وضع داكن
18-04-2024
Logo
حياة المسلم 2 - إذاعة حياة إف إم - مدارج السالكين : الحلقة 04 - الإخلاص
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

 الحمد لله رب العالمين، يا ربنا صلّ وسلم، أنعم وأكرم على نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، سلام عليكم مستمعينا أينما كنتم، ، نرحب بفضيلة العلّامة الدكتور محمد راتب النابلسي، حياكم الله دكتور.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، وأعلى قدركم، ونفع بكم.
المذيع:
 حفظكم الله وأكرمكم دكتور، في سلسلة مدارج السالكين نواصل رحلتنا، وحلقتنا الرابعة، وعنوانها: "الإخلاص".
 نبدأ بقول الله تبارك وتعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾

[ سورة البينة: 5]

 شيخنا الكريم، ما هو الإخلاص؟

 

تعريف الإخلاص :

الدكتور راتب :
 الحقيقة أن في الإنسان جوارح، يوجد عين عبادتها غض البصر، أذن عبادتها سماع الحق، ورفض الباطل، يد عبادتها العطاء لا الضرب، وهناك رجل، وأعضاء.
 فالعبادات الظاهرة تقوم بها الجوارح، أما القلب فله عبادة، والدليل:

﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ - في جوارحهم - مُخْلِصِينَ - في عبادتهم -﴾

  فالقلب عبادته الإخلاص.
المذيع:
 والجسد والجوارح العبادات.
الدكتور راتب :
 يوجد تنفيذ للأوامر الظاهرة، هذه عبادة الجوارح، والقلب عبادته الإخلاص، الإخلاص دقيق جداً، أي أن يستوي العمل في السر والعلانية، هناك إنسان دون أن يشعر أمام الناس يتقن صلاته، في البيت قد لا يصلي، أو يصلي صلاةً لا ترضي الله، عندما يختلف العمل بين الخلوة والجلوة، هذا مؤشر على ضعف الإخلاص، والعمل يختلف إذا كنت هناك أمر كبير أو أمر صغير، فالصغائر قد ينساها الإنسان كلها، فلذلك أن يستوي العمل في السر والعلانية، وفي الخلوة والجلوة.
المذيع:
 ما المقصود أن يستوي العمل في السر والعلانية، دكتور؟
الدكتور راتب :
 أي يصلي الأوقات بإتقان وحده، أو أمام الناس، هذه واحدة، ينفق وحده أو أمام الناس، يجوز أن ينفق الإنسان أمام الناس بمجموع كبير، والمبلغ كبير، أخذ سمعة كبيرة، أما عندما يرى شخصاً يموت من الجوع فلا يعطيه، هو ينفق أمام الناس رياء، الرياء نفاق.
المذيع:
 إذاً دكتور الإخلاص هو عبادة قلبية، مكملة لعبادة الجسد بالعبادات الشعائرية.
الدكتور راتب :
 وعلامته أن يستوي العمل في الخلوة والجلوة، بالجلوة مع الناس وبالخلوة مع ربه.
المذيع:
 فإذاً أنت لم تأبه بالناس، أنت بينك وبين الله، فأنت صادق مع الله تبارك وتعالى.
 دكتور لي كلمة: هل تقبل العبادات الشعائرية كقراءة القرآن والصلاة والصيام إن لم يكن القلب مخلصاً لله؟

 

ضرورة أداء الفرض بشكل كامل :

الدكتور راتب :
 لا، هنا يقولون عبارة دقيقة جداً: سقط الوجوب وإن لم يحصل المطلوب.
المذيع:
 ما معنى هذا شيخنا؟
الدكتور راتب :
 أي أنت أمرك بالصلاة صليت، ما همك أن الصلاة صحت أو لم تصح، أقبلت أو لم تقبل، تأثرت أم لم تتأثر، خشعت أم لم تخشع، وقفت، ركعت، سجدت، قرأت، سقط الوجوب وإن لم يحصل المطلوب.
المذيع:
 أديت الفرض لكن لم تؤدِ ما هو الأكمل شرعاً.
الدكتور راتب :
 ما شعرت بالسعادة، بصراحة النبي قال:

((أرحنا بها يا بلال))

[الطبراني وأبو حمزة عن عبد الله بن محمد بن الحنفية]

 لسان حال الناس الآن الذين عندهم معاص وآثام أرحنا منها، صليت وخلصنا منها، بين أرحنا بها وأرحنا منها، أي أنت مع من؟ مع خالق الكون، مع الإله، مع الخالق، مع الرحيم، مع صاحب الأسماء الحسنى والصفات العُلا، أنت مع خالق السماوات والأرض، أنت مع أصل الجمال والجمال والنوال، الإنسان يرى منظراً طبيعياً يذوب فيه، يكون خاطباً جديداً أحياناً تستمر المكالمة ثلاث عشرة ساعة، بعدما تزوجها بسنتين لم يعد يتكلم كلمة بالبيت، ثلاث عشرة ساعة المكالمة بالخطبة.
المذيع:
 شيخنا هذه حلقتنا الرابعة في مدارج السالكين، بين المقدمة، وبين تزكية النفس، وبين محبة الله، والقلب السليم كلها تدور عن القلب، لهذه الدرجة القلب خطير في حياة الإنسان.

 

القلب أساس كل شيء في حياة الإنسان :

الدكتور راتب :
 القلب كل شيء سيدي، القلب كل شيء بحياة الإنسان، هو المضخة الظاهرة، لكن هو مجمع الفضائل، مجمع الكمالات، القلب له معان كبيرة جداً.
المذيع:
 الله يفتح عليكم يا دكتور.
 إذاً للإنسان عبادتان؛ عبادة في جسده هي أداء الصلوات، وامتناعها عن الطعام كالصيام وهكذا، ولكن يجب أن يتوجها القلب في أن يكون العمل خالصاً لا يبتغي به إلا وجه الله، ويستوي مدح وذم الناس فيه.
الدكتور راتب :
 وفي الخلوة والجلوة، يستوي عند المدح والذم، وفي الخلوة والجلوة، وفي صغر العمل وكبره.
المذيع:
 أو أساؤوا له هو مقبل لا يتأثر لا سلباً ولا إيجاباً، وإذا كان أمامهم أو خلفهم هو أيضاً لا يتأثر، وفي صغير العبادات وفي كبيرها.
 دكتورنا، نبدأ بالأولى في مدح الناس وذمهم، الفطرة في قلوبنا أنه أنا يعجبني مدح الناس، إذا مدحني الناس أُسر في مدحهم هل هذا رياء؟

الافتقار إلى الله عز وجل :

الدكتور راتب :
 لا، انظر سيدي، الإنسان مبني على الكمال، فإذا قدر الناس هذا الكمال، وأثنوا عليك، لا يوجد عليك مشكلة، إطلاقاً، لكن ألا يأتي الغرور، الغرور أعدى أعداء الإنسان، الغرور أن ترى نفسك أكبر مما أنت عليه، الغرور مرض كبير، مرض أصاب الشيطان، الغرور أن تأخذ حجماً أكبر من حجمك، أن تنسى العبودية لله، أن تنسى فقرك إلى الله، أن تنسى ضعفك أمام الله، كلما الإنسان كبرت ذاته ابتعد عن ربه، وكلما أتى الله من أسفل كبر عند الله، أي شعر بالراحة، أضرب مثلاً: الصحابة الكرام نخبة البشر، ببدر افتقروا، انتصروا، بحنين هم هم وفيهم سيد الخلق وحبيب الحق، قال:

(( ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))

[أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عباس ]

 اعتمدوا على عددهم لم ينتصروا.

﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ ﴾

[ سورة التوبة: 25]

 أي هذا الامتحان لا ينجو منه إنسان ولو كان صحابياً، تقول: أنا، يتخلى عنك، تقول: الله، يتولاك، قاعدة أساسية، اعز تفوقك إلى ذكائك، إلى خبراتك المتراكمة، إلى تحصيلك العالي، إلى الشهادات الرفيعة، الإنسان يرتكب حماقة وهو في أعلى درجات العلم، وإذا كان مفتقراً إلى الله تأتيه معونة الله عز وجل المذهلة.
 أخواننا الكرام المستمعين والمشاهدين، كلما افتقرت تكبر عند الله، وكلما كبرت تصغر.
المذيع:
 للتوضيح: ما المقصود افتقرت؟
الدكتور راتب :
 الافتقار إلى الله هو أن تعلن حاجتك إليه.
المذيع:
 ليس الافتقار المالي.
الدكتور راتب :
 لا، الفقر إلى الله مكرُمة، الفقر إلى الله وسام شرف، النبي الكريم بلغ سدرة المنتهى، بلغ أعلى مرتبة ينالها مخلوق في الكون، قال له يا رب:

﴿ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ﴾

[ سورة النجم: 10]

 في سدرة المنتهى، فكلما ازددت معرفةً بالله تزداد عبوديتك له، وكلما ابتعدت عن الله تكبر نفس الواحد، لذلك المتكبر، عفواً إذا عندك خمسة ضيوف فجأةً جاؤوك، ولا يوجد عندك شيء تضيفهم إياه، عندك كيلو لبن، تزيده كيليين ماء صار عيراناً، ومع الثلج والملح صار شراباً طيباً جداً، فهذا اللبن تحمل كيليين ماء، وهو لا يحتمل نقطة كاز واحدة، ترميه فوراً، الكبر نقطة الكاز.

((لا يدْخُلُ الجنةَ مَنّ كان في قلبه مثقالُ حبَّة من كِبْر))

[ مسلم عن عبد الله بن مسعود ]

 تقول: أنا بخبرتي، بفهمي العميق، بخبراتي المتراكمة، بشهاداتي العليا، بنسبي: بحسبي، عندما تعزو نجاحك إلى ذاتك تقع في مطب كبير.
المذيع:
 قد يقول لك أحدهم: لكن أنا من درست وتعبت وتحملت وسهرت كيف لا أعيزه لنفسي؟

 

من فطرة الإنسان أنه يحب المديح :

الدكتور راتب :
 هذه لا يوجد بها شيء، أنا أتكلم عن الخلفية، إن قالها كبراً واستعلاءً وفخراً ونسي فضل الله عليه هنا تأتي المشكلة.
المذيع:
 أي حتى تعبه ودراسته وسهره الليالي هذا كله بفضل الله، وقوة الله حتى تمكن من هذا، ولولا الله لما وفق لذلك.
الدكتور راتب :
 بثانية يفقد ذاكرته، بثانية واحدة.
المذيع:
 أو لا يلهم رشده، فلا يتخذ قراراً صحيحاً في العمل أو في الدراسة.
 إذاً دكتور عملي أمام الناس وخلف الناس هو يفترض أن تكون النتيجة واحدة، لكن الفطرة لو أحدهم أثنى عليّ يعجبني الكلام، لا حرج فيه، لكن أن يصبح عملي جيداً إذا سمعت الثناء وأمتنع إذا لم أسمع الثناء، هنا أصبح الخلل.
الدكتور راتب :
 أما الثناء فطبيعي.
المذيع:
 إمام صلى التراويح بالناس، فلما أنهى الصلاة أثنى عليه الناس، الله يجزيك الخير، ما شاء الله! صوت طيب! أعجبه كلامهم، ودخل قلبه هذا الإعجاب.
الدكتور راتب :
 لا يوجد مشكلة أبداً، أنا لا أحب أن أكون غير واقعي، هناك فطرة الإنسان، يحب المديح، شيء طبيعي جداً، الآن نجحت في عمل، وجاء إنسان وأثنى عليك، جزاه الله كل خير، أنا أقول: يا ربي لك الحمد، أحياناً بالبيت اسجد لله، يا رب ألهمتني الصواب، ملكتني أن أتكلم بكلام منطقي.
المذيع:
 فأنت هنا تنسب الفضل لله، وهذا الصواب، أما دخول شعوري بالإعجاب كلام مقبول لكن أنسب الفضل لله، وأبتعد عن الكبر، ولا أرى نفسي أفضل من غيري.
 الذم دكتور، الذم أيضاً الإنسان يستبعد ذم الناس، قد يقوم الإنسان بعبادة يتصدق وهو خارج من المسجد، فأحدهم يعلق عليه، منافق، تتبرع أمامنا، ذم الناس لي يؤذيني.

 

من عرف نفسه ما ضرته مقالة الناس به :

الدكتور راتب :
 له الجواب: من عرف نفسه ما ضرته مقالة الناس به.
 مثلاً: أنت معك كيلو ذهب حقيقي، توهم الناس أنه غير حقيقي، أنت الرابح، يقولون: غير حقيقي، من عرف نفسه ما ضرته مقالة الناس به، وإذا معك كيلو ذهب مصطنع، مدهون بالذهب، وهو تنك، وأنت بذكاء بارع أوهمتهم أنه ذهب أنت الخاسر الأول، مشكلتك معك و ليس مع الناس.
المذيع:
 لم تقنع نفسك، جميل، إذا بدأ الإنسان يشعر بقلبه بنوع من أنواع الكبر دكتور ماذا يفعل؟

الافتقار إلى الله منتهى العبودية له :

الدكتور راتب :
 يتواضع، يعزو هذا الفضل الله، يسجد لله شكراً.
 عفواً، أنت إذا كنت تعزو هذا التوفيق إلى الله فأنت موحد، أما إن عزوته لذكائك، أو لخبراتك، أو لمنبتك الراقي فهنا المشكلة، إذا عزوت الإيجابيات في حياتك إلى فضل الله، فأنت موحد، وإذا عزوتها لك فأنت مشرك.
المذيع:
 لذلك يختم كثير من الدعاة والخطباء قولهم: اللهم ما كان من فضلٍ فهو منك، وما كان من تقصيرٍ فهو مني، جميل.
الدكتور راتب :
 هذا الافتقار إلى الله منتهى العبودية لله عز وجل.
المذيع:
 أفضل حل لشعور الكبر أن يفتقر، وأن ينسب الفضل لله.
 نستأذنكم شيخنا أن نقف إلى فاصل قصير، ومعكم مستمعينا ثم نعود لنواصل رحلتنا في طلب العلم في مدارج السالكين وحلقتها الرابعة وعنوانها الإخلاص، فابقوا بالقرب.
 حياكم الله دكتورنا الكريم.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم.
المذيع:
 شيخنا الكريم في مواصلة حديثنا عن ملف الإخلاص قد يخشى البعض من أن يقع دكتورنا في الرياء فيحاول أن يترك العبادة أمام الناس خوفاً من الوقوع في الرياء، فهل هذا مقبول شرعاً؟

ترك العبادة خوف الرياء أشدّ أنواع الرياء :

الدكتور راتب :
 ترك العبادة خوف الرياء أشد أنواع الرياء، أي أنا أصلي قيام الليل، زرت شخصاً لا أريد أن أقول: أنا ما صليت قيام الليل، هذا أكبر نوع من الرياء، أنت افعل الصالح ولا تعبأ.
المذيع:
 إذاً أنا شيخنا لو لم أصلِّ أمامه وصليت حينما أعود إلى بيتي.
الدكتور راتب :
 لا يوجد مانع.
المذيع:
 لكن أن أنقطع القيام بتلك الليلة؟
الدكتور راتب :
 لا، إذا كنت نائماً عنده، أنا لن أصلي قيام الليل حتى لا يقول: أنا أقوم الليل، لا ، هذا قيام الليل عمل طيب فلا تعبأ، لذلك من ترك العمل الصالح، أو ترك العبادة الراقية خوف الرياء فهو قمة الرياء.
المذيع:
 نحن متعودون على الشق الآخر من مفهوم الرياء، أن تقوم بالعمل لإرضاء الناس لكن أن تترك العبادة خوفاً من مدح الناس لا نعرف أنها رياء، أي لم ينتشر هذا المفهوم.
الدكتور راتب :
 هناك من يفهمها رياءً، لذلك ترك العمل خوف الرياء قمة الرياء، أو أشد أنواع الرياء.
المذيع:
 إذاً هذا معنى الكلام دكتور أن يستوي في قلبك مدح وذم الناس، أنا نيتي الله، أعجبهم هذا فهو خير وبركة، لم يعجبهم.
الدكتور راتب :
 إذا هم مدحوني لا يوجد مشكلة، شيء طبيعي يمدحوني، إذا الشخص مشى بعمل بشكل طيب والناس مدحوه فليشكر الله عز وجل.
المذيع:
 لكن أنا لا أتعمد طلب هذا المدح، وأيضاً لا أهرب منه هروباً يمنعني من أداء العبادات.
الدكتور راتب :
 أو لا أفعل شيئاً يخالفه، هذا فهم سقيم للأمور.
المذيع:
 يكون أحياناً الإنسان يسير في الشارع، ويرى إنساناً محتاجاً يريد أن يقطع الطريق فيخشى أن يساعده أمام الآخرين خوفاً من مدح الناس، هنا وقع في الرياء، اعملها وقلبك لله.
الدكتور راتب :
 من عرف نفسه ما ضرته مقالة الناس به.
المذيع:
 جميل، قبل الفاصل دكتور أنت ذكرت ثلاث صفات يفترض أن تتحقق بالإنسان لتحقيق الإخلاص، أولاً: أن يقوم بعبادته سواء مدحه أو ذمه الناس، وضحناها.
 الشق الثاني الآن دكتور: أن يفعلها بالسر والعلانية، ما المقصود في ذلك دكتور؟

الإخلاص بالسر و العلانية :

الدكتور راتب :
 أحياناً تكون نائماً عند شخص، إذا صليت القيام سوف يراك، قم توضأ وصلِّ، لا يوجد مشكلة، اعملها أنت قدوة له، أره أن المؤمن له قيام ليل.
المذيع:
 إذاً أنا مستمر على منهجي وعاداتي وقلبي مربوط بالله، كان علناً كان سراً لا علاقة لي بهذا.
 دكتورنا الكريم، في الصدقة مثلاً، يحتار مرات الإنسان هل يعلنها أم يكتمها؟ النصوص الشرعية تحث على هذا وذاك.

حالات تتعلق بكتم الصدقة أو إعلانها :

الدكتور راتب :
 هنا ملمح دقيق جداً: أحياناً مثلاً بجمعية خيرية هناك اجتماع للتبرعات، أنت عندما تعلن مبلغك، مئة ألف، عندك مئة شخص غني، لم يعد الغني يعطي عشرة آلاف، يستحي، كنت قدوة له.

﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا ﴾

[ سورة البقرة: 271]

 أنا شرحي الدقيق إذا الصدقة متوجهة لشأن عام، ميتم، معهد شرعي، حملة لخدمة اللاجئين مثلاً، إذا كانت لشأن عام أعلنها لتحفز، أما معلقة بشخص فاسترها، إذا أردت أن تساعد شخصاً لا تعطه أمام الناس، بينك وبينه، ما دام معلقة بشخص معين له كرامته، لا أعطيه إياها إلا بيني وبينه.
المذيع:
 في هذا الحفل الخيري إن قدمت ورقة وتبرعت بمئة ألف، وكتبت عليها: فاعل خير هل هذا أفضل أم أعلن اسمي أفضل؟
الدكتور راتب :
 والله كلاهما صحيح، إذا أعلنت اسمك وكنت قدوة لغيرك، هذه تحتاج إلى نية دقيقة، أحياناً تكون قدوة لغيرك، أن حضرت جلسات، شخص قال: أنا عليّ مليون، معه ثمانية من مستواه كل واحد قال: وأنا أيضاً مليون، ثمانية ملايين، لو قال: مئة ألف دفعوا كلهم مئات الألوف، قال: مليون، استحوا فرفعوا السقف

﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا﴾

المذيع:
 هذا الأول من بادر بهذا الشيء.
الدكتور راتب :

﴿ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ ﴾

[ سورة البقرة : 271]

 إذا توجهت الصدقة إلى شخص أخفِها، إذا توجهت إلى مشروع أعلنها.
المذيع:
 جميل، هذا الشخص الذي قال في الحفل الذي كنتم به دكتور مليون، وشجع زملاءه ومن يستوون معه بالقدرة المالية، هل له مثل أجورهم لأنه سنّ هذه السنة الحسنة؟
الدكتور راتب :
 أبداً، كنت بجلسة معينة بالشام أعاد الله هذه الجلسات، دفع مئة مليون، إذاً الأمة فيها خير؟

(( أمتي كالمطر لا يدرى أولها خير أم آخرها))

المذيع:
 صلى الله عليه وسلم، الله يفتح عليكم دكتور، الشق الثالث من مفهوم الإخلاص في كبائر العبادات وصغائرها ما المقصود بهذا دكتور؟

 

الإخلاص في كبائر العبادات و صغائرها :

الدكتور راتب :
 سيدي صغائر العبادات غض البصر، أقل عبادة.
المذيع:

 أنتم ذكرتم دكتور أن الإنسان في إخلاصه في السر والعلن، والمدح والذم، وفي الصغيرة والكبيرة، كيف يكون الإخلاص في الصغيرة وفي الكبيرة؟
الدكتور راتب :
 مثلاً: إطعام طير، أطعمهم أمام الناس لا يوجد مشكلة، أحياناً يكون عندك قطة بالبيت لا أستحي من عملي أبداً.
المذيع:
 لا يستكبر عن هذه العبادة، حتى لو لم يراني الناس، يزهد الناس ظناً أن فضلها يسير.
الدكتور راتب :
 أنا أنظر أحياناً العبادة التي أنت تراها صغيرة تكون كبيرة جداً، أي أنت لا تعلم أين يكون الإخلاص، الإخلاص إذا رافق عبادة قفزت قفزة إلى الله عز وجل.
المذيع:
 حتى لو كان في نظرنا عبادة يسيرة، كإطعام القطة مثلاً.
الدكتور راتب :
 بغيٌ، كلب كاد أن يأكل الثرى من العطش، بالحديث الصحيح نزلت إلى بئر، ملأت خفها ماءً، وسقت الكلب، فغفر الله لها، لماذا؟ لأنها لا تنتظر أحداً، عندها رحمة لهذا الكلب، هنا لا يوجد إعلان، لا يوجد تصوير تلفزيوني، لا يوجد خبر بالجريدة، لا أحد يراها، سقت هذا الكلب فغفر لها، أحياناً يكون العمل عظيماً لكن أهم شيء أمام الناس.
المذيع:
 سؤال منهجي شيخنا الكريم: هل الإخلاص عبادة مكتسبة أم عطاء إلهي؟ هل أنا من أصل للإخلاص أم أن الله يعطي الإخلاص من يشاء؟

للعبادة شقان ؛ ظاهري معلن و داخلي خفي :

الدكتور راتب :
 العبادة لها شقان، شق معلن ظاهري، كالصلاة والصيام والحج والزكاة والصدقة والعمل الصالح، وخفية داخلية هي الإخلاص، عبادة واحدة لها جانب داخلي، وجانب خارجي، جانب للجوارح، وجانب للقلب، العبادة واحدة لكن من الداخل إخلاص، من الخارج التزام.
المذيع:
 إذاً نحن من نسير في طريق الإخلاص وربنا يكرمنا بأن يتقبل منا.
الدكتور راتب :
 إلا المنافق له شخصية مزدوجة، له ظاهر وله باطن.
المذيع:
 وهذا يحبط عمله دكتور، والعياذ بالله.
الدكتور راتب :
 أي مع المؤمنين يصلي، مع غير المؤمنين لا يصلي.
المذيع:
 والعياذ بالله، نستأذنكم شيخنا الكريم من جديد أن نتوقف إلى فاصل قصير مرةً أخرى ونعود مستمعينا لنواصل حلقتنا في طلب العلم مع فضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، فابقوا بالقرب.
 شيخنا الكريم قبل الفاصل وضحنا أن الإخلاص هي عبادة قلبية مكانها القلب، وهي أن تبتغي وجه الله تبارك وتعالى، في عبادتك في السر والعلانية، في كبير العبادات وصغيرها، أمام الناس وخلف الناس، فنسأل ربنا أن يتقبل منا، ويجعل أعمالنا كاملة، وحذرت من أن الرياء أن تبتغي بهذا العمل إرضاء الناس أو أن تهرب من عيون الناس فتترك العبادة هو أيضاً رياء.

 

بطولة الإنسان أن يعدّ للساعة التي لابدّ منها :

الدكتور راتب :
 لذلك: حاسبوا أنفسكم حساباً عسيراً، ليكون حسابكم يوم القيامة يسيراً، فمن حاسب نفسه حساباً عسيراً في الدنيا كان حسابه يوم القيامة يسيراً، ومن حاسب نفسه حساباً يسيراً كان حسابه يوم القيامة عسيراً، دائماً وأبداً.
 أنت سهرت سهرة، أنا ماذا تكلمت الليلة؟ تكلمت عن بطولاتي؟ مدحت نفسي أم تكلمت عن الله؟ كلما تعمل عملاً بعدما تنتهي قيّمه، هذه بطولة بالإنسان، عملت عملاً، سهرت سهرة، سافرت سفرة، ماذا عملت بهذه السفرة؟ زرت مساجد؟ زرت أخوة مؤمنين أطهاراً أم زرت أماكن لا ترضي الله؟ لا تمش من دون حساب.
 من حاسب نفسه في الدنيا حساباً عسيراً كان حسابه يوم القيامة يسيراً، ومن حاسب نفسه في الدنيا حساباً يسيراً - ماذا فعلنا؟ - كان حسابه يوم القيامة عسيراً.
 لذلك حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني.
 نحن في الشام عندنا تقليد شائع، الموتى لهم نعوة، تلصق على الجدران، فأنت تمشي باليوم: فلان عميد أسرتهم توفي، فلان التاجر الكبير، فلان العالم، فلان الباحث، فلان أستاذ جامعة، في الشام في اليوم خمسون نعوة، يوجد مئتا وفاة، لكن خمسون نعوة تلصق على الجدران، أنا أقول: إذا قرأت نعوات الناس خلال سبعين سنة لابد من يوم يقرأ الناس يوماً ما نعوتك، فالبطولة أن تعد لهذه الساعة.
 كنت مرة بالمغرب، بمراكش، كان هناك شارع عرضه يقدر بمتر ونصف، أضيق شارع رأيته بحياتي، وهناك دكان بسيط مكتوب عبارة حفرت بأعماقي: صلّ قبل أن يصلى عليك، أنت تدخل إلى البيت سبعاً و ثمانين سنة، قائم، داخل خارج، لكن يوجد يوم ستخرج منه أفقياً، فالبطولة أن تعد لهذه الساعة، عندما يوضع بالنعش، وهذه آخر مرة، لم يعد هناك عودة، هذه المرة خرجت بلا عودة، هذا الموقف الصعب، راح إلى القبر، كان بقصر راح على القبر، بيت، زوجة، أولاد، كنائن، أصهار، سهرات، ولائم، سفر، سياحة، فنادق خمس نجوم، سيارتان أو ثلاث، له بيت بالجبل، بيت على البحر، وبعد ذلك؟ إلى القبر، الذكاء، النجاح، التفوق، البطولة أن تعد لهذه الساعة التي لا بد منها.

(( عبدي رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبقَ لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت ))

 والله الذي لا إله إلا هو هذا الموقف، أنا لي قريب، شيعته إلى القبر، وضعوه بالقبر، كشفوا عن وجهه، ووجهوا الوجه نحو القبلة، وضعوا البلاطة فوقه،أهالوا التراب نزل فوقه الكثير من التراب، أعرف بيته، أعرف الرخام الذي أتى به من إيطاليا، أعرف الثريات في بيته، أعرف فخامة ببيته تفوق حدّ الخيال، نظرت هكذا! والله الذي لا إله إلا هو ما رأيت في الأرض كلها أعقل ولا أذكى ممن يعد لهذه الساعة التي لابد منها.

(( عبدي رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبقَ لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت ))

المذيع:
 ما الذي يختلف بحياتنا دكتور لو أهملنا بما تفضلت به؟

 

أسعد الناس من آمن بالله :

الدكتور راتب :
 إذا آمنت تكون أسعد الناس بالأرض، لم يحرمك من الأكل، تأكل أطيب الطعام، وتتزوج، وتأخذ أعلى الشهادات، وتنجب أولاداً، وأحفاداً، لكن تمشي على منهج الله عز وجل، لا يوجد عندك مفاجأة، عندك فقط مكافأة، تنتظر الجنة.
المذيع:
 شيخنا الكريم، لماذا عدد كبير من الناس يعتقدون أن الموت غير موجود بحياتهم، كلنا يدرك الموت، ومن كان قبلنا ماتوا، لكن لا أحد يفكر فيه، يعتقد أنه بعيد عنه، لماذا؟

الغبي من يتجاهل حدث الموت :

الدكتور راتب :
 ما وجدت على وجه الأرض أغبى وأحمق ممن يتجاهل حدث الموت، هذا الحدث الوحيد اليقيني، الحدث الوحيد الذي لا ينفد منه أحد.

(( عبدي رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبقَ لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت ))

المذيع:
 ونعمة بالله، هل الإخلاص دكتور وهو عنوان حلقتنا لهذا اليوم له آثار إيجابية في حياة الناس، أما آثاره عليّ أنا فهي بعلاقتي بالله تبارك وتعالى؟

 

للإخلاص آثار إيجابية على الناس كلهم :

الدكتور راتب :
 الإخلاص على الناس كلهم، أنت عندما أخلصت لله صح عملك، عملك انعكس على ماذا؟ على الناس، بإخلاصك كنت صادقاً، كنت أميناً.
المذيع:
 عليّ فقط بالعبادات؟
الدكتور راتب :
 لا، بالعمل سيدي، الآن إذا أنت عفواً قلت للمريض: مرضك خطير، ابتززته، من يعرف هذا إلا الله؟ أنت كمحام تعرف أن القضية خاسرة مليون بالمئة، تبتز ماله عشر سنوات، وأنت تعرف أن القضية خاسرة من أولها، فالله عز وجل سيعاقبه عقاباً ليس له مثيل، أنت محام، وتقنع هذا الموكل أن قضيته رابحة، وهي ليست رابحة أبداً، هناك مادة بالدستور ضده، أو بالقانون العام ضده، وأنت تقول له: ستنجح.
المذيع:
 فمن كان مخلصاً سيكون صادقاً في عمله، في كلامه مع الناس.
الدكتور راتب :
 عندما كان صادقاً الله وفقه، ورفع مكانته، مثلاً: طبيب أعطى دواء للمريض، عنده طفل مريض، بالخطأ أعطاه دواء لكبير- وهذه الحادثة حدثت بمصر بمصر- وهو لا يعرف عنوان المريض، خرج على التلفاز وفضح نفسه، قال: أنا عالجت مريضاً اسمه فلان الفلاني، أعطيته دواء لابنه، لكن عياره كبير قد يقتله، فضح نفسه بكل القاهرة، صار أول طبيب، ضحى بسمعته من أجل حياة مريض، احترمه الناس احتراماً مذهلاً، ظهر على التلفاز وقال: أنا عالجت فلاناً الفلاني، أنا بالخطأ أعطيته دواء عياره كبير، والخبر وصل المريض قبل أن يأخذ الدواء، صار له مكانة بالقاهرة.
 الإنسان عندما يكون مع الله يتوهم أو يظن أنه غلط، لا لم تغلط، أنت عندما كنت مع الله رفع شأنك.
المذيع:
 دكتور، لو أنا قدمت عملاً لله تبارك وتعالى، ولم أكافأ عليه، وكان عملي خالصاً هل معنا هذا أن ربنا رفضه؟

الدنيا دار عمل و ليست دار جزاء :

الدكتور راتب :
 دقيقة، الأصل أن الدنيا ليست دار جزاء، دار عمل فقط، الله يكافئ بعض المحسنين تشجيعاً للباقين، ويعاقب بعض المسيئين ردعاً للباقين، أما المكافأة الحقيقية والكاملة والتامة فهي يوم القيامة:

﴿ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾

[ سورة آل عمران: 185]

 أنا أنتظر مكافأة في الدنيا جبراً للخاطر ليس أكثر.
المذيع:
 لكن لا يشترط دائماً أن أكافأ في الدنيا.
الدكتور راتب :
 ممكن الواحد يموت بالسجن، حكم عليه بالسجن لأنه تكلم كلمة حق، يموت فيه، ما أخذ شيئاً، له الجنة فقط، الدنيا ليست دار جزاء، الله يكافئ بعض المحسنين تشجيعاً للباقين، ويعاقب بعض المسيئين ردعاً للباقين، أما:

﴿ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾

المذيع:
 قد يذهب في سيارته دكتور ليتفقد أحد أقاربه وصلة الرحم، وهو عائد يحصل معه حادث سير، الشيطان يوسوس به أنت ربنا ما قبلك، ربنا عاقبك.
الدكتور راتب :
 هذا من الشيطان، لا يعبأ، من عرف نفسه ما ضره مقالة الناس به، ولا وسوسة الشيطان له.
المذيع:
 في قول النبي عليه الصلاة والسلام دكتور:

((عن الرَّجُلِ يُقاتِلُ شَجاعَة، ويُقاتِلُ حَمِيَّة، ويقاتِلُ رياء: أيُّ ذلك في سَبيلِ الله؟ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: من قَاتلَ لتكونَ كلمةُ الله هي العُلْيَّا هو في سبيل الله))

[صحيح عن موسى الأشعري رضي الله عنه]

 والباقي لم يقبل منهم حتى قتالهم وقتلهم، لماذا دكتور؟

 

الإخلاص أصل العبادة :

الدكتور راتب :
 لأن العبادة أصلها الإخلاص، عفواً، العباد لها ظاهر، وباطن، الظاهر والباطن متكاملان، فساد أحدهما يفسد الآخر، لو كان من الداخل مخلصاً ومن الخارج عمله سيئ، من داخله مخلص فيما يتوهم، وبالخارج عمله كله معاص، مرفوض إخلاصه، ما بقي فيه إخلاص، لو كان من الخارج عمله صالح، ومن الداخل غير مخلص، عدم إخلاصه لغى له عمله الصالح، هؤلاء صنفان متكاملان، فساد أحدهما يفسد الآخر.
المذيع:
 هل يمكن دكتور أن تختلط النوايا، أي هل يمكن أن يكون لي نية لله ولنفسي معاً؟ أم هي إما لله وإما لنفسي؟

نية العمل لا يعلمها إلا الله :

الدكتور راتب :
 أنا أقول: لا، الأساس لله، الآن الناس مدحوه زيادة لا يوجد مانع.
المذيع:
 في الحج دكتور، ربنا قال:

﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ﴾

[ سورة الحج: 28]

 أي أنا ذهبت للحج وللتجارة معاً، هل هذا مقبول؟
الدكتور راتب :
 مقبول لا يوجد مشكلة، هو عمله تاجر، أدى الحج بالتمام والكمال، بكل مشاعره، ثم اشترى بضاعة وباعها ببلده، لا يوجد مشكلة، هو نيته الحج، رافق مع الحج تجارة لا يوجد.
المذيع:
 لو كان مثلاً دكتور إماماً، أو مدرساً، أو داعية، وكان يتقاضى راتباً، هو عنده نية أن يكون معلماً لهذه الأجيال وهو بنفس الوقت يحتاج الراتب للنفقة.
الدكتور راتب :
 من أين يعيش إذاً؟
المذيع:
 لا تتعارض؟
الدكتور راتب :
 لا، أبداً.
المذيع:
 يأتي شخص ويقول: أنت نيتك راتبك، وليس نيتك لله، يفترض أن تعمل بلا مقابل.
الدكتور راتب :
 لا أحد يعلم بالنوايا إلا الله، هذا كلام فيه تألّ، فيه تجاوز للحدود، النية لا يعلمها إلا الله.
المذيع:
 أي لو كان هناك مصالح للدنيا لا تتعارض مع الإخلاص.
الدكتور راتب :
 أنا لا أستطيع أن أقيّم إنساناً من نيته، لأن نية العمل لا يعلمها إلا الله.
المذيع:
 سؤال دكتور مهم جداً قبل أن نصل إلى الختام: كيف يحافظ الإنسان على الإخلاص في قلبه إذا ما دخل الكبر أو الغرور أو الإعجاب بالنفس؟ كيف أحافظ على إخلاصي؟

 

كيفية محافظة الإنسان على إخلاصه :

الدكتور راتب :
 ما دامت عبادته صحيحة، وافتقاره إلى الله يومي، ويتابع العلم، ويتابع الصلة بالله، لا يحصل معه شيء أبداً، هناك طمأنينة.
المذيع:
 ولو شعر في قلبه بما لا يشعره بالعادة، مثلاً شعر أنه أنا ما شاء الله عني.
الدكتور راتب :
 حالة عرضية وتزول.
المذيع:
 كيف يتجاوزها دكتور حتى لا تؤثر على صدقه؟
الدكتور راتب :

 هذه يسمونها بالعلم: بوركت، انسها، هذه وسوسة من الشيطان، إذا الإنسان تفوق في دينه، الشيطان يوسوس له، هذه الوسوسة علاجها الوحيد أن تنساها.
المذيع:
 جميل، الله يفتح عليكم دكتور، نختم حلقتنا بالدعاء ونسأل الله القبول.

الدعاء :

الدكتور راتب :
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسينا ذكرك، أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وراضَ عنا، واجعل هذا البلد الأردن آمناً مطمئناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، واحقن دماء المسلمين في كل مكان، واحقن دماءهم في الشام، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم.

 

خاتمة و توديع :

المذيع:
 الحمد لله رب العالمين، بارك الله بكم شيخنا الكريم الدكتور محمد راتب النابلسي، نفع الله بكم، وجعل هذه الكلمات خالصة لوجهه الكريم، وفي ميزان حسناتكم.
 إذاً حلقتنا الرابعة من مدارج السالكين وعنوانها الإخلاص نصل إلى نهايتها، الإخلاص أن يكون العمل لله، يستوي فيه مدح الناس وذمهم، في السر والعلانية، في كبير وصغير هذه العبادات لوجه الله تعالى، وبالعلم، وبالافتقار الدائم إلى الله يحافظ الإنسان على إخلاصه.
 شكراً لكم دكتور ولكلماتكم الطيبة، سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور