وضع داكن
19-04-2024
Logo
على هدى - الحلقة : 16 - مقومات التكليف1 - الكون - الشهوة.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارض عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

الإنسان هو المخلوق الأول المكلف و المكرم :

 أيها الأخوة الكرام؛ قال تعالى:

﴿وَلَقَد كَرَّمنا بَني آدَمَ وَحَمَلناهُم فِي البَرِّ وَالبَحرِ وَرَزَقناهُم مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلناهُم عَلى كَثيرٍ مِمَّن خَلَقنا تَفضيلًا﴾

[سورة الإسراء: ٧٠]

 فأنت المخلوق الأول، وأنت المخلوق المكرم، وأنت المخلوق المكلف، مكلف أن تعبد الله، والعبادة طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية.
 إذاً علة وجودنا جميعاً في هذه الدنيا أن نعبده، والحقيقة لا يمكن لهذه العبادة التي هي علة وجودنا إلا من معرفة تسبقها، ومن سلوك نسلكه، ومن ثمرة يانعة نقطفها، يوجد سبب، ثمرة الأصل الخضوع لمنهج الله، أن تأتمر بما أمر، أن تنتهي عما عنه نهى وزجر، الأصل الخضوع لمنهج الله، الأصل أن تكون حركاتك وسكناتك وفق منهج الله، الأصل أن تعطي كما أمر، وأن تمنع كما أمر، أن تصل من أمر، وأن تقطع من أمر، أن تصل وأن تقطع، وأن تعطي وأن تأخذ، وأن تغضب وأن ترضى، وأن تحب وأن تكره، أي حركاتك وسكناتك المادية والمشاعرية ينبغي أن تكون وفق تعليمات الصانع، لأن الصانع هو الله، فالبطولة والفلاح أن تطبق تعليمات الصانع، لأن الجهة الصانعة هي الجهة الوحيدة التي ينبغي أن يطبق أمرها.

مقومات التكليف :

1 ـ الكون :

 أخواننا الكرام؛ حينما كلفك الله أن تعبده - أنت بالمناسبة مما يسمى به الإنسان أنه مخلوق مكلف، مكلف أن يعبد الله - أعطاك مقومات التكليف، ما مقومات التكليف؟
 المقومات التكليفية هي محور هذه الحلقات المباركة إن شاء الله تعالى، أعطاك هذه المقومات، أولها الكون، هذا الكون الذي ينطق بوجود الله، ووحدانيته، وكماله، هذا الكون الذي يشف عن أسماء الله الحسنى، وصفاته الفضلى، هذا الكون بكل دقائقه ينطق بعظمة الله. لذلك:

﴿خُذوهُ فَغُلّوهُ ﴾

  يوم القيامة لمن شرد عن الله:

﴿خُذوهُ فَغُلّوهُ*ثُمَّ الجَحيمَ صَلّوهُ*ثُمَّ في سِلسِلَةٍ ذَرعُها سَبعونَ ذِراعًا فَاسلُكوهُ﴾

[سورة الحاقة: ٣٠-٣٢]

 دققوا:

﴿إِنَّهُ كانَ لا يُؤمِنُ بِاللَّهِ العَظيمِ﴾

[سورة الحاقة: ٣٣]

 ضع تحت كلمة

﴿ بِاللَّهِ العَظيمِ﴾

 ثلاثة خطوط لماذا؟ لأن إبليس آمن بالله:

﴿قالَ فَبِعِزَّتِكَ ﴾

[سورة ص: ٨٢]

 لأن إبليس آمن باليوم الآخر:

﴿قالَ أَنظِرني إِلى يَومِ يُبعَثونَ﴾

[سورة الأعراف: ١٤]

 لكن إبليس ما آمن بالله العظيم:

﴿ما لَكُم لا تَرجونَ لِلَّهِ وَقارًا﴾

[سورة نوح: ١٣]

 إذاً اعلم علم اليقين أنك إذا آمنت بالله خالقاً ومربياً ومسيراً، ولم تلتزم منهجه، أنت ما آمنت الإيمان المُنجّي.
 لذلك يمكن أن نرسم دائرة، كل من أنكر وجود الله خارج هذه الدائرة، أما الذي آمن بوجود الله فهو داخل هذه الدائرة، ضمن هذه الدائرة الكبيرة دائرة أصغر، هذا الذي آمن بوجود الله واستجاب له، وطبق أمره:

﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا استَجيبوا لِلَّهِ وَلِلرَّسولِ إِذا دَعاكُم لِما يُحييكُم ﴾

[سورة الأنفال: ٢٤]

 هذا الذي استجاب له ضمن الدائرة الثانية، وفي مركز هذه الداوائر دائرة صغيرة جداً مكان الأنبياء والمرسلين، يوجد نبوة ورسالة، يوجد مؤمن مطبق، ومؤمن غير مطبق، ويوجد غير مؤمن أصلاً، فالبطولة لا أن أقر بوجود الله، البطولة أن أتبع هدى الله عز وجل، بالمناسبة ومن أضلّ ممن خضع لمنهج أرضي، ونسي منهج الخالق جل جلاله.

 

التفكر في خلق السموات والأرض أقصر طريق إلى الله :

 أيها الأخوة؛ أنت مكلف أن تعبد الله، مكلف أن تعبده، لأنك مكلف أعطاك مقومات التكليف ما المقومات؟
 هذا الكون بسمواته وأرضه، الأرض بجبالها، بسهولها، بصحرائها، بجناتها، بأنهارها، ببحيراتها، ببحارها، بأطيارها، بأسماكها، بحيواناتها، هذه الأرض تنطق بوجود الله، تنطق بكماله، تشف عن أسمائه الحسنى، وصفاته الفضلى.
 إذاً هذا الكون أحد أكبر مقومات التكليف، أي كل خصائص الذات الإلهية، الأسماء الحسنى، الصفات الفضلى، تجدها في هذا الكون، بتعبير آخر هذا الكون يشف عن أسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى، فإذا فكرت في هذا الكون فأنت في أقصر طريق إلى الله، وفي أوسع باب تدخل منه على الله:

﴿إِنَّ في خَلقِ السَّماواتِ وَالأَرضِ وَاختِلافِ اللَّيلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الأَلبابِ*الَّذينَ يَذكُرونَ اللَّهَ قِيامًا وَقُعودًا وَعَلى جُنوبِهِم وَيَتَفَكَّرونَ في خَلقِ السَّماواتِ وَالأَرضِ رَبَّنا ما خَلَقتَ هذا باطِلًا سُبحانَكَ فَقِنا عَذابَ النّارِ﴾

[سورة آل عمران: ١٩٠-١٩١]

 إذاً التفكر في خلق السموات والأرض أقصر طريق إلى الله، وأوسع باب تدخل فيه على الله.

﴿فَليَنظُرِ الإِنسانُ إِلى طَعامِهِ﴾

[سورة عبس: ٢٤]

 وقال تعالى:

﴿فَليَنظُرِ الإِنسانُ مِمَّ خُلِقَ*خُلِقَ مِن ماءٍ دافِقٍ*يَخرُجُ مِن بَينِ الصُّلبِ وَالتَّرائِبِ﴾

[سورة الطارق: ٥-٧]

 هذه الآيات التي تأمرك أن تتفكر في خلق السموات والأرض، هذه الأوامر تجب عليك، لأن كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك.
 وقد أمرنا أن ننظر إلى طعامنا، إلى شرابنا، إلى ما حولنا، إلى ما فوقنا، إلى أرضنا، إلى سمائنا، إلى الجبال، إلى الحيوانات، إلى النباتات، وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد.
 إذاً الكون أحد أكبر مقومات التكليف؛ لأنه ينطق بوجود الله أولاً، وبوحدانيته ثانياً، وبكماله ثالثاً، فالتفكر هو الذي ينبغي أن يكون عبادة يومية، التفكر عبادة بل هو العبادة الأولى، مرة ثانية لأن التفكر يضعك وجهاً لوجه أمام عظمة الله عز وجل.

2 ـ الشهوة :

 وهناك مقوم آخر أودعه الله في الإنسان هو الشهوة، الشهوة كالمحرك في المركبة، الشهوة تجعلك تتحرك.
 أنت بحاجة إلى طعام وشراب، شهوة الطعام والشراب تجعلك كائناً متحركاً لا كائناً سكونياً كهذه الطاولة، تريد أن تأكل وأن تشرب إذاً ينبغي أن تعمل، وأنت تعمل تمتحن إما أن تصدق أو لا تصدق، إما أن تنصح أو لا تنصح، إما أن تتقن أو لا تتقن، فأنت ممتحن من خلال العمل الذي هو سبيل لكسب الرزق، الذي هو سبيل لبقاء الحياة، فلولا الحاجة إلى الطعام - صدق ولا أبالغ- لا ترى على هذه الأرض شيئاً، لا جامعة، ولا بناء، ولا جسر، ولا مشروع، الحاجة إلى الطعام والشراب دفعتك إلى العمل حفاظاً على وجودك كفرد.
 الآن الحاجة إلى الطرف الآخر، الحاجة عند الرجال إلى الزوجة، والحاجة عند النساء إلى زوج، الحاجة في الطرف الآخر المقابل، هذه الحاجة تضمن بقاء النوع، بالطعام والشراب ضمن بقاء الفرد، أما بالزواج فتضمن بقاء النوع، أكلت وشربت وتزوجت وأنجبت.
 يوجد حاجة ثالثة، الحاجة الثالثة دقيقة جداً سماها علماء النفس تأكيد الذات، أي بقاء الذكر، أنت بحاجة إلى التفوق، بحاجة أن يشار إليك بالبنان، بحاجة أن تستمع إلى ثناء الناس عليك، هذه حاجة أساسية، فأنت تحتاج إلى الطعام لبقاء جسمك، وإلى الزواج لبقاء نوعك، وإلى تأكيد الذات لبقاء ذكرك.
 هذه الحاجات الثلاثة لها قنوات نظيفة ورائعة في منهج الله، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، هذا الكلام للشباب، لذلك بالإسلام لا يوجد حرمان لكن يوجد بالإسلام تنظيم، لا يوجد حرمان، يوجد تنظيم للميول، لا يوجد حرمان لكن يوجد مصلحة عامة.
 مرة دكتور في الجامعة قال: أقول لكم بكل بساطة: المجتمعات في الشرق قضية الأمراض النفسية تكاد تكون غير موجودة، لسبب بسيط هو الإيمان بالله عز وجل، وقد قيل هذا أيضاً في مؤتمر علمي في أوروبا.
 الإمام الشافعي كان يطوف حول الحرم سمع شخصاً أمامه يقول: يا رب هل أنت راض عني؟ قال الإمام الشافعي له: هل أنت راض عن الله حتى يرضى عنك؟ قال: سبحان الله أنا أرضى عنه وأنا أتمنى رضاه! فقال له الإمام الشافعي: إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله، إذاً البطولة أن ترضى بمكروه القضاء، الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين.
 إذاً هذا الكون أحد أكبر مقومات التكليف.
 المقوم الثاني الشهوة؛ هذه الشهوة التي أودعها الله فينا لها قنوات نظيفة تسري خلالها، مثل بسيط صفيحة البنزين إذا وضعت في المستودع المحكم، وسار البنزين في الأنابيب المحكمة، وانفجر في المكان المناسب، وفي الوقت المناسب، ولّد حركة نافعة أقلتك إلى العقبة مثلاً، صفيحة البنزين نفسها صبها على السيارة تحرق المركبة ومن فيها، فالبنزين مادة إما أنها تولد قوة دافعة، أو قوة مدمرة، هكذا الشهوات إما أنها قوة دافعة أو قوة مدمرة.
 لي جار في الشام من كبار علماء القرآن توفي عن مئة و سنتين قال: عندي ثمانية و ثلاثون حفيداً معظمهم أطباء وحفّاظ لكتاب الله. أنا فكرت أن هذا الرجل تزوج امرأة، أنجب أولاداً جلبوا له الكنائن، أنجب بنات جلبوا له الأصهار، هذا الصف الثاني، الصف الثالث ثمانية و ثلاثون حفيداً معظمهم من حفّاظ كتاب الله، وأطباء، هذا الهرم المبارك بيولوجيا ما سببه؟ علاقة جنسية، وفي أية بيت دعارة يوجد علاقة جنسية، انظر إلى الشهوة سلم ترقى بها إلى أعلى عليين، أو دركات تهوي بها إلى أسفل سافلين، كصفيحة البنزين، إما أنها تولد قوة دافعة أو قوة مدمرة. لولا الشهوات ما ارتقينا إلى رب الأرض والسموات.

3 ـ العقل :

 بعد الشهوة الله عز وجل أودع فينا العقل، العقل جهاز دقيق جداً، فيه مبادئ ثلاثة؛ مبدأ السببية، مبدأ الغائية، مبدأ عدم التناقض.
 فأنت لا يمكن أن تفهم شيئاً بلا سبب، فرضاً لو شخص غادر بيته إلى مكان ليمضي فيه أسبوعاً، أطفأ كل المصابيح، فلما رجع إلى البيت وجد الغرف مضاءة، يحكم يقيناً أنه لابد من إنسان دخل هذا البيت، وأضاء المصابيح، هكذا العقل، العقل لا يفهم شيئاً بلا سبب.
 يوجد بعلم الجرائم إذا المجرم أثبت يقيناً أنه وقت الجريمة كان في مكان آخر يعفى عنه، أصبح بريئاً لأنه العقل لا يقبل أن تكون في مكانين في آن واحد هذا عدم التناقض.
 فلذلك أرجو الله سبحانه وتعالى أن نعالج هذه الموضوعات في لقاءات قادمة كي يتضح ما معنى أنك مكلف، وما معنى أن الله أعطاك مقومات التكليف.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور