وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 196 - يقول ابن القيم رحمه الله - دخل الناس النار من ثلاثة أبواب.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

العلم دين فعلى الإنسان أن ينظر عمن يأخذ دينه :

 أيها الأخوة الكرام؛ ورد في الأثر النبوي أن الله عز وجل يبعث على كل مئة عام من يجدد للأمة دينها، والحقيقة هناك علماء كبار يرسلهم الله عز وجل كل مئة عام يجددون لهذه الأمة دينها، من هؤلاء العالم الجليل ابن القيم رحمه الله تعالى، ترك تقريباً ثلاثمئة وثلاثين مؤلفاً، والدعاة إلى الله في شتى بقاع العالم الإسلامي عالة على كتبه، إنسان متفوق جداً بل فاق أستاذه ابن تيمية، هذا الرجل متوازن، إسلامه وسطي، إسلامه في حياة منهجه راق جداً، يقول ابن القيم رحمه الله عز وجل: " دخل الناس النار من ثلاثة أبواب، باب شبهة أورثت شكاً في دين الله ". هناك أخطار ثلاثة أحد هذه الأخطار الشبهات، أي قضية غير واضحة تشبه الحق من زاوية، وتشبه الباطل من زاوية أخرى، الشبهات مهلكات، إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم، أنت ممكن أن تتعامل بغير موضوع الدين بمبدأ فيه شيء اسمه شك، ثلاثون بالمئة، شيء اسمه وهم، ثلاثون بالمئة، الشك خمسون بالمئة، الظن سبعون أو ثمانون بالمئة، غلبة الظن خمسة وتسعون بالمئة، القطع مئة بالمئة، بموضوع الدين يجب أن تلغي الوهم والشك والظن وغلبة الظن، يجب أن تبقى بالقطع، لماذا؟ لأن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم، قضية أبد، قضية جهنم أو جنة، قضية سعادة أبدية وليس قضية ثانوية، هناك أشياء كثيرة قد لا تتاح لك في الدنيا، وحياتك مستقرة وهادئة وسعيدة، ليس كل إنسان طلباته في الدنيا محققة، إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم، لكن سأضرب مثلاً؛ لو جلس إنسان بمجلس علم الذي يدرس في هذا المسجد قال:" شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي "، وما شرح الحديث نطق به، واكتفى، يأتي إنسان ثقافته محدودة، يجد فيه فرجة كبيرة جداً، يقول: ما دامت الشفاعة مختصة بالكبائر سأرتكب عدداً منها، هذا فهم للدين خطير جداً، ممكن أن يكون هناك نص له بدائل كبيرة لكن:

(( لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ تَعالى فَيَغفِرُ لَهُمْ))

[ مسلم عن أبي هريرة رضي اللّه عنه ]

 حديث صحيح إذا أنت لم تشعر بالذنب فأنت ميت، معنى لو لم تذنبوا أي لو لم تشعروا بذنوبكم، سهرة للساعة الواحدة بالليل كلها غيبة ونميمة، يقول: والله سررنا، لا أنسى هذه السهرة، كلها معاص، هذا لا يفهم، وهذا زوجته ليس جيدة، أنت طعنت بشرفها، طعنت باستقامتها، سيدنا معاذ:

(( وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ، أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِم ))

[ الترمذي وصححه وابن ماجه والحاكم عن معاذ ]

الأخلاق أعظم شيء بالإنسان :

 قال صلى الله عليه وسلم :

(( وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سَخَط الله لا يُلْقِي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً ))

[ البُخَارِيُّ وأحمد عن أبي هريرة ]

 الباطل كلمة أحياناً، أنت ضعيف لأنك أخلاقي، أنت أخلاقي لأنك ضعيف، هذه الكلمات نسفت الدين كله، الأخلاق أعظم شيء بالإنسان، الله عز وجل أثنى على النبي صلى الله عليه وسلم بأخلاقه، قال تعالى:

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾

[ سورة القلم : 4]

 حتى أنه يوجد مقولة بالغرب مخيفة جداً: القوة تصنع الحق، أنت قوي أنت على حق، لو اغتصبت الدول الاستعمارية أموال الدنيا، جعلت العالم الثالث بفقر مدقع، موريتانيا فيها منجم نحاس استغل من بريطانيا مدة خمسين سنة، ولم تدفع لها شيئاً، زرت بلداً في غينيا بإقريقيا، أغنى بلد في العالم بالألماس، البلد الأول، وهو أفقر بلد في العالم، لا يوجد به مراكب إطلاقاً، الطرقات كلها أحجار، الطبخ يتم في الطريق، إن أكلت برتقالة وألقيتها في الطريق هناك من يأكل القشر، وهو أغنى بلد في العالم، قال لي شخص: كل إفريقيا بهذا الشكل، أغنى دول فيها ثروات مذهلة، نحن أحياناً عندنا نفط نأخذ تعويضاً مقابله، هناك لا شيء إطلاقاً، الألماس يستغل من قبل دول عظمى، ولا يدفعون شيئاً للحكام، إلا أن حاكم البلد أعطوه قصراً في رأس الجبل، يأتيه الطعام يومياً من باريس بالطائرة، واحد فقط، ويوجد مشانق عبارة عن اثنتي عشرة مشنقة، إذا أخطأ شخص يعدم أقرباؤه جميعاً، ابوه وأمه وأخوته الذكور والإناث، خطأ واحد يسبب إعدام اثني عشر شخصاً، قهر ما بعده قهر، الغرب هكذا، مستعد أن ينهب الثروات كلها ولا نأخذ شيئاً، وجدت نحن بالدول العربية يعطوننا قليلاً من ثمن النفط، هناك لا شيء إطلاقاً.

 

أبواب دخول الناس النار :

1 ـ باب شبهة أورثت شكاً في دين الله :

 يا أخوان ما لم نكفر بالغرب لن نؤمن بالله، لكن كلما صار الوضع صعباً يتساهلون قليلاً، لذلك ابن القيم الجوزية يقول: " دخل الناس النار من ثلاثة أبواب، باب شبهة أورثت شكاً في دين الله ". دينك لا يتحمل شبهات، يحتاج إلى يقينيات، دين مصير، جنة، نار، ليست القضية سهلة، لذلك: عبدي رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبق لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت.
 هذا أول بند باب شبهة أورثت شكاً في دين الله. مادام هناك شك فليس هذا هو الإيمان، قال تعالى:

﴿ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا ﴾

[ سورة الحجرات : 15 ]

 بالدين لا يوجد شك، ولا ظن، ولا وهم، ولا يوجد:

زعم المنجم والطبيب كــلاهما  لا تبعــث الأموات قـلت: إليكما
إن صح قولكما فلست بخاسرٍ  أو صحّ قولي فالخسار عليكما
* * *

 هذه الأبيات للمعري، هذا ليس ديناً، الدين قطع.
 مرة ثانية: يوجد وهم، الوهم ثلاثون بالمئة، والشك خمسون بالمئة، والظن سبعون أو ثمانون بالمئة، وغلبة الظن خمسة وتسعون بالمئة، والقطع مئة بالمئة، حقائق الدين لا تحتمل أنصاف الحلول، حق حق، باطل باطل، حرام حرام.
 باب شبهة أورثت شكاً في دين الله. هذا أحد أسباب الهلاك.

2 ـ باب شهوة أورثت تقديم الهوى على طاعة الله ومرضاته :

 يوجد باب آخر؛ وباب شهوة أورثت تقديم الهوى على طاعته ومرضاته. أي الاختلاط يوجد شهوة وراءه، لماذا تريد أن تعرف صديقات زوجتك؟ تكون الدنيا شتاء، وغرفة الجلوس دافئة، وغرفة الضيوف باردة، تعالوا هنا أدفأ لكم، ليس من أجل الدفء يريد أن يرى صديقة زوجته كيف شكلها؟ هناك دوافع خفية، وكلما الإنسان محص ودقق وحاول أن يعالج نفسه يكون قريباً من الله كثيراً، لا تحابي نفسك إطلاقاً، واجه الحقيقة، المعصية محببة، والطاعة فيها..

(( أَلا إِنَّ عَمَلَ الْجَنَّةِ حَزْنٌ بِرَبْوَةٍ ،...إِنَّ عَمَلَ النَّارِ سَهْلٌ بِسَهْوَةٍ ))

[ أحمد عن ابن عبَّاس ]

 سهل بسهوة، استرخ وافعل ما تشاء، كُلْ ما تشاء، اجلس مع من تشاء، لا يوجد ضوابط، ولا قيم، ولا حلال، ولا حرام، تقع المشكلات كلها.
 أول شيء؛ باب شبهة أورثت شكاً في دين الله، و باب شهوة أورثت تقديم الهوى على طاعته ومرضاته. فأنت بين الشبهات والشهوات، الشبهات عقلية والشهوات حسية، أنا لا أبالغ لو أن طبيباً عنده مريضة، والشرع سمح له أن يرى مكان المرض، فلو نظر إلى مكان آخر لا تشكو منه، من يكشف هذه المخالفة؟ لا يوجد قوة بالأرض تكشف هذه المخالفة، إلا الله عز وجل، ماذا قال؟

﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ ﴾

[ سورة غافر: 19 ]

 أعرف طبيباً مؤمناً، إيمانه عادي جداً، هو طبيب عظمية أحضر قماشاً مساحته كبيرة جداً، فيه فتحة، يضع القماش فوق المريضة أين تشعرين بالألم؟ هذه الفتحة تكشف الركبة فقط، ليس اخلعي ثيابك كلها.
 مرة قال لي دكتور في أمريكا: تأتي المرأة المحجبة إلى المستشفى يجب أن تخلع كل ثيابها، قد تكون لا تتقن اللغة الإنكليزية، يتغزلون بمواطن الفتنة في جسمها، فالمؤمن عنده غيرة، والذي لا يغار ليس مؤمناً.
 أيها الأخوة الكرام؛ إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم، دينك، دينك، إنه لحمك ودمك، خذ عن الذين استقاموا، ولا تأخذ عن الذين مالوا.
 أنا بعملي الدعوي المتواضع خلال أربعين سنة، عندي حوالي مئتي حالة خيانة زوجية مع امرأة الأخ، يقول لك: هذه امرأة أخي، سلفي، وإذا كان سلفك! النبي صلى الله عليه وسلم قال:

((... الْحَمْوُ الْمَوْتُ))

[متفق عليه عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ]

 لأن هذا السلف يستطيع أن يرى امرأة أخيه، ويأتي بغيابه إلى البيت، ويمزح مع امرأة الأخ، وامرأة الأخ تشتهى كأي امرأة، بالعكس تشتهى أكثر، انظر إلى ديننا كم هو دقيق:

((... الْحَمْوُ الْمَوْتُ))

[متفق عليه عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ ]

 وأنت لا تعرف عظمة الدين إلا من القصص التي تأتي إلى الدعاة، من كثرة الأمور التي تأتيني أجد أنه لا يوجد مشكلة وقعت في الأرض إلا بسبب خروج عن منهج الله، وما من خروج عن منهج الله إلا بسبب الجهل، و الجهل أعدى أعداء الإنسان،
 دققوا نحن عندنا أعداء تلقيديون؛ الاستعمار، الصهيونية، اليهود، أكبر عدو لنا الجهل، لأن الجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به.

3 ـ باب غضب أورث العدوان على خلقه :

 أول باب باب شبهة أورثت شكاً في دين الله، و الباب الثاني باب شهوة أورثت تقديم الهوى على طاعته ومرضاته. إما شهوات أو شبهات، والثالثة وباب غضب أورث العدوان على خلقه.
 معك صلاحية حسمت له من معاشه مبلغ ضخماً، فصلته من العمل لأنه تحداك، أو لأنه نصحك، أو لأنه قال لك: لا يجوز، أنا سأقول لكم كلمة دقيقة احفظوها: أي إنسان كان في بيته، كان بدائرته، كان بعمله، كان بمعمله، بأي مكان إذا لغيت المعارضة تلغى أنت، كلما كان عندك أفق واسع تسمح للمعارضة أن تنتقدك.

عُداتي لهم فضل عليّ ومنـة  فلا أذهب الرحمن عنـي الأعاديا
* * *

 العدو أحياناً يقدم لك نصيحة، يقول لك: هذه غلط، ليس لك خبز عنده، أنا أقول: افرح لمن يبكيك، ولا تفرح لمن يضحكك، أي منصب قيادي يوجد حولك منافقون يمدحونك وهم يورطونك، يمدحك ويورطك حتى تسقط، أنت لا تقبل نصيحة إلا من مؤمن.

(( لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِنا، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ ))

[أبو داود والترمذي عن أبي سعيد الخدري ]

 اجعل العلاقات الحميمة مع المؤمنين، أنت موظف بشركة، لطيف وواقعي وتحترم الكل وعلى رأسهم مدير الشركة، لكن هذا لا يمس بدينك، أما سهرة للساعة الثانية ليلاً ومختلطة فهذه علاقة حميمة، العلاقة الحميمة مع المؤمنين، فقط يوجد انضباط لا يوجد اختلاط، النساء بمكان والرجال بمكان، لا يوجد عدوان على بعض، أعرف أسرتين ذهبتا إلى البحر في العيد، الأسرة الأولى فيها أم لسبعة أولاد، و الثانية أم لستة أولاد، بعد العودة من البحر هذا طلق زوجته وأخذ الثانية، والثاني طلق زوجته وأخذ الأولى، اختلاط، والشيطان يحبب المعصية، كل شيء حلال يزهدك به، النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

(( الحمد لله الذي رزقني حب عائشة ))

[ ورد في الأثر ]

 الحب يزداد وينمو، فكل إنسان يغض بصره عن محارم الله، لا يوجد عنده اختلاط، يكافئه الله في الدنيا بمحبة زوجته، هذه نعمة كبيرة تحب حلالك، لا تحب بالحرام، لا تحب إنسانة أجنبية.
 لذلك أيها الأخوة الكرام؛ دخل الناس النار من ثلاثة أبواب، باب شبهة أورثت شكاً في دين الله، وباب شهوة أورثت تقديم الهوى على طاعته ومرضاته، وباب غضب أورث العدوان على خلقه.
 إما غضب، أو شهوة، أو شبهة، هذه أبواب الهلاك في حياتنا، فأرجو الله أن يحفظ لكم إيمانكم جميعاً وأهلكم وأولادكم.
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطاهرين، أمناء دعوته، وقادة ألوِيَتِه، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور