وضع داكن
19-09-2024
Logo
الدرس : 26 - سورة الأنفال - تفسير الآيتان 67 - 68 ، معاملة الأسرى معاملة حسنة هو من طبع الإسلام
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

 

النصوص نوعان ؛ قطعية الدلالة و ظنية الدلالة :

أيها الأخوة الكرام... مع الدرس السادس والعشرين من دروس سورة الأنفال، ومع الآية السابعة والستين والآية الثامنة والستين، وهي قوله تعالى :

﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾

النصوص في القرآن الكريم تنقسم بين قطعية الدلالة وظنية الدلالة
أيها الأخوة الكرام، أسرى جمع أسير، والأسير من شُد على يديه وقُيد، وأصبح في قبضة جهة قوية، جهة قوية قبضت عليه، شدت وثاقه، أصبح في قبضتها، وفي أمرها.
الحقيقة الأسير في الإسلام إن لم يُقتل يصبح عبداً، لكن قبل أن أبدأ هذا الموضوع الدقيق لا بد من تقديم :
لو أنني قلت لواحد منكم أعطِ فلاناً ألف درهم ونصفه، كم المبلغ ؟ يا ترى الهاء في ونصفه تعود على الألف أم على الدرهم ؟ إن كانت تعود على الألف أي أعطه ألفاً وخمسمئة، و إن كانت تعود على الدرهم أي أعطه ألفاً ونصف درهم، هذا النص اسمه احتمالي، وهناك نص قطعي، أعطِ فلاناً ألفاً وخمسمئة درهم لا يحتاج هذا النص لا إلى تفسير، ولا إلى تأويل، ولا إلى بحث، ولا إلى درس، ولا إلى خلاف بين العلماء، هذا نص قطعي الدلالة، أما أعطِ فلاناً ألف درهم ونصفه هذا نص ظني الدلالة، إن أعدت الهاء الضمير الغائب على الألف، ألف وخمسمئة، إن أعدتها على الدرهم ألف ونصف، قد يفهمه شحيح ألف ونصف، وقد يفهمه كريم ألف وخمسمئة، النص هذا اسمه نص احتمالي.

 

عدم تشريع العبودية في الإسلام إطلاقاً :

الآن مع عدة آيات متعلقة بالرق، حينما تؤمن بالله الواحد الأحد، الفرد الصمد، تؤمن به إلهاً عظيماً، رحيماً، عادلاً، موجوداً، واحداً، كاملاً، أسماءه حسنى، صفاته فضلى، وهذا تشريعه، لابد من أن تفسر هذا التشريع تشريع إنساني.
لا عبودية في الإسلام
أنا حينما أقبض على مقاتل، وبإمكاني أن أقتله، و لم أقتله، حقنت دمه، وجئت به إلى عندي، وعاملته معاملة إنسانية تفوق حدّ الخيال، كان أصحاب النبي يطعمون الأسير أفضل ما عندهم من طعام، ويأكلون أردأه، الأسير إنسان رأى نفسه معززاً، مكرماً، محترماً، سيده يرحمه، يطعمه، يسقيه، يطعمه مما يأكل، يلبسه مما يلبس، لا يكلفه ما لا يطيق، أنا أعتقد أن تسعين بالمئة إن لم أقل تسعاً و تسعين بالمئة من الأسرى الذين لم نقتلهم بل حقنّا دماءهم، لم نقتلهم بالحرب بل حقنّا دماءهم، وهم عطلوا تفكيرهم، ولم يؤمنوا وحقدوا على هذا الدين، عاملناهم معاملة لينت قلوبهم، وأزاحت عن صدروهم، ورأت المسلم إنساناً رحيماً، منصفاً، عادلاً، عنده ذوق، عنده رحمه، أنا أرى أن العبودية لم تشرع في الإسلام إطلاقاً، بل شرع من أجل تصفيتها، لم تُشرع العبودية في الإسلام، بل الذي شُرع من أجل تصفيتها، لكنها واقع قائم، لكن كيف تعامل الإسلام مع العبودية كواقع قائم بأساليب من أجل أن تصفى ؟.

حينما يغلق الآخر عقله لدعوتك يمكن أن تفتح قلبه بإحسانك :

أيها الأخوة، الأسير بشكل أو بآخر أسير حرب، وكان من الممكن أن يُقتل ونستريح منه، لكن حقناً لدمه، ورأفة به، وطمعاً لهدايته، عاملناه كأسير مع الإحسان إليه.

(( يا داود ذكر العباد بإحساني إليهم، فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها ))

[ ورد في الأثر].

إحسان المسلمين لأسراهم يفتح عقولهم لمعرفة الحق
حينما يغلق هذا الآخر عقله لدعوتك، يمكن أن تفتح قلبه بإحسانك، عندئذٍ يصغي لك، يصغي لكلامك، حينما يغلق عقله لبيانك افتح قلبه بإحسانك، فإن فتح قلبه بإحسانك أصغى لكلامك، هذه الحالة التي سمح الله بها، والرقيق قائم في المجتمعات.
لذلك الموازنة هذا الأسير إما أن أقتله ونحن في حرب، والقتل جائز، لأنك إن لم تقتله قتلك، هذه حرب، مثلاً عندنا أخلاق الحرب، وأخلاق السلم، أخلاق السلم :

﴿ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾

( سورة فصلت ).

هذا السلم، في الحرب :

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾

( سورة التحريم ).

هذه أخلاق الحرب، الحديث الآن عن الحرب لا عن السلم، في السلم :

﴿ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾

لكن بعض المسلمين اختلطت عليهم أخلاق الجهاد مع أخلاق الدعوة، إذاً أنت بين خيارين، أنت قائد جيش، وفي معركة، والطرف الآخر يريد أن يقتلك، لكنك انتصرت عليه، فإما أن تقتل جنوده واحداً تلو الآخر، وإما أن تأسرهم، إن أسرتهم أبقيت على حياتهم، وحقنت دماءهم، طمعاً في هدايتهم، انتظاراً كي يفتحوا لك قلوبهم بإحسانك حتى يفتحوا لك عقلهم لبيانك.

 

الله سبحانه وتعالى شرع الإحسان للأسرى :

هذا المنطلق له تطبيقات سيئة و هذا شيء آخر، لا علاقة لنا بالتطبيقات، علاقتنا بالمنطلقات، هذا هو الدين، أما إن أساء المسلمون فهم هذا الدين، لم يفهموا حقيقة هذا الدين، ظنوا أن الأسرى مكسب، هم بعيدون عن حقيقة هذا الدين بعد الأرض عن السماء، فبقاء الأسير على قيد الحياة أمر مطلوب ومرغوب، لذلك شرع الله سبحانه وتعالى الإحسان للأسرى، أجمل كلمة قرأتها في معاملة الأسرى : كان أصحاب رسول الله يطعمون الأسير أطيب الطعام، ويأكلون أردأه.
أمرنا الإسلام أن نحسن معاملة أسرانا
لا تبتعدوا كثيراً، هناك أُسر تستقدم خادمة، تعاملها كابنتها تماماً، كالابنة، الطعام، والشراب، والثياب، والغرفة الدافئة، ولا تكلفها ما لا تطيق، وقد تكون هذه الخادمة ليست مسلمة، إذا بها بعد حين تُسلم.
الفكرة، أحياناً الإنسان يغلق عقله لبيانك.
أنا أذكر أن صحفية بريطانية وقعت في أسر جماعة مسلمة في شرق آسيا، تفننت في إحراجهم، تخلع ثيابها أمامهم، يغضون عنها البصر، تطلب طعاماً نادراً يأتون به إليها، مكثت أشهراً، هي تحمل حقدا على الإسلام يفوق حدّ الخيال، تفننت في إحراجهم، وفي استفزازهم، ثم أطلقوا سراحها، عقدت مؤتمراً صحافياً أول كلمة قالتها : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وهي الآن من الداعيات الكبيرات في بريطانيا، كيف أصبحت داعية ؟ والله لا أبالغ أعرف قصتها تفصيلاً، تنطوي على حقد لهذا الدين يفوق حدّ الخيال، لما رأت الذين أسروها كيف عاملوها، كيف أكرموها، كيف أطعموها ما تشتهي، كيف حققوا لها مطالبها، وحين استفزتهم بخلع ثيابها غضوا عنها البصر، تقول في المؤتمر الصحفي : طموحي في الحياة أن يتزوجني واحد من هؤلاء.
أعطيكم فكرة مع أن الإسلام شرع لتصفية الرق، لكنه كان قائماً وراسخاً في كل المجتمعات، وأصلاً في الحياة الاجتماعية عند كل الشعوب.
فلذلك الإسلام واقعي، هذا النظام نظام العبودية سعى جاهداً لتصفيته.

صمود الدين الإسلامي بالرغم من كثرة أعدائه و خصومه :

أيها الأخوة، الحقيقة الإسلام ما أكثر الأعداء حوله، وما أكثر خصومه، وما أكثر التهم التي تصب عليه، وأقسم لكم بالله لولا أن الإسلام دين الله لانتهى من ألف عام، لكنه دين الله بقي صادماً أمام أعدائه.
مرة أحد أصدقائي، رئيس الجالية الإسلامية في أمريكا، قال لي : أجريت دراسة كلفتني سنتين، حول أعمال العنف في أمريكا، اتصل بكل مراكز الشرطة، المفاجأة التي لا تصدق أن نسبة المسلمين الذين يقومون بأعمال العنف لا يزيدون عن اثنين في المئة، والإعلام العالمي يروج أن كل عميل وراءه مسلم.
دين الإسلام سيظل صامداً لأنه دين الحق
الحقيقة يجب أن تبحث عنها، فهذه التي تحقد على الإسلام حقداً يفوق حدّ الخيال عندما رأت معاملتهم، حينما بالغت في استفزازهم، حينما أوقعتهم في حرج في طلباتها، حينما أكرموها بتوجيه نبيهم، وأطلقوا سراحها بعد شهرين، أول كلمة قالتها في المؤتمر الصحفي أنها أعلنت إسلامها، وأنها تتمنى أن تحظى يزوج من هؤلاء، هذا الدين دين الله عز وجل.
والآن أقول لكم مثل من واقع المسلمين : في بيوت كثيرة من كل بلاد المسلمين فيها خادمات، وبعض الخادمات لسن مسلمات، المعاملة الطيبة جداً، الإكرام، حينما تعامل هذه الخادمة كبنت من بنات صاحب البيت، ما الذي يحصل ؟ تُسلم.
حدثني إنسان، قال لي : إنسانة من هذا البلد الطيب لا تقبل إلا خادمة غير مسلمة، يقول لها : طلب عجيب وغريب، قالت له : أريدها غير مسلمة، المفاجأة أنها كلها جاءت بخادمة غير مسلمة من خلال المعاملة الطيبة، والإكرام تسلم، أرادت أن تتقرب إلى الله بتعريف هؤلاء بالإسلام.
أنا أقدم لكم تمهيدات، الموضوع دقيق جداً، لم يشرعه الإسلام إطلاقاً، بل كان موجوداً، وواقعاً، وقائماً.
مثلاً : سابقاً في الجاهلية قد يرتكب أحد جناية في حق الآخر، ولا يقدر أن يقدم دية، فيقول له : خذني عبداً ـ أقول لكم ما يجري في الجاهلية ـ إنسان ارتكب جريمة قتل، وليس معه دية، فيقول لولي المقتول : خذني عبداً، هذا مصدر، أو خذ ابنتي جارية، وهناك آخر يكون مستديناً مبلغاً كبيراً، يقول لمن دينه هذا المبلغ : خذ ابني عبداً، أو ابنتي جارية، لذلك كانت مصادر الرق متعددة، ولم يكن للعتق إلا مصرف واحد هو إرادة السيد أن يعتق عبده، أو أن يحرضه فقط، مصرف واحد اختياري وأنواع منوعة من مصادر العبودية، في الحرب، في الجريمة، في القتل، في الدَّين الباهظ.

الإسلام جعل الرق نوعاً من الدعوة إلى الله يقوم على أساس المعاملة الطيبة :

لذلك عدد العبيد يتزايد، المصادر كثيرة، والمصرف واحد، والمصرف الواحد اختياري، على مجاز السيد، عندما جاء الإسلام كيف عالج هذه المشكلة ؟ عندما كان الرق قائما دعا الإسلام إلى المعاملة الطيبة وحرض على العتق
عمل على تصفية الرق، أولاً : ألغى كل مصادر الرق، إنسان ارتكب جناية، يقول له : خذني عبداً، أو خذ ابنتي جاريةً، إنسان عليه دين باهظ لا يطيق سداده، يقول : خذني عبداً، أو خذ ابنتي جارية، هذا في الإسلام محرم أشد التحريم، ماذا فعل الإسلام ؟ جفف مصادر الرق، أبقى على رق واحد هو رق الحرب، إنسان يحاربك وبإمكانك أن تقتله، ضمن الحرب القتل جائز في كل العقائد العسكرية في العالم، لكن المسلم بقلبه رحمة، هذا الذي يحاربه يجهل حقيقة الدين، يجهل علة وجود الإنسان، لذلك يبقي على دمه، ويأخذه أسيراً، ويعلمه الإسلام، لا بالمنطلقات النظرية بل بالتطبيقات العملية، يعامله معاملة طيبة جداً، والشاهد الكبير، كان أصحاب النبي الكريم يأكلون أردأ الطعام، ويطعمون أطيبه للأسرى استجلاباً لقلوبهم، ودعك من كل الأمور الأخرى.
أنت عندك معمل، في المعمل عامل، و هذا العامل غير مسلم، رأى من كرمك، من إحسانك، من رحمتك، من عطفك، زوجْتَه، أكرمته، بعد حين يميل إليك، هذا الشيء يقع كل يوم، ما دام الرق قائماً، حقيقة قائمة في كل المجتمعات، أراد الإسلام أن يجعل من الرق نوعاً من الدعوة إلى الله، تقوم لا على أساس الإقناع الجدلي، بل تقوم على أساس المعاملة الطيبة.
دائماً وأبداً هناك بون شاسع بين المنطلقات النظرية أحياناً، وبين التطبيقات العملية، الأمور بعد حين تأخذ طابعاً نفعياً، تأخذ طابعاً غير صحيح، لكن كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : "يبعث على رأس كل مئة عام ما يجدد لهذه الأمة دينها "، طرأ عليها خطأ كبير، فهم سقيم، بعد عن الحقيقة.

أول إجراء جاء به الإسلام كل رقٍّ من غير الحرب المشروعة حرام :

أيها الأخوة، إذاً : الإسلام عايش الرق كواقع قائم، وأراد أن يصفيه عن طريق منع مصادره إلا مصدراً واحداً هو الحرب، إنسان جاء ليقاتلك، ولك أن تقتله، لا، احقن دمه، هو أخوك في الإنسانية، ليرى منك المعاملة الطيبة، القلب الرحيم، العطف، الحنان، عندئذٍ يميل إليك.
الإسلام حرم الرق من غير الحروب المشروعة
أول إجراء جاء به الإسلام كل رق من غير الحرب المشروعة حرام، ولا يجوز الاسترقاق من غير طريقة الحرب، الآن بالعكس فتح الإسلام أبواب العتق على مصارعه، الواقع السابق قبل الإسلام المصادر متنوعة كثيرة والمصرف واحد، الآن المصادر أُغلقت بكاملها، ولم يسمح إلا بالاسترقاق الحر، إنسان جاء ليقتلك، حقنت دمه، وعلمته الإسلام بالتطبيق العملي، وفتح بالعكس أنواع الإعتاق، أول شيء جعل عتق العبد كفارة لعدد من الذنوب، فعتق رقبة، فأغلق أبواب العبودية وما أكثرها في الجاهلية، وأبقى باباً واحداً على المعاملة بالمثل، أنت معقول تحارب جهة هي تأخذ أولادك، وتسترقهم، وتجعلهم عبيداً، وأنت بسذاجة تأخذ أولادهم فتطلق سراحهم ؟ مستحيل ! سمح الإسلام ـ والرق قائم ومنتشر في كل أرجاء البلاد ـ مرحلياً بالمعاملة بالمثل، فما دام أعداء الدين أخذوا الأولاد وجعلوهم عبيداً فأنت مسموح لك فقط في الحرب، في الحرب الدينية، في حرب نشر الإسلام، في حرب نقل الهدى إلى أطراف الدنيا، في الحرب التي انتقلت من قوله تعالى :

﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ﴾

( سورة البقرة الآية : 143 ).

سمح الإسلام مرحلياً باسترقاق المقاتل وحقن دمه لا قتله، جاء إلى بيتك رأى رحمتك، أنا أقول كلاماً دقيقاً جداً، رأى كرمك، رأى عدلك، رأى إنصافك، أحبك، قال :

﴿ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ﴾

( سورة التوبة الآية : 11 ).

صار أخوك.

 

الهدف من الإحسان إلى الأسرى :

كلمة

﴿ فَإِنْ تَابُوا ﴾

أي أنا جعلته عندك أسيراً كي يؤمن من خلال معاملتك له،

﴿ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ﴾

انتهى الأمر معنى ذلك سمحت لك أن تأخذه إلى بيتك، لا من أجل أن تستخدمه، لا من أجل أن تستغله، لا من أجل أن تتعبه، لا من أجل أن تقضي عليه، من أجل أن تهديه إلى الله ورسوله،

﴿ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ﴾

ينبغي أن نأخذ بيد أخوتنا في الإنسانية إلى الله عز وجل
إذاً حرم الإسلام كل مصادر الرق إلا الذي يحاربك في الدين، ينبغي ألا تقتله، وألا تبيده، الآن في العالم حرب إبادة.
بدولة في شرق أسيا جمعوا خمسة آلاف في قلعة وأبقوهم من دون طعام وشراب حتى شربوا بولهم، وأكلوا لحم بعضهم ثم قصفوهم.
العبيد بأمريكا قتل منهم ثلاثمئة مليون، في بعض البلاد ساقوهم مسيراً إلى شمال سيبيريا أكثر من ألفي كيلو متر، خمسة و تسعون بالمئة منهم مات في الطريق، لو تقرؤوا ما يجري في العالم من ظلم، وقهر، الإسلام جعل هذا النظام السائد القائم كواقع جعله طريق للهدى.
كان الصحابة الكرام يأكلون أردأ الطعام، ويطعمون الأسرى أطيبه، وثمامة بن أثال الذي وقع أسيراً، رُبط في سارية المسجد، مرّ به النبي قال : ماذا عندك يا ثمامة ؟ قال : إن تقتل تقتل ذا دم ـ فأنا قاتل ـ وإن تعفو، تعفو عن شاكر ـ وإن أردت الفدية فاطلب ما تشاء ـ في اليوم التالي مرّ به فأعاد القول، في اليوم الثالث أطلق سراحه، فغاب واغتسل وعاد ليشهد أنه لا إله إلا الله، هذا شاهد من الشواهد الكثيرة.
القصد أن هذا أخوك في الإنسانية، ينبغي أن تأخذ بيده إلى الله، هو عطل عقله عن سماع كلامك، أردت أن تفتح قلبه بإحسانك، فلعل عقله يصغي إليك، واضح ؟.

 

الإسلام جعل العبودية طريقاً للهداية وسبباً للإحسان وسبباً لفتح القلوب :

والله الذي لا إله إلا هو لا يمكن أن يكون الدين إسلامياً إلا هكذا الإسلام جعل العبودية طريقاً للهداية وسبباً للإحسان
وأي فهم آخر يكون فهماً جاهلياً و فهماً خاطئاً، الإسلام دين خالق الأكوان، أي حينما تغلق عقلك عن فهم هذا الدين نقنعك بهذا الدين من باب المعاملة الطيبة، والآن مسموح لك كمسلم أن تعامل الآخر معاملة طيبة، والنتائج باهرة وغير متوقعة.
ضربت مثل الخادمة أحياناً، فهي غير مسلمة، بالمعاملة الطيبة تسلم، ليس بعيد عنكم ما جرى في سجن أبو غريب في العراق، كلهم أسرى، الأعمال التي مارسها المحتلون مع هؤلاء الأسرى، العقل لا يصدقها، وليس غريب عنكم ما جرى في سجون بأمريكا، أنواع التعذيب تفوق حدّ الخيال، أنواع الإذلال، التعرية الكاملة، الكهرباء، الماء ينهمر في أيام الشتاء طوال اليوم، شيء يفوق حدّ الخيال، نحن نطعمه أطيب أنواع الطعام، ويأكل أصحاب البيت أردأه، العبودية كانت قائمة والرق قائم، فجأة جعل الإسلام هذه العبودية طريقاً للهداية، سبباً للإحسان، سبباً لفتح القلوب.

إعتاق الرقاب من أعظم الأعمال التي تقربك إلى الله :

أخواننا الكرام، بل قول الله عز وجل :

﴿ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ﴾

( سورة البلد )

إعتاق الرقاب من أعظم الأعمال التي تقربك من الله تعالى
جعل إعتاق الرقاب من أعظم الأعمال التي تقربك إلى الله.

﴿ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ ﴾

( سورة البلد )

إعتاق عبد، أعظم عمل تتقرب به إلى الله إعتاق العبيد بتصفية الرق، جاء الإسلام والرق قائم في العالم كله، ماذا فعل الإسلام ؟ أغلق كل المصادر عدا مصدر واحد لا بد منه، الذي يحاربك جاء ليقتلك، بدل أن تذبحه، وأن تصفيه، وأن تبيده، أخذته وفتحت قلبه بإحسانك، ففتح عقله لبيانك، فأسلم، فأصبح أخاك في الله، وانتهى الأمر، واضح تمام.
لكن من لم يرتكب ذنباً يوجب عتق رقبة، ولا أعتق رقبة بأريحية إيمانية حباً لله عز وجل، وعنده عبد، قال : هؤلاء العبيد، دقق في رسول الإنسانية :

(( إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ ))

[أخرجه البخاري ومسلم عن الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ ].

هذا المنهج، أخوك وقع تحت يدك، ينبغي أن يأكل مما تأكل، وأن يلبس مما تلبس، وألا تكلفه ما لا يطيق، وإن كلفته فأعنه، أصبح مثل أحد أفراد البيت، وماذا تخاطبه ؟ يا عبدي أعوذ بالله، يا فتى، أنت كابني، هذا الإسلام، وفوق ذلك شرع الإسلام عتق العبيد، جعل عدداً كبيراً من الذنوب كفارتها إعتاق رقبة،

﴿ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ ﴾

إذاً الإسلام جاء والرق موجود، وأبوابه متعددة ومصرفه واحد، أغلق كل أبوابه على الحرب وفتح مصارف لا تعد ولا تحصى تمهيداً لتصفيته.

 

تحريم أخذ الأسرى لأعمال دنيوية :

حرم الدين الإسلامي أخذ الأسرى لأعمال دنيوية
أيها الأخوة، لكن لو أن الإنسان أراد هذا الأسير من أجل عرض الدنيا، بأن يطمع بمن يخدمه، أو بامرأة يقضي بها حاجته، أو بمال يبغي به رغد العيش، كل ذلك مرفوض والدليل :

﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ﴾

أي ممنوع في التشريع الإسلامي أن تأخذ الأسير كي يخدمك، أو أن تأخذ الأسيرة كي تقضي حاجتك منها، أو أن تأخذ الأسير ليعينك في أعمالك،

﴿ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا ﴾

الله عز وجل في أصل التشريع شرع ـ والأسر قائم والعبودية قائمة ـ تشريعاً مرحلياً لتصفية العبودية قولاً واحداً، فأغلق كل مواردها، إلا مورداً واحداً مورد الحرب، وفتح الأبواب على مصارعها لعتق العبيد

﴿ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ ﴾

﴿ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ﴾

( سورة البلد ).

الرق في الإسلام تشريعه مرحلي من أجل تصفيته كلياً :

أيها الأخوة، شيء آخر : هذا أصل التشريع، هذا هو الإسلام، هذا هو منهج الله، هذا هو المنهج الإنساني، والرق في الإسلام تشريعه مرحلي، من أجل تصفيته كلياً، تصفيته بأن أغلق كل الأبواب، وأبقى باب الحرب التي تهدف إلى إعلاء كلمة الله، وكأن هذا الأسير بدل أن تقتله حقنت دمه، وجئت به إلى البيت، وفتحت قلبه بإحسانك ففتح لك عقله لبيانك، فآمن فبعد أن آمن أصبح أخوك في الإنسانية، وانتهى كل شيء، لذلك اجتهاد النبي الكريم وأصحابه الكرام.

﴿ لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾

( سورة الأنفال ).

هم لم يعصوا أمر الله عز وجل، لكن التشريع جاء مع الذي حصل، أحياناً أنت واجهك موقف، اجتهدت ووقفت هذا الموقف هذا ليس معصية، لكن حينما يأتيك التشريع وتخالفه هذا يعد معصية، فأصحاب النبي الكريم اجتهدوا اجتهاداً سواء أقره الوعي أم لم يقره، هم ما فعلوا شيئاً ومعهم أمر سابق، لكنهم اجتهدوا، والحديث عن اجتهاد الصحابة سوف نأتي عليه إن شاء الله في درس قادم.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور