وضع داكن
16-04-2024
Logo
خطبة جمعة : 1198 - سويسرا - جنيف - الإنسان والأمانة والإيمان قبل فوات الأوان - تذكية الذبيحة .
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

خيار الإنسان مع الإيمان خيار وقت :

 أيها الأخوة الكرام؛ الحقيقة أن الإنسان إذا عرف نفسه عرف ربه، فمن أنت أيها الإنسان؟ قد يغرق الإنسان في جزيئات الحياة؛ من موعد إلى موعد، ومن لقاء لآخر، ومن برنامج عمل لآخر، ثم يتفاجأ ببلوغ أجله، وعندئذ يكتشف بعد فوات الأوان أنه وقع في خطأ كبير، لذلك بإمكانك أن ترفض أي شيء إلا الإيمان لك معه خيار وقت، لأن أكفر كفار الأرض فرعون الذي قال:

﴿فَقالَ أَنا رَبُّكُمُ الأَعلى﴾

[ سورة النازعات: ٢٤]

﴿ ما عَلِمتُ لَكُم مِن إِلهٍ غَيري ﴾

[ سورة القصص: ٣٨]

 حينما أدركه الغرق، قال تعالى:

﴿ قالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذي آمَنَت بِهِ بَنو إِسرائيلَ ﴾

[ سورة يونس: ٩٠]

 فمع ذلك خيار الإنسان مع الإيمان خيار وقت، فإما أن تؤمن في الوقت المناسب وأنت شاب قوي، غني، متمكن، بإمكانك أن تطيع الله عز وجل، وإما أن يأتي الإيمان بعد فوات الأوان، كمن يدخل الامتحان، ولم يدرس إطلاقاً، فقدم الورقة بيضاء، ونال علامة الصفر استحقاقاً، عاد إلى البيت وفتح الكتاب وقرأ البحث وفهمه، متى جاء الفهم؟ بعد فوات الآوان، فالبطولة أن نؤمن قبل فوات الأوان ونحن أحياء، مادام القلب ينبض فالفرصة كبيرة، أنت في بحبوحة التوبة، الإنسان متاح له أن ينجو بالتوبة، ومتاح له أن ينجو بالاستغفار، فإذا فرط بالتوبة والاستغفار وقع في شر أعماله.

 

الإنسان هو المخلوق الأول و المكرم و المكلف :

 الإنسان أيها الأخوة كحقيقة يقينية هو المخلوق الأول عند الله لقوله تعالى:

﴿إِنّا عَرَضنَا الأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالأَرضِ وَالجِبالِ فَأَبَينَ أَن يَحمِلنَها وَأَشفَقنَ مِنها وَحَمَلَهَا الإِنسانُ ﴾

[ سورة الأحزاب: ٧٢]

 لأنه قبِل حمل الأمانة في عالم الأزل كان عند الله المخلوق الأول، وهو المخلوق المكرم، قال تعالى:

﴿وَلَقَد كَرَّمنا بَني آدَمَ وَحَمَلناهُم فِي البَرِّ وَالبَحرِ وَرَزَقناهُم مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلناهُم عَلى كَثيرٍ مِمَّن خَلَقنا تَفضيلًا﴾

[ سورة الإسراء: ٧٠]

 والإنسان هو المخلوق المكلف، أنت مكلف بعبادة الله، قال تعالى:

﴿وَما خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلّا لِيَعبُدونِ﴾

[ سورة الذاريات: ٥٦]

 ومن أدق تعريفات العبادة أنها طاعة طوعية، الذي خلقك حياتك بيده، ومصيرك بيده، ما أراد أن تطيعه إكراهاً، قال:

﴿لا إِكراهَ فِي الدّينِ ﴾

[ سورة البقرة: ٢٥٦]

 أراد أن تأتيه محباً، قال:

﴿ يُحِبُّهُم وَيُحِبّونَهُ ﴾

[ سورة المائدة : 54 ]

﴿ وَالَّذينَ آمَنوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾

[سورة البقرة: ١٦٥]

 ما أراد الله أن تكون علاقتك به علاقة إكراه، قال تعالى:

﴿لا إِكراهَ فِي الدّينِ ﴾

[ سورة البقرة: ٢٥٦]

 لكنه أراد أن تكون علاقة حب، لذلك الحب هو الأصل، في هذا الدين أصل كبير، فمن علامة إيمانك أن تحب الله، ومن فروع محبة الله أن تحب أولياءه جميعاً ورسله، وأن تحب النبي صلى الله عليه وسلم، وأن تحب المؤمنين، وأن تحب المسلمين، وهذا هو الانتماء، ما لم يكن انتماؤك إلى مجموع المؤمنين فلست مؤمناً، لقوله تعالى:

﴿إِنَّمَا المُؤمِنونَ إِخوَةٌ ﴾

[ سورة الحجرات: ١٠]

 فالانتماء شرف للمسلم.
 فلذلك أيها الأخوة أنت المخلوق الأول عند الله لأنك في عالم الأزل قبلت حمل الأمانة، وأنت المخلوق المكلف، بعبادة الله وأنت المخلوق المكرم.

 

الإنسان زمن كلما انقضى يوم انقضى بضع منه :

 لكن من أنت؟ ما رأيت تعريفاً جامعاً مانعاً للإنسان كهذا التعريف للحسن البصري: "الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه"، أنت زمن، ولأنك زمن، ولأنك بضعة أيام، ولأنه كلما انقضى يوم انقضى بضع منك، البطولة أن تؤمن، لأنك زمن أقسم الله لك أيها الإنسان الأول بمطلق الزمن، فقال:

﴿وَالعَصرِ ﴾

[ سورة العصر: ١]

 جواب القسم،

﴿ إِنَّ الإِنسانَ لَفي خُسرٍ ﴾

  إلهنا ربنا يقسم لكم جميعاً وأنا واحد منكم أننا خاسرون، قال بعض العلماء: لأن مضي الزمن يستهلكنا، أنت بضعة أيام تملك وقتاً، أقول لكم بكل دقة: أجمل شيء تملكونه هو الوقت، الوقت وعاء عملكم، بالوقت تتوب، بالوقت تصحح، فلأنك زمن أقسم الله بمطلق الزمن، فأخبرك في جواب القسم أنك خاسر، لأن مضي الزمن يستهلكك فقط، مضي الزمن وحده، سبت أحد اثنين ثلاثاء أربعاء خميس جمعة أسبوع، ثان ثالث رابع شهر، ثان ثالث رابع فصل، ثان ثالث رابع سنة، عدة عقود، عمر الإنسان عدة عقود، يفاجأ بحياة أبدية لا تنقضي، فإما لجنة يدوم نعيمها أو في نار لا ينفذ عذابها.
أخواننا الكرام؛ مثل بسيط منزوع من الواقع أضربه لكم من بلاد الشام؛ شخص مسافر من دمشق إلى حمص في أيام الشتاء، فلما خرج من دمشق قرأ لوحة كتب عليها: الطريق مغلقة في النبك - مدينة بين المدينتين - بسبب تراكم الثلوج، هو في الشام والشمس ساطعة والطريق جاف ماذا يفعل؟ يرجع، ما الذي أرجعه؟ كلمات فقط.
 فالإنسان العاقل يتبع النص. فالإنسان العاقل أربع كلمات أرجعوه، غيّر الاتجاه، والطريق جاف، والشمس ساطعة، أما لو دابة تسير إلى حمص الدابة تقف عند الثلج، ما الذي أرجعها؟ الواقع، لا تكن واقعياً كن نصياً، دينك نص، دينك وحي السماء، دينك شرع سيد الأنبياء مادمت تخضع للنص فأنت عاقل، أما الذي يخضع للواقع فيقترب من البهائم، طبعاً حينما يقرأ مقالة عن التدخين، والمقالة تؤكد بمئة دليل ودليل أن الدخان يسبب سرطاناً في الرئتين يمتنع قارئ المقالة عن الدخان بعد قراءة المقالة، أما الذي يصاب بالسرطان فيمتنع عن الدخان لكن متى؟ بعد فوات الآوان.
 فلا بد من أن نؤمن، إما أن نؤمن في الوقت المناسب، وأنت شاب صحيح قوي غني مالك إرادتك، وإما أن يأتي الإيمان كإيمان فرعون بعد فوات الأوان، الله عز وجل خاطبه وقال:

﴿آلآنَ وَقَد عَصَيتَ قَبلُ ﴾

[ سورة يونس: ٩١]

 فأنت زمن أخطر شيء في الزمن أنه سينقضي، ومع انقضاء الزمن ينتهي الإنسان.

 

الشهوات حيادية :

 فيا أيها الأخوة الكرام؛ يوجد كلام خطير أو بتعبير آخر مصيري يحدد مصيرك: الدين ليست قضية وردة تضعها على صدرك وتنزعها متى تشاء، الدين هو الهواء الذي تتنفسه، فبدون هواء يموت الإنسان، حاجتك إلى الدين كحاجتنا إلى الهواء.
 أنت إنسان أودع الله فيك الشهوات، هذه الشهوات حيادية، إما أن تكون سبب رقيك أو سبب انحطاطك، نفس الشهوة، كيف؟ صفيحة البنزين مادة متفجرة، إن وضعتها في مستودع السيارة المحكم، وهذا البنزين سال في الأنابيب المحكمة، وانفجر في الوقت المناسب في المحرك، وفي المكان المناسب، يولد حركة نافعة، تقلك أنت وأهلك إلى مكان جميل، ما الذي يجري في السيارة؟ انفجارات لكن منضبطة، أما حينما تصب هذه الصفيحة على المركبة وتعطيها شرارة، هذا البنزين يحرق المركبة ومن فيها، فالشهوات قوة دافعة أو قوة مدمرة، لي جار في الشام عاش مئة و عامين، زرته مرة قال لي: عندي ثمانية و ثلاثون حفيداً، معظمهم حفاظ لكتاب الله وأطباء، خرجت من عنده قلت: هذا الإنسان تزوج امرأة أنجب أولاداً وبنات، الأولاد أتوا له بالكنائن، والبنات جلبوا له الأصهار، الصف الثاني أولاده وأزواجهم، بناته وأصهاره، الصف الثالث ثمانية و ثلاثون حفيداً، هذا العمر المبارك أساسه بيولوجيا، علاقة جنسية، وفي كل بيت دعارة يوجد علاقة جنسية، شهوة تثمر جيلاً صالحاً، جيلاً مؤمناً، جيلاً راقياً، أو سقوطاً من عين الله.
 فلذلك دققوا في هذا الكلام: ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، بالإسلام لا يوجد حرمان، لكن يوجد توجيه أي ترقية، فلذلك المؤمن عاداته عبادات، زواجه عبادة، شهوة المرأة تحققت بالزواج عبادة، عمله عبادة، تربية أولاده عبادة، نزهته عبادة، عادات المؤمن عبادات، وقد تكون عبادات المنافق سيئات.

خيار الإنسان مع الدين خيار خطير :

 فيا أيها الأخوة الكرام؛ خيارك مع الدين خيار أصيل، خيار خطير، خيار مصير، فالتدين ليس وردة تضعها أو تنزعها، التدين هواء تستنشقه، فلابد من أن تتنفس، فإذا كان الهواء نقياً انتعش جسمك، وإذا كان فاسداً أصيب الإنسان بالأمراض. فلذلك أنت مخلوق لمعرفة الله، علة وجودك أن تعرف الله. " ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحبّ إليك من كل شيء، إني والإنس والحن في نبأ عظيم أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر سواي، خيري إلى العباد نازل، وشرهم إليّ صاعد، أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم، ويتبغضون إليّ بالمعاصي وهم أفقر شيء إليّ، من أقبل عليّ منهم تلقيته من بعيد، ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب، أهل ذكري أهل مودتي، أهل شكري أهل زيادتي، أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، إن تابوا فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب، الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد، والسيئة بمثلها وأعفو، وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها".
 أيها الأخوة الكرام؛ خيار الدين خيار بسيط، خيار حق، خيار موت أو حياة، خيار سعادة أو شقاء، خيار نجاة أو وقوع، خيار الدنيا والآخرة أما خيار الدنيا فقد تنجح في الدنيا.

 

الفلاح و النجاح :

 لذلك دققوا؛ في القرآن مصطلحان؛ مصطلح الفلاح ومصطلح النجاح، قد تنجح في جمع المال ولا تنجح مع الله، قد تنجح في بيتك ولا تنجح خارج البيت، قد تنجح خارج البيت ولا تنجح داخل البيت، فالنجاح جزئي، أما الفلاح فشمولي، الله عز وجل وصف المؤمنين بأنهم هم الفالحون، فالفلاح أن تحقق علة وجودك، يقول الله عز وجل:

﴿ما يَفعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُم إِن شَكَرتُم وَآمَنتُم ﴾

[ سورة النساء: ١٤٧]

 أي علة وجودك أن تؤمن وأن تشكر، فإذا آمنت وشكرت حققت العلة من وجودك، وحينما تحقق الهدف من وجودك تتوقف معالجة الله لك، والله عز وجل يعالجنا بمليون باب؛ المرض النفسي معالجة، المرض الجسمي معالجة، الشقاق الزوجي معالجة، أولاد عاقون معالجة، مثلاً أخواننا الكرام الذين يقيمون في هذه البلاد، أنا أتصور أن أكبر مشكلة تواجهكم أولادكم، لأنني كنت أقول في أمريكا وقتها كان كلينتون: لو بلغت منصباً ككلينتون، وثروة كأونسيس، وعلماً كأنشتاين ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس، سعادتك حيمنا ترى ابنك طائعاً لله، منيباً لله، أما حينما ترى الابن والابنة تفلتا من منهج الله فهذا شقاء خطير يصيب المرء.

 

تربية الأولاد أكبر مشكلة تواجه الجاليات الإسلامية في الغرب :

 كأني أضع يدي - وأرجو الله كذلك - على أكبر مشكلة تواجه الجاليات الإسلامية في الغرب، إن لم يسعد ابنك فأنت تشقى بشقائه، هناك ارتباط مصيري بينك وبين ابنك، فكلما بذلت جهداً في تربية أولادك كنت في طريق السلامة والسعادة، لكن تقريباً قالوا: إن العلوم تتجه من الوصف إلى الرياضيات، كيف؟ هبوط طائرة يسبب إزعاجاً، ضجيجاً، هذا الضجيج الآن له مقياس الديسبيل، يقول لك: هبوط الطائرة مئة و عشرون ديسيبل، أصبح للضجيج مقياس، فإذا أعطي للتربية مقاييس وحدات، فابنك في بلدك؛ خاله أمامه، عمه أمامه، بيت عمه أمامه، يوجد انضباط عام حوله، يوجد حشمة، يوجد حياء، يوجد خجل، فإذا كنت في بلاد المسلمين تحتاج إلى مئة وحدة تربية هنا تحتاج إلى ألف وحدة تربية، فما لم يكن هناك جهد استثنائي، متابعة دقيقة، جلوس مع الأبناء ساعة في اليوم، مناقشته وحواره، تكتشف فجأة وبعد فوات الأوان أن ابنك لا ينتمي إليك كلياً، عندي آلاف الشواهد، أنا زرت معظم بلاد الأجانب، فالجاليات الإسلامية أكبر ما تعاني منه هو مستقبل أولادها، شعور الأب الذي فقد أولاده فقد كل شيء لم يحصل شيئاً، أنت استمرارك بأولادك، سعادتك بأولادك، في تربيتك، فأنا حينما ألتقي بأخوتي الكرام في بلاد الغرب أذكرهم بهذه المشكلة الكبيرة التي يعانون منها، لا أقول كلهم معظمهم، لكن معلوماتي الدقيقة أن الذي يعتني بأولاده كنت أقول لا يزيدون عن ثلاثة بالمئة، مرة قلت: خمسة بالمئة، قال لي أحدهم: هذا خطأ ارجع إلى ثلاثة بالمئة، ثلاثة بالمئة فقط ينجو أولادهم من مطب الانحراف، الانحراف مشكلة كبيرة جداً، يوجد آخرة، يوجد موت، يوجد حساب، يوجد جنة، يوجد نار، وأنت مسؤول عن الأولاد، الإنسان مسؤول عن أهله.
 أيها الأخوة الكرام؛ لذلك في كل بلد يوجد شيء يطفو على السطح يأخذ المرتبة الأولى، هنا تربية الأولاد، جهده، أما ثمرة هذا الجهد فلا توصف قالها القرآن الكريم:

﴿ رَبَّنا هَب لَنا مِن أَزواجِنا وَذُرِّيّاتِنا قُرَّةَ أَعيُنٍ ﴾

[ سورة الفرقان: ٧٤]

 حينما ترى ابنك صالحاً، إيمانه صحيح، مستقيماً يؤدي الصلوات، يبتعد عن محارم الله، تشعر بسعادة لا توصف.
 شخص بأمريكا فقد ابنته خمسة عشر يوماً لم تأت ابنته، بعدها جاءته رسالة منها قالت له: أنا أحببت شخصاً - طبعاً غير مسلم- وأنا الآن في تكساس، ركب سيارته وسار إلى العنوان الذي أعطته إياه ابنته، رآها متزوجة هذا الإنسان فلا يوجد مجال، أقنعها أن تذهب معه رضيت ركبت معه السيارة وبعد فترة دخلت الاستراحة وخرجوا من الاستراحة، بعدها جاءت سيارة شرطة وأخذت الأب، لأن الابنة كانت قد كتبت على المرآة بالقلم الأحمر: أنا مخطوفة من قبل والدي.

 

العبرة بالمستقبل :

 يا أخوان؛ العبرة في المستقبل، لا أن تعيش الحاضر أن تعيش المستقبل، أنا أعرف جالية في البرازيل، كل أولادهم ليسوا مسلمين قطعاً، جميع الأولاد ليسوا مسلمين أبداً، هذه مشكلة كبيرة، فأنا حينما آتي إلى هنا لابد من نصيحة، اهتموا بأولادكم، قوام سعادتكم، قوام استمراركم، أما هذا القلق النفسي فلا يحتمل، أن ترى ابنك لا دين له إطلاقاً، أي أنت وجودك بأولادك، استمرارك بأولادك، أولادك أكبر عمل صالح، خير - كسب الرجل ولده اسم تفضيل طبعاً- هناك مليون ميزة في هذه البلاد، ميزات كبيرة لكن عند الموت تنتهي الميزات كلها، أيضاً الناس هنا تموت، أي عند الموت ينتهي كل شيء، عند الموت ينتهي جمال الطبيعة، تنتهي النظم الديمقراطية الرائعة، تنتهي الحريات الممنوحة لهذه البلاد، تنتهي المكاسب المادية، كله ينتهي يبقى الحساب الدقيق من الله، لماذا فعلت كذا؟ أين كنت؟

الدين قضية مصيرية متعلقة بمصير الإنسان في الدنيا والآخرة :

 لذلك أيها الأخوة؛

﴿وَالعَصرِ ﴾

  أقسم الله بمطلق الزمن لهذا المخلوق الأول الذي هو زمن قال له:

﴿ إِنَّ الإِنسانَ لَفي خُسرٍ*إِلَّا ﴾

 الآن دخلنا بالموضوع الإيجابي، إلا الاستثناء من الخسارة،

﴿ الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ وَتَواصَوا بِالحَقِّ وَتَواصَوا بِالصَّبرِ﴾

  سماها الإمام الشافعي: أركان النجاة، أي هل اقتطعت من وقتك الثمين وقتاً لمعرفة الله؟ تأخذ ابتدائي وإعدادي وتجهيزي وجامعة ودكتوراه من أجل أن تضع د بجانب اسمك، فقط د. اسمك، تدرس ثلاثاً و ثلاثين سنة لتحصل على ثلاث عشرة شهادة لتضع كلة دكتور أمام اسمك، فكيف إذا كنت تريد أن تضع بجانب اسمك مؤمناً تستحق الجنة لا يوجد دراسة أبداً؟! لا يوجد طلب علم؟ لا يوجد انضباط؟ لا يوجد منهج؟ فالدين قضية مصيرية متعلقة بمصيرك في الدنيا والآخرة، متعلقة بالتوفيق أو التعسير، متعلقة بالصحة والمرض، متعلقة بالزواج الناجح أو غير الناجح، متعلقة بأولاد أبرار أو عاقين، متعلقة بمشاكل لا تنتهي.
 بلغني من دكتور في علم النفس في العالم الغربي أن نسبة الأمراض النفسية هناك 152% قال لي: مئة معهم مرض نفسي، وخمسون معهم مرضين نفسيين، فالبعد عن الله يسبب أمراضاً نفسية كبيرة جداً، فأنت بحاجة إلى الدين كما أنت بحاجة إلى الهواء، إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم، دينك دينك إنه لحمك ودمك، خذ عن الذين استقاموا ولا تأخذ عن الذين مالوا، إن الذين آمنوا، لابد من أن تقتطع وقتاً للإيمان، تحضر درس علم، تراجع قضية في الفضائية عن عالم تثق بعلمه، ترتاح لكلامه، ترتاح له، أي وسائل التعليم الآن لا تنتهي، بضغطة زر تدخل إلى ألف موقع إسلامي، أي موضوع، أي تفسير آية، أي شيء لديك، وإذا مسجد فيه درس علم أفضل، لابد من أستاذ تقف بين يديه.
 الدين قضية خطيرة، وقضية مصيرية، وقضية متعلقة بالسعادة والشقاء، والتوفيق وعدم التوفيق، لذلك إن الإنسان لفي خسر، جواب القسم،

﴿ إِلَّا الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ ﴾

 هذا الإيمان العظيم من دون تطبيق لا يثمر، يكون لا شيء من دون تطبيق، لا شيء، يسميه العلماء: الإعجاب السلبي، أي لا يوجد مسلم بالأرض لا يعتز بدينه، ديننا عظيم، خاتم الأنبياء، سيد الرسل، قرآن كريم، وحي من السماء، لكن لا نطبق منه شيئاً، البطولة بالتطبيق لا في التعظيم، طبق قبل أن تعظم،

﴿ وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ وَتَواصَوا بِالحَقِّ ﴾

  فالدعوة إلى الله فرض عين، مفهوم عندكم، فرض كفاية أي خطباء وعلماء، لا هو فرض عين في حدود ما تعلم ومع من تعرف، سمعت هذه الخطبة تأثرت أخبر أخاك بها، هذه فرض عين في حدود ما تعرف، ومع من تعرف،

﴿ وَتَواصَوا بِالحَقِّ وَتَواصَوا بِالصَّبرِ ﴾

 أي صبروا على طلب العلم، وصبروا على العمل به، وصبروا على الدعوة إليه، وصبروا على كل ذلك.
 أيها الأخوة الكرام؛ اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، والحمدلله رب العالمين.

* * *

الخطبة الثانية :

 الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم، اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته وارض عنا وعنهم يا رب العالمين.

 

تذكية الذبيحة :

 أخواننا الكرام؛ يوجد بحث علمي دقيق جداً بدقائق، الإنسان عندما يذبح الدابة يوجد بالدابة كما يوجد بالإنسان أجهزة مشتركة، يوجد جهاز يعطي أمراً للقلب يرفع النبض إلى مئة و ثمانين نبضة، القلب ينبض ثمانين نبضة بأمر ذاتي، لأنه أخطر عضو لا يحتاج إلى الشبكة العامة، يوجد عنده مولدة خاصة، يوجد عنده كهرباء ذاتية، يوجد عنده مركز كهربائي يتلقى الأمر منه لو تعطل يوجد مركز ثان احتياط لو تعطل يوجد مركز ثالث، أما عندما يواجه خطراً فيحتاج إلى مئة و ثمانين ضربة، الأمر لا يأتي من القلب نفسه بل يأتي من الدماغ، فلذلك قطع رأس الدابة يقطع الأمر الاستثنائي الذي يأتي من الدماغ فيبقى القلب على نبضاته، النبض الطبيعي يخرج فقط ربع الدم من الدابة، فكل ذبيحة ذبحت على غير الطريقة التي قالها النبي الكريم يبقى دمها فيها، واللحم أزرق، أما إذا ذبحت على الطريقة الإسلامية الشرعية فلونها يبقى زهرياً.
 فحينما تتطابق حقائق العلم تطابقاً تاماً مع منهج الله، معنى ذلك أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن، وهو الذين أرسل النبي العدنان، فمنهجه منهج علم، فلذلك مرة ذهب وفد لشراء لحم من الصين قالوا لهم: نريده بالطريقة الإسلامية، رفعوا السعر، قال: يخرج الدم كله إذا ذبحناها هكذا، والدم نجس كما تعلمون، فنحن هذا الدين ينطلق من حقائق العلم، أروع شيء في هذا الدين أن العلم والدين متلازمان، لا يوجد تنافر إطلاقاً لأنه من الذي أرسل لكم هذا الدين؟ الله، فشيء طبيعي جداً أن ترى تطابقاً تاماً وعقلياً وغير متكلف بين الدين والعلم.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور