وضع داكن
20-04-2024
Logo
حياة المسلم 1- إذاعة حياة إف إم- الحلقة : 112 - من معاني لبيك اللهم لبيك
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، يا ربنا صلّ وسلم وزد وبارك على سيدنا محمد الصادق، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، أهلاً وسهلاً بكم مستمعينا الكرام، على الهواء مباشرة في حلقة جديدة من برنامجكم مع الدكتور محمد راتب النابلسي، وباسمكم نرحب بفضيلة العلّامة الداعية محمد راتب النابلسي، مرحباً بكم شيخنا.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم.
المذيع:
 يقول الله عز وجل:

﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ﴾

[ سورة البقرة:196 ]

 ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لبيك إله الحق " وأيضاً يسن أن يقول المحرم عقب الإحرام إذا استوى على راحلته بعد حمد الله عز وجل وتسبيحه وتكبيره كما ورد في الحديث:

(( لبّيْك اللهمّ لبّيْك، لبّيْك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنِّعمة لك والملك، لا شريك لك))

.
 حلقتنا لهذا اليوم مستمعينا حول عنوان: " لبّيْك اللهمّ لبّيْك " نتحدث في هذه الحكم والدروس من الحج، وماذا يمكن لكل مسلم أن يصقل من إيمانه في هذا الجانب؟ دكتورنا الكريم هذا هو الركن الخامس من أركان الإسلام في الحج وحكمه ودروسه مع فضيلتكم في هذه الحلقة دكتور.

معنى التلبية :

الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا بما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الأخوة الكرام؛ يذهب المسلم إلى بيت الله الحرام، ويُخَلِّف في بلْدته هُموم المعاش والرّزق، هموم العمل و الكسْب، هموم الزوجة والولد، هموم الحاضر والمستقبل، وبعد أن يُحْرِمَ من الميقات يبْتعد عن الدنيا كليًّاً، ويتجرَّد إلى الله عز وجل، ويقول: لبّيْك اللهمّ لبّيْك، لبّيْك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنِّعمة لك والملك، لا شريك لك.
 أيها الأخوة الأحباب؛ هذه التَّلْبِيَةُ كأنّها اسْتجابة لِنِداءٍ ودعْوةٍ يقعان في قلب الحاج، أنْ يا عبدي خلِّ نفسكَ وتعال، تعال يا عبدي لأُريحَكَ من هُموم كالجبال، تجْثم على صدرك، تعال يا عبدي لأُطهّرك من شهواتٍ تُنَغِّصُ حياتك:

إلى متى أنت باللّذات مَشغول  وأنت عن كلّ ما قدَّمْت مسؤول
***

 تعال يا عبدي وذُقْ طعْم محبّتي، تعال يا عبدي وذُقْ حلاوة مناجاتي، لبّيْك اللهمّ لبّيْك، لبّيْك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنِّعمة لك والملك، لا شريك لك.
 تعال يا عبدي لأريَك من آياتي الباهرات، تعال لأطهرك من شهوات نغصت حياتك، هذه التلبية كأنها مرة ثانية استجابة لنداء ودعوة يقعان في قلب الحاج أن يا عبدي خلّ نفسك وتعال، تعال يا عبدي لأُريحَكَ من هُموم كالجبال، تجْثم على صدرك، تعال يا عبدي لأُطهّرك من شهواتٍ تُنَغِّصُ حياتك، تعال يا عبدي وذُقْ طعْم محبّتي، تعال يا عبدي وذُقْ حلاوة مناجاتي، لبّيْك اللهمّ لبّيْك، لبّيْك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنِّعمة لك والملك، لا شريك لك.
 تعال يا عبدي لأريَك من آياتي الباهرات، تعال يا عبدي لأُرِيَكَ ملكوت الأرض والسموات، تعال يا عبدي لأُضيء جوارحك بِنُوري الذي أشْرقَت له الظلمات، تعال لأَعْمُرَ قلبكَ بِسَكينةٍ عزَّتْ على أهل الأرض والسموات، تعال يا عبدي لأملَكَ نفسك غِنىً ورضا شَقِيَتْ بفقْدِهما نفوسٌ كثيرات، تعال يا عبدي لأخرجَك من وُحول الشَّهوات إلى جنّات القربات، تعال يا عبدي لأُنْقذك من وَحْشة البُعد إلى أُنس القرب، تعال يا عبدي لأُخلّصك من رُعْب الشّرك وذلّ النّفاق إلى طمأنينة التوحيد، وعِزّ الطاعة، تعال يا عبدي لأملأ قلبك غنى.
 لبّيْك اللهمّ لبّيْك، لبّيْك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنِّعمة لك والملك، لا شريك لك، تعال يا عبدي لأنقلك من دُنياك المحدودة، وعملكَ الرتيب، وهمومك الطاحنة إلى آفاق معرفتي، وشرف ذكري، وجنّة قربي، تعال يا عبدي وحُطّ همومك ومتاعبك ومخاوفَكَ عندي فأنا أضْمنُ لك زوالها، تعال يا عبدي واذْكُر حاجاتك وأنت تدعوني فأنا أضْمنُ لك قضاءها، إنّ بيوتي في الأرض المساجد، وإن زوّارها هم عمّارها، فطُوبى لِعَبْد تطهّر في بيته ثمّ زارني، وحُقّ على المزور أن يُكْرم الزائر..
 فكيف يكون إكرامي لك إذا قطعت المسافات، وتجشَّمْت المشقات، وتحمَّلْت النفقات، وزرْتني في بيتي الحرام، ووقفْتَ بِعَرفة تدعوني، وتسْترضيني؟
 لبّيْك اللهمّ لبّيْك، لبّيْك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنِّعمة لك والملك، لا شريك لك، تعال يا عبدي وزرْني في بيتي، لِتَنْزاحَ عنك الهموم، ولِتُعايِنَ الحقائق، ولِكي تَسْتعِدَّ للّقائي:

(( إن عبداً أصححت له جسمه، ووسعت عليه في المعيشة تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إليّ لمحروم ))

[ الجامع الصغير بسند صحيح عن أبي سعيد الخدري]

 تعال يا عبدي وطُفْ حول الكعبة طواف المحبّ حول محبوبه، واسْعَ بين الصفا و المرْوَة سعْيَ المُشْتاق لِمطلوبه، تعال يا عبدي وقبِّلْ الحجر الأسْوَد، يميني في الأرض أصافح به خلقي، وازْرِف الدَّمْع على ما فات من عمُرٍ ضيَّعْتهُ في غير ما خُلقْت له، وعاهدني على ترك المعاصي، والآثام، والمخالفات، وعاهدني على الإقبال على الطاعات والقربات، وكن لي كما أريد لأكن لك كما تريد، بل كن لي كما أريد ولا تُعْلمْني بما يُصْلحُكَ، فإذا سلَّمت لي فيما أريد كفَيْتُكَ ما تريد، وإن لم تُسَلِّم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ثمّ لا يكون إلا ما أريد.

((ابن آدم خلقت لك ما في السموات والأرض من أجلك فلا تتعب، وخلقتك من أجلي فلا تلعب، فبحقي عليك لا تتشاغل بما ضمنته لك عما افترضته عليك))

[ ورد في الأثر]

 لبّيْك اللهمّ لبّيْك، لبّيْك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنِّعمة لك والملك، لا شريك لك، تعال يا عبدي إلى عرفات، يوم عرفة يوم اللّقاء الأكبر، تعال يا عبدي لِتَتَعَرَّض لِنَفْحةٍ من نفحاتي تُطَهِّرُ قلبك من كلّ درَنٍ وشهوة، وتُصفّي نفسكَ من كلّ شائبةٍ وهمّ، هذه النفحات تملأُ قلب العبد الحاج سعادةً وطمأنينة، وتشيع في نفسك سعادةً لو وُزِّعَت على أهل بلدٍ لكفتْهم، عندئذٍ لا تندم إلا على ساعة أمضيتها في قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال.
 تعال يا عبدي إلى عرفات، يوم عرفة الأكبر لِتعرف أنَّك المخلوق الأوّل من بين كلّ المخلوقات، ولك وحدك سُخِّرت الأرض والسموات، وأنّك حمِّلْت الأمانة التي أشْفقَتْ منها الجبال والأرض والسموات، وأنِّي جئْتُ بك إلى الدنيا لِتَعرفني، ولِتَعْمل عملاً صالحاً يؤهِّلُكَ لِجَنَّتي، تعال إلى عرفات لِتَعرف إنَّ الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر، وأنَّك إن وجدْتني وجَدْت كلّ شيء، وإن فتُّكَ فاتَكَ كلّ شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء.
 وبعد أن يذوق المؤمن في عرفات من خلال دعائه وإقباله واتِّصاله روْعَةَ اللّقاء وحلاوَة المناجاة ينغمسُ في لذّة القرب، عندئذٍ تصغر الدنيا في عَيْنَيْه، وتنتقل من قلبهِ إلى يديه، ويصبحُ أكبر همِّه الآخرة، فيسْعى إلى مقْعد صِدْق عند مليك مُقْتدر، وقد يُكشف للحاج في عرفات أنّ كلّ شيء ساقهُ الله له مما يكرهه هو محض عَدلٍ، ومحْضُ فضلٍ، ومحض رحمةٍ، وعندئذ يتحقّق من قوله تعالى:

﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة البقرة: 216]

الرّمْي تعبير مادِّي وعهْد موثَّق في عداوَة الشيطان ورفض لِوَساوِسِهِ :

 بعد أن يفيض الحاجّ من عرفات، وقد حصَلَتْ له المعرفة، واستنار قلبهُ، وصحَّت رؤيتُه، يرى أنَّ السعادة كلّها في طاعة الله، وأنّ الشّقاء كلّه في معصيته، عندئذٍ يرى عداوة الشيطان، وكيف أنه يعد أولياءه بالفقر إذا أنفقوا، ويُخَوِّفهم ممَّا سِوَى الله إذا أنابوا وتابوا، ويَعِدُهم ويمنّيهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً، قال تعالى :

﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾

[سورة إبراهيم: 22]

 عندئذٍ يُعَبِّرُ الحاجّ عن عداوة الشيطان تعبيراً رمزيًّاً بِرَمْي الجِمار ليَكون الرّمْي تعبيراً مادِّياً، وعهْداً موثَّقاً في عداوَة الشيطان، ورفضاً لِوَساوِسِهِ وخطراته، يقول الإمام الغزالي رحمه الله تعالى: " اعلم أنّك في الظاهر ترمي الحصى في العقبة، وفي الحقيقة ترمي بها وجه الشيطان وتقصم ظهره، ولا يحصل إرْغام أنفهِ إلا بامتِثالِكَ أمْر الله تعالى ".

 

الهدْي هديّة إلى الله وهو تعبير عن شُكر الإنسان ربه على نعمة الهدى :

 الآن وحينما يتَّجِهُ الحاجّ لِسَوق الهَدي، ونحْر الأضاحي، وكأنَّ الهدْي هديّة إلى الله عز وجل و تعبير عن شُكرهِ لله تعالى ..
المذيع:
 للراغبين للمشاركة معنا في هذه الحلقة يحدثنا عن حكم وأسرار الحج، فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي..
 نتحدث عن هذه الأجواء الإيمانية، نتحدث عن الحكم العظيمة التي شاء الله أن تغمر بها الأمة الإسلامية، ممن كان على صعيد عرفة محرماً ملبياً حاجاً بيت الله الحرام، دكتور محمد نعود إلى كلماتكم الطيبة..
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم نتابع..
 وحينما يتَّجِهُ الحاجّ لِسَوق الهَدي، ونحْر الأضاحي وكأنَّ الهدْي هديّة إلى الله عز وجل و تعبير عن شُكرهِ لله، و على نعمة الهدى التي هي أثْمنُ نعمةٍ على الإطلاق، وكأنّ ذبْح الأضحيَة ذبحٌ لِكُلّ شهْوةٍ و رغبةٍ تسخط الله عز وجل، وتضحية بكلّ غالٍ ورخيص، ونفْسٍ ونفيس في سبيل مرضاة الله ربّ العالمين، قال تعالى:

﴿ لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ﴾

[سورة الحج: 37]

 ثمّ يكون طواف الإفاضة تثْبيتًا لهذه الحقائق، وتلك المشاعر، ثمّ يطوف طواف الوداع لِيَنطلقَ منه إلى بلده إنساناً آخر اسْتنارَ قلبه بِحَقائق الإيمان، وأشْرقَت نفسهُ بِأنوار القُرْب، وعقدَ العزْم على تحقيق ما عاهَدَ الله عليه، وإذا صحَّ أنَّ الحجّ هو رحلةٌ إلى الله، فإنَّه يصِحّ أيضاً أنَّه الرحلةٌ قبل الأخيرة، لتجعل الرحلة الأخيرة مُفْضِيَة إلى جنّة عرضها السموات والأرض.

 

اتجاه الحجاج إلى المدينة المنورة بعد الانتهاء من مناسك الحج :

 وبعد أن ينتهي الحجاج من مناسك الحج يتجه الحجيج إلى المدينة المنورة، التي هي من أحبّ بلاد الله إلى الله، يتجهون إليها لزيارة سيد الأنام صلى الله عليه وسلم، فقد رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( من زار قبري بعد موتي كان كمن زارني في حياتي ))

[الطبراني عن ابن عمر]

 وقد علقت في مكان بارز من الحجرة الشريفة الآية الكريمة:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ﴾

[سورة النساء: 64]

 وقد أشار القرطبي إلى أن الآية تصدق على زيارة النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد مماته، و ليس هذا لغير النبي صلى الله عليه وسلم.
 وقد أورد القاسمي في تفسير أن في هذه الآية تنويهاً بشأن النبي صلوات الله عليه، فالرجل حينما يظلم نفسه بمعصية ربه، من خلال خروجه عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم وجب عليه أن يستغفر الله أولاً، وأن يعتذر من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا تتم التوبة إلى الله ولا تُقبل إلا إذا ضمَّ إلى استغفار الله استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي عين طاعة الله، ورفض سنة النبي صلى الله عليه وسلم عين معصية الله، وإرضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم هو عين إرضاء الله، يستنبط هذا من إفراد الضمير في قوله تعالى:

﴿ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ ﴾

[سورة التوبة: 62]

 ضمير المفرد، هي في اللغة يرضوهما، استنبط العلماء أن إرضاء الله عين إرضاء الرسول.

 

حبّ النبي الكريم سرّ السعادة التي تغمر قلب المسلم :

 أيها الأخوة الكرام؛ قال تعالى:

﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ﴾

[سورة النساء:80]

 وفي قوله تعالى:

 

﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

[سورة آل عمران: 31]

 ولعل سرَّ السعادة التي تغمر قلب المسلم حينما يزور مقام النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما إن يرى معالم المدينة حتى يزداد خفقان قلبه، وما إن يبصر الروضة الشريفة حتى يجهشَ بالبكاء، وعندئذ تُصبح نفس الزائر صافية من كل كدر، نقية من كل شائبة، سليمة من كل عيب، منتشية بحبها له صلى الله عليه وسلم، وقُربها منه، وهذه حقيقة الشفاعة التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:

(( من جاءني زائراً، لم تنزعه حاجة إلا زيارتي كان حقاً عليّ أن أكون له شفيعاً يوم القيامة ))

[أخرجه الطبراني عن ابن عمر]

 وإذا شئت الدليل القرآني على ما يشعر به المسلم من سكينة وسعادة حينما يتصل برسول الله بنحو أو بآخر فاقرأ قوله تعالى:

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ﴾

[سورة التوبة: 103]

 قال الإمام الرازي في تفسيره: " إن روح محمد صلى الله عليه وسلم كانت روحاً قوية، صافية، مشرقة، باهرة، لشدة قربه من الله، ولأن قلبه الشريف مهبط لتجليات الله جلّ وعلا، فإذا ذكره أصحابه بالخير والود، أو ذكره المؤمنون بالحب والتقدير، فاضت آثار من نفسه الروحانية على أرواحهم فأشرقت بهذا السبب نفوسهم، وصفت سرائرهم" وهذه المعاني تفسر قوله تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾

[سورة الأحزاب: 56]

 يروى أن بلالاً رضي الله عنه سافر إلى الشام، وطال به المقام، بعد وفاة سيد الأنام صلى الله عليه وسلم، ولقد رأى في منامه وهو بالشام رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: ما هذه الجفوة يا بلال؟ أما آن لك أن تزورني؟ فانتبه حزيناً، وركب راحلته، وقصد المدينة، فأتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يبكي عنده كثيراً، فأقبل الحسن والحسين رضي الله عنهما وجعل يضمهما، ويقبلهما فقالا: نشتهي أن نسمع أذانك الذي كنت تؤذن به لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصرّا عليه، فصعد وعلا سطح المسجد، ووقف موقفه الذي كان يقفه، ولما بدأ بقوله: الله أكبر، تذكر أهل المدينة عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وارتجَّت المدينة، وخرج المسلمون من بيوتهم، فما رأيت يوماً أكثر باكياً وباكيةً في المدينة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك اليوم.
 لقد صدق أبو سفيان رضي الله عنه حينما قال: ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً.
 هذه الحقيقة ينبغي أن تنسحب على كل مؤمن إلى يوم القيامة، يقول صلى الله عليه وسلم :

(( لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ))

[ متفق عليه عَنْ أَنَسٍ]

الحج عرفة :

 الآن الحج الأكبر هو الوقوف بعرفة قال النبي صلى الله عليه وسلم:

(( الحـج عرفة ))

[ الترمذي و أبو داود عن النعمان بن بشير]

 لذلك يعد يوم عرفة- ونحن في يوم عرفة- يوم اللقاء الأكبر بين العبد المنيب المشتاق وبين ربه التواب الرحيم، فيوم عرفة يوم المعرفة، ويوم عرفة يوم المغفرة، ويوم عرفة يوم تتنزل فيه الرحمات على العباد من خالق الأرض والسموات، ومن هنا قيل: من وقف في عرفات، ولم يغلب على ظنه أن الله قد غفر له فلا حج له، معنى ذلك أن الله يلقي في روع المؤمن أنه غفر له:

(( ... وما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة، ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء، يقول : انظروا عبادي جاؤوني شعثاً غبراً ضاحين، جاؤوني من كل فج عميق، يرجون رحمتي، ولم يروا عذابي، فلم يُر يوم أكثر عتيقاً من النار من يوم عرفة))

[المنذري رواه البزار وابن خزيمة وابن حبان واللفظ له عن جابر رضي الله عنه]

 عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: وقف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات، وقد كادت الشمس أن تثوب فقال: يا بلال أَنصِت لي الناس، فقام بلال فقال: أنصتوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنصت الناس، فقال عليه الصلاة والسلام:

(( يا معشر الناس أتاني جبريل عليه السلام آنفاً فأقرأني من ربـــي السلام وقال: إن الله عز وجل غفر لأهل عرفات وأهل المشعر الحرام وضمن عنهم التبعات ))

[ابن المبارك عن أنس بن مالك رضي الله عنه ]

 فقـام عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: " يا رسول الله هذه لنا خاصة؟ قال: هذه لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة، فقال عمر رضي الله عنه: كثر خير الله وفاض".
 وروى الإمام مسلم:

(( ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو عز وجل ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ماذا أراد هؤلاء؟))

[مسلم عن عائشة رضي الله عنها ]

 و وروى الإمام مالك:

((ما رئي الشيطان يوماً هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أغيظ منه من يوم عرفة وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة، وتجاوز الله عن الذنوب العظام، إلا ما أُرِي من يوم بدر، قيل : وما رأى يوم بدر يا رسول الله ؟ أما إنه رأى جبريل يزع الملائكة))

[رواه الإمام مالك مرسلاً والحاكم موصولاً عنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ]

 أي يقودهم.

 

الحج رحلة العمر إلى الله عز وجل :

 الحقيقة أن الحج رحلة العمر إلى الله عز وجل، كيف نفهم قوله تعالى:

﴿ ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي ﴾

[ سورة الصافات:99 ]

 الإنسان يصلي في بيته، يصوم في بيته، يزكي في بلده، كل الأركان تقام إلا الحج رحلة إلى الله، أنت ذاهب دافع الثمن، قطعت إجازة من عملك الثمين، تركت أهلك، أولادك، بيتك، سريرك، راحتك، مكانتك، وذهبت إلى الحج كمواطن، كإنسان عادي، عليك هذا الإزار والرداء، لا يوجد تفاوت طبقي إطلاقاً في الحج، الناس جميعاً في مكان واحد، هذا من معاني القيامة أيضاً، وأرجو الله عز وجل أن يرزق المستمعين حجاً مبروراً، وسعياً مشكوراً، وذنباً مغفوراً.
المذيع:
 دكتور فتح الله عليك بهذه الكلمات الطيبة، فاصل ونتابع مع فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي..
 السلام عليكم فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي..
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم، وأعلى قدركم.
المذيع:
 بارك الله بكم، وبوجودكم، للراغبين للمشاركة معنا في هذه الحلقة يحدثنا عن حكم وأسرار الحج فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي..
 دكتور ذكرت قبل قليل أن كل العبادات يستطيع الإنسان في مكانه أن يقوم بها إلا الحج لماذا لم يكن الحج عبادة قلبية كالصيام والصلاة؟

 

الحكمة من أن الحج ليس عبادة قلبية كالصيام والصلاة :

الدكتور راتب :
 حينما يعبد الإنسان ربه في بيته مصلياً، ومزكياً في بلده، وصائماً في بلده، ما تجشم مشاق التعب، أما الحج ففيه ثمن مالي، وثمن جهد، وثمن وقت، ترك معمله، ترك مكتبه، ترك بيته، ترك زوجته وأولاده، سافر إلى بلد حار، ولحكمة بالغة بالغة الحياة في هذا المكان متعبة قليلاً، مع أن الآن هناك تطورات كبيرة جداً، لكن السفر قطعة من العذاب، قال تعالى:

﴿ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي ﴾

[ سورة الصافات:99 ]

 أنت تحركت نحو الله، الإنسان كيانه مادي، عندما يتخذ الله بيتاً له في الأرض ويقول لعباده: تعالوا إليّ، فالإنسان ترك بيته، ترك وظيفته، ترك مكانته، ترك منصبه، ترك أولاده، أحبابه، أصهاره، ترك ملذاته، ترك طعامه الطيب، ترك فراشه الوثير وسافر إلى الله، قال تعالى:

﴿ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي ﴾

[ سورة الصافات:99 ]

 طبعاً الثواب على قدر المشقة، هم في الحقيقة ضيوف الرحمن.
المذيع:
 دكتور فتح الله عليك، هذا كلام طيب، ومن الجميل أن يعرف الإنسان مثل هذه القضايا، لو سمحت لي أن نشرك معنا أبو صلاح..
 سلامي للدكتور أحبّ أن أسأل لم يكتب لنا الله الحج في هذا العام، والله يتنزل إلى السماء الدنيا في عشية عرفة فتتنزل الرحمات والمغفرة، فهل لنا نصيب من هذه الرحمات كوننا لسنا من ضمن الحجاج؟

 

صيام عرفة هو مشاركة للحجاج في الأجر والثواب :

الدكتور راتب :
 صيام عرفة هو مشاركة للحجاج في الأجر والثواب، بل إن العبادة الزائدة الاستثنائية في هذا العشر مشاركة للحجاج، فالذي أتيح له أن يحج نعمة كبيرة، والذي يتاح له صوم عرفة، والاعتكاف في هذه الأيام، وتلاوة القرآن، والعمل الصالح، وذكر الله عز وجل، كأنه شارك الحجاج بحجهم.
المذيع:
 دكتور لو إنسان نوى الحج وكان صادقاً في نيته وحالت الظروف المادية أو اشتراط الفيز كالعمر وما شابه، هل يبلغه الله أجر الحجاج وهو في بيته؟

 

ارتباط الحج بالاستطاعة :

الدكتور راتب :
 أريد أن أبلغ الأخوة الكرام المستمعين أن هذا الحج مرتبط بالاستطاعة، الصلاة لم ترتبط بها، ولا الصيام، ولا الزكاة إلا بلوغ النصاب، أما الحج فبالاستطاعة، ما الاستطاعة؟ صحة ومال، لا يكفي وموافقة ولي الأمر، لذلك تقديم رشوة للحج ليس واردة إطلاقاً، كتابة بيان كاذب ليس واردة إطلاقاً، أتبدأ أكبر عبادة بمعصية؟ بكذب؟ هذه المشكلة، لذلك بلد من البلاد العربية أصدرت توجيهاً منذ عشر سنوات أن يكفي تصريح من الذي يريد أن يحج بأني لم أحج ويوقعه، الحقيقة كان مقلباً كبيراً للناس، بحثوا في تاريخ الحج، تسعون بالمئة ممن قدم تصريحات كاذبة أنهم حجوا سابقاً، هكذا الإسلام؟ المؤمن حينما يخالف منهج الله لا يستطيع أن يقنع نملة بدعوته.
المذيع:
 دكتور حتى الكذب من أجل العبادة لا يجوز.
الدكتور راتب :
 ما كلفك الله عز وجل أن تكذب، أنت إذا ما سمح لك ولي الأمر.
المذيع:
 دكتور لو نريد أن ننتظر العمر يصبح عمر الإنسان سبعين سنة وثمانين سنة حتى يأتي دوره للحج؟
الدكتور راتب :
 أنا برشوة لا أحج، أحج بطريقة أو أخرى، أسافر إلى بلد آخر يوجد فيه مجال للحج.
المذيع:
 دكتور إذا أتيح بما هو مقبول يحج الإنسان، إذا لم يتح..
الدكتور راتب :
 أنا لا يوجد عندي فتوى لدفع رشوة من أجل عبادة.
المذيع:
 دكتور يؤخذ الأجر على النية، إذا حالت هذه الشروط من الدولة يأخذ أجره؟
الدكتور راتب :
 أبداً، نعم.
المذيع:
 دكتور هل النظر إلى الكعبة ومتابعة الحجاج هو باب من أبواب العبادة؟

 

النظر إلى الكعبة ومتابعة الحجاج من العبادة :

الدكتور راتب :
 من العبادة، الكعبة لها سحر خاص، لها تجلٍّ خاص، لها سكينة خاصة، هذا بيت الله الحرام، وهذا التجلي من الله، أي الله عز وجل ينزل السكينة على الحجاج، يقول لك: أنا أسعد إنسان، السكينة الإنسان يسعد بها ولو فقد كل شيء، ويشقى بفقدها ولو ملك كل شيء، الله عز وجل ذات كاملة، عنده الجمال والكمال والنوال، أنت بالحج تتعرض إلى تجلٍّ من الله أو سكينة من الله هو الأصل بكل شيء.
المذيع:
 دكتور كيف لمسلم في بيته في يوم عرفة - وهو يوم الخميس بعد يومين من الآن -أن يحيي هذا اليوم خير إحياء؟ ماذا تنصح؟

كيفية إحياء يوم عرفة :

الدكتور راتب :
 أول شيء: الصيام، ثانياً: قراءة القرآن، ثالثاً: أعمال صالحة استثنائية في هذا اليوم، زيارات لأهله، لرحمه، كل أسرة حولها بعض الأفراد وهناك زيارات دائمة على مدار العام، إذا في أقرباء هؤلاء لا يراهم إلا في المناسبات، فمثل هذا اليوم أن يزور ابن أخت له بطرف المدينة مثلاً، هذه مناسبة، وصلة الرحم هي أكبر عبادة عند الله عز وجل.
المذيع:
 مشاركة جديدة أبو محمد..
 السؤال أنت سيدي تتكلم عن أخلاق الحجاج، سيدي الذي يكذب من أجل الحج أو يعمل أي شيء في سبيل الحج، دينه ما نهاه عن هذا الأشياء؟

 

الأهداف النبيلة لها وسائل نبيلة :

الدكتور راتب :
 لا تؤدى عبادة بمعصية، والأهداف النبيلة لها وسائل نبيلة، لا يوجد هدف نبيل له وسيلة لا ترضي الله عز وجل.
المذيع:
 أبو محمد..المشكلة التي نعيشها الآن أزمة أخلاق، تجد إنساناً يصلي الصلوات الخمس في الجامع، يصوم، يتقي الله، لكن عند الأخلاق يوجد مشكلة كبرى..

 

الأخلاق عماد الدين و ثماره :

الدكتور راتب :
 استمع إلى قول ابن القيم الجوزية، قال: " الإيمان هو الخلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان ". النبي صلى الله عليه وسلم أوتي مليون خصيصة رائعة، لما أثنى الله عليه قال تعالى:

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾

[ سورة القلم : 4]

 الأخلاق عماد الدين، الأخلاق ثمار الدين، إذا لم يكن هناك أخلاق لا يوجد دين إطلاقاً.
المذيع:
 دكتور كنا نتحدث عن عبادات مقترحة وأجواء إيمانية مقترحة للناس يوم عرفة أضيف لها أن الناس تكون في تهيئة لاستقبال هذا العيد الكبير، عيد الأضحى المبارك، أيضاً التحضير للعيد وشراء الأب مستلزمات أولاده، نوع من أنواع العبادة؟

 

عرفة يوم عبادة لأنه يوم مقدس جداً :

الدكتور راتب :
 أنا أتمنى إن سمح لي المقام أن أترك هذا اليوم للعبادة، مثلاً تهيئة الأغراض قبل عرفة بيوم، وتنظيف البيت، وتغيير الأثاث، وشراء الحاجات من السوق، والمفاصلة، والشراء، والطرقات ملأى بالنساء الكاسيات العاريات، اترك هذا اليوم للعبادة، عندك العيد أربعة أيام، عندك قبل عرفة، أتمنى على الأخوة المستمعين إذا عندهم حاجيات، تأمين الطعام والشراب والفواكه والحلويات للعيد، وحلّ مشكلات البيت حتى يكون مهيئاً لاستقبال الضيوف، افعل هذا كله قبل عرفة بيوم، عرفة يوم مقدس جداً.
المذيع:
 دكتور أعمال صالحة استثنائية يمكن للإنسان أن يتقرب بها إلى الله، هناك عبادات كالذكر وصلة الأرحام ما هي هذه العبادات التي يمكن أن تكون ثقيلة في الميزان عند الله نلفت انتباه مستمعينا؟

أعمال صالحة استثنائية يمكن للإنسان أن يتقرب بها إلى الله :

الدكتور راتب :
 الإنسان له رحم، أنا مرة ألقيت درساً عن صلة الرحم، كان درساً مؤثراً جداً، هناك رجل استمع إلى هذا الدرس، وما من عادته سابقاً أن يصل رحمه، وهو من كبار الأثرياء، فطبق تعليمات الدرس، وبحث عن أقربائه، يوجد أحد الأقرباء لا يعرف عنوان بيته، استطاع أن يصل إلى هاتفه، واتصل به ودله على البيت، هو يسكن في بيت تحت القبو، الجدران كلها رطوبة، عنده أولاد معهم التهاب مفاصل، فالرجل الغني نتيجة هذه الزيارة اشترى له بيتاً في الطابق الثالث، أنا لي فهم للزيارة والصلة، يظن أحدنا بسذاجة أنه فقط يطرق بابه، ويتمنى ألا يجده، ويضع بطاقة، ليست هذه الزيارة إطلاقاً، أن تتفقد أحوال أقربائك المعيشية، التربوية، الدينية، العلمية، تعاونهم، هذه صلة الرحم ينتج عنها يا أخي عمل، هناك غني وفقير، غني وضعيف، إنسان يحتاج إلى قسط جامعة لا يملكه ذهب مستقبله، وأنت معك وهذا قريبك، ممكن بقسط جامعة، بمعالجة طبية أن تجبر خاطره، ما عبد الله في الأرض بأفضل من جبر الخواطر، يكون هناك قريب فقير، يأتي قريبه الغني يزوره ينتعش يقول لك: فلان زارني، أنت أكرمته، جبرت خاطره ومعك هدية لا تسميها صدقة إطلاقاً، الغ كلمة صدقة، قدم صدقتك بينك وبين نفسك كهدية بمناسبة عيد، عندك قريب فقير دخله محدود جداً اشتر لأولاده ثياب العيد هدية يبقى رأسه مرفوعاً، هدية من عمي، سيدي الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، مليون طريق تصل به إلى الله، فالدنيا دار عمل، هناك فقير وهناك غني.
المذيع:
 دكتور لماذا كانت هذه الأيام العشر من ذي الحجة ورمضان، لماذا هذه النفحات الإلهية في هذا الزمان مباركة؟

 

الحكمة من أن النفحات الإلهية في العيد نفحات مباركة :

الدكتور راتب :
 الحقيقة عندنا مناسبات بنية الإنسان لا يحب الاستمرار الرتيب، يأتي يالعيد مناسبة فيه عطلة أربعة أيام، العيد يلبس أولاده الجديد، يفرحون بالجديد، العيد مناسبة للحلوى والطعام اللذيذ، يفرحون به، العيد مناسبة للزيارات، العيد حالة استثنائية من العمل اليومي الرتيب، الإنسان بالعمل اليومي الحياة عنده تصبح مملة جداً، هناك حالات في العالم الغربي الإنسان صار آلة، واحد بعمله يمسك قطعة يضعها في مكان معين ثماني ساعات، ثم جنّ، يمشي في الطريق يعمل هكذا، شيء غير معقول، أنا أريد إنساناً يعرف إنسانيته، يعرف سرّ وجوده، لماذا جاء الله به إلى الدنيا؟ يعرف ماذا وعده الله إذا استقام على أمره؟ بجنة عرضها السموات والأرض، يحضر مجلس علم، يعرف هويته، ما المنهج؟ ما الحلال؟ ما الحرام؟ ما الذي يرضي الله؟ يعقد صلة مع الله بتعبير حديث يكون له خط ساخن مع الله، يناجيه، يدعوه، يسأله، قال تعالى:

﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾

[ سورة غافر: 60 ]

المذيع:
 دكتور نختم بالدعاء ونسأل الله القبول.

 

الدعاء :

الدكتور راتب :
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين، اجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً، واجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، واجعل هذه الكلمات التي فيها ذكر لله عز وجل محط اهتمام بالمستمعين، واجعل حياتنا طاعة وتقرباً إليك يا رب العالمين، واحفظ هذا البلد وجعله آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، والحمد له رب العالمين، الفاتحة.

 

خاتمة و توديع :

المذيع:
 بارك الله بكم فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، ونصل إلى نهاية حلقتنا، سبحانك اللهم، وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك، والسلام عليكم.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور