وضع داكن
28-03-2024
Logo
الدرس : 33 - سورة الأعراف - تفسير الآيتان 101 - 102، كيف يكون المؤمن ؟
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

مقدمة :

أيها الإخوة الكرام ، مع الدرس الثالث والثلاثين من دروس سورة الأعراف ، ومع الآية الواحدة بعد المئة ، وهي قوله تعالى :

﴿ تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ ﴾

1 – الأصل في الأمر القرآني الوجوبُ ، والأصل في النهي التحريمُ :

كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب
أيها الإخوة ، كلكم يعلم أن هذا القرآن كلام الله ، فيه أوامر ، وكل أمر يقتضي الوجوب ، افعل ، وفيه نواهٍ ، وكل نهي يقتضي الترك ، يجب أن تأتمر بما أمر الله ، وتنتهي عما عنه نهى الله ، فكر دائماً أن كل آية تقرأها لا بد من أن يكون لك منها موقف ، لأن هذا الكلام كلام الله ، كلام الخبير ، كلام الخالق ، كلام رب العالمين ، ولا يمكن أن يقول الله كلاماً ليس لك منه موقف .
النقطة الدقيقة : أيّ آية تقرأها فلا بد من أن يكون لك منها موقف .

 

2 – الأمر القرآني بالتفكّر في الكون :

 

الآن نستعرض آيات الأمر التي تقتضي أن تأتمر ، وآيات النهي التي تقتضي أن تنتهي ، وآيات تصف الجنة ، وما فيها من نعيم مقيم القرآن الكريم يدعونا للتفكر
موقفك منها أن تسعى إلى دخول الجنة ، أن تحفزك هذه المشاهد على أن تستقيم على أمر الله ، وأن تعمل عملاً يؤهلك إلى دخول الجنة ، والمشاهد التي تصف أهل النار وأحوالهم موقفك من هذه الآيات أن ترتدع عن أن تعمل عملاً لا يقربك من الله ، والآيات المتعلقة بالكون :

﴿ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ ﴾

( سورة الطارق )

﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ﴾

( سورة الشمس )

﴿ وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ ﴾

( سورة الفجر )

3 – التفكر في مصير الأقوام الماضية :

قصص الأقوام السابقة عبرة لنا
آيات الكون تقتضي أن تتفكر فيها ، والآيات المتعلقة بالأمم السابقة ، عاد ، وثمود وقوم لوط ، وقوم سيدنا موسى ، وقوم سيدنا إبراهيم ، آيات تتحدث عن الأقوام السابقة ، وكيف كذبت أنبياءها ، ورسولها فاستحقت الهلاك من الله عز وجل ، هذه الآيات تقتضي منا أن نتعظ ، والسعيد دائماً يتعظ بغيره ، والشقي يتعظ بنفسه .

4 – لابد للمستقيم من الابتلاء :

المؤمن المستقيم يشكل خطراً على من حوله
أحياناً يعاني الإنسان ما يعاني حينما يصطلح مع الله ، يعاني مَن معارضة مِن قِبل أقرب الناس إليه ، يعاني من استنكار بعض الناس لاتجاهه ، لأن الناس أَلِفوا التفلت ، ألِفوا أن يأكلوا المال الحرام ، ألِفوا الاختلاط الآثم ، ألِفوا النفاق والدجل ، فحينما يأتي الإنسان ، ويستقيم على أمر الله ، ويتماسك ، وينضبط ، ويكون عفيفًا أمينًا صادقًا ، هذا الإنسان خطرٌ على مَن حوله ، مِن أين جاء الخطر ؟ أنه يكشفه ، المستقيم يكشف المنحرف ، والورع يكشف المتفلت ، والأمين يكشف الخائن ، والصادق يكشف الكاذب .

 

5 – خمسة أعداء يقفون في طريق المؤمن :

 

تألق المؤمن يصيب غيرة من حوله
حينما يسلك الإنسان طريق الإيمان يرى الصعوبات ، بل إن لكل إنسان أعداء كثيرين ، يمكن أن نصنفهم في خمس جمل ، لا بد للمؤمن ـ لا سمح الله ولا قدر ـ مِن مؤمن يحسده ، لأن هناك مؤمنا مقصرا ، ومؤمنا مجتهدا ، المجتهد تألق ، لما تألق أصابه من الغيرة ما أصابه ، بدأ يتكلم كلاما لا يليق بأخيه ، فلابد من مؤمن يحسده ، ومن منافق يبغضه ، ومن كافر يقاتله ، ومن نفس ترديه ، ومن شيطان يغويه ، فهذه خمسة أطراف يمكن أن تسبب لك بعض المتاعب ، مؤمن ، منافق ، كافر ، نفس أمارة بالسوء ، شيطان ينتظر هذا الإنسان .

6 – الشيطان لا يترك باب الإضلال إلا سلكه :

﴿ لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾

( سورة الأعراف )

لمجرد أن يصطلحوا معك ، وأن يسلكوا طريق الإيمان ، أنا سوف أزعجهم :

﴿ لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾

من المفارقات التي تلفت النظر أن الإنسان يكون متفلتا غارقا في المعاصي والآثام ، يأتي إلى البيت الساعة الثانية بعد منتصف الليل ، لا يصلي ، يأكل المال الحرام ، لا أحد يتكلم ، فإذا اصطلح مع الله ، وغض بصره ، وضبط لسانه ، وصلى الصلوات الخمس ، وانضم إلى جامع ، أقرب الناس إليه يقيمون عليه النكير ، لما كان منحرفاً ، لما كان ضالاً مضلاً ، لما كان له صويحبات كان الأب ساكتا ، وكذا الإخوة ساكتون !
النقطة الدقيقة أن الذي يعاني ما يعاني حينما سلك طريق الإيمان ، بل يعاني من هذه الآية بالذات :

﴿ لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾

﴿ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ ﴾

( سورة الأعراف الآية : 17 )

الشيطان يأتي الإنسان من كل باب حتى يضله
المستقبل ، والحداثة ، والكمبيوتر ، والإنترنيت ، والفضائيات ، عصر علم ، عصر تألق ، المرأة نصف المجتمع ، عصر الاختلاط ، من حق المرأة أن تعرض كل مفاتنها ، هذا حقها ، ينبغي أن تعيش وقتها ، أفكار تشجع على المعاصي والآثام ، هذه :

﴿ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ ﴾

﴿ وَمِنْ خَلْفِهِمْ ﴾

( سورة الأعراف الآية : 17 )

إذا كان تاريخ لأمة قبل الإسلام فإننا نشيد بهذا التاريخ ، نشيد بالفرعونية ، نعتم على الإسلام ، هذا من فعل الشيطان أيضاً :

﴿ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ ﴾

﴿ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ ﴾

( سورة الأعراف الآية : 17 )

التبذير من عمل الشيطان
دائماً المؤمن يتعرض لوسوسة الشيطان ، يوسوس له بالكفر ، إن رآه على إيمان يوسوس له بالشرك ، إن رآه على توحيد يوسوس له بارتكاب الكبائر ، إن رآه على طاعة يوسوس له بارتكاب الصغائر ، إذا وجدع قمة في الورع بقي مع الشيطان ورقتان رابحتان ، التحريش بين المؤمنين ، المؤمنون أطياف الآن ، هذا الطيف يتهم هذا الطيف ، وهذا الطيف يكفِّر هذا الطيف ، وهذا الطيف يبدّع هذا الطيف ، وهذا الطيف يحتقر هذا الطيف ، هذه الخصومات بين المؤمنين ، وتراشق التهم من فعلِ الشيطان ، أما آخر ورقة فيغريه بالمباحات ، يضيع وقته كله بتحسين حياته ، وبيته ، ومركبته ، ودخله ، وتجارته ، ويفوته خير كثير من الأعمال الصالحة .
مثلاً : مَن منا يصدق أنه رقم لمركبة ، لأنه رقم واحد ثمنه 56 مليونًا ضرب 13 ، مقابل أن رقم مركبتك واحد ، ما هذا المكسب العظيم ؟! أنت ماذا قدمت للأمة ؟ ماذا يعني الواحد أو الألف أو مئة ألف ؟ قيم فارغة ما لها معنى إطلاقاً .
إن آخر ورقة رابحة بيد الشيطان يغري بها الناس أن يقول لك : منظر طبيعي ، تجريدي ، ثمن اللوحة 30 مليونا ، والناس يموتون من الجوع ، هو يقتني لوحات فنية ، ويعتني بهذه اللوحات ، وكأنها دين جديد له ، هذا مِن فعل الشيطان .
الذي يجري في هذا العصر من حروب ونهب وانعدام العدل من عمل الشيطان
في بعض البلاد تم إعدام عشرين مليون رأس غنم ، ودفنت تحت الأرض حفاظاً على أسعار اللحم المرتفعة ، وشعوب تموت من الجوع ، وتم إتلاف محاصيل تكفي لقارة ، محاصيل حمضيات ، محاصيل البن ، إنتاج الألبان ، ومرة ألقي في البحر من مشتقات الألبان ما يساوي حجمه أهرامات مصر ، حفاظاً على الأسعار .
نعيش في عصر حماقات ، في عصر قسوة ، في عصر ثقافة إجرامية ، قلب الإنسان كالصخر ، همه ذاته ، همه أن يأكل وحده .
الأرض فيها قسم شمالي ، وهو فوق خط الاستواء ، وقسم جنوبي تحت خط الاستواء ، كم تتصورون نسبة سكان القسم الشمالي إلى القسم الجنوبي ؟ 20% ، 20% من سكان الأرض يسكنون فوق خط الاستواء ، هؤلاء الـ 20 % ماذا يملكون ؟ يملكون 80% من ثروات الأرض لذلك أُحدث مصطلح جديد اسمه دول الشمال ، ودول الجنوب ، دول الشمال غنية جداً ، ودول الجنوب فقيرة جداً .
وهذا الذي يجري في العالم من حروب ، واجتياحات ، ونهب ثروات ، وقتل شعوب ، رقم مليون قتيل عادي جداً بالعراق ، وخمسة ملايين مشرد ، ولا أحد يعترض ، والعالم كله ساكت .

 

7 ـ معركة الحق والباطل أزلية ، ولحكمة بالغة :

 

فلذلك حينما تعاني ما تعاني من استقامتك ، وانضباطك ، ومبادئك ، وقيمك ، تأتي قصص الأنبياء السابقين لتخفف عنا ، لست وحدك ، هذا شأن أهل الحق .
إن المعركة بين الحق والباطل معركة أزلية أبدية ، لماذا ؟ لأنه كان من الممكن أن يكون أهل الباطل في كوكب آخر ، ما سوى الله كل شيء ممكن ، وكان من الممكن أن يكون أهل الباطل في قارة أخرى ، أو في حقبة أخرى ، وانتهى كل الصراع ، لا كانت غزو بدر ، ولا غزوة أُحد ولا الخندق ، ولا القادسية .
معركة الحق والباطل معركة أزلية
أنا أعجبتني كلمة ! لن أقول : استعمار ، إن شاء الله ، أقول : استدمار ، الإعمار شيء إيجابي ، الله قال :

﴿ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾

( سورة هود الآية : 61 )

يجب أن نقول : استدمار ، أو استخراب ، لأن هذا الاستعمار يؤدي إلى الدمار والخراب .
فلذلك قرار إلهي عظيم حكيم ، هذا القرار بنوده أن نعيش معاً في كل مكان ، في كل مكان أهل حق وأهل باطل ، مؤمن وغير مؤمن ، إنسان دينه المال ، وإنسان دينه دين الله عز وجل ، إنسان صاحب مبدأ ، وإنسان صاحب مصلحة ، إنسان شهواني ، وإنسان رحماني .
والآن سبحان الله ! الأحداث الأخيرة انقسم العالم بسببها قسمين ، كان سابقاً الأبيض هو الحق ، أبيض ناصع ، و أسود داكن هو الباطل ، ومساحة كبيرة جداً بين الأبيض والأسود لون رمادي ، سبحان الله ! الآن التطورات الأخيرة أفرزت لونين فقط ، أبيض أو أسود ، مؤمن وغير مؤمن ، ولي وإباحي ، منصف وظالم ، شهواني ورحماني ، هذا واقع العالم اليوم ، قوى الشر ، وقوى الخير ، قوى إنسانية ، وقوى عنصرية ، هذا الوضع المؤلم المأساوي الله عز وجل رب العالمين ، يشجعنا أن نصبر ، يخبرنا أن هذا شأن الإنسان حينما يبتعد عن الله ، فلا تقلق .
إذا كان طبيب جِلدية ، وجاءك مريضٌ معه مرض جلدي مخيف ، جلده كله قروح ، هل تحقد عليه ؟ أنت طبيب ، وهذا مريض .
المؤمن الراقي لا يحقد ، لكن يعالِج ، من هنا جاءت بعض القصص لتخفف عن المؤمنين ، وعن أنبياء الله ، وعن رسله ما يعانونه من صراع بين الحق والباطل .

 

تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا

قال تعالى :

﴿ تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا ﴾

1 – قصص الأنبياء تخفيف عن النبي والمسلمين جميعا :

هذه القصص تخفف عنك يا محمد ، لست وحدك المكذَّب ، لست وحدك المعارَض ، لست وحدك من يأتمر عليه علينا أن نكون على حق دائماً فالحق يصنع القوة
الأنبياء السابقون ، المؤمنون السابقون ائتمروا عليهم ، فاعتقد اعتقاداً جازماً أن معركة الحق والباطل معركة أزلية أبدية وهذا قدَرُه ، ولحكمة بالغةٍ عرفها مَن عرفها ، وجهلها مَن جهلها نحن نعيش معركة الحق والباطل .
أنا أقول دائماً : هناك حرب عالمية ثالثة معلنة على المسلمين في القارات الخمس ، جهاراً ونهاراً ، وفي أعماق هؤلاء الأقوياء شعور أنه إذا أبيد المسلمون إبادة كاملة فهذا منتهى آمالهم ، نحن نخاف من الله ، نحن لا نعتقد أن القوة تصنع الحق ، هم يعتقدون أنك قوي ، إذاً : أنت على حق .
عندهم مثل شائع جداً : " القوة تصنع الحق " ، أما عند أهل الإيمان فالحق يصنع القوة ، وهما حقيقتان متعاكستان ، ليست القوة هي التي تصنع الحق ، ولكن الحق يصنع القوة ، أنت قوي عند الله ، لأنك على حق ، أما الطرف الآخر فهو قوي ، لأنه يملك سلاحاً نووياً .

الأولاد هم الورقة الرابحة عند المسلمين ، فعلينا تعليمهم مقتضيات العصر العلمية :

لذلك قلت مرة : يمكن أن نواجه القنبلة الذَرية بقنبلة الذُرّية ، أولادنا أهمّ ورقة رابحة في أيدينا ، الأب العاقل المؤمن الذي يحمل همَّ الأمة ، الذي يتمنى أن يفعل شيئاً إيجابياً لهذه الأمة يربي أولاده ، يربيهم على الصدق ، والأمانة ، والعفة ، والبذل ، والعطاء ، وأن يكون ابنك إيجابياً ، أن يحمل همّ أمته ، أن يسهم في حل مشكلاتها ، والله الذي لا إله إلا هو ليس هناك من طريق إلى أن تستعيد هذه الأمة دورها القيادي ، وتألقها التاريخي ، في عصورها الذهبية إلا أن نعتني بأولادنا ، وكل أب يجب أن يعلم علم اليقين أنه يكون في أعلى درجات القرب من الله حينما يقدم للأمة ابناً مؤمناً متعلماً ، فاعتنوا بأولادكم .
علينا أن نعلم أولادنا ونحسن تربيتهم فهم الورقة الرابحة بين أيدينا
صدقوا ، ولا أبالغ ، قلت مرة كلمة لمت نفسي عليها ، لكنني مؤمن بها : إن لم تعلم ابنك اللغة الأجنبية الآن فأنت في حقه مجرم ، حتى يكون قويا ، حتى يفهم ماذا يجري في العالم ، حتى يكون أكبر داعم لأمته ، يجب أن يتقن لغة الطرف الآخر .
سافرت إلى بلد في شمال إفريقيا ، اللغة الرسمية اللغة الأجنبية ، لغة الخطاب لغة فرنسية ، الذين يتقنون هذه اللغة يتحكمون بكل مقدرات الأمة ، وهم أبعد الناس عن الدين ، أما المسلم الطاهر العفيف الأمين الصادق فلا يتكلم اللغة الفرنسية ، أنا أتكلم كلاما دقيقا ، عندك ابن ، وكلّ شيء فاتك أيها الأب تلافاه في أولادك ، فاتك أن تتقن اللغة الإنكليزية ؟ علم ابنك هذه اللغة ، اجعل ابنك عصرياً .
الذي لا يستخدم الكمبيوتر يعد أمّياً ، فالكمبيوتر رفع الدقة من واحد إلى مليون ، وخفض الجهد من مليون إلى واحد ، تطور من دراجة إلى روز رايز ، انخفض سعره من روز رايز إلى دراجة ، وهو لغة العصر ، مَن منا يصدق ؟
حينما أسافر يكون معي كمبيوتر صغير فيه برنامج يحوي 5555 عنوانا ، لماذا قلت : عنوان ؟ قد يكون العنوان في أربعين جزءا ، 5555 ، كتب تفاسير ، كتب أحاديث ، كتب تاريخ ، كتب لغة ، كتب فقه .
يجب على الإنسان أن يستخدم كل إنجازات هذا العصر لصالح الدعوة إلى الله ، وأنا أضعكم أمام مسؤولياتكم ، الذي عنده ابن أرجو الله أن يكون هذا الابن علَماً من أعلام المسلمين ، طبيبا ناجحا ، طبيبا منضبطا ، أقلّ عملية جراحية تكلف ملايين خارج البلاد ، لو أن الطبيب درس هناك ، وعاد إلى بلده ، فكلّ علم أمريكا صار عندنا ، هل تصدقون أن خمسة آلاف طبيب في ولاية واحدة ، وهناك ببت من أصل سوري الأولاد معهم بورد كلهم ، خمسة آلاف طبيب يخدمون الطرف الآخر ، ونحن في أمسّ الحاجة إليهم .

نكون أو لا نكون في ربحِ معركة العقول :

الآن يجب أن تنتبه أن معركتنا مع الطرف الآخر معركة نكون أو لا نكون ، فيجب أن نحمل همّ هذه الأمة ، يجب أن ننتمي إليها ، يجب أن ننتمي إلى المجموع ، يمكن أن ألخص لكم ماذا يعني الانتماء إلى الفرد .
العقول أسلحة الحروب في هذا العصر
هناك مثل صارخ جداً : إنسان مضطجع تحت شجرة تفاح ، قد قُطفت جميعها ، إلا أن الذي قطفها غابت عن ناظره تفاحة كبيرة جداً ، صفراء لها خد أحمر ، اشتهاها ، لكنها بعيدة ، معه منشار شجر فقطع الشجرة ، وأكل التفاحة ، هذا اسمه انتماء للفرد ، يضحي بمصلحة الأمة من أجل حاجته الشخصية ، أما للمجموع فنتفانى في خدمة هذه الأمة ، في صون ثرواتها ، في صون أموالها .
الآن معركة علم ، الحرب كانت بين ساعدين ، ثم بين سلاحين أبيضين ، ثم بين بندقيتين ، ثم بين مدفعين ، ثم بين مدرعتين ، الآن الحرب بين عقلين ، فلا بد من أن نتحرك ، والله عز وجل معنا :

﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

( سورة آل عمران )

فنحن لئلا نقع في الإحباط الله عز وجل قص على نبينا عليه الصلاة والسلام في قرآنه الكريم قصص الأمم السابقة ، المعارِض هو َهو عبر التاريخ ، والمُوالي هوَ هو عبر التاريخ ، والمحسن هُو هو ، والمسيء هوَ هو ، والظالم هُو هو ، حتى إنهم قالوا : التاريخ يعيد نفسه .
لذلك الله عز وجل قال :

 

﴿ وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾

( سورة هود الآية : 120 )

فإذا كان قلب سيد الخلق ، وحبيب الحق يزداد ثبوتاً بسماع قصة نبي دونه فلأن نزداد نحن إيماناً بسماع قصة سيد الأنبياء من باب أولى ، قال له : يا محمد :

﴿ تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا ﴾

2 ـ لستَ وحدك أيها النبي المكذَّبَ والمعارَضَ والمحاصَرَ فلا تحزن :

لا تحزن ، لست وحدك الذي عورض ، لست وحدك الذي كُذب ، لست وحدك الذي أُخرج من بلاده ، لست وحدك الذي حوصر ، وحصار عزة شيء مؤلم جداً ، لكن لماذا لا نذكر أن الله عز وجل سمح للكفار أن يحاصروا حبيبه سنوات ثلاثًا حتى أكل أصحابه أوراق الشجر الله تعالى وعد عباده الصابرين بالنصر
أنا وجهت كلمة لأهل غزة بدأتها بهذا : أن سيد الخلق وحبيب الحق حوصر ، ففي الخندق :

﴿ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً ﴾

( سورة الأحزاب )

في الهجرة أهدِر دم رسول الله ، ووُضِعت مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً ، تبعه سراقة ليأخذ المئة ناقة ، قال له : يا سراقة ! والله شيء لا يصدق ، قال له : كيف بك إذا لبستَ سواري كسرى ؟ ما هذا الكلام ؟! أنا سأصِل ، وسأسوس دولة في المدينة ، وسأحارب أقوى دولتين ، وستأتيني الغنائم ، ولك يا سراقة سوار كسرى ، ألم يقع هذا ؟ في عهد عمر جاءت كنوز كسرى ، فقال : أين سراقة ؟ أعطاه سوار كسرى ، وقال : بخن بخن ! أعيرابي من بني مدلج يلبس سوار كسرى .
الله هو هو ، إله الصحابة إلهنا ، الذي نصرهم ينصرنا ، لا تقلقوا ، ولا تحزنوا ، لا تقلق على هذا الدين إنه دين الله ، ولكن اقلق ما إذا سمح الله لك أو لم يسمح أن تكون جندياً له .

 

3 ـ عليك بخدمة الخَلق حتى نستغني عن غيرنا :

والله أيها الإخوة ، أتمنى أن الواحد منا يخرج من ذاته ، يخرج إلى عمل عظيم ، إلى عمل يكون بصمة له ، إن لم يكن لك بصمة في هذه الحياة فأنت زائد عليها ، ماذا قدمت لأمتك ؟ أنت طالب ؟ ادرس ، تكفينا أن تكون الأول في اختصاصك .
أحياناً نأتي بخبير يأخذ مليون ليرة في شهر ، أنت لو وظفت خريجي الجامعة كل واحد أعطيته 25 ألف ، 25 ألف ضرب 400 ، ضرب عشرة ، أربعون إنسانا يفتحون بيوتًا ويتزوجون ، مكان خبير واحد ، وعندنا خبراء من بلدنا ، ونكون قد استغنينا عن كل خبرة أجنبية .
خدمة الأمة تقربنا من الله عز وجل
تعمير محرك طيارة واحد يكلف خمسة ملايين دولار ، أربع محركات بعشرين مليون ، مليار ليرة سورية ، ألف مليون ، لتعمير محرك وتجديده ، المليار كم يساوي من أطنان القمح ؟ وأطنان قطن ؟ وأطنان الأرز ؟ أضعكم أمام مسؤولياتكم .
الآن المعركة لا ترحم ، هناك قوي ، وضعيف ، القوي الآن يأكل الضعيف ، وهناك عالِم وجاهل ، العالم يستغل الجاهل :

﴿ وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾

والله أيها الإخوة ، كل واحد منا بإمكانه أن يكون شيئاً مذكورا ، أتقن عملك ، طور مصلحتك ، خفض السعر ، انفع الأمة ، وحينما تتقرب إلى الله بخدمة أمتك يرفعك الله إلى أعلى عليين ، تقرب إلى الله بخدمة أمتك ، زوج شابا ، عندك بيت أعطه لشاب مؤمن بأجرة تتناسب مع دخله ، دخله 8000 ، أعطه إياها بألـ2000 في الشهر ، يخطب فتاة ، يتزوج ، أنت ساهمت ببناء أسرة .
هناك كلمة تقولها أصحاب الديانات الأخرى : ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ، هذه كلمة السيد المسيح ، وهي رائعة جداً ، ما كل ربح يعد مالاً .

 

4 ـ اللهَ الله في الفقراء والضعفاء :

أحد الإخوة الكرام عنده معمل ، قال لي : ما ربحت إطلاقاً ، قررت أن أصفي الشركة ، سألته : كم عاملا عندك ؟ قال لي : 80 ، قلت له : أنت فتحت 80 بيتا ، إذا كان في كل بيت خمسة أشخاص بين زوج وزوجة وثلاث أولاد ، 80 ضرب خمسة 400 ، 400 إنسان يأكلون من هذا المعمل ، قلت له : ألا تعتقد معي أن استمرار هذا المعمل هو أكبر ربح لك عند الله ولو ما ربحت ؟ هذا عمل عظيم ، لأنك هيأت فرصة عمل ، ولما تفكر في الآخر ، تفكر في الفقير ، النبي الكريم يقول :

(( فإنما تُرزقُونَ وتُنصرون بضعفائكم ))

[ أخرجه أبو داود ، والترمذي ، والنسائي عن أبي الدرداء ]

مساعدة الضعفاء نصر للمؤمنين
هذا الفقير إذا أطعمته إن كان جائعاً ، أو كسوته إن كان عارياً ، أو علمته إن كان جاهلاً ، أو آويته إن كان مشرداً ، أو أنصفته إن كان مظلوماً ، أو أغنيته إن كان فقيراً ، الآن الله عز وجل يكافئك مكافئة من جنس عملك ، فينصرك على من هو أقوى منك ، وأضعف منك ، بإمكانك أن تسحقه ، أن تهمله ، أن تهمشه ، أن تعاقبه ، أن تفتري عليه ، لأنه ضعيف .
أحد إخواننا الأطباء يقول لي : أنا أذهب إلى مستشفى عام ، كل المرضى فقراء جداً لا يقدر الواحد أن يتصل بإنسان ، لأنه فقير ضعيف ، قال لي : أنا أعاملهم وكأنهم في أرقى مستشفى في دمشق ، أهتم يصحتهم ، وبالتحاليل ، بالمرنان ، بالتصوير ، قال لي : أعيش في جنة .
بطولتك أن تخدم إنسانا لا يملك أن يسألك سؤالاً ، هذه البطولة ، فأنت من أجل أن تعرف نفسك قريبًا من الله عز وجل قدمت خدمات لأفراد هذه الأمة ، هذه أمتنا ، هذه بلادنا ، لما تخرج من ذاتك لخدمة الآخر تكون عند الله كبير جداً ، فاحمل همّ أمتك .

﴿ تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ ﴾

أيها الإخوة ، هؤلاء الضالين الشاردين ، قال :

وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ

﴿ وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ ﴾

( سورة الأعراف )

هل تحافظ أيها المسلم على عهدك مع الله ؟

إذا عاهدت الله عز وجل على الاستقامة هل تذكر هذا العهد دائماً ؟ فقد يذهب الإنسان إلى بيت الله الحرام ، وعند الحجر الأسود يقول : يا رب ، عهداً على طاعتك ، هل تحافظ على هذا العهد ؟ هل بعد أن تعود إلى بلدك كلما اقتربت من معصية تذكر هذا العهد .

﴿ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ﴾

( سورة النجم )

هذه الآية ألا تهزك ؟

﴿ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ﴾

سيدنا أيوب :

﴿ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً ﴾

( سورة ص الآية : 44 )

هؤلاء أنبياء عظام ، فحينما تعاهد الله يجب أن تكون وفياً بهذا العهد .
عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ :

(( بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ ، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ ، وَأَنْ نَقُومَ أَوْ نَقُولَ بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ ))

[ أخرجه البخاري ومسلم ]

أنت تعامل الله ، أخذت قرارًا مصيريا مثلاً ، أنت مؤمن ، في السراء طائع ، في الضراء طائع وراضٍ ، قبل الزواج طائع وراضٍ ، بعد الزواج طائع وراضٍ ، في حالة الغنى شاكر وراضٍ ، في الفقر راضٍ ، في الصحة راضٍ ، في المرض راضٍ ، هذا هو المؤمن .

 

﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ﴾

( سورة الأحزاب )

المؤمن يحافظ على عهده مع الله عز وجل
أحد الصحابة أسلم ، ودخل في غزوة ، وانتصر النبي فيها ، ووزعت بعض الغنائم قال : ما هذا ! أنا ما على هذا أسلمت ، أنا أسلمت على الذبح ، وفي غزو ثانية استشهد ، حمله النبي وبكى ، وأثنى عليه ثناء كبيراً .
أنت عاهدت خالق السماوات والأرض ، عاهدت مَن بيده كل شيء ، فأنت راضٍ ، تزوجت أو ما تزوجت ، سكنت بيتًا أو ما سكنت ، اشتغلت أو ما اشتغلت ، أكلت أو ما أكلت ، تعامل خالق الأكوان .
والله أيها الإخوة ، لزوال الكون أهون على الله مِن ألاّ يحقق الله وعده للمؤمنين .

 

﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾

( سورة الطلاق )

أنا أخاطب الشباب ، أنت بحاجة إلى دخل ، وإلى عمل ، وإلى بيت ، وإلى زوجة ، استقم تماماً ، وانتظر طل خير .
عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(( اسْتَقِيمُوا ، وَلَنْ تُحْصُوا ... ))

[ أخرجه ابن ماجه وأحمد ]

وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ

﴿ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ ﴾

لا تكن فاسقاً ، كن مؤمناً .
هذا الدرس مقدمة لقصة سيدنا موسى مع فرعون ، وهي أطول هذه القصص في هذه السورة ، إن شاء الله نبدأ بها في الدرس القادم .

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور