وضع داكن
19-04-2024
Logo
الخطبة : 1066 - أسباب زيادة الرزق4 ، الأسباب التي تقلل من الرزق - بركة المال الحلال .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخــطــبـة الأولــى :

الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِ وسلم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه، وعلى ذريته ومن والاه، ومن تبعه إلى يوم الدين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، و اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

زيادة الرزق مطلبُ كل إنسان :

أيها الإخوة الكرام، في سلسلة من الخطب نتحدث فيها عن الرزق، ومحور هذه الخطب أسباب زيادة الرزق، ذلك لأن أي إنسان كائناً من كان حريص على شيئين، حريص على وجوده وعلى رزقه، الشيئان الأساسيان في حياة أي إنسان على وجه الأرض ؛ أن يبقى حياً، وأن يكون رزقه وفيراً.الآن مع الكتاب العزيز، وما صح من السنة في حقائق وقواعد وأسباب زيادة الرزق، هذه أمور تحدثنا عنها في خطبة سابقة.
تقوى الله عز وجل:

﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ (3) ﴾

( سورة الطلاق )

 

الأسباب المانعة للرزق :

لكن لا بد من فرع من فروع هذا الموضوع الكبير، ما هي الأسباب التي تمنع الرزق ؟ ما هي الأسباب التي تقرب من الفقر، ما هي الأسباب التي تقلل من الرزق ؟ هذا الموضوع مهم جداً إن تلافيناها كانت النتائج طيبة.
أيها الإخوة الكرام، ليس في الدين رأي شخصي، إنه دين الله، ولولا الدليل لقال من شاء ما شاء، ولا يجرؤ إنسان على وجه الأرض أن يقول في الدين برأيه، الآن نحن أمام نصوص من كتاب الله، ومما صح من كلام رسول الله.
ما الأسباب التي تقلل الرزق ؟ تقرب إلى الفقر ؟

1 – الزنا:

أولاً الزنا: 

﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32) ﴾

( سورة الإسراء) 

الزنا له عقابان :

هناك عقابان للزنا، عقاب سببي، إذْ يصاب الإنسان بأمراض خطيرة جداً، منها فيروس الإيدز الذي قضى على عشرات الملايين من أهل الأرض، والآن تقريباً ستون مليون إنسان مصابون بهذا المرض، وهم في طريقهم إلى الموت، فأحد أسباب انعدام الرزق أو قلته هو الزنا، وللزنا عقابان، عقاب علمي، هو نفسه سبب لعاهة أو مرض خبيث أو فيروس، أو ما شاكل ذلك، وعقاب وضعي، يقول عليه الصلاة والسلام:

(( إياكم والزنا، فإن فيه أربع خصال: يذهب البهاء من الوجه، ويقطع الرزق، ويسخط الرحمن، ثم الخلود في النار ))

[ ورد في الأثر ]

عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:

(( في الزنا ست خصال، ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة، أما اللواتي في الدنيا فيذهب ببهاء لوجه، ويورث الفقر، وينقص العمر، وأما اللاتي في الآخرة فيورث السخط وسوء الحساب والخلود في النار ))

( الطبراني في الأوسط عن ابن عباس، وفي إسناده مقال كبير)

صدقوا أيها الإخوة، وقع تحت سمعي قصة رجلين ممن يعملان في طلاء السيارات في هذا البلد، ذهبا إلى ألمانية ليستوردا سيارتين، القصة قديمة، وعادا بالسيارتين براً، نزلا في فندق في بلدة من بلدان أوربة الشرقية، يقول لي أحدهما: بعد الساعة الثانية عشرة طُرِق باب الرجلين مِن قِبَل امرأتين، الأول فتح الباب، والثاني قال: إني أخاف الله رب العالمين، ثم وصلا إلى الشام، الأول في صعود، والثاني في هبوط، الثاني ضاقت الأحوال به، فباع محله، وطلق زوجته، والله وأعرفهما تماماً، الأول في صعود مستمر.
أنا مؤمن إيماناً قطعياً أن أحد أسباب الفقر الزنا، يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه ابن عمر رضي الله عنهما:

(( الزنا يورث الفقر ))

[ الجامع الصغير عن ابن عمر وسنده منكَر ]

هذا عقاب وضعي، الله بفعله يجعله فقيراً، أما الزنا فسبب علمي لأمراض خبيثة، منها فيروس الإيدز.
أيها الإخوة الكرام، طبعاً الفقر فقرُ ذات اليد، وفقر القلب، الزاني محجوب عن الله عز وجل، لأنه وقع في فاحشة. 

﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32) ﴾

( سورة الإسراء) 

كل وسيلة إلى الزنا محرَّمةٌ :

ما قال: ولا تزنوا، قال: 

﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ﴾

فأيّ شيء يفضي إلى الزنا فهو محرم، فالخلوة بالأجنبية محرم، صحبة الأراذل شيء محرم، إطلاق البصر شيء محرم، متابعة أشياء إباحية في الإنترنت وفي الفضائيات شيء محرم، لأن هذا طريق إلى الزنا، هذه الشهوة تشبه صخرة في قمة جبل متمكنة في مكانها، فإذا دفعتها، وظننت أنك تريد أن تدفعها مترا واحدا في المنحدر فلن تستقر إلا في قعر الوادي، الأمر ليس بيدك. 

﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا (32) ﴾ 

( سورة الإسراء)

النهي ليس عن الزنا، بل النهي عن أسباب الزنا، كالخلوة، وإطلاق البصر، والاختلاط، وصحبة الأراذل، والإثارة المستمرة، هذه تنتهي إلى الزنا.

2 ـ نقص المكيال والميزان:

أيها الإخوة، السبب الثاني للفقر نقص المكيال والميزان، استمعوا إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأنه بيننا:

(( يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ، لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا ))

هل هناك أوضح من هذا الكلام في موضوع فيروس الإيدز ؟

(( وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ ـ وهي القحط والجفاف ـ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ ))

في كل حرب في الشرق الأوسط تنتقل مئات مليارات من العملة الصعبة من الشرق إلى الغرب.

3 ـ الحكمُ بغير ما أنزل الله:

(( وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ ))

[ ابن ماجه عن ابن عمر ]

حروب أهلية، هذه المعصية الثانية، نقص المكيال والميزان، والحكم بغير ما أنزل الله أحد أسباب الفقر.
نحن مع حديث رسول الله الذي لا ينطق عن الهوى، ومع القرآن الكريم كلام رب العالمين.

4 ـ منع الزكاة:

المعصية الرابعة منع الزكاة، قال عليه الصلاة والسلام:

(( ما نقض قوم العهد قط إلا كان القتل بينهم ))

[ أخرجه الحاكم عن بريدة، وقال: صحيح على شرط مسلم ]

بالمناسبة آية دقيقة جداً:

﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ (65) ﴾

(سورة الأنعام:65)

هذه الصواعق والآن الصواريخ، هذه الزلازل، والآن الألغام، والحروب الأهلية.

(( ما نقض قوم العهد قط إلا كان القتل بينهم، ولا ظهرت الفاحشة في قوم قط إلا سلط الله عليهم الموت، وما منع قوم الزكاة إلا حبس الله عنهم القطر ))

[ أخرجه الحاكم عن بريدة، وقال: صحيح على شرط مسلم ]

هناك إحصاءات ربما لا تصدقونها، خمسة بالمئة فقط من أغنياء المسلمين يدفعون زكاة أموالهم، وفي حديث آخر:

(( ما منع قوم الزكاة إلا ابتلاهم الله بالسنين ))

[ الطبراني في الأوسط عن بريدة بسند صحيح ٍ]

أول سبب الزنا، الثاني نقص المكيال والميزان، و الثالث الحكم بغير ما أنزل الله، الرابع منع الزكاة.

5 ـ الربا:

والخامس الربا، يقول عليه الصلاة والسلام:

(( ما من قوم يظهر فيهم الربا إلا أخذوا بالسنة ـ أي بالفقر ـ وما من قوم يظهر فيهم الرشا إلا أخذوا بالرعب ))

[ الحاكم عن عمرو بن العاص، وفي سنده ضعف ]

الربا يؤدي إلى الفقر، والرشا تؤدي إلى الرعب. 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279) ﴾

(سورة البقرة)

وقد روى ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:

(( إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله ))

[ الحاكم عن ابن عباس، وسنده صحيح ]

الزنا والربا.

6 ـ اليمين الكاذبة:

المعصية السادسة التي تؤدي إلى الفقر اليمين الكاذبة، قال عليه الصلاة والسلام:

(( اليمين الفاجرة تُذهب المال، أو تَذهب بالمال ))

[ البزار عن عبد الرحمن بن عوف، وسنده حسن ]

أن تحلف يميناً كاذبة، هذه اليمين الكاذبة سبب عند الله للفقر،

(( و اليمين الفاجرة تذر الديار بلاقع ))

[ البيهقي عن أبي هريرة بسند صحيح ]

بلاقع أي: خَرِبة.
وبعض التابعين قال لأحد التجار: " يا عبد الله، اتق الله، ولا تكثر الحلف، فإنه لا يزيد في رزقك إن حلفت، ولا ينقص من رزقك إن لم تحلف "، فلا داعي أن تحلف أن هذه الحاجة سعرها كذا، الله عز وجل هو الرزاق، ويقول عليه الصلاة والسلام:

(( إياكم وكثرة الحلف في البيع، فإنه ينفق ثم يمحق ))

[ مسلم عن أبي قتادة ]

الشاري قد يخجل منك فيشتري البضاعة بأيمان مغلظة، يشتريها، لكن الله يمحق هذا المال.
وفي حديث آخر:

(( الحلف منفقة للسعلة ممحقة للبركة ))

[ متفق عليه عن أبي هريرة ]

لا تحلف.
كان الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه يتصدق بدينار عن كل يمين حلفها صادقاً، فكيف إذا كان كاذباً، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

(( ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، قَالَ: فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مِرَارًا، قَالَ أَبُو ذَرٍّ: خَابُوا وَخَسِرُوا، مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: الْمُسْبِلُ، وَالْمَنَّانُ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ ))

[ مسلم عن أبي ذر ]

7 ـ الكذب:

المعصية السابعة الكذب، الكذب من صفات الكافرين والمنافقين: 

﴿إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَاذِبُونَ(105) ﴾

(سورة النحل)

المؤمن لا يكذب، قد يقع في معاص، لضعف في نفسه، قد تغلبه شهوته، لكن الكذب ليس شهوة، بل هو خُبثٌ، المؤمن لا يكذب، لذلك ورد في بعض الأحاديث: 

(( يطبع المؤمن على الخلال كلها )) 

[رواه أحمد عن أبي أمامة الباهلي ]

هناك مؤمن عصبي المزاج، على العين والرأس، ومؤمن يحب البقاء في البيت، ومؤمن يعتني بهندامه كثيراً، ومؤمن هندامه أقلّ من غيره، ومؤمن يحب الاختلاط مع الناس، ومؤمن يؤثر العزلة، هذه طباع:

((يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب ))

[رواه أحمد عن أبي أمامة الباهلي ]

فإذا كذب و خان فليس مؤمناً، المؤمن لا يكذب.
أيها الإخوة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ: رَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى، وَهُوَ كَاذِبٌ، وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ، وَرَجُلٌ مَنَعَ فَضْلَ مَاءٍ، فَيَقُولُ اللَّهُ الْيَوْمَ: أَمْنَعُكَ فَضْلِي كَمَا مَنَعْتَ فَضْلَ مَا لَمْ تَعْمَلْ يَدَاكَ ))

[ أخرجه البخاري ]

لذلك حتى في الإعلانات التي توهم بخصائص لبضاعة ليست فيها، التي توهم بأنها من مصدر معين، وهي من مصدر آخر، التي توهم أن فيها هذه الخصائص، وهي ليست فيها.
أيها الإخوة، أن تضع علامة تجارية لسلعة ليست من هذا المعمل قضية سهلة جداً، الآن هناك معامل بأعلى مستوى من التقنية، توضع العلامات التجارية الرائجة على سلع من مستوى منخفض جداً، وتباع هذه السلع بهذه الطريقة، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:

(( الكذب ينقص الرزق ))

[ الجامع الصغير عن أبي هريرة بسند موضوع ]

هل هناك أوضح من هذا ؟ و:

(( البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ...))

[ أخرجه الجماعة عن حكيم بن حزام]

البَيِّعَانِ: المشتري والبائع:

((... ما لم يَتَفَرَّقا، فإنْ صَدَقا وبَيَّنا بُورِك لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا ))

أنت حينما تخفي عيباً في بضاعة الله عز وجل يتولى معاقبتك.
والله إن إنسانا أعرفه عنده مركبة فيها عيب خطير في المحرك فباعها، وتمكن أن يخفي هذا العيب، وقال لي بالحرف الواحد: لبّستُها لشخص، ظن نفسه ذكياً، فيها عيب خطير في المحرك، لكنه كتم هذا العيب، و أوهم الشاري أن هذا المحرك طبيعي جداً، وباعها، واشترى مركبة على الصفر، هذا مصطلح عند من يشتري المركبات، جميلة جداً، لون طحيني، الفرش بلونٍ كحليٍّ، وهو مسرور بها، في ثالث يوم في أحد أحياء دمشق ارتكب حادثاً فتحطمت تحطماً بالغاً، فلما جاءني شاكياً قلت له: ألم تقل لي قبل أيام: أنت بعت هذه السيارة التي كانت عندك لإنسان، وأخفيت عنه العيب، إخفاء العيب حرام:

(( الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، أَوْ قَالَ: حَتَّى يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا، وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا، وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا ))

[ متفق عليه ]

إخواننا الكرام، من أروع الأحاديث الشريفة:

(( إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدي إِلي البِرِّ، وإِن البِرَّ يهدي إِلى الجنةِ، وإِن الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حتى يُكتَب عِنْدَ اللهِ صِِدِّيقا، وإِن الكذبَ يهدي إِلى الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يهدي إِلى النارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ ليكذبُ حتى يكتبَ عندَ اللهِ كذَّابا ))

[ أخرجه البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ]

المؤمن لا يكذب، و بعض الآباء دون أن يشعروا يعلمون أولادهم الكذب، يقول لابنه: قل لهم: إنني لست هنا، هذا الكلام العملي يلغي ألف محاضرة في الصدق، الناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم، ولغة العمل أبلغ من لغة القول.
أحد إخوتنا الكرام والده فتح له معملاً بمصر، وهو يمشي بمركبته مست مركبتُه مركبة أخرى، في المركبة إنسان فوق التسعين، مات، هو شاب، فاتصل بمدير المعمل، هو موظف عنده، قال له هذا ما صار، قال له: اطمئن، تعال بعد ساعة إلى المركز الشرطة الفلاني، جاء بعد ساعة، كان كل شيء منتهيًا، الضبط بخلاف الواقع، تلك السيارة التي فيها مَن مات هي التي ضربته، قال له المسؤول: وقِّع، قال له: حصل خلاف ذلك، قال له: وقِّع، قال له: لا أوقّع، قال له: عجيب، أول مرة إنسان أنا أخلّصه، وهو يوقِع بنفسه، قال له: أنا لا أريد أن أنجو منك، أريد أن أنجو من الله، لا أوقّع إلاّ على الذي حدث، فوقّع أنه هو الذي تسبب، و دفع الدية، وعيّن أولاده موظفين في المعمل.
أريد إنسانا كهذا الإنسان، أريد مؤمنا إيمانه صارخ موظفين إيمانه يلفت النظر، لا نرقى إلا بهذا، لا أوقّع هذا كلام فيه زور، أنا الذي صدمته، ما دمنا صادقين، ما دمنا نتحرى العدل فالله ينصرنا، فإذا ظلم بعضنا بعضاً فالله يخذلنا.
واللهِ أنا أعتز بهذا الإنسان الذي أتيحت له فرصة أن ينجو من كل مسؤولية لكنه تربى تربية إيمانية عالية، قال: أنا لا أوقّع إلا على الذي حدث، ويدفع الثمن.

8 ـ الاحتكار:

أيها الإخوة، معصية أخرى هي الاحتكار، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

(( مَنْ احْتَكَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ طَعَامًا ضَرَبَهُ اللَّهُ بِالْجُذَامِ وَالْإِفْلَاسِ ))

( رواه ابن ماجه عن عمر مرفوعا )

هو أراد أن يمتع جسمه بهذا المال الوفير، أراد أن يزداد ماله فأصابه مرض عضال، وماله أصابه الإفلاس.

(( مَنْ احْتَكَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ طَعَامًا ضَرَبَهُ اللَّهُ بِالْجُذَامِ وَالْإِفْلَاسِ ))

أيها الإخوة، الاحتكار أن تحبس بيع البضاعة، ولا سيما البضاعة الغذائية التي يحتاجها الناس، أن تحبسها من أجل أن يرتفع ثمنها، هل تصدقون أنه كما يكون البائع محتكراً يكون الشاري محتكراً، كيف ؟
أنت تحتاج في الشهر إلى عبوة من غذاء معين، فشعرت بأزمة، فاشتريت خمس عبوات، هذا المستهلك الذي يشتري فوق حاجته، ويسبب نقصَ هذه البضاعة محتكر أيضاً، خذ حاجتك، لذلك قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 

(( مَنْ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ )) 

(أخرجه مسلم والترمذي وأبو داود)

خاطئ ليس مشكلة، اسمع: 

﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) ﴾

( سورة القصص )

كلمة خاطئ في القرآن تعني أنه إلى جهنم، ويئس المصير، (( مَنْ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ )).
عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( مَنْ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَقَدْ بَرِئَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَبَرِئَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ، وَأَيُّمَا أَهْلُ عَرْصَةٍ أَصْبَحَ فِيهِمْ امْرُؤٌ جَائِعٌ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ تَعَالَى ))

(رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني في الأوسط )

عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ، وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ ))

[ ابن ماجه ]

لا تحتكر طعاماً، ويقول عليه الصلاة والسلام:

(( مَنْ دَخَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَسْعَارِ الْمُسْلِمِينَ لِيُغْلِيَهُ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ حَقًّا عَلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُقْعِدَهُ بِعُظْمٍ مِنْ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))

[ أحمد ]

الموظف له دخل محدود عشرة آلاف، فرفعت عليه السعر، أنت أرباحك زادت، أما هذا صاحب الدخل المحدود سحقته، عنده أولاد، عنده زوجة، وهو شريف ومستقيم، لا يأكل الحرام، لكنك أوقعته في حرج كبير، أنت ضاعفت أموالك أضعافاً كثيرة، لكنك أوقعته في حرج شديد، إياك أن تبني مجدك على أنقاض الآخرين، إياك أن تبني غناك على إفقار الآخرين، إياك أن تبني أمنك على إخافة الآخرين، إياك أن تبني عزك على إذلال الآخرين إياك، الله كبير الله بالمرصاد، الله عنده أورام خبيثة، عنده فشل كلوي، تشمع كبد، خثرة بالدماغ، عنده أمراض تدع الحليم حيران، عنده عقاب يشيب لهوله الولدان، إياك أن تبني مجدك على أنقاض الآخرين، إياك أن تبتزّ أموالهم، إياك أن تلقي الرعب في قلوبهم، إياك أن تأخذ ما ليس لك، هناك إله عظيم.

(( مَنْ دَخَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَسْعَارِ الْمُسْلِمِينَ لِيُغْلِيَهُ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ حَقًّا عَلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُقْعِدَهُ بِعُظْمٍ مِنْ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))

[ أحمد]

9 ـ الغش:

المعصية التاسعة الغش، أيها الإخوة، أنواع الغش تحتاج إلى خُطب، تغير صفات البضاعة، تغير منشأ البضاعة، اللعب بالوزن، بالكيل، بالمساحة، بالإيهام، هذا كله يؤدي إلى فقر، الغش أحد أسباب الفقر، يقول عليه الصلاة والسلام:

(( غبن المسترسل ربا ))

[ البيهقي عن أنس بسند فيه ضعف ]

المسترسل الجاهل بخصائص البضاعة، والباعة عندهم حاسة سادسة، يشعرون أن هذا المشتري جاهل بخصائص البضاعة فيبيعونه أسوء بضاعة بأعلى ثمن، ويتوهمون أنهم أذكياء.
حدثني أخ من إخواننا عن إنسان اشترى مركبة جديدة، وهو لا يفهم ما فيها، فيها مشكلة، جاء إلى أحد المصلحين، أعطاه وصفاً خطيراً لعلة فيها، وطلب مبلغا كبيرا، والمدة ثلاثة أيام، وإصلاح المركبة يحتاج إلى دقيقة واحدة، ولا يكلف شيئاً، فأول يوم أخذ أهله بهذه المركبة إلى الزبداني، وثاني يوم إلى الغوطة، وثالث يوم إلى طريق المطار، فقال له جاره: يا رجل، اتق الله، القضية تكلفك ربع ساعة وأنت جعلتها ثلاثة أيام، وبمبلغ كبير جداً، قال له: هكذا العمل، أنا الذي أعمل الصواب، له ابن يعمل في مخرطة، دخلت نثرة فولاذ في عينه، كلفته العملية تقريباً خمسين ألف ليرة، والقصة واقعية، اللهُ كبير.
مَن هو الغبي ؟ هو الذي يتوهم أن الله لا يعاقب، قال أحدهم: يا رب، لقد عصيتك، ولم تعاقبني، قال: عبدي، قد عاقبتك ولم تدر، مليون مصيبة يسوقها الله لك، أن تغش المسترسل فهذا ربا.

 

10 ـ التجارة في المحرمات:

 

آخر معصية: التجارة في المحرمات، هناك مواد محرمة، ومشروبات محرمة، ولحوم محرمة، وبضاعة محرمة، أشياء لا تعد ولا تحصى، لمجرد أن تتاجر في المحرمات فقد وقعت في إثم كبير.
والله سبحانه وتعالى يريدنا أن نتعلم، فمن دخل السوق مِن دون فقه أكل الربا، شاء أم أبى، فمعرفة الأحكام الشرعية فرض عين على كل مسلم، ما الحلال وما الحرام.
أيها الإخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيّس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.

* * *

الخــطــبـة الثانية :

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المال الحلال فيه البَرَكة :

أيها الأخوة الكرام، المال الحلال فيه بركة.
والله زرت إنسانًا قال لي: والله أنا عمري ست وتسعون سنة، وأجريت فحوصًا كاملة، فكانت النتائج طبيعية كلها، ثم أقسم لي بالله إنه ما أكل قرشاً حراماً، ولا يعرف الحرام النسائي، فمن عاش تقياً عاش قوياً، حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر، الله رزاق، رزاق صيغة مبالغة.

(( وما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ))

[ الجامع الصغير عن ابن عمر ]

هذه حقائق، لماذا نحن نأتي على المسجد ؟ كي نتعرف على الحقائق، نتعرف على منهج الله، إلى أمر الله، إلى نهيه، إلى القوانين، إلى الخصائص، فلذلك مهمة المسجد أن تأخذ تعليمات الصانع، تعليمات الصانع ليست من عند أحد من عند الخالق. 

﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ (50) ﴾

( سورة الأنعام)

لا تقبلوا كلمة من دون دليل، لا تقبل كلمة واحدة.
هذه عشرة أسباب للفقر، كلّ أدلتها آيات أو أحاديث صحيحة، فإذا أراد الإنسان أن يكون رزقه وفيراً فليبتعد عن هذه الأسباب العشرة، والتعامل مع العباد وفق منهج، وليس هناك تعامل مزاجي، وأحيانا التعامل مع إنسان مزاجي صعب، ليس له قاعدة، أما ربنا عز وجل فجعل التعامل معه مقننا بقوانين، النبي صلى الله عليه وسلم بيّن للناس ما نزّل إليهم، فأنا أتمنى هذه القواعد العشر أن تحفظ، كل إنسان يعمل في البيع والشراء، يكسب رزقه من التجارة عليه التقيد بهذه التعليمات التي أرادها الله أن تكون منهجاً لنا. 

الدعاء :

اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك و نتوب إليك، اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، انصر المسلمين في كل مكان، في العراق، وفلسطين، وفي شتى بقاع الأرض يا رب العالمين، اللهم أرنا قدرتك بأعدائك يا أكرم الأكرمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور