وضع داكن
18-04-2024
Logo
الدرس : 17 - سورة الأنفال - تفسير الآية 49 ، الناس ثلاثة أصناف مؤمن ومنافق وكافر
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

 

المؤمن واضح علانيته كسريرته وظاهره كباطنه:

أيها الأخوة الكرام... مع الدرس السابع عشر من دروس تفسير سورة الأنفال، ومع الآية التاسعة والأربعين وهي قوله تعالى:

 

﴿ إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾

المؤمن واضح علانيته كسريرته وظاهره كباطنه
أيها الأخوة، لا شك أن سورة البقرة افتتحت بالحديث عن الأصناف الثلاثة ؛ عن المؤمنين، وعن الكافرين، وعن المنافقين، والملاحظة الشمولية أن المؤمن واضح، علانيته كسريرته، ظاهره كباطنه، ما يقوله تعبير عما في نفسه، والله عز وجل وصفهم بآيتين أو ثلاث، قال:

 

﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ﴾

( سورة البقرة ).

أي صدّق حين أخبره الله بكتابه الكريم أن هناك جنة عرضها السماوات والأرض ، صدق الله وعمل للجنة، هذا موقف يحتاج إلى بطولة، على الشبكية هناك شهوات محسوسة، على الشبكية هناك امرأة جميلة، هناك قصر فخم، هناك سيارة فارهة، هناك طعام طيب، لم يعبأ بما على الشبكية، ولكنه عمل لما أخبره الله به من حياة أبدية، أخبر الله عباده المؤمنين فقال:

 

﴿ وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى ﴾

( سورة الضحى ).

﴿ إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً ﴾

( سورة الإنسان ).

لذلك هذا المؤمن صدق ربه، لأن الكون كله يشهد لله بعظمته، والبطولة أن المؤمن بدأ من التفكر في السماوات والأرض، رأى كوناً ينطق بوجود الله، وبوحدانيته، وكماله، رأى من خلال الكون حكمة الله، رأى رحمة الله، رأى علم الله، رأى قوة الله، رأى غنى الله، رأى وحدانيته الله، هذا كله رآه.

 

الإعجاز العلمي في القرآن الكريم أقوى دليل على أن القرآن كلام الله:

لذلك عندما قرأ القرآن، من خلال الوعد والوعيد، ومن خلال إعجازه، صدق أن هذا الكلام كلامه، وأن الذي جاء بهذا الكلام رسوله الإعجاز العلمي في القرآن أقوى دليل على أن القرآن كلام الله
انظر التسلسل، الأصل هو الكون، فكر في كون ينطق بكل جزئياته، بوجود الله، ووحدانيته، وكماله، وأن هذا الكون مظهر لأسماء الله الحسنى، وصفاته الفضلى، فتعرف بالله من خلال الكون، ثم قرأ كتاباً فإذا فيه معجزات، أو إن صحّ التعبير إعجاز، ففيه إشارات كثيرة إلى حقائق علمية لم تكن معروفة إطلاقاً وقت نزول الوحي، عرفت بعد مئات السنين، أو بعد ألف و أربعمئة عام.
فالإعجاز العلمي في القرآن الكريم أقوى دليل على أن هذا القرآن كلام الله، وعلى أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل القرآن، فلذلك آمن بالقرآن كلام الله عز وجل، وفضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه، ثم آمن أن الذي جاء بهذا القرآن هو رسول الله.
الآن انتهى دور العقل، بالعقل آمن أن لهذا الكون إلهاً عظيماً، رحيماً، قوياً، حكيماً، غنياً، موجوداً، واحداً، كاملاً، صاحب الأسماء الحسنى والصفات الفضلى، واحداً، أحداً، فرداً:

 

﴿ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ﴾

( سورة الإخلاص ).

العقل دليل الإيمان بالشيء الذي غابت عينه وبقيت آثاره:

لما آمن بالله عز وجل من خلال هذا الكون الآن رأى أمامه كتاباً، يقال: إنه كلام الله، قرأ في هذا الكتاب فإذا كل شيء وعد به يتحقق، وإذا كل شيء يتوعد الله به يتحقق العقل دليل الإيمان بالشيء الذي غابت عينه وبقيت آثاره
وقوع الوعد والوعيد أحد أكبر الأدلة على أن هذا الكتاب كلام الله، ثم هناك الإعجاز العلمي، فآمن بالقرآن على أنه كلام الله، والذي جاء به هو رسول الله، أي مما يشهد للنبي أنه نبي هذا القرآن، الآن انتهى دور العقل، وجاء دور النقل، القرآن أخبرك أن هناك حياة أبدية لا تنتهي، القرآن أخبرك أن هناك حساباً دقيقاً:

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

( سورة الحجر ).

الآن القرآن أخبر عن أشياء غيبية، لذلك كنت أقول لكم دائماً: هناك دائرة المحسوسات، أداة اليقين بها الحواس الخمس، واستطالاتها، كالميكروسكوب، والتليسكوب ، هناك أشياء حسية ملموسة، شيء تمسكه، تحمله، تمتحن نعومته، بحواسك الخمس، تراه حجماً، وشكلاً، ولوناً، تحمله، تدرك وزنه، هناك أشياء حسية ظهرت عينها، وظهرت آثارها فأداة اليقين بها الحواس الخمس واستطالاتها، هذه لا تعنينا كثيراً واضحة، لكن هناك أشياء غابت عينها و بقيت آثارها، هذه الأشياء كالكهرباء مثلاً، نحن لا نرى الكهرباء، لكن نرى مصباحاً متألقاً، نرى صوتاً يكبر، نرى مروحة تدور، نرى ثلاجة تبرد، نرى سخاناً يسخن، هذه كلها آثار الكهرباء، فالشيء الذي غابت عينه وبقيت آثاره دليل الإيمان به العقل، العقل مختص بموضوع غابت عينه، وبقيت آثاره.

 

الإيمان بوجود الله ووحدانيته وكماله أعظم موضوع على الإطلاق:

لذلك أعظم موضوع الإيمان بالله، الذات الإلهية لا نراها، بدليل قوله تعالى:

 

﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ﴾

( سورة الأنعام الآية: 103 ).

 كل ما في الكون أثر من آثار الله التي تدل على وجوده
لكن كل هذا الكون أثر من آثار الله عز وجل، ترى في الكون رحمته، ترى الطفل الصغير، ترى الكائنات كيف تتنامى، ترى النباتات، ترى الحيوانات، ترى الأطيار، ترى الأسماك، ترى البحار، ترى السماوات والأرض، ترى الكواكب، المجرات، هذا كله تراه، فالكون مظهر لأسماء الله الحسنى، والكون مظهر تجسيد لهذه الأسماء، لكن يحتاج إلى عقل، العقل أساسه يرى شيئاً مادياً، محسوساً، ملموساً، له وزن، له طول، له عرض، له ارتفاع، له مسافة، له لون، له صوت، له رائحة، له ملمس، يحكم على صانعه، فالعقل دوره أنه يعرف الخالق من الخلق، يعرف المسير من التسيير، يعرف الحكيم من الحكمة، يعرف القدير من القدرة، يعرف القوة من القوي، هذا مجال العقل، بعد أن يؤمن الإنسان من خلال عقله بوجود الله، ووحدانيته، وكماله.
والمقولة الشهيرة: الأقدام تدل على المسير، والماء يدل على الغدير، والبعرة تدل على البعير، أفسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، ألا تدلان على الحكيم الخبير ؟.

 

وقوع الوعد والوعيد أقوى دليل على أن هذا القرآن كلام الله:

الآن بعد أن تؤمن بالله موجوداً، وواحداً، وكاملاً، وأن أسماءه كلها حسنى، وأن صفاته كلها فضلى، وأن تؤمن بقدرته، ورحمته، وحكمته، وعلمه، وغناه، الآن تؤمن بكلامه من خلال أقوى دليلين وقوع الوعد والوعيد.
الحياة الطيبة التي يعيشها المؤمن مصداق لوعد الله في القرآن
للتقريب: رأيت في البحر باخرة عملاقة، الآن يوجد بواخر حمولتها تزيد عن مليون طن، مدينة تتحرك، حاملات الطائرات مدينة، مئة طائرة تطير من هذه الحاملة وتعود إليها، فيها غرف، ملاعب، مطابخ، مدينة تمشي.
لو رأيت حاملة طائرات تمخر عباب البحر، مبتعدة عن الميناء، وادعى إنسان أنه قائدها ما الدليل ؟ قال لك: سأعطيها أمراً أن ترجع، أعطاها أمراً أمامك أن ترجع، فهذه المدينة العملاقة رجعت إلى الميناء، فكلامه صادق ؟ طبعاً صادق، أقوى دليل على أن هذا القرآن كلام الله وقوع الوعد والوعيد.
مثلاً الحياة الطيبة التي يعيشها المؤمن مصداق لقول الله عز وجل:

 

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾

( سورة النحل الآية: 97 ).

فالحياة الطيبة التي يحياها المؤمن هي مصداق لقوله تعالى لهذه الآية، معنى ذلك أن الحياة الطيبة بيد الله، والله أخبرنا أنه:

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾

هو يعيش حياة طيبة، هذا أقوى دليل على أن القرآن كلام الله، والإنسان القوي جداً، والغني جداً، معيشته ضنك:

 

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً ﴾

( سورة طه الآية: 124 ).

المعيشة الضنك الذي يحياها الكافر هي تطبيق لوعيد الله في القرآن
فالمعيشة الضنك الذي يحياها الكافر، البعيد عن الله، المعرض عن ذكر الله، هي مصداق قوله تعالى، فأقوى دليل على أن هذا القرآن كلام الله وقوع الوعد والوعيد، وأقوى دليل بالإعجاز العلمي، فأنت حينما تؤمن بالله واحداً موجوداً، واحداً كاملاً، وتؤمن بأن هذا القرآن كلام الله، من لوازم هذا الإيمان أن الذي جاء بهذا القرآن هو قطعاً رسول الله، فآمنت به، انتهى دور العقل، جاء دور النقل، النقل أخبرك الله أن هناك دار الآخرة فيها:

(( ما لا عين رأتْ، ولا أذن سمعتْ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ ))

[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة ]

أخبرك الله أن هناك حساباً دقيقاً:

(( ليأتين على القاضي العدل يوم القيامة ساعة يتمنى أنه لم يقض بين اثنين في تمرة قط ))

[أخرجه الطبراني عن عائشة أم المؤمنين ]

هناك حساب دقيق، أخبرك القرآن أن هناك نار جهنم، لا يموت فيها الكافر ولا يحيا، كل شيء أخبرك الله به، الآن هذا المصدر الثالث في الدين، هناك محسوسات أداة اليقين بها الحواس الخمس، هناك معقولات أداة اليقين بها العقل، هناك إخباريات أداة اليقين بها الخبر الصادق، كل هذا الكلام من أجل أن نعلم ما معنى:

﴿ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ﴾

أكبر سبب دعا المؤمنين إلى طاعة الله أنهم آمنوا بالغيب:

المؤمن آمن بالغيب، آمن بشيء لا يراه، لكن كل شيء يغيب عليه، رأى دخاناً قال: لا دخان بلا نار، ما رأى النار رأى الدخان، فالدخان ليس ناراً لكن من آثار النار، رأى آثر النار ولم يرَ النار.
أكبر سبب دعا المؤمنين إلى طاعة الله والعمل الصالح أنهم آمنوا بالغيب
لذلك هؤلاء المؤمنون بطولتهم أكبر سبب دعاهم إلى طاعة الله أنهم آمنوا بالغيب ، آمنوا بما أخبرهم الله به، هناك حياة أبدية، هذا الإيمان بالغيب يقتضي أن يتقوا معصية الله، هذا الإيمان بالغيب يقتضي العمل الصالح، لذلك:

 

﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى *وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾

( سورة الليل ).

صدق أنه مخلوق للجنة، فاتقى أن يعصي الله، فبنى حياته على العطاء، أعطى واتقى لأنه صدق بالحسنى، الرد الإلهي:

 

﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾

( سورة الليل ).

كذب بالآخرة وآمن بالدنيا، فاستغنى عن طاعة الله، بنى حياته على الأخذ، هذا التصنيف القرآني لبني البشر، إنسان صدق أنه مخلوق للجنة فآمن بالغيب، واتقى أن يعصي الله، لأنه صدق أنه مخلوق للجنة، وبنى حياته على العطاء، وإنسان آخر كذب بالحسنى، لم يصدق بالآخرة، كلام فارغ، الدنيا هي الجنة وهي النار، والغني في جنة، فكذب بالحسنى واستغنى عن طاعة الله، وبنى حياته على الأخذ، هذان الصنفان من بني البشر ولن تجد ـ والله أعلم ـ صنفاً ثالثاً.

 

الفلاح نجاح في الدنيا والآخرة معاً:

لذلك هؤلاء المؤمنون آمنوا بالغيب، وأقاموا الصلاة:

﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾

( سورة البقرة ).

النجاح يكون في الدنيا فقط أما الفلاح يكون في الدنيا والأخرة
ثم آمنوا بالدعوة إلى الله، آمنوا بالأنبياء السابقين.

﴿ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾

( سورة البقرة ).

الفلاح نجاح في الدنيا والآخرة معاً، النجاح في الدنيا وحدها يسمى نجاحاً، إنسان يحمل أعلى شهادة في الدنيا، إنسان يملك أكبر ثروة في الأرض، النجاح في الدنيا يعد نجاحاً لكن لا يعد فلاحاً، أما الفلاح أن تنجح في الدنيا والآخرة، أن تنجح في الهدف الذي خلقت من أجله، هذا أول صنف، المؤمن واضح يعمل للآخرة، يخاف الله وحده، لا يخشى غير الله ، يحاسب نفسه حساباً دقيقاً جداً، يحاسب نفسه على نظرة لا ترضي الله، على كلمة تفوه بها خطأ، يحاسب نفسه على تمرة.
رأى النبي تمرة على السرير فاشتهاها، فقال: " يا عائشة لولا أنني أخشى أنها من تمر الصدقة لأكلتها "، ظن أنه جاءه طبق من التمر صدقة فوقعت منه، قال: " لولا أنني أخشى أنها من تمر الصدقة لأكلتها "، صار ورعاً.

 

المؤمن واضح و الكافر واضح:

﴿ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾

المؤمن واضح و الكافر واضح
واضحين، المؤمن واضح آمن بالله، وبنى كل حياته على الإيمان بالله، بنى كسب ماله على الحلال، يركل بقدمه ملايين مملينة، لأنها لا ترضي الله، ويقبل بدخل محدود من طريق مشروع يرضي الله، يبحث عن زوجة مؤمنة صالحة يتمنى أن تكون جميلة إضافة إلى صلاحها، لكن لو جاءته جميلة ليس فيها دين يرفضها، بنى حياته، بنى عمله، بنى زواجه، اختار عملاً ينفع المسلمين، هناك عمل يبنى على ابتزاز أموال الناس، أو على إلقاء الرعب في قلوبهم، لو كان دخله فلكي يرفضه، نحن نظن أن المؤمن شخص عادي، المؤمن مرتبة عالية جداً، مرتبة علمية، مرتبة أخلاقية، مرتبة فكرية، مرتبة جمالية.
لذلك:

﴿ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾

المؤمن واضح جداً، له منظومة قيم، ومبادئ، ومنطلقات، وأنماط سلوك ثابتة، هذا أول صنف، ومع الأسف الشديد والكافر واضح جداً، قال:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾

( سورة البقرة ).

ألغى من حياته الدين، مرة حدثت مندوب شركة في هولندا شيئاً عن الدين، قال لي: هذه الموضوعات لا تعنيني إطلاقاً، ولا أهتم بها، ولا ألقي لها بالاً إطلاقاً، أنا لا يعنيني إلا امرأة جميلة، ومركبة فارهة، ومنزل كبير، واضح، الكافر واضح، له ميزة أنه واضح، لا تنغش به أبداً، واضح، الدين ألغاه من حياته، كالأجانب، ألغوا الدين من حياتهم كلياً واستمتعوا بالدنيا من أعلى درجة، أتقنوها، أتقنوها إتقاناً مذهلاً، عندما أتقنوها ملكوها، ملكوا الدنيا، أتقنوا الدنيا، وآمنوا بها، واكتفوا بها، ولم يعبؤوا بالآخرة.

 

بقلب المؤمن من الرضا والطمأنينة و السكينة ما لو وزع على أهل بلد لكفاهم:

أخواننا الكرام، المؤمن واضح، آمن بالله، وباليوم الآخر، وجعل كل حركاته ونشاطاته وفق منهج الله، وسعى للدار الآخرة، لكن المحسوسات لم يعبأ بها، آمن بالمغيبات، آمن بجنة عرضها السماوات والأرض، يسعى إليها، من الذي وعده بها ؟ خالق السماوات والأرض، الذي وعده بها خالق هذا الكون.

 

﴿ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ﴾

( سورة التوبة الآية: 111 ).

﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً ﴾

( سورة النساء ).

بقلب المؤمن من الرضا والطمأنينة ما لو وزع على أهل بلد لكفاهم
بمنتهى العقل، بمنتهى الذكاء، بمنتهى الفلاح، بمنتهى الفوز، آمن بالآخرة، لكن الله ما منعه أن يأكل، ويشرب، ويتزوج، وينجب، ويعمل، أقسم لكم بالله بل إن استمتاع المؤمن في الدنيا بطريق مشروع، لأنها وفق منهج الله، ولأن العلاقة مع الله نامية جداً، فيسعد بالدنيا أيما سعادة.
بل إن بعض الملوك ـ اسمه إبراهيم بن الأدهم، مدفون في جبلة، كان ملكاً، ثم ترك الملك و أصبح عارفاً بالله ـ قال هذه الكلمة الرائعة: لو يعلم الملوك ما نحن عليه لقاتلونا عليها بالسيوف.
والله الذي لا إله إلا هو يوجد بقلب المؤمن من الرضا، من الطمأنينة، من السكينة، من الأمن، من الحكمة، ما لو وزع على أهل بلد لكفاهم، المؤمن واضح، يركل بقدمه مليار يقبل بخمسة آلاف بالشهر، لا لأنه أحمق، لأنه ذكي جداً، لأنه ضمن الآخرة بهذه الطريقة، أنا أخاف أن تتوهموا أنه فقط يصلي، منطلقاته، فكره، مبادئه، قيمه، نظام حياته، زواجه، تربيته لأولاده، كل أعماله وفق الآخرة، مرتاح.

 

إلغاء الكافر الآخرة و الإيمان من قلبه كلياً:

أما الكافر أيضاً واضح، قال:

 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾

( سورة البقرة ).

الكافر ختم الله على قلبه وعلى سمعه وعلى بصره غشاوة
ألغى الآخرة من حياته، ألغى الإيمان بالله كلياً.

 

﴿ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ﴾

( سورة البقرة الآية: 7 ).

هذا ختم يسمونه تحصيل حاصل، هذه الأبواب المفتوحة لو أن الباب الخارجي مغلق هي بحكم المغلقة، أليس كذلك ؟ لو أردت أن تخرج الخارجي مغلق، ما قيمة هذه الأبواب ؟ قال:

﴿ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ﴾

المعنى:

 

﴿ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ﴾

( سورة القرة الآية: 7 ).

والغشاوة هي حب الدنيا، وحبه للدنيا جعله أعمى أصم.

 

الكافر ألغى الآخرة و الإيمان من قلبه كلياً

 

﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾

 

( سورة البقرة ).

انتهى وصفهم واضحين جداً، آيتان، المؤمنون خمس آيات، الكفار آيتان، الآن ميزة الكافر واضح، الغرب ليس فيه دين، مؤمن بالدنيا بالمال، المال هو كل شيء.
مرة ذهب عالم من دمشق إلى أمريكا، جلس بحديقة و إلى جانبه شخص، هذا العالم أسمر اللون فسأله الشخص الجالس بجانبه عن دينه، قال له: أنا مسلم، قال له: ما الإسلام ؟ قال له: أتحب أن أحدثك عنه خلال ساعة ؟ قال له: ممكن، هذا عالم كبير، وله تفسير دقيق جداً، فحدثه عنه بخمسين دقيقة، فكان رد فعل هذا الإنسان أنه أخرج من جيبه مئة دولار، قال له: أنا هذا إلهي أعبده من دون الله، واضح وضوح الشمس، يؤمن بالدنيا، بالمتعة، بالجمال، بالرفاهية، الآن كل أقول السياسيين يتحدثون عن الرفاه فقط، نجاحهم بالحياة، أو نجاحهم بإدارة حياتهم يتعلق بتأمين الرفاه لشعبهم فقط، الرفاه لا الإيمان.

﴿ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ .

المنافق له ظاهر وله باطن و يتكلم بشيء لا يؤمن به:

المنافق له ظاهر وله باطن و يتكلم بشيء لا يؤمن به
أما المشكلة الكبيرة هذا الصنف الثالث:

 

﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾

( سورة البقرة ).

له ظاهر وله باطن، يتكلم بشيء لا يؤمن به، يجلس مع المؤمنين يظهر إيمانه المزور.

 

﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾

( سورة البقرة ).

الله عز وجل وصفهم بثلاث عشرة آية، الإنسان يتحرك، يجلس مع المؤمنين يعمل نفسه مؤمناً، يأخذ كل ميزاتهم، يجلس مع الكفار يستهزئ بالمؤمنين.

 

المنافق في نص الآيات التالية كافر مبطن وعذابه أشد:

﴿ وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ﴾

المنافق كافر مبطن وعذابه شديد
لأنه أخذ ميزات المؤمنين في الدنيا، واستمتع كما استمتع الكافرون قال:

 

﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ﴾

( سورة النساء الآية: 145 ).

﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ﴾

( سورة البقرة الآية: 13 ).

هؤلاء سفهاء.

 

﴿ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾

( سورة البقرة الآية: 13 ).

﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ﴾

المنافق في نص هذه الآيات كافر مبطن، كافر، وعذابه أشد،

﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ﴾

واضح ؟.

 

الشبهات حجاب بين الإنسان و ربه:

أردت بهذه المقدمة أن أبين لكم ما معنى قوله تعالى:

﴿ إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ ﴾

هناك حالة ثانية، أنا لا أسميها نفاقاً،

﴿ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ﴾

الشبهات حجاب بين الإنسان و ربه
هناك إنسان إيمانه ضعيف، عنده شبهات، هذه الشبهات كانت حجاباً بينه وبين المؤمنين، لماذا هناك حروب في الأرض مثلاً ؟ لماذا هناك طفل يموت صغيراً ؟ عنده شبهات ما سأل عنها، فكانت هذه الشبهات حجاباً بينه وبين الله.
لذلك أنا أقول لكم: الذي عنده سؤال خطير يسأل عنه، لا يبقى بشك، وبحيرة، أحياناً الشبهات تكون حجاباً بينك وبين الله، الله يعلم أن هذا الإنسان كافر، لماذا خلقه ؟ طبعاً الشياطين عندهم خبث كبير جداً، يطرحون عليك أسئلة تتوهم أنه لا يوجد لها جواب، هي لها جواب.
فلذلك إذا الإنسان تعثرت خطاه في السير إلى الله من خلال بعض الشبهات ينبغي ألا ينام الليل حتى يبحث عن جواب لها، لا تقل: أنا لا أسأل، إذا لم تسأل ليس لك قيمة عند الله عز وجل، اسأل، لكل شبهة جواب.
أيها الأخوة،

﴿ إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ ﴾

تحدثنا عنهم، هؤلاء الكفار الذين يمثلون.

﴿ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ﴾

فالمرض يأتي إما من شبهة، أو من شهوة.

 

المريض في عالم الإيمان أسباب مرضه شبهة أو شهوة:

الآن عندنا عقبة أخرى، غير الشبهة، الشهوة، أحياناً الإنسان تغلبه شبهة، أو تغلبه شهوة، المريض في عالم الإيمان أسباب مرضه شبهة أو شهوة.
لذلك قال تعالى:

﴿ إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ ﴾

هؤلاء الكفار، الكفار الذين يمثلون دور المؤمنين،

﴿ إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ ﴾

والدليل: ألا إن المنافقين هم الكافرون، هم

﴿ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ﴾

﴿ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ﴾

المرض بسبب شبهة ليست واضحة عنده، سمع درساً أن الإنسان مكتوب عليه كل شيء قبل أن يولد، الأمر منته، والله ليس عنده مشكلة.
المريض في عالم الإيمان أسباب مرضه شبهة أو شهوة
إذا كان مدرسة أول يوم بالعام الدراسي وقف المدير، قال: سأتلو عليكم أسماء الناجحين في آخر العام، وأسماء الراسبين، اذهبوا و ادرسوا، من الآن يدرس ؟ الأمر منته.
عند الناس بعض الشبهات إما بالقضاء والقدر، أما باختلاف، تجد غنياً يكاد يموت من التخمة، وفقيراً يكاد يموت من الجوع، تجد غنى وفقراً، هناك غني وهناك فقير، هناك قوي وهناك ضعيف، هناك صحيح وهناك مريض، هناك فتاة جميلة جداً يتهافت عليها كبار الأغنياء وهناك فتاة مستوى شكلها أقل مما ينبغي تجدها تعاني ما تعاني، يا رب ما الحكمة ؟ يوجد شبهات، أي اختلاف توزع الحظوظ في الأرض، شاءت حكمة الله أن يكون هناك إنسان غني وهناك إنسان فقير، هناك إنسان وسيم جداً وآخر دميم، إنسان طويل العمر يقول لك: عمري ثمانية و تسعون، و إنسان يموت بالثامنة عشر، هناك مئات الشبهات هذه تحول بين المؤمن ضعيف الإيمان وبين أن يسعى إلى الله، وهناك شهوات كثيرة، المرأة أحد أكبر الشهوات، يوجد إنسان يعصي الله لا عن كفر لكن شهوته غلبته، هذا الإنسان الذي عنده شبهة حالت بينه وبين الاستقامة، أو عنده شهوة غلبته، كما سماه الله هنا ليس منافقاً لكنه مريض ضعيف الإيمان، فالآية تقول:

﴿ إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ ﴾

مرضى القلوب إما بشبهات القضاء والقدر أو بسبب شهوات غلبتهم:

 

والله هناك آية أيها الأخوة:

﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي ﴾

( سورة هود الآية: 88 ).

المؤمن على بينة، الأمور عنده واضحة جداً، الأمور كالشمس، والآن في هذا العصر اللون الرمادي اختفى، هناك مؤمن واضح الإيمان، وهناك كافر واضح الكفر، لأن الإيمان ضعيف، الآن لا يوجد نفاق، المنافقون قلة قليلة جداً، ما من داع لأن ينافق، العالم كله مع الكفر، الآن قلما تجد منافقاً، لماذا ينافق ؟ يفطر جهاراً في رمضان، ويتحدث عن مغامراته في المعاصي والآثام، لا يخاف، العالم الآن كله مع الكفر، الإيمان ضعيف جداً.
مرضى القلوب إما بشبهات القضاء والقدر أو بسبب شهوات غلبتهم
فلذلك هؤلاء مرضى القلوب إما بشبهات القضاء والقدر، بالخير والشر، بتوزيع الحظوظ في الدنيا، أو بسبب شهوات غلبتهم، هؤلاء يقولون

﴿ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ ﴾

﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ﴾

( سورة هود ).

الآن غير المؤمن يقول لك كم دخلك ؟ يقيمك كلك بدخلك فقط، لا يوجد عنده شيء آخر، إذا كان دخلك محدوداً وأنت أسعد الناس، ساكن في بيت صغير، وعندك زوجة صالحة تحبها وتحبك، ولك هدف كبير، تسعى إليه أنت أسعد الناس.
الآن بمقاييس الدنيا يقيّم الشخص بمتاعه فقط، أين ساكن ؟ بحي متواضع، مساحة بيتك تقدر بستين متراً، دخلك ثلاثة آلاف، خمسة آلاف بالشهر، هذا عند الغني لا شيء صفر، قد يكون هذا الفقير قلامة ظفره ـ أُقسم لكم بالله ـ تساوي أغنى أغنياء العالم، قد تكون حاجباً مستقيماً، وهناك مدير عام غارق في المعاصي والآثام، وقبول الرشوة، والمال الحرام، هذا الحاجب الذي على بابه قلامة ظفره تعدل كل هؤلاء الأشخاص المنحرفون.

 

بطولة الإنسان أن يعرف موازين الله عز وجل:

عند الله موازين، بطولتك أن تعرف موازين الله، لذلك:

 

﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾

( سورة آل عمران ).

بطولة الإنسان أن يعرف موازين الله عز وجل
بمقاييس الدنيا الذي اشترى أرضاً قبل عشر سنوات، والآن تضاعفت ثلاثمئة ضعف يقول لك: بيته بالجنة، أي جنة هذه ؟ تستطيع أن تأكل أكثر من وجبة طعام واحدة ؟ أغنى أغنياء الأرض يأكل وجبة طعام، ينام على سرير واحد، يرتدي ثوباً واحداً، هل يوجد غير هذا؟ الدنيا محدودة لها سقف.

 

المؤمن إنسان سعيد لأنه آمن بالله تعالى:

(( مَنْ أصبَحَ منكم آمِنا في سِرْبه ))

[أخرجه الترمذي عن عبيد الله بن محصن ]

المؤمن إنسان سعيد لأنه آمن بالله تعالى
أي مؤمن مطمئن، ليس ملاحقاً، ليس مرتكباً أي خطأ، حتى يكون عليه إذاعة بحث، لو طرق بابه ليلاً من الطارق ؟ و هناك إنسان إن طرق بابه ليلاً يموت من الخوف، أما المؤمن ليس مطلوباً، لا يوجد مذكرة بحث بحقه.

((آمِنا في سِرْبه مُعافى في جَسَدِهِ ))

النبي استيقظ مرة قال:

(( الحمد لله الذي رد عليّ روحي و عافاني في جسدي و أذن لي بذكره))

[ صحيح عن أبي هريرة]

فالمؤمن سعيد جداً، فلذلك النقطة الدقيقة الإنسان حينما يبتعد عن الله تكون مقاييسه مادية، قال سيدنا علي: " قيمة المرء علمه ".
المؤمن واضح والكافر واضح أما المنافق خطير لا تعرفه مؤمناً ولا تعرفه كافراً
فهؤلاء المنافقون ومرضى القلوب قال:

﴿ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ ﴾

ما عرف كيف يحيا المؤمن، ما عرف مشاعر الرضا التي أكرمه الله بها، ما عرف مشاعر اليقين، ما عرف الحكمة التي أكرمه الله بها، ما عرف الأمن الذي ينعم به، المؤمن من خلال صلاته المتقنة يتمتع بأمن، وبحكمة، وبسعادة، وبسكينة، وبحكمة بالغة لأنه آمن بالله.
لذلك:

﴿ إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ ﴾

، مغرور معنى مغرور أي توهم شيئاً أكبر من حجمه، المؤمن ما توهم أن الجنة أكبر، الجنة حقيقة أكبر، أما الكافر يتهمه أنه متوهم، يقول لك: لم يرَ شيئاً في الدنيا، يقول: من بيته إلى الجامع و من الجامع إلى بيته، لا يعرف أن هذا أسعد إنسان في الأرض، لا يعرف،

﴿ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾

أيها الأخوة الكرام، لنا أيضاً وقفة متأنية مع هذه الآية، أنا لعلي أطلت في التقديم لأنه من هو المنافق ؟ هو إنسان بينَ بين، المؤمن واضح والكافر واضح، والمؤمن التعامل معه سهل جداً، عنده منهج سهل جداً، والكافر أوضح، قال لك: أنا الآخرة ألغيتها من حياتي، مقياسه كله مادي، أما هذا الوضع الوسط لا تعرفه مؤمناً، لا تعرفه كافراً، لا تعرف هل هو مع المؤمنين أم مع الكافرين ؟ هذا الوضع خطير جداً، أسأل الله جلّ جلاله أن ينقذنا من حال أهل النفاق.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور