وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 127 - الشرك الخفي.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الشّرك الخفي و الشّرك الجلي :

 أيها الأخوة الكرام؛ قبل يومين أو ثلاثة أحد الأخوة الكرام تمنى عليّ أن أتحدث عن الشرك الخفي، والحقيقة هناك شرك جلي وشرك خفي، الشرك الجلي أن يعبد أناس بوذا مثلاً، هذا شرك جلي، هذا ليس موجوداً في العالم الإسلامي والفضل لله عز وجل ليس في عالمنا الإسلامي شرك جلي، ولكن المشكلة في الشرك الخفي، الآية تقول:

﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾

[ سورة يوسف : 106]

 هذا الشرك الخفي، وقد ورد أن الشرك الخفي أخفى من دبيب النملة السمراء، على الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء. وأدناه أن تحب على جور، وأن تبغض على عدل، إنسان نصحك بأدب جم لم تتحمله، أبغضته، وإنسان تعلم يقيناً أن ماله حرام فإذا أكرمك أحببته.
 الشرك الخفي أخفى من دبيب النملة السمراء، على الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء. وأدناه أن تحب على جور، وأن تبغض على عدل، فلذلك الآية تقول:

﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾

[ سورة يوسف : 106]

 أي حينما تعتمد على غير الله، حينما ترجو غير الله، حينما تعقد الأمل على غير الله، حينما ترضي غير الله، هذا شرك خفي، وهذا الشرك آفة الآفات.

 

التوحيد والطاعة فحوى دعوة الأنبياء والمرسلين :

 الحقيقة أن هذا الدين العظيم يضغط بكلمتين، التوحيد والاستقامة، قال تعالى:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ ﴾

[سورة الأنبياء: 25]

 الآن فحوى دعوة الأنبياء والمرسلين جميعاً، الله عز وجل لخص فحوى دعوة الأنبياء والمرسلين جميعاً بكلمتين:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾

[سورة الأنبياء: 25]

 التوحيد والطاعة، قال تعالى:

﴿ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾

[سورة الزمر: 66]

 أحياناً الإنسان يميل إلى التفاصيل، وفي أحيان كثيرة يميل للإيجاز، هناك بعض الأحاديث مثلاً:" لا يخافن العبد إلا ذنبه، ولا يرجون إلا ربه".
 الدين ضغط بكلمتين، لا تخف إلا الذنب، لأن الطغاة بيد الله، الوحوش بيد الله، كل هذا الذي تراه قوياً في عينك هو بيد الله، والدليل قال تعالى:

﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾

[ سورة هود : 55-56 ]

 تصور عشرة وحوش كاسرة جائعة تلتهم الإنسان بلقمتين، هذه الوحوش الجائعة الكاسرة، مربوطة بأزمة محكمة، بيد جهة قوية رحيمة حكيمة عادلة، فعلاقتك أيها الإنسان مع الوحوش أم مع من يملك أزمتها؟ هنا البطولة، قال تعالى:

﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ﴾

[ سورة هود: 55]

 تحدّ، قال تعالى:

﴿ ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾

[ سورة هود : 55-56 ]

 لذلك قالوا: ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد.
 التجارة بالعالم من قديم الزمان إلى الآن كم نوع؟ والله مليارات الأنواع، كم مستوى؟ مليارات، يمكن أن تضغط التجارة كلها بكلمة واحدة؟ ممكن، إنها الربح، فإن لم تربح فلست تاجراً، الآن أقيس على هذا: هل يمكن أن يضغط الدين كله بكلمة واحدة؟ نعم إنها التوحيد، حينما لا ترى مع الله أحداً، حينما ترى يد الله تعمل وحدها، لا معطي إلا الله، ولا مانع إلا الله، ولا رافع إلا الله، ولا خافض إلا الله، ولا معز إلا الله، ولا مذل، ولا شافي، ولا ممرض إلا الله، هذا هو الدين، فإذا كانت علاقتك مع الله وحده استقمت على أمره، لا يوجد صراع، كل هؤلاء الذين أمامك كبراء وصغراء بيد الله عز وجل، وأنت مع الأصل حتى من الناحية الجمالية.

 

الإيمان مرتبة علمية و جمالية و أخلاقية :

 الآن ما هو الإيمان؟ أيها الأخوة الكرام؛ الإيمان مرتبة علمية، هذا المؤمن عرف الحقيقة العظمى، عرف حقيقة الوجود، حقيقة الدنيا، حقيقة ما بعد الموت، حقيقة الآخرة، حقيقة الإنسان، عرف سرّ وجوده، وعرف غاية وجوده، وعرف حقيقة الكون، وعرف حقيقة الدنيا، وعرف حقيقة الدين، فالإيمان مرتبة علمية، والإيمان مرتبة أخلاقية، معنى مؤمن أخلاقي أي صادق، أمين، رحيم، ودود، عفيف، هذا المؤمن، الإيمان مرتبة علمية، ومرتبة أخلاقية، ومرتبة جمالية، أي إن لم تقل: والله لا يوجد على وجه الأرض من هو أسعد مني، هناك مشكلة في الإيمان، أنت مع من؟ مع الواحد الديان، إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ ويا رب ماذا وجد من فقدك؟ وماذا فقد من وجدك؟ أي الإيمان ناحية علمية، وناحية جمالية.

فـلو شاهدت عيناك من حسننــا  الذي رأوه لما وليت عنا لغيرنــــــا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنا  خلعت عنك ثياب العجب وجئتنـا
ولو ذقت من طعم المحبــــة ذرة  عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنــا
ولو نسمت من قربنا لك نسمـة  لــمت غريباً واشتياقاً لقربنـــــــــــا
* * *

 هناك جانب فكري بالإيمان، أيديولوجي، منطلقات نظرية، وهناك جانب سلوكي الاستقامة، وجانب جمالي، أنت أسعد الناس.

 

الأمن و السلامة :

 يا أيها الأخوة الكرام؛ عندما تأتي صفات المؤمنين في القرآن الكريم ماذا تعني؟ هل هذه الصفات تنطبق عليك وإن لم تنطبق ما السبب؟ دائماً صفات المؤمنين قال تعالى:

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾

[ سورة الأنفال: 2]

 حتى بعض العلماء قال: إذا صليت فلم تشعر بشيء، وإذا قرأت القرآن فلم تشعر بشيء، وإذا ذكرت الله فلم تشعر بشيء، فاعلم أنه لا قلب لك.
 أنت مؤمن، أنت متصل مع خالق السموات والأرض، دائماً يوجد كلمة أقولها: إذا كان الله معك فمن عليك؟ من يستطيع أن يصل إليك أو أن ينال منك؟
 أخواننا الكرام؛ في الحياة حالة اسمها السلامة، وحالة اسمها السعادة، إذا الإنسان مضى ولم يصبه مكروه هذه السلامة، لكن الأمن موضوع ثان، الأمن عدم توقع الشر، عدم وقوع الشر سلامة، أما عدم التوقع فأمن، قال تعالى:

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾

[ سورة الأنعام : 81-82]

 فالأمن حاجة أساسية، وبالمناسبة لا يتمتع بنعمة الأمن إلا المؤمن حصراً، أبداً، أما غير المؤمن، قال تعالى:

﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا ﴾

[ سورة آل عمران : 151]

 مادام هناك شرك إذاً يوجد خوف، على مستوى فرد، وعلى مستوى أقوى دولة في العالم، ما دام هناك شرك يوجد خوف، مادام هناك أمن يوجد أمان، فالأمن ألا تتوقع المصيبة والسلامة ألا تقع المصيبة، يوجد فرق كبير بينهما، أحياناً إنسان يسافر إلى بلدة بسيارته، وعجلة الاحتياط ليست صالحة، يمشي عشر ساعات بقلق شديد، لو صار هناك خلل بإحدى العجلات برك، و إن وصل بخير كان مصاباً بحالة قلق، أما لو معه عجلة احتياط فيرتاح من هذه الحالة، قضية الأمن دقيقة جداً.

 

تمتع المؤمن بالأمن و معاناة المشرك من الخوف و القلق و الرعب :

 أيها الأخوة الكرام؛ بعد سن معينة، لو فرضنا بالستين يا ترى هل يصاب الإنسان بجلطة؟ هل يصاب بخثرة بالدماغ؟ هذه الحالة متعبة جداً، لذلك أنت من خوف الفقر في فقر، من خوف المرض في مرض، وتوقع المصيبة مصيبة أكبر منها، حتى قال لي طبيب قلب: هناك أمراض قلب سببها الخوف من أمراض القلب، مرة كنت عند طبيب قلب في أمريكا، عيادته كبيرة جداً، فيها رف من الحائط للحائط كلها أضابير، قلت له: ما هذه ؟ قال: هذه أضابير مرضاي الذين ماتوا، قلت له: ولماذا تحتفظ بأضابيرهم؟ قال لي: القانون خمس سنوات، لعل ولد أحدهم أقام دعوى سوف أبين كيف عالجته، هناك محاسبة شديدة جداً إذا كان هناك خطأ طبي، أحياناً يدفع الطبيب ثمانين مليوناً، لذلك لا يوجد طبيب إلا ويؤمن لأنه يخاف، والتأمين هو عبارة عن مبلغ كبير جداً يدفعونه بالشهر، لا أحب أن أدخل بالتفاصيل لكن أحبّ أن أقول: المشرك عنده قلق وعنده خوف وعنده رعب، والمؤمن عنده أمن، قال تعالى:

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾

[ سورة الأنعام : 81-82]

 باللغة العربية إذا قدمنا الخبر شبه الجملة على المبتدأ صار عندنا قصر وحصر، تقول في الفاتحة:

﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾

[ سورة الفاتحة : 5 ]

 هي نعبد إياك، فعل أول، والمفعول به يأتي بعد ذلك، لكن إياك نعبد، إذا قلت: نعبد إياك أي نعبد إياك ونعبد غيرك، أما:

﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾

[ سورة الفاتحة : 5 ]

 لا نعبد إلا الله، فهناك قصر.

 

العنصري يرى أن له ما ليس لغيره :

 أيها الأخوة الكرام؛ الدين مرتبة علمية، ما اتخذ الله ولياً جاهلاً، لو اتخذه لعلمه، ويكفيك فخراً أنك عرفت الله، عرفت سرّ وجودك، غاية وجودك، حقيقة الكون، حقيقة الحياة الدنيا، حقيقة الموت، ما بعد الموت.
 مرتبة علمية، ومرتبة أخلاقية، لا يوجد مؤمن كذاب، لا يوجد مؤمن مخادع، لا يوجد مؤمن يأخذ ما ليس له، أنا أقول بكلمة صريحة: إذا أمضى إنسان سهرة في الحديث على أم زوجته، وهو قوي في البيت، وزوجته تخاف فسكتت، في اليوم التالي تكلمة كلمة عن أمه يقيم عليها الدنيا ولا يقعدها، هذا كيف نصنفه؟ أنا أصنفه على أنه عنصري، رأى لنفسه ما ليس لامرأته، ورأى على امرأته ما ليس عليه، هذا العنصري، والآن حق الفيتو عنصري، خمس دول تقول: لا، التغى القرار، قد يكون القرار ضرورياً جداً، ما دام هناك إنسان أو جهة أو فئة أو أمة أو دولة ترى لها ما ليس لغيرها، وترى ما على غيرها ما ليس عليها، مرة رئيس أمريكي زار المنطقة، برنامج زيارته أربعة بنود؛ تل أبيب دمشق راما الله، الرابعة زيارة أسرة الأسير الإسرائيلي جلعاد شاليط، ولنا عند اليهود أحد عشر ألفاً وثمانمئة أسيراً، ما خطر في باله أن يخص أسرة أسير واحد للمساواة، فما لم نكفر بالطواغيت لن نؤمن بالله، قال تعالى:

﴿ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ ﴾

[ سورة البقرة : 256]

 الآن الكلمة الدقيقة: إن رأيت لك ما ليس لغيرك أنت عنصري، إن رأيت على غيرك ما ليس عليك أنت عنصري، وما دام هناك عنصرية في الأرض الحروب لن تنتهي، مادام هناك أمة لها أن تفعل ما تشاء بينما أمة أخرى لو فعلت واحد بالألف ما تفعله الأولى فتحاسب هناك عنصرية.

 

الدين الإسلامي دين جماعي و فردي :

 أيها الأخوة الكرام؛ الإنسان حتى يرتاح يجب أن يعلم علم اليقين أن هذا الدين جماعي فردي، تطبقه أنت وحدك من بين سبعة مليارات ومئتي مليون، تقطف كل ثماره الفردية، تطبقه الأمة تنتصر، عندنا إسلام فردي؛ صلاتك، صيامك، حجك، زكاتك، حواسك، بيتك، أسرتك، عملك، ما دمت أقمت الإسلام في نفسك أولاً، وفي بيتك ثانياً، وفي عملك ثالثاً، فأنت مؤمن لك معاملة خاصة، أو الأمة تطبق الدين فتنتصر، تطبقه وحدك تقطف ثماره الفردية، فإذا الإنسان رأى لنفسه ما ليس لغيره، ورأى على غيره ما ليس عليه، صار عنصرياً، أو أمة أو دولة ترى لنفسها ما ليس لغيرها، أو على غيرها ما ليس عليها عنصرية، ما دام في الأرض عنصرية فالحروب لن تقف.
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور