وضع داكن
20-04-2024
Logo
على هدى - الحلقة : 10 - تأخر النصر.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارض عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

تعلق الإرادة الإلهية بالحكمة المطلقة :

أيها الأخوة الكرام؛ يسأل بعضهم سؤالاً دقيقاً: لماذا تأخر النصر؟
 والحقيقة سؤال وجيه لأن هناك معاناة كثيرة من تأخر النصر، أولاً يوجد مسلمة خطيرة ودقيقة وشافية وحاسمة أن كل شيء وقع في الأرض في القارات الخمس أراده الله معنى أراده سمح به، أب تزوج ولم ينجب عشر سنوات، ثم رزقه الله مولوداً ذكراً، محبة الأب لهذا المولود تفوق حدّ الخيال، تكاد لا توصف، والأب طبيب، هذا الابن أصيب بالتهاب الزائدة، فهذا الطبيب المحب الرحيم بابنه يسمح بفتح بطنه في المستشفى، وتخديره تخديراً كاملاً، واستئصال الزائدة، ثم خياطة الجرح، وبعد الجرح وبعد زوال المخدر يوجد آلام شديدة.
 هذا مثل بسيط، مغزى المثل أن كل شيء وقع أراده الله أي سمح به لحكمة بالغة، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، معنى الحكمة المطلقة الذي وقع لو لم يقع لكان الله ملوماً، ومعنى الحكمة المطلقة الذي وقع لو لم يقع لكان نقصاً في حكمة الله، هذا يقيناً كل شيء وقع سمح الله به.
 لذلك قالوا: لكل واقع حكمة، أي شيء وقع، يوجد بالأرض حروب، زلازل، براكين، حكومات مستبدة، أي شيء وقع أراده الله، أي سمح به لكن لم يأمر ولم يرض.
 لا تنسوا مثل الطبيب، الطبيب ما أمر أن يفتح بطن ابنه بلا سبب، والطبيب ما رضي بذلك لكن سمح، لأن الشيء لابد منه.
 الإرادة الإلهية متعلقة بالحكمة، والحكمة متعلقة بالخير المطلق، لذلك هذه المقولة تفسر آلاف الوقائع.

ذنوب تستدعي عدم النصر :

 لذلك إذا تأخر النصر هناك حكمة بالغة عرفها من عرفها، وجهلها من جهلها، أحياناً المؤمن لا يعرفها لكنه مستسلم لله عز وجل.
 أحياناً لك قريب، إنسان محترم جداً، عالم جليل، ويوجد طعام على الطاولة، قال لابنه: لا تأكل، أنت بحكم معرفتك بهذا الإنسان، مكانته، وفهمه، وأدبه، وإيمانه، ورحمته، تقول: هناك مشكلة طبية، منعه من الأكل لسبب طبي، فلابد من أن تؤول عمله بالكمال.
 فلذلك البطولة في المؤمن أنه يؤول أفعال الله بالكمال، وهذا الواقع.
 لذلك قال العلماء: قد يتأخر النصر لأن الأمة لم تبذل كل جهدها، ولم تستفرغ الوسع في مواجهة عدوها، إذا لم يكن هناك يقين ببذل الجهد، أو كان هناك تقصير، أو تهاون، أو تراخ، أو تأجيل، هذا ذنب كبير، الأمة حينما تواجه أعداءها لابد من أن تجتمع، وأن تتحد، وأن تبذل ما في وسعها، لذلك إذا كان هناك تقصير، تسويف، بذل جهد أقل مما ينبغي، هذه كلها ذنوب تستدعي عدم النصر.

ثمن النصر ثمن باهظ :

 شيء آخر لو أن النصر تحقق سريعاً لكان سهلاً:

ومن أخذ البلاد من غير  حرب يهون عليه تسليم البلاد
***

 ثمن النصر ثمن باهظ، هذا الثمن له أثر كبير، هذا الثمن الباهظ يدعو للحفاظ على هذا النصر، لذلك أيها الأخوة لابد من أن تبذل الأمة كامل طاقتها، والحقيقة:

﴿وَأَعِدّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوَّةٍ ﴾

[سورة الأنفال: ٦٠]

 قوة الإعداد، التخطيط، إن لم تخطط يخطط لك، إن لم تكن رقماً صعباً في خطة عدوك تكن رقماً تافهاً في خطة عدوك، يجب أن تخطط، والذي لا يخطط إنسان:

﴿ يَمشي مُكِبًّا عَلى وَجهِهِ أَهدى ﴾

[سورة الملك: ٢٢]

 أما الذي يخطط فـ

﴿ يَمشي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُستَقيمٍ﴾

 والكلمة الدقيقة التي ينبغي أن تحفظوها: إن لم تخطط يُخطط لك، إن لم تكن رقماً صعباً في خطة عدوك يكن الإنسان هذا المقصر رقماً تافهاً في خطة عدوه.

 

إلغاء أية قضية تثير المشكلات لأننا أمة واحدة و إلهنا واحد :

 أخواننا الكرام؛ أحياناً الإنسان لا يلتقي مع أخيه الإنسان، فالعدو يفرق، والإيمان يجمع، فلابد من أن نتعاون، وأنا أول كلمة أقولها كثيراً: أعداؤنا وضعونا جميعاً في سلة واحدة، هم لا يفرقون بيننا، أي اتجاهاتنا، مذاهبنا، طوائفنا، وضعونا جميعاً في سلة واحدة، إذاً الموقف الكامل ينبغي أن نقف جميعاً في خندق واحد، والله أقول هذه الكلمة وأرجو أن أكون دقيقاً: والله الآن طرح أي قضية خلافية يعد جريمة في حق الإسلام.
 سألني مرة أخ التراويح كم ركعة؟ أي عندنا هذه الفتنة كل سنة، نذبح من الوريد إلى الوريد والتراويح كم ركعة؟ قلت له: صلّ ثمان أو اثنتي عشرة أو عشرين، وصلّ بالبيت، وصلّ بالجامع، ولا تقم بمشكلة، من المفروض نحن أي قضية تثير المشكلات أن نلغيها، نحن أمة واحدة، والإله واحد، والمنهج واحد، والنبي واحد، والسنة واحدة.
 بصراحة - والكلام مؤلم جداً- أعداؤنا يتعاونون وبينهم خمسة بالمئة قواسم مشتركة، ونحن نتقاتل وبيننا خمسة و تسعون بالمئة قواسم مشتركة، أي يوجد امتحانات صعبة، الله يقوي الطغاة وفي أحيان كثيرة يفعلون ما يقولون، يدمرون حتى يقول ضعيف الإيمان: أين الله؟ هذا أصعب امتحان، في معركة الخندق قال بعضهم: أيعدنا صاحبكم أن تفتح علينا بلاد كسرى وأحدنا لا يأمن أن يقضي حاجته؟

﴿هُنالِكَ ابتُلِيَ المُؤمِنونَ وَزُلزِلوا زِلزالًا شَديدًا﴾

[سورة الأحزاب: ١١]

 الإمام الشافعي سئل: ندعو الله بالتأييد أم بشيء آخر؟ فقال: لن تمكن قبل أن تبتلى. أي والله الذي لا إله إلا هو لا أصدق مؤمناً يشم رائحة الجنة دون أن يبتلى:

﴿أَحَسِبَ النّاسُ أَن يُترَكوا أَن يَقولوا آمَنّا وَهُم لا يُفتَنونَ﴾

[سورة العنكبوت: ٢]

 قد تفتن في بيتك، أي قد يأتيك شخص تعرض بيتك عليه أربعمئة متر، وهو قد يكون بيته مئة متر، ما من داع لتستعرض عضلاتك عليه، هذا خطأ كبير، أي يوجد أخطاء كبيرة جداً، إما أن تستعلي، إما أن تختال على من حولك، فالإنسان أحياناً يتكلم الكلمة لا يلقي لها بالاً تهوي بها في جهنم سبعين خريفاً، السيدة عائشة قالت عن ضرتها إنها قصيرة، اسمعوا الجواب النبوي، قال:

(( يا عائشة، لقد قلت كلمة لو مزجت بمياه البحر لأفسدته ))

[ أبو داود عن عائشة ]

 الآن باللقاءات النسائية الحديث شيء يتناول الشكل والأصل والفصل والأناقة والثياب، شيء غير معقول إطلاقاً.
 لذلك الله عز وجل يقوي الطغاة حتى يقول ضعيف الإيمان: أين الله؟ أي يوجد امتحانات صعبة، أحياناً يوجد فهم ساذج يقول شخص: حتى لو الله ابتلاني سوف أنجح، من قال لك ذلك؟ قد لا تنجح.

 

الابتعاد عن تعليق الآمال على غير الله :

 الآن الأمة أحياناً تعلق آمالها على غير الله، الغرب يدعم، هذه الجهة القوية تدعمنا، هذه معنا، فينسى الله عز وجل، والبطولة أنه ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، حينما تتوهم جهة غير الله وقعت في الشرك الخفي، والنبي الكريم يقول: " أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي، أما إني لست أقول إنكم تعبدون صنماً ولا حجراً ولكن شهوة خفية وأعمال لغير الله".
 حينما تعتمد على صديق له منصب رفيع، أو على ابن، أو على مكانة اجتماعية، أو زوجة غنية، حينما تعتمد على غير الله وقعت في الشرك الخفي، الشرك الجلي قليل جداً، في العالم الإسلامي أن تقول: بوذا إله هذه لا توجد إطلاقاً، لكن الذي نخاف منه هو الشرك الخفي.
 ورد في بعض الأقوال لسيدنا علي قال: " الشرك أخفى من دبيب النملة السمراء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء- أتسمع صوتها؟ تسمع حركة أرجلها؟ مستحيل- وأدناه أن ترضى على جور وأن تغضب على عدل".
 شخص نصحك بأدب الذي فعلته لا يجوز، لا تتحمل كيف تجرؤ وتنصحني؟ هذا شرك أشركت نفسك مع الله، وأدناه أن ترضى على جور، أي لك صديق لا يصلي، ماله حرام، جالس في المنزل، تقول عنه: إنه إنسان فهيم، ابنك سمع منك فهيم، فأرسلت ابنك له، رأى أشياء لا ترضي الله عز وجل وقع ابنك في صراع نفسي، إن الله ليغضب إذا مدح الفاسد، قاعدة، أنت لست مضطراً لذمه، حسناً لا تمدحه، قد لا تستطيع ذمه أحياناً مقبول منك ذلك، أما أن تمدحه بخلاف ما هو عليه فهذا خطأ كبير، وقد تزل القدم.

الأخذ بالأسباب و التوكل على رب الأرباب :

 لذلك حينما نتوقع النصر من جهة أرضية، نعتمد على الغرب، على الشرق، على الدعم الفلاني، على الخطة الفلانية، هذا نوع من الشرك، هذا لا يتناقض مع لو أن إنساناً كان موحداً، الله أمره بالأخذ بالأسباب، يوجد خط رفيع بين أن تأخذ بالأسباب وأنت موقن أن الفعال هو الله، وبين أن تأخذ بالأسباب على أن الحل بها، وتنسى الله، ماذا فعل الغرب؟ الغرب أخذ بالأسباب بأعلى مستوى، واعتمد عليها، وألهها، فوقع في وادي الشرك، ماذا فعلنا نحن؟ لم نأخذ بها أصلاً وقعنا في وادي المعصية، ما الصواب؟ الصواب أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء.
 فلذلك عندما يكون هناك اعتماد على جهات أرضية يتأخر النصر، إلى أن ترى أن الله وحده هو الناصر.

 

التولي و التخلي :

 هل هناك أرقى من الصحابة نخبة المجتمع؟ المجتمع الأمثل؟

(( إن الله تبارك وتعالى اختارني واختار لي أصحاباً ))

[ أخرجه الحاكم عن عويم بن ساعدة ]

 هؤلاء الصحابة الكرام في بدر انتصروا قال:

﴿وَلَقَد نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدرٍ وَأَنتُم أَذِلَّةٌ ﴾

[سورة آل عمران: ١٢٣]

 هم هم وفيهم رسول الله في غزوة حنين لم ينتصروا لماذا؟ قال:

(( ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))

[أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عباس]

 نحن كثر، اعتمدوا على كثرتهم، ولم يعتمدوا على الله، هذا خطأ. المسلمون لم ينصروا في أحد لأنهم عصوا رسول الله، فلو انتصروا لسقطت طاعة رسول الله.
 والمسلمون لم ينتصروا في حنين لأنهم اعتمدوا على عددهم وكثرتهم، فلو أنهم انتصروا لسقط التوحيد.
 لو أن المسلمين انتصروا في أحد لسقطت طاعة رسول الله، لو أنهم انتصروا في حنين لسقط التوحيد.
 لذلك درس حنين وبدر درسان بليغان، يحتاجهما كل مؤمن كل يوم، وقد أقول كل ساعة، أي تقول: الله، فيتولاك الله، تقول: أنا، فيتخلى عنك الله، هذا الدرس تحتاجه كل يوم، وكل ساعة، فأنت بين التولي والتخلي، قبل إلقاء درس، قبل الدخول إلى امتحان، قبل الدخول إلى البيت، قبل الخروج ،من البيت يجب أن تفتقر إلى الله، والله الدعاء الذي أقوله دائماً: اللهم إني تبرأت من حولي وقوتي ولجأت إلى حولك وقوتك يا ذا القوة المتين، أحياناً يتأخر النصر لأنه لو جاء النصر بعد شهر الممتحنون خمسة بالمئة لكن بعد سنة الممتحنون خمسة و تسعون بالمئة، الله عز وجل قادر أن ينصر لكن ليبلو بعضكم ببعض.

 

أنواع الجهاد :

 أراد الله لهذا المؤمن أن يكتسب شرف الجهاد، فترك له مقاومة الأعداء، لكن الله عز وجل برجفة واحدة:

﴿ فَإِذا هُم خامِدونَ﴾

[سورة يس: ٢٩]

 الله قوي، بيده كل شيء، لكن ترك لنا شرف الجهاد في سبيل الله.
 أخواننا الكرام؛ عندما أقول جهاداً، معظم الأخوة الكرام يتوارد إلى ذهنهم القتال، الحقيقة يوجد جهاد النفس والهوى، هذا أصل، لأن الذي يهزم أمام نفسه لا يستطيع أن يقاوم نملة، وهناك الجهاد البنائي، أنت عندما تتقن عملك تسهم في قوة هذه الأمة، وهناك الجهاد الدعوي و هو نشر الدين بالطرق السلمية، وجاهدهم به جهاداً كبيراً.
 أصبح هناك جهاد النفس والهوى، والجهاد البنائي، والجهاد الدعوي، وفي النهاية الجهاد القتالي، فإذا نجحت في جهاد النفس والهوى وفي الجهاد الدعوي والبنائي الآن يمكن أن يأتي وقت الجهاد القتالي.
 أرجو الله سبحانه وتعالى أن نتقن جهاد النفس والهوى الذي هذا الأصل، وبعدها نرتقي إلى الجهاد الدعوي، ثم الجهاد البنائي من خلال اختصاصاتكم وحرفكم، وحينما يأذن الله للمسلمين أن ينتصروا على أعدائهم يسلكون الطريق الرابع وهو الجهاد القتالي.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور