ فأنت حينما تتوجه إلى الله - والله لا أبالغ، والله لا أبالغ، والله لا أبالغ- إن لم تقل: ليس في أهل الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني، معنى هذا أنت عندك مشكلة، أنت مع من؟ مع الخالق، مع الرب، مع المسير، مع العظيم، مع الرحيم، مع الغني، مع القوي، كل ما في الأرض من جمال، جمال الطبيعة من جبال خضراء، بحار رائعة، طفل صغير له وجه يأخذ بالألباب، كل أنواع الجمال من جمال الله، لذلك:

فـلو شاهدت عيناك من حسننـــا  الذي رأوه لما وليت عنــــــــــا لغـيرنــا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنا  خلعت عنك ثياب العجب وجئتنـــــــــا
ولو ذقت مـن طعم المحبـــة ذرة  عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنـــــــــــا
ولو نسمت من قربنا لك نسمـة  لمــــت غريباً واشتيـــــــــاقاً لقربنـــــــــــا
ولو لاح من أنوارنـــــــا لك لائح  تركت جميـــع الكائنات لأجلـــنـــــــــــــــا
فما حبنا سهل وكل من ادعــى  سهولته قلنا له قــــــــــــد جهلتنــــــــــــا
فأيسر ما في الحب للصب قتله  وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنـــا
***

 أخواننا الكرام؛ الحقيقة الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، والأقوياء أخذوا ولم يعطوا، والناس جميعاً أتباع لقوي أو لنبي، اسأل نفسك سؤالاً دقيقاً: ما الذي يسعدك أن تعطي أم أن تأخذ؟ إن كان الذي يسعدك أن تعطي فأنت من أتباع الأنبياء، لأنهم أعطوا ولم يأخذوا، وإن كان يسعدك أن تأخذ فأنت من أتباع الأقوياء، وقد يتسامح مع المؤمن يأخذ ويعطي، لكن لابد من أن تعرف هويتك، أنت من أتباع الأنبياء همك العمل الصالح، أي القصة الدقيقة نحن خلقنا للجنة فقط، الدليل قال تعالى:

﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى *إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ٍ﴾

[سورة الليل:1-4]

 سبعة مليارات ومئتا مليون، كل واحد منهم بذهنه شيء، هذا يريد وظيفة، هذا يريد زواجاً، هذا عنده دعوى يقيمها على إنسان، لكن الله عز وجل جمع كل هؤلاء الحركات، سبعة مليارات ومئتا مليون كائن متحرك، ما الذي يحركهم؟ بالمناسبة أعتقد أن هذه الطاولة كائن ساكن، لو تركتها مئة عام ستبقى في مكانها، كائن ساكن، أما أنت فكائن متحرك، ما الذي يحركك؟ الحاجة إلى الطعام والشراب حفاظاً على بقاء الفرد، وما الذي يحركك؟ أكلت وشربت ودرست وكبرت وأخذت الليسانس، تريد الزواج بحاجة للطرف الآخر، ذكور وإناث طبعاً، هذه الحاجة من أجل بقاء النوع، الطعام والشراب من أجل بقاء الحياة، من أجل أن تبقى حياً أنت وحدك تأكل وتشرب، أما حينما تتزوج فمن أجل بقاء النوع، عندنا حاجة ثالثة أكلت وشربت وتزوجت تحب أن تكون أول مهندس، أول طبيب، تحب أن يشار إليك بالبنان- التفوق - التفوق من أجل بقاء الذكر، تأكل من أجل بقاء الفرد، تتزوج من أجل بقاء النوع، تتفوق من أجل بقاء الذكر، وهذه الحاجات الثلاث متوافرة في الدين بأعلى مستوى.

 

عقيدة الجبر أخطر عقيدة فاسدة تشلّ الأمة :

 لاحظ ما معنى إنسان؟ هذا الإنسان الذي قبِل حمل الأمانة في عالم الأزل، فلما قبِل حمل الأمانة كان إنساناً، عندما كان إنساناً كلفه الله أن يعبده، قال تعالى:

﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾

[سورة الذاريات:56]

 من أدق تعريفات العبادة: هي طاعة طوعية، هو خلقك، أمرك بيده، حياتك بيده، رزقك بيده، سعادتك بيده، من فوقك بيده، من تحتك بيده، الأقوياء بيده، الطغاة بيده، كل شيء بيده، ومع كل ذلك ما أراد أن تعبده إكراهاً، قال تعالى:

﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾

[سورة البقرة:256]

 أرادك أن تأتيه محباً، أراد أن تأتيه برغبة منك، أراد أن تكون العلاقة به علاقة حب، قال الله تعالى:

﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾

[سورة المائدة:54]

 أي ممكن لو شاء الله لهدى الناس جميعاً، هذا الهدى القسري لا يسعدهم، مثلاً شخص معه سلاح ورأى إنساناً معه حاجة مهمة فقال له: أعطني هذه الحاجة أو أقتلك، إذا قدمها له هل يحس أنه عمل عملاً صالحاً؟ هذا ليس عملاً صالحاً، هذا مقهور، حينما يلغى الاختيار، أنا لا أبالغ في بعض الدعوات توحي لطلاب العلم أن كل شيء مقدر عليك سلفاً، ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له: إياك إياك أن تبتل بالماء، أخطر عقيدة فاسدة تشل الأمة عقيدة الجبر، أما القرآن ماذا يقول؟

﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾

[سورة الإنسان:3]

﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾

[سورة الكهف:29]

 هذه الثانية:

﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ﴾

[سورة الأنعام:148]

 هي الجبر، مستحيل وألف ألف مستحيل أن يجبرك الله على أعمالك، أما قوتك بيده، الانبعاث منك، أردت أن تصلي وقفت لتصلي أمدك الله بقوة، الفعل فعله لكن الانبعاث منك، فلذلك أنت مخير، إنسان شارب خمر سيق إلى سيدنا عمر فقال: أقيموا عليه الحد، فقال: يا أمير المؤمنين إن الله قدَّر عليّ ذلك، قال: أقيموا عليه الحد مرتين، مرة لأنه شرب الخمر ومرة لأنه افترى على الله، قال له: ويحك يا هذا إن قضاء الله لم يخرجك من الاختيار إلى الإجبار، أي مستحيل وألف ألف مستحيل أن تتوهم أن الله قد أجبرك على المعصية، لو أن الله أجبر عباده على الطاعة- الكلام للإمام الحسن- لبطل الثواب، ولو أجبرهم على المعصية لبطل العقاب، ولو تركهم هملاً لكان عجزاً في القدرة، إن الله أمر عباده تخييراً، ونهاهم تحذيراً، وكلف يسيراً ولم يكلف عسيراً، وأعطى على القليل كثيراً.
 أتمنى ألا يخطر في بالك ثانية أنك مجبر، أنت مخير، أنت بشرفة في الطابق العاشر، والشرفة مطلة على ساحة، يوجد طريقان؛ طريق إلى دار لهو، وطريق إلى الجامع، أنت رأيت شخصاً يتجه إلى الطريق الأول وهو لا يراك، ولا يعلم بوجودك، لكن عندما رأيته يسلك طريق الملهى معنى هذا أنه ذاهب إلى الملهى، مشى بطريق ثان، فعلم الله علم كشف فقط، لو علم جبر انتهى الدين، انتهى الثواب والعقاب، والجنة والنار، انتهى كل شيء، إن الله أمر عباده تخييراً ونهاهم تحذيراً، وكلف يسيراً ولم يكلف عسيراً، وأعطى على القليل كثيراً، ولم يعص مغلوباً ولم يطع مكرهاً.
 إذاً أول شيء أؤكد أنه إياك أن تتوهم أن الله يجبر عباده على المعصية مستحيل، قال الله تعالى:

﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾

[سورة الكهف:29]

﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾

[سورة الإنسان:3]

التفكر أعلى عبادة على الإطلاق :

 أما الآية الأصل الأصل:

﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ﴾

[سورة الأنعام:148]

 إذاً لأنك قبلت حمل الأمانة سخر الله لك ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه تسخير تعريف وتكريم، الآن بربكم أنت تفتح القرآن تجد آية أمر، هذه الآية ماذا تأمرني؟ أن تأتمر، تجد آية نهي هذه الآية ماذا تقتضي منك؟ أن تنتهي، هذه الآية هي قصة عن نبي عظيم القصة تقتضي أن تتعظ، وإذا كان هناك ألف وثلاثمئة آية تتحدث عن الكون، ألف وثلاثمئة آية هذه الآيات التي تتحدث عن الكون ماذا تقتضي منك؟ أن تتفكر، لذلك العلماء قالوا: أعلى عبادة على الأطلاق عبادة التفكر، لأن هذه العبادة تضعك وجهاً لوجه أمام عظمة الله، ولأن هذه العبادة أوسع باب ندخل منه على الله، وأقصر طريق إلى الله، لأنها تضعك وجهاً لوجه أمام عظمة الله.

 

آيات كونية تتحدث عن عظمة الله :

 كلكم يعلم أن هناك شمساً وأرضاً، الشمس أكبر من الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة، أي يدخل في جوف الشمس مليون وثلاثمئة ألف أرض، وبينهما مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر، اقرأ القرآن، قال تعالى:

﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ﴾

[سورة البروج:1]

 الأرض في دورتها حول الشمس تمر باثني عشر برجاً، أحد هذه الأبراج هو برج العقرب، لو إنسان صور هذا البرج ووصل الخطوط يشكل عقرباً، في هذا البرج نجم صغير أحمر اللون، متألق، هذا النجم الصغير في برج العقرب يتسع للأرض والشمس مع المسافة بينهما، هذا الإله العظيم يعصى؟ ألا يخطب وده؟ ألا ترجى جنته؟ ألا تخشى ناره؟

تعصي الإله وأنت تظهر حبه  ذاك لعمري في المقال شنيع
لو كان حبــــــك صادقاً لأطعته  إن المحـــب لمن يحب يطيع
***

 أخواننا الكرام؛ الأرض تدور حول الشمس- كلامي دقيق و أدعو الشباب المثقفين لينتبهوا جيداً- هذه الأرض تدور حول الشمس إلا أن مسارها حول الشمس مسار بيضوي، أي إهليلجي ليس دائرياً، معنى مسار بيضوي أن هذا المسار له قطران؛ قطر أطول وقطر أصغر، الأرض هنا بالقطر الأطول الآن باتجاه القطر الأصغر، أعظم قانون للجاذبية متعلق بالكتلة والمسافة، تزداد الجاذبية بالكتلة الكبيرة، وتقل بالكتلة الصغيرة، تزداد بالمسافة القصيرة، وتضعف بالمسافة الطويلة، فلما وصلت الأرض إلى هنا قصرت المسافة، فإذا قلت المسافة ازداد الانجذاب، فلا بد من أن تنجذب الأرض إلى الشمس، وإذا انجذبت الأرض إلى الشمس تبخرت في ثانية واحدة، الخمس قارات المنشآت كلها والبنتاغون معهم تبخرت في ثانية واحد، ماذا يحصل؟ قال: الأرض هنا ترفع سرعتها لينشأ من رفع السرعة قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة فتبقى على مسارها، اقرأ القرآن:

﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾

[سورة فاطر:41]

 أن تبقى الأرض على مسارها، لولا أنها تبقى على مسارها حينما تقترب من الشمس تنجذب إليها وتتبخر في ثانية واحدة، تتابع الآن وصلت إلى القطر الأطول، المسافة طالت، الجاذبية ضعفت، تفلتت، فإذا تفلتت الحرارة بالأرض بعد التفلت مئتان وخمسون تحت الصفر، تنتهي الحياة، تنتهي الحياة إذا انجذبت، وتنتهي الحياة إذا تفلتت، من يمسك السموات والأرض أن تزولا؟ إنه الله.

 

التفكر في خلق الإنسان أكبر آية على عظمة الله :

 أخواننا الكرام، ألف وثلاثمئة آية بالقرآن، آيات كونية تتحدث عن عظمة الله، وعن خلق الإنسان، كل واحد عنده ثلاثمئة ألف شعرة، لكل شعرة وريد وشريان وعصب وعضلة وغدة دهنية وغدة صبغية، لكن لا يوجد عصب حسي، لو كان هناك عصب حسي لكنت بحاجة لمستشفى إذا أردت الحلاقة، بحاجة لعملية جراحية وتخدير كامل، ما هذه الحكمة العظيمة!؟ الشعر ليس فيه أعصاب حسية، أي خلق الإنسان شيء مهم، أنا أمامي كأس ماء أخواني الكرام والله الذي لا إله إلا هو في هذا الماء خاصية لولاها ما كان هذا المسجد، ولا كان هذا اللقاء، ولا كانت تونس كلها، ولا إفريقيا، ولا آسيا، ولا الشرق الأوسط، ولا كانت الأرض، هذا الماء كأي عنصر آخر، نحن عندنا قاعدة التمدد بالحرارة، الجمادات والسوائل والغازات تتمدد بالحرارة وتنكمش بالتبريد، إلا الماء له خاصة سخنه للأربعين ثم برده إلى الثلاثين فالعشرين فالعشر فالخمس دقق زائد أربع يتمدد، اقتنيت مجلة أميركية من ثمانين صفحة كيف ينعكس القانون، عندما يصل الماء إلى زائد أربع يتمدد، احضر زجاجة املأها ماء، وضعها في الثلاجة تنكسر الزجاجة، الماء في الدرجة زائد أربع فما دون يتمدد، لولا هذا التمدد كل الطبقات المتجمدة في البحار تزداد كثافتها كأي عنصر فتغوص، تتجمد الطبقات فتزداد الكثافة فتغوص، إلى أن تتجمد البحار كلها، وينعدم التبخر، وتنعدم الأمطار، وتموت النباتات، ويموت الحيوان، ويموت الإنسان، كل الحياة في الأرض على هذا القانون تعتمد، الماء على درجة زائد أربع يتمدد، ما هذا القانون؟ قانون الماء وحده يؤثر على حياتنا جميعاً.
 كلكم يعلم أن هناك دورة دموية بالإنسان، دورة كبرى للجسم، ودورة صغرى للرئتين، هذا الطفل في رحم أمه لا يوجد هواء عنده، هل يتنفس؟ لا، الرئتان معطلتان، كيف تتم الدورة الدموية؟ الله عز وجل فتح ثقباً في القلب بين الأذينين فبدل أن يذهب الدم إلى الرئتين كي يصفى ويأتي بالأوكسجين، لا يوجد هواء في رحم الأم، ما الذي يحصل؟ قال: الدم ينتقل من أذين إلى أذين، وذلك الطريق مغلق، والجهاز معطل، الآن الطفل ولد فتأتي جلطة تغلق هذا الثقب، بيد من هذه الجلطة؟ يترك الله كل أربعمئة أو خمسمئة ألف ولادة طفلاً الجلطة لا تغلق الثقب، الطفل لونه أزرق، اسمه داء الزرق يموت بعد أسبوع، حياتنا كلها مربوطة بإغلاق هذا الثقب، اكتشفه عالم فرنسي اسمه بوتال، سموه ثقب بوتال، بيد من تأتي جلطة تغلق هذا الثقب؟ الآن العمل الجراحي تطور، عملية إغلاق الثقب تكلف نصف مليون ليرة.
 هذا الطفل الآن ولد يريد أن يأكل يضع شفتيه على حلمة ثدي أمه فيحكم الإغلاق يسحب الهواء يأتيه الحليب، آلية معقدة من علمه إياها؟ هذا سموه: منعكس المص، لولاه لما كان هذا الدرس، منعكس المص شيء مذهل.
 أنت عندك جيش خطير جداً هو الكريات البيضاء جيش بكل معاني الكلمة، فيه قيادة وفيه عناصر مقاتلة وفيه عناصر خدمات وفيه عناصر تصنع السلاح، هذا الجيش تدخل جرثومة الكريات البيضاء تتجه إليها وتأخذ شيئاً منها وتذهب إلى المختبر، المختبر يصنع مصلاً مضاداً، هذا المختبر عنده ذاكرة تمتد إلى مئة عام, لو أن إنساناً بعد سبعين سنة يصاب بهذا المرض المصل جاهز، هذه المناعة، المصل جاهز، فالكريات البيضاء منها كريات مقاتلة تحمل المصل المضاد وتقاتل الجرثومة، وكريات مصنعة - معامل الدفاع - تصنع السلاح، و كريات استخباراتية مستطلعة تذهب إلى المكان الملتهب وترى ما نوع المصل المطلوب، وكريات خدمات صار هناك فضلات ومادة آسنة، إنسان يده التهبت يظهر القيح، هذا القيح كيف يذهب؟ يوجد فرع خدمات، فرع مقاتل، فرع عنده معلومات، هذه الكريات البيضاء.
 الآن بجانب القلب غدة صغيرة التيموس، قبل عشرين سنة تفتح كتب الطب تقول: لا وظيفة لها، كنت في أمريكا وقدموا لي بحثاً مترجماً من اللغة الإنكليزية إلى العربية، هذه الغدة أخطر غدة في جسم الإنسان، التيموس الكريات البيضاء جنود معها أسلحة فتاكة لكنها جاهلة، اسمها الخلية الهمجية، تبقى في هذه الغدة سنتين تتعلم من هو الصديق ومن هو العدو، كبروا هذه الغدة خمسين ألف مرة بالمجهر الإلكتروني، فإذا هي مدرج جامعة يتعلمون من هو الصديق ومن هو العدو، يتخرجون من خلية همجية إلى خلية مثقفة، لكن هناك امتحاناً، هذه الكرية البيضاء تعطى عنصر صديق فإذا قتلته تقتل وترسب، وإذا أعطوها عنصراً عدواً إذا لم تقتله ترسب وتقتل، الغدة تضمر لأنها تعلم أول فوج من الكريات، والأفواج المتعلمة تتولى تعليم الأجيال الصاعدة حتى الموت، الآن في عمر الستين أو السبعين يضعف التعليم ينشأ حالة اسمها: الخرف المناعي، تتمثل بالتهاب المفاصل، ما هذا النظام في الجسم؟ والله هناك أشياء يا أخوان العقل لا يصدقها، قال الله تعالى:

﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ﴾

[سورة البلد:8]

 هذه العين فيها ماء، أي إذا شخص سافر إلى القطب، والحرارة تحت الصفر، والماء يتجمد في درجة الصفر، فكل إنسان مقيم في القطب أو المنطقة الباردة يفقد بصره، لأن هذا الماء يتجمد، فأودع الله في ماء العين مادة مضادة للتجمد، يد من؟ علم من؟ قدرة من؟ رحمة من؟ حكمة من؟
أخواننا الكرام؛ والله أجسامكم وحدها أكبر دليل على عظمة الله عز وجل.
 الدماغ كم خلية؟ أحدث كتاب قرأته قال: فيه مئة وأربعون مليار خلية سمراء، لم تعرف وظيفتها حتى الآن، وفي الطبقة القشرية أربعة عشر مليار خلية، مكان الذاكرة بحجم حبة العدس، الذاكرة تتسع لسبعين مليار صورة ومرتبة بشكل مذهل بحسب الأهمية، هذه الذاكرة، الذاكرة آية، والمحاكمة آية، والتصور آية، والقرار آية، أي الدماغ شيء غير معقول، قالوا: أعقد شيء بالكون الدماغ، وهو عاجز عن فهم نفسه حتى الآن يوجد مليون سؤال ليس له من جواب، هذا الدماغ، الله جعل لك دماغاً، جعل لك عينين ولساناً وشفتين وأذنين، والله يا أخوان كلما تعمقت في العلم، يقول الإمام الشافعي: كلما اززدت علماً اززدت علماً بجهلي.

 

الله عز وجل لم يكلف الإنسان فوق طاقته :

 فيا شباب؛ الحياة لا يوجد غيرها أنت مخلوق للجنة، فيها سعادة لا توصف، فيها ما لا عين رأت، أي كل واحد منكم يعرف عدة مدن في بلده، ومنكم من يعرف بلاداً ثانية مثل الشام ولبنان، دائرة المرئيات محدودة كثيراً، أما المسموعات فسمعت عن كوالالمبور، لوس أنجلوس، أما الخواطر فهناك مئة مليار مليار خاطر، اسمعوا الحديث:

(( أعْدَدْتُ لعباديَ الصالحين ما لا عين رأتْ، ولا أذن سمعتْ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ ))

[متفق عليه عن أبي هريرة ]

 هذه الجنة يزهد بها؟ الله لم يكلفك بشيء فوق طاقتك.

الشهوة ترقى بالإنسان إلى أعلى عليين أو تهوي به إلى أسفل سافلين :

 اسمعوا الآية الأدق، قال الله تعالى:

﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾

[سورة القصص:50]

 أي هذه الشهوة لها قنوات نظيفة طاهرة تسمو بها، يأتي ولد مثلاً تجد الألبسة والألعاب قبل أن يأتي، وبعد أن يأتي هناك التهاني والهدايا، وإن كان بالزنا لا سمح الله؟ إنسان طرق بابه فتح الباب وجد مولوداً صغيراً، إما أن يضعوه بالحاوية أو أمام بيت لأنه بالحرام، إذا كان بالحلال ترى الأب مسروراً، الأم مسرورة، عماته، خالاته، أقرباؤه، أي كأنهم في عرس بالبيت، فيا أيها الأخوة مرة ثانية: ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة تسري من خلالها، بالدين لا يوجد حرمان، لكن هناك سمواً ورقياً، الشهوات كلها معروفة، لي جار في الشام من كبار علماء القرآن توفي قبل أشهر عن عمر يناهز المئة وست سنوات، مرة زرته قال: عندي ثمانية وثلاثون حفيداً معظمهم من حفاظ القرآن الكريم وأطباء، قلت: هذا الرجل تمت علاقة بيولوجية مع زوجته فأنجب البنات والشباب، البنات جلبوا له الأصهار، والشباب جلبوا له الكنائن، فأول صف هو وزوجته، ثاني صف بناته وأولاده، والثالث الأحفاد، ثمانية وثلاثون حفيداً، هذا الهرم المبارك أساسه علاقة بيولوجية، وبكلمة دعارة هناك علاقة بيولوجية أيضاً، شهوة ترقى بها إلى أعلى عليين أو تهوي بها إلى أسفل سافلين، الشهوة صفيحة بنزين إذا وضعت في المستودعات المحكمة، وسالت في الأنابيب المحكمة، وانفجرت في الوقت المناسب والمكان المناسب ولّدت حركة نافعة، أما إذا صبّ البنزين على المركبة وأصابه شرارة، أحرق المركبة ومن فيها، الشهوات إما قوى دافعة و إما قوى مدمرة.
 الآن أخاطب الشباب ممكن أن تكون أعظم العظماء، وجميع حاجاتك مؤمنة ضمن الحلال، والله مرة قال لي أحدهم: أنا لي جاهلية سيئة جداً، بعد ذلك رزقني الله توبة وتبت وتزوجت، قال لي: يا أستاذ ساعة مع زوجة تعادل سنة مع امرأة بالحرام، مع حلال طمأنينة، فكل شاب من حقه أن يطلب الحلال، في الجامع الصغير يوجد ثلاثمئة حديث عن الحقوق؛ حق الوالد على ولده، الابن على أبيه، لكن هناك حديثاً تقرؤه تخجل، حق المؤمن على الله، حق المؤمن على الله - هنا بالعكس الله أنشأ لك حقاً عليه- أن يعينه إذا طلب العفاف.
 سبحان الله، هل تسمعون يا شباب، كنت مرة بتركيا، أوصلني أخ إلى مطار استنبول، فقلت له: اسأل صديقك هل هو متزوج؟ فقال: لا، فدعوت له أن يرزقه زوجة صالحة تسره إن نظر إليها، وتطيعه إن أمرها، وتحفظه إن غاب عنها، فترجمها للسائق، فقال السائق: لو أراد أوصله للشام وليس الى استنبول.
وكل واحد منكم يا شباب إذا حفظ الشاب نفسه قبل الزواج له زوجة صالحة، هذه مكافأة بسيطة من الله، كل إنسان يحفظ نفسه قبل الزواج يرزقه الله زوجة صالحة، والدنيا كلها متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة، التي إذا غبت عنها حفظتك، أمرتها أطاعتك، نظرت إليها سرتك.

 

 فيا أخوان؛ هذا الدين شيء كبير مصيري، سعادتك وسلامتك بالدين، والدين قال تعالى:

﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾

[سورة البقرة:286]

العصور ثلاثة؛ عصر المبادئ و الأشخاص و الأشياء :

 أخواننا الكرام؛ قالوا: هناك عصر مبادئ وعصر أشخاص وعصر أشياء، نحن الآن في عصر الأشياء، يستمد الإنسان قيمته من متاعه، من بيته، من سيارته، قيمة المرء متاعه في آخر الزمان، في عصر المبادئ جاء ملك الغساسنة مكة مسلماً، أعلن إسلامه، وسيدنا عمر رحب به كثيراً، وفي أثناء طوافه حول الكعبة بدوي من قبيلة فزارة داس طرف ردائه، فانخلع رداؤه عن كتفه، لأنه ملك ضرب هذا الأعرابي ضربة هشمت أنفه، شكاه إلى عمر، سيدنا عمر استدعى جبلة، الآن أمير المؤمنين أمامه ملك الغساسنة، وأمامه إنسان بالتعبير المعاصر من عامة الناس، شاعر معاصر صاغ هذا الموقف شعراً، قال سيدنا عمر لجبلة: أصحيح ما ادعى هذا الفزاري الجريح؟ قال: لست ممن ينكر شياً أنا أدبت الفتى أدركت حقي بيدي، قال له: أرض الفتى لا بد من إرضائه مازال ظفرك عالقاً بدمائه أو يهشمن الآن أنفك وتنال ما فعلته كفك، قال: كيف ذاك يا أمير وهو سوقة وأنا عرش وتاج؟! كيف ترضى أن يخر النجم أرضاً؟ قال: نزوات الجاهلية ورياح العنجهية قد دفناها، أقمنا فوقها صرحاً جديداً وتساوى الناس أحراراً لدينا وعبيداً، فقال: كان وهماً ما جرى في خلدي أنني عندك أقوى وأعز، أنا مرتد إذا أكرهتني، فقال: عنق المرتد بالسيف تحز، عالم نبنيه كل صدع فيه يداوى، وأعز الناس فيه بالصعلوك تساوى.
هذا عصر المبادئ.
 عصر الأشخاص، القاضي شريح قاض مشهور، لقيه صديقه الكميل قال: يا شريح كيف حالك في بيتك؟ قال: والله منذ عشرين عاماً لم أجد ما يعكر صفائي، الآن يقول: من عشرين سنة ما نمت نصف ساعة، فقال: كيف ذلك يا شريح؟ قال: خطبت امرأة من أسرة صالحة، فلما كان يوم الزفاف وجدت صلاحاً وكمالاً، أي صلاحاً في دينها وكمالاً في خلقها، فصليت ركعتين شكراً لله على نعمة الزوجة الصالحة، فلما سلمت من صلاتي وجدت زوجتي تصلي بصلاتي وتسلم بسلامي، فلما دنوت منها قالت: على رسلك يا أبا أمية فقامت وخطبت، ألقت خطبة عليه!! فقالت: أما بعد يا أبا أمية إنني امرأة غريبة لا أعرف ما تحب ولا ما تكره، فقل لي ما تحب حتى آتيه وما تكره حتى أجتنبه، و يا أبا أمية لقد كان لك من نساء قومك من هي كفء لك، وقد كان لي من رجال قومي من هو كفء لي، ولكن كنت لك زوجة على كتاب الله وسنه رسوله، ليقضي الله أمراً كان مفعولاً، فاتق الله فيّ وامتثل قوله تعالى: " إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان "، ثم قعدت فألجأتني إلى أن أخطب، فقلت: أما بعد فقد قلت كلاماً إن تثبتي فيه يكن لك ذخراً وأجراً، وإن تركته يكن حجة عليك، أحب كذا وكذا، وأكره كذا وكذا، وما وجدت من حسنة فانشريها، وما وجدت من سيئة فاستريها- المؤمنة ستيرة: ليست فضاحة- قالت نزور أهلي وأهلك، قال: نزورهم غباً مع انقطاع بين الحين والحين حتى لا يملونا، وفي الحديث الشريف: " زر غباً تزدد حباً " قالت: فمن من الجيران تحب أن أسمح لهم بدخول بيتك ومن ترغب؟ قال: بنو فلان قوم صالحون وبنو فلان قوم غير ذلك، ومضى عليّ عام عدت فيه إلى البيت فإذا أم زوجتي عندنا، فرحبت بها أجمل ترحيب، وقد علمت من ابنتها أنها بأهنأ حال، قالت يا أبا أمية: كيف وجدت زوجك؟ فقلت: والله هي خير زوجة، قالت: يا أبا أمية ما أوتي الرجال شراً من المرأة المدللة فوق الحدود، فأدب ما شئت أن تؤدب، و هذب ما شئت أن تهذب، ثم التفتت إلى ابنتها تأمرها بحسن السمع الطاعة، ومضى عليّ عشرون عاماً لم أجد ما يعكر صفائي إلا ليلة واحدة كنت فيها أنا الظالم.
 أخواننا الكرام؛ انا أخاطب الشباب: هذا الزواج أخطر حدث بحياتك، إذا بني على طاعة الله تولى الله في عليائه التوفيق بين الزوجين، أما إذا بني على معصية الله يتولى الشيطان التفريق بينهما.
 بارك الله بكم، وحفظ لكم بلادكم، واستقرار بلادكم، وحفظ إيمانكم وأهلكم وأولادكم وصحتكم ومالكم، وحقن دماء المسلمين في كل مكان، وفي الشام أيضاً.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور