وضع داكن
28-03-2024
Logo
ومضات قرآنية - الحلقة : 08 - الفرق بين الفطرة والصبغة.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.

الفرق بين الفطرة و الصبغة :

 أيها الأخوة الكرام؛ مع الآيات الكريمة التالية وهي قوله تعالى:

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ﴾

[ سورة الروم : 30]

 هذه الآية الأولى، وأما الثانية التي تتكامل معها فهي قوله تعالى:

﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ﴾

[ سورة البقرة : 138]

 يا ترى ما الفرق بين الفطرة والصبغة؟ الله عز وجل يقول:

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾

[ سورة الروم : 30]

 قال تعالى:

﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴾

[ سورة الشمس: 7]

 هذه النفس البشرية صممت على حبّ الكمال، صممت في أصل تصميمها على حبّ الحق، على حبّ العدل، على حبّ الرحمة، لكن هناك فرقاً كبيراً جداً بين أن تحب الرحمة وبين أن تكون رحيماً، على كل أي إنسان يحب الرحمة، أي إنسان يحب العدل، فأن تحب الكمال هذه فطرة، هكذا فطرنا عليها، فلذلك الله عز وجل أعاننا على اتخاذ القرار السليم في حياتنا، حينما فطرنا على حب الكمال، أما الصبغة الإنسان حينما يتصل بالله من خلال معرفته به، ويتصل بالله من خلال استقامة على أمره، ويتصل بالله من خلال تقربه بالأعمال الصالحة، هذه الاتصال المبني على معرفة أولاً، وعلى استقامة ثانياً، وعلى عمل صالح ثالثاً، هذا الاتصال المؤمن يشتق من خلاله الكمال، لذلك قيل: إن مكارم الأخلاق مخزونة عند الله تعالى، فإذا أحبّ الله عبداً منحه خلقاً حسناً، الخلق الحسن يشتق من الله عز وجل.

 

من أقبل على الله اشتق منه كمال أسمائه الحسنى :

 لذلك الإنسان إذا أقبل على الله اشتق منه كمال الأسماء الحسنى، قال تعالى:

﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾

[سورة الأعراف:180]

 كأن الله يريد من هذه الآية أنك لن تستطيع أن تقبل على الله إلا إذا اشتققت من الله كمالاً من خلال أسمائه الحسنى، فأنت إذا كنت رحيماً تستطيع أن تقبل على الرحيم، إذا كنت منصفاً تقبل على العدل، فبكمال مشتق من الله عز وجل تستطيع أن تقبل به على الله، إذاً هنا الآية:

﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ ﴾

 أي أنت إذا أقبلت على الله إقبالاً كما أراده الله، أي أنت إذا أحكمت الاتصال بالله، أي أنت إذا أقمت علاقةً بينك وبين الله، أي أنك إذا أقمت خطاً واصلاً بينك وبين الله، أي أنك إذا اتصلت بالله، هذا الاتصال من أكبر ثمراته أنك تصطبغ بكمال الله عز وجل، هذا الكمال تصطبغ به من خلال هذا الاتصال، إذاً أنت إذا اصطبغت بكمال الله كنت بحال أرقى من حال الفطرة، الفطرة أن تحب الحق، أما الصبغة فأن تكون على حق، الفطرة أن تحب الرحمة، أما الصبغة فأن تكون رحيماً، الفطرة أن تحب العدل أما الصبغة فأن تكون عادلاً، فلذلك فرق كبير بين إنسان عادي لم يعقد اتصالاً مع الله عز وجل، يحب مكارم الأخلاق، وقد يكون على عكسها، أن تحب الشيء شيء، وأنت تفعله شيء آخر، لذلك العالم أو البشر بين فطرة وصبغة، الله عز وجل يقول:

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا﴾

[ سورة الروم : 30]

 أي أن إقامة الوجهة إلى الله عز وجل هذا تنطوي عليه فطرة النفس البشرية، هكذا صممنا، الله عز وجل أعاننا على طاعته حينما فطرنا فطرةً عالية:

﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾

[ سورة الروم : 30]

 أي تطابق الفطرة مع المنهج شيء عجيب جداً، أي أنت إذا عدت إلى فطرتك، ثم رأيت منهج الله، رأيت هذا المنهج ينطبق انطباقاً تاماً على فطرتك، بمعنى أنك إذا اصطلحت مع الله اصطلحت مع نفسك، إذا أطعت الله وجدت نفسك، هذه السعادة التي لا توصف، والتي يعيشها المؤمن بسبب استقامته، لأنه حقق فطرته، لأنه اصطلح مع فطرته، فالله عز وجل يقول:

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّه﴾

[ سورة الروم : 30]

 بدل، أي أن هذا عين الفطرة:

﴿ فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾

[ سورة الروم : 30]

 نعم إذاً صبغة الله الآية:

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ﴾

[ سورة البقرة : 138]

 أي أعلى درجة كاملة يبلغها الإنسان أن يصطبغ بكمال الله عز وجل.

 

الصبغة تكون بعد الاتصال بالله عز وجل :

 من هنا يتضح أن الإنسان قبل أن يتصل بالله، قبل أن يتعرف إلى الله، قبل أن يصطلح معه، قبل أن يتوب إليه، قبل أن يقبل عليه، هو في فطرة، والفطرة في كل الناس، أما الصبغة فبعد الاتصال بالله تكون الصبغة، لذلك المؤمن يتمتع بفطرة وصبغة، والصبغة هي كمال حقيقي، أي أنك أنت حينما تنقذ إنساناً، هذا الإنقاذ قد يكون أمام مجموعة من الناس، فلا ينبغي أن تهمله، لكن ليس هناك رحمة في القلب، يوجد فرق كبير بين أن تفعل عملاً رحيماً وبين أن تكون رحيماً، إن فعلت فعلت عملاً رحيماً تقتضيه المصلحة، أو يقتضيه المحيط، أو يقتضيه الواجب شيء، وأن تنطلق في عملك الرحيم من رحمةً حقيقية تعانيها، هذا الفرق بين الفطرة وبين الصبغة.
 الصبغة من صفات المؤمنين المتصلين بالله عز وجل، أما الفطرة فمن صفات كل الناس، لذلك ما الذي يعذب الناس إذا عصوا ربهم؟ فطرتهم، الإنسان إذا عصى الله عز وجل فضلاً من أنه خرج عن منهج الله خرج عن فطرته، فالذي يعذب الناس إذا عصوا ربهم فطرتهم، والذي يسعدهم إذا أطاعوه فطرتهم، أي أن الاصطلاح مع الفطرة سعادة لا تعدلها سعادة، لكن بعد أن تصطلح مع الله عز وجل تأتي الصبغة، كما قال تعالى:

﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ﴾

[ سورة البقرة : 138]

 أرجو الله سبحانه وتعالى أن تكون هذه المعاني دافعةً لنا لأن نصطبغ بصبغة الكمال الإلهي، من خلال أن نعرفه، وأن نستقيم على أمره، و أن نتقرب إليه بالعمل الصالح، وبعدها تكون هذه الصبغة، والحمد لله رب العالمين.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور