وضع داكن
25-04-2024
Logo
حياة المسلم 2 - إذاعة حياة إف إم - مدارج السالكين : الحلقة 03 - القلب السليم
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

 الحمد لله رب العالمين، يا ربنا صلّ وسلم، أنعم وأكرم على نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، حياكم الله مستمعينا الأكارم، في حلقة علمية جديدة، مع فضيلة العلّامة الدكتور محمد راتب النابلسي، شيخنا الكريم حياكم الله وأهلاً بكم معنا.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم، وأعلى قدركم.
المذيع:
 أكرمكم الله يا دكتور، ونفعنا بعلمكم، ومّد في عمركم.
 شيخنا الكريم، في سلسلة مدارج السالكين بدأنا بالحلقة الأولى في مقدمة عامة، ثم تحدثنا عن تزكية النفس، واليوم نواصل هذا الحديث في حديثنا عن القلب السليم، نبدأ حلقتنا بقول الله تبارك وتعالى من سورة الشعراء بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، في قوله سبحانه وتعالى:

﴿ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾

[ سورة الشعراء: 89]

 فالقلب السليم أُمر الإنسان به في كتاب الله تبارك وتعالى، ونبدأ مع فضيلتكم بتوضيح المصطلح، ما هو القلب السليم؟

 

تعريف القلب السليم :

الدكتور راتب :
 والآية الثانية:

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾

[ سورة الشعراء : 88 ـ 89]

 وهناك آية ثالثة:

﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً ﴾

[ سورة الكهف : 46]

 إذاً عندنا بالدنيا أشياء مهمة جداً هي المال والبنون، والقلب السليم، فالعلماء قالوا: القلب السليم هو القلب الذي سلم من أن يشتهي شهوة لا ترضي الله.
المذيع:
 ما معنى هذا دكتور؟
الدكتور راتب :
 الإنسان المنحرف الفاسق يشتهي الزنا، أما القلب السليم فيشتهي الزواج، الفاسق والمنحرف يشتهي المال الحرام، ولو من قمار، أما القلب السليم فيشتهي المال الحلال.
المذيع:
 أنت تتحدث دكتور عن النية في القلب ليس عن الفعل، فقط عمن يرغب.
الدكتور راتب :
 لا، عن القلب، هذا قلب سليم، قلب داخلي.
المذيع:
 أي على الإنسان في القلب السليم ليس فقط أن يتجنب الحرام كالمال الحرام، بل أن يتجنب الرغبة فيه.
الدكتور راتب :
 لا يشتهي شهوة لا ترضي الله.
المذيع:
 وهل هذه بيده دكتور؟
الدكتور راتب :
 بتعريف دقيق: القلب السليم هو القلب الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله، ولا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله، والقلب السليم هو القلب الذي لا يرجو إلا الله، أثمن شيء يلقى الإنسان ربه به القلب السليم،

﴿ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾

.
 لم يشتهِ شهوة لا ترضي الله، ولم يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله، ولا يعبد إلا الله.
المذيع:
 شيخنا، لا يقوم الإنسان بفعل يغضب الله هذه بيده، لكن ألا يخطر خاطر على قلبه أنه يريد حراماً؟

 

من كان على طريق الله تجرد قلبه من الأمنيات الخاطئة :

الدكتور راتب :
 الإنسان حينما يطيع الله، هذه الطاعة أعانته على أن يتصل به، فإذا اتصل به استنار قلبه بنوره، عندئذٍ يطهر باطنه وظاهره، حينما يطيع الله عز وجل هذه الطاعة تعينه على أن يتصل به، فإذا اتصل به ملأ الله قلبه نوراً.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾

[ سورة آل عمران: 102]

 التقوى تورث القلب السليم.

﴿ إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً ﴾

[ سورة الأنفال: 29]

 في نور.

﴿ اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ ﴾

[ سورة الحديد: 28]

المذيع:
 إذاً دكتور الإنسان هو الذي يتحكم بتصرفاته، وقلبه ليس ملكاً له، لكن إن كان على طريق الله تبارك وتعالى فإن الله يعطيه هذا العطاء الإلهي بأن يتجرد قلبه حتى من أمنيات الخطأ؟

 

القلب السليم من ثمار الإيمان بالله :

الدكتور راتب :
 هو من ثمار الإيمان بالله، والاستقامة على أمره، والعمل برضوانه.
المذيع:
 ليس أمراً مكتسباً، إنما هو عطاء من الله.
الدكتور راتب :
 عطاء لكن السبب الإنسان.
المذيع:
 له سبب، هو أقرب للحكمة دكتور؟ الحكمة هي أيضاً عطاء من الله تبارك وتعالى ليست أمراً مكتسباً، لكن لها أسبابها وموجباتها.

الحكمة أعظم عطاء إلهي :

الدكتور راتب :

 وأعظم عطاء إلهي الحكمة، والدليل:

﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ﴾

[ سورة البقرة: 269]

 تؤتى، لا تؤخذ، لكنها تؤتى.
المذيع:
 هذه الآية الكريمة دكتور جاءت في سورة الشعراء، والآيات التي كانت تسبقها كانت على لسان سيدنا إبراهيم حينما كلم الله تبارك وتعالى:

﴿ وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ * وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ * وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ * وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾

[ سورة الشعراء:84- 89]

 ما سياق هذه الآيات الكريمة دكتور؟ ما القصة التي جاءت بها هذه الآية؟

 

عظمة هذا الدين تنطلق من القلب و الاتصال بالله :

الدكتور راتب :
 دائماً عظمة هذا الدين ليست أعمالاً ظاهريةً نقوم بها، هي تنطلق من القلب، من الداخل، من القناعات، من الاتصال بالله، من النور الإلهي الذي يقذف في قلب المؤمن، فهو الجانب الداخلي بالإنسان وهو مهم جداً، لذلك:

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾

[ سورة الرعد : 11]

 الأمر يبدأ من النفس، والنفس مركزها القلب، والقلب إما أنه سليم، أو مريض، هناك قلب خائف، وقلب مشرك، وقلب منحرف، أما القلب السليم فهو القلب الذي استظل بمظلة الله، واستنار بنور الله.
المذيع:
 نعمة بالله رب العالمين، إذاً هذا هو القلب السليم، هل الإنسان دكتور يحاسب على ما في قلبه أم على أفعاله وأقواله؟ على ماذا يحاسب الإنسان يوم القيامة؟

 

محاسبة الإنسان على أفعاله يوم القيامة :

الدكتور راتب :
 مبدئياً الإنسان يحاسب على أفعاله فقط، لكن خواطره إن لم تعالج انقلبت إلى أفعال، خطر في باله معصية، تابعها، تصورها، ثم كان بظرف بإمكانه أن يفعلها فيفعلها، فالمعالجة تبدأ من الداخل، يوجد خاطر منحرف.
المذيع:
 للتوضيح: الآن خطر في بالي خاطر للحرام، أردت مثلاً أن أسرق مالاً، هل أحاسب على هذا الخاطر؟
الدكتور راتب :
 لا، مبدئياً لا، أما هذا الخاطر إن لم يعالج بالاستعاذة بالله من هذا الخاطر فقد ينقلب إلى عمل، عفواً ما هي المعصية الكبيرة؟ لتكن الزنا، السرقة، القتل، هذه المعصية لها مقدمات، أول مقدم لها التصور، تصور.
المذيع:
 ما الخطورة في هذا التصور دكتور؟ هو ليس فعلاً، هو شيء في ذهني.
الدكتور راتب :
 التصور إذا استمر ينقلب إلى إرادة، فإذا توبعت انقلبت إلى عمل، الأمور تتفاقم، لذلك لابد من أن تعالج الأمر من بداياته، تصور، تصور نفسه يرتكب معصية الزنا، هذا التصور تابعه، أضاف له جزئيات، تخيل، شاهد فيلماً، قرأ قصة ساقطة، هذا التصور نما نما نما في النهاية انقلب إلى عمل، فالعمل السيئ، الجريمة الكبيرة، الانحراف، الزنا، القمار، أساسه تصور، فالبطولة أن تعالج الأمر وهو في التصور، هذه الخواطر مبدئياً لا تحاسب عليها، لكن إذا أهملتها تفاقمت، وفوجئت أنها انقلبت إلى عمل.
المذيع:
 كيف نعالجها؟

معالجة الخواطر و التصورات بالحاضنة الإيمانية :

الدكتور راتب :

 عفواً، صخرة متمكنة في رأس جبل، صخرة ثقيلة جداً بالأطنان، لا يوجد قوة تزحزحها، لو أنت تجرأت ودفعتها نحو المنحدر، الكلام الدقيق والخطير لن تستقر هذه الصخرة إلا في قعر الوادي، لأن كل معصية تجلب معصية أكبر، الإنسان ديناميكي، أي حيوي، لا يبقى على حال واحد، كان بحال تصور، صار خاطراً، صار إرادة، صار عملاً، التطور مثلاً هناك نهر عميق، خطير، يمشي شخص على شاطئه لا يحسن السباحة، لهذا النهر ساحلان، ساحل أفقي جاف، وساحل مائل زلق، إذا مشى على الساحل الجاف الأفقي لا يوجد خطر أبداً، أما إن مشى على هذا الساحل المائل الزلق فاحتمال سقوطه صار كبيراً جداً، لذلك لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي.
 الحاضنة أخطر شيء الحاضنة، الإنسان قد يكون طاهراً، لكن له أصدقاء منحرفون، هذا الصديق يجلبه إلى المعصية، يغريه بها، ودائماً وأبداً عندنا لعبة اسمها: شدّ الحبل، فإذا الواحد صاحب أناساً ليسوا كما ينبغي معهم طرف الحبل، هو معه الطرف الآخر، أحياناً يكونون أقوى منه، أو أشدّ إقناعاً له بالمعصية منه، شد الحبل فإذا شدوه انتهى.
 لذلك أنا أقول لأخوتي المستمعين: لعبة شد الحبل اجعلها منهجاً في حياتك، فاسمع أناساً، إن استطعت أن تجرهم إليك فابقَ معهم، أما إن استطاعوا أن يجروك إليهم فدعهم فوراً.
المذيع:
 جميل، إذاً أول نقطة يعالج الإنسان هذه الخواطر السلبية في قلبه هي البيئة والصحبة الصالحة.
الدكتور راتب :
 هذه اسمها الحاضنة الإيمانية، ما دليلها؟

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

[ سورة التوبة : 119]

 اجلس معهم، اسهر معهم، تنزه بصحبتهم، عاشرهم، أما إذا صاحبت إنساناً منحرفاً قال العوام كلمة بليغة جداً: الصاحب ساحب، تُسحب إليه.
المذيع:
 إضافةً إلى هذه الحاضنة الإيمانية دكتور، كيف يحاول الإنسان أن يعزز إيمانياته ليكون مؤمناً؟

 

أسس الاستقامة :

الدكتور راتب :
 بطلب العلم، الإنسان يحب ذاته، على الأرض مليارا إنسان ما منهم واحد على الإطلاق إلا ويتمنى السلامة، والسعادة، والاستمرار، فالسلامة تكون بالاستقامة، والاستقامة تحتاج إلى علم، يجب أن تعلم، هذا حرام، هذا حلال، لابد من طلب العلم أولاً، ولابد من أن تستقيم ثانياً، ولابد من صحبة مؤمنةٍ ثالثاً، هذه ثلاثة أسس للاستقامة.
المذيع:
 في قول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم:

((إن الله عز وجل لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى أحسابكم ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم))

[رواه الطبراني وفيه يحيى بن عبد الحميد الحماني عن أبي مالك]

 إذاً هل نحاسب على ما في قلوبنا؟ أم ماذا يعني أن الله ينظر إلى قلوبنا؟

 

القلب السليم منظر الله عز وجل :

الدكتور راتب :
 القلب السليم الله ينظر إليه، القلب السليم كما يقال منظر الله عز وجل، فالإنسان حينما يفكر بمعصية ينبغي أن يستحي من الله، لأن الله ناظر لهذا القلب، والبطولة أن تراقب الله في خلوتك، والمقولة المخيفة والخطيرة: "من لم يكن له ورع يصده عن معصية الله إلا خلا لم يعبأ الله بشيء من عمله".
الإنسان قد يكون بحكم بيئته المحافظة، بحكم تربيته الإسلامية، لا يستطيع أن يعلن معصية بالمجتمع الذي حوله، لكن هو بخلوته قد ينحرف، فهذه البطولة ليس الشيء المعلن الشيء الذي تنطوي عليه، هذه الطهارة الذاتية تحتاج إلى اتصال بالله عز وجل.
المذيع:
 ونعمة بالله، نستأذنكم شيخنا الكريم، ومستمعينا الكرام أن نقف نحن وإياكم مع فاصل قصير، ومن بعد ذلك نعود معاً نواصل رحلتنا في طلب العلم مع فضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي فابقوا بالقرب.
 شيخنا الكريم ننتقل إلى واحد من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ويقول فيه:

((إن المؤمن إذا أذنب ذنباً كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب ونزع واستغفر صقل منها قلبه وإن زاد زادت حتى يعلق بها قلبهـ فذلك الران الذي ذكر الله في كتابه))

[صحيح مسلم عن أبي هريرة]

﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ ﴾

[ سورة المطففين : 14]

 نهاية الحديث النبوي الشريف.
 إذاً هذا القلب ثُقل، وفُطر، وخُلق على أن يكون قلباً نقياً أبيض.

 

ضرورة المحافظة على سلامة القلب :

الدكتور راتب :
 بالأصل هو سليم، فالبطولة أن تحافظ على سلامته.
المذيع:
 الحديث أشار إلى أن الإنسان إذا أذنب ولم يتب فإن قلبه غُلف بالران، الآن نشرح معنى الحديث الكريم دكتور وارتباط هذا الحديث بالآية:

﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ ﴾

[ سورة المطففين : 14]

لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار :

الدكتور راتب :

﴿ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾

[ سورة المطففين : 14]

 الران هو الغلاف، الران هو الحجاب، الران هو البعد، الران هو التلبس بمعصية، تورث ندماً وخجلاً من الله عز وجل، الإنسان بالمعصية يقيم باختياره حجاباً بينه وبين الله، هذا الحجاب تزداد ثخانته بحجم المعصية، كلما كانت المعصية قليلة، سهلة، بسيطة، من اللمم، الحجاب رقيق، يخرق وتتجاوزه، وكلما كبرت المعصية صار الحجاب كثيفاً، إلى أن يصل لدرجة الحجاب الكثيف الذي لا يخترق، المعاصي الكبيرة إذا أُلفت ونسيت انقلبت إلى عادات، وهكذا حياتنا، المعاصي والصغائر إذا انقلبت، إذا استمرت انقلبت إلى كبائر.
 والمثل الشهير الذي أذكره دائماً أن المعصية تشبه حرف المقود سنتمتراً واحداً، هذا السنتيمتر لو ثبته إلى الوادي، تصور طريقاً يقدر عرضه بستين متراً، وأنت ماشي بالوسط، معك ثلاثون يميناً، وثلاثون يساراً، والمعصية حركت المقود سنتمتراً واحداً، هذا السنتمتر لو ثبته النتيجة بالوادي، لأن النبي قال:

(( لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار))

[ أخرجه الحارث عن أبي هريرة وعبد الله بن عباس ]

 فالصغيرة حرف الموقد سنتمتراً، إن ثبتها انقلبت كبيرة إلى الوادي، أما الكبيرة فحرف المقود تسعين درجة، لو ندمت على هذا العمل وأرجعتها فلا بأس.

(( لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار))

[ أخرجه الحارث عن أبي هريرة وعبد الله بن عباس ]

المذيع:
 إذاً الفكرة دكتور أن ربنا حينما خلقنا، وأودع الفطرة فينا، خُلق القلب أبيض، هنا المقصود أبيض أنه على الفطرة في محبة الخير، والدلالة على وجود الله، هذا القلب بدأ يخرج عن فطرته بالمعاصي، والحل كما ورد في الحديث إن أقلع وتاب وأصلح، أي على الإنسان أن يصلح، وأن يقلع عن الذنب، ويتوب إلى الله تبارك وتعالى.

 

أركان التوبة :

الدكتور راتب :
 من أركان التوبة، ما دام ذكرت التوبة، فهي الندم على ما فات، فالندم أحد أركان التوبة، والإقلاع الفوري الشيء الثاني، والإصلاح إذا كان هناك خطأ، أحياناً يوجد معصية بينك وبين الله عز وجل، هذه بالتوبة فقط، أما معصية فيها أذى لإنسان، فعندك التوبة ندم، ثم إقلاع، وإذا كان معلقة بإنسان إصلاح.
المذيع:
 إذاً أنا أذنبت ذنباً دكتور، بداية أندم في قلبي، وأتمنى لو أن الزمان يعود ولا أعود لهذا الذنب، لا أسر به، هذا الشرط الأول.
الدكتور راتب :
 هذا هو الندم، أحد أركان التوبة.
المذيع:
 هذا الركن الأول، والركن الثاني شيخنا؟
الدكتور راتب :
 الإقلاع الفوري عن هذا الذنب، والإقلاع مربوط بالإصلاح، إذا هذا الذنب متعلق بالآخرين، نحن يوجد عندنا ذنبان، ذنب يغفر فوراً ما كان بينك وبين الله، وذنب لا يترك ما كان بينك وبين العباد، هذا متى يغفر؟ بإحدى الحالتين، بالمسامحة، أو أداء الحقوق، وذنب لا يغفر هو الشرك بالله.
المذيع:
 المقصود هنا بالشرك دكتور أن يموت مشركاً بالله.

أنواع الذنوب :

الدكتور راتب :
 إذا شخص معه أزمة قلب حادة تقتضي العمل الجراحي الفوري، ومشى بطريق ينتهي بمقصف، بفندق، بمكان جميل، يموت، هذا طريقه الوحيد المستشفى، فالإنسان عندما يشرك بالله مشى بطريق آخر، لم يمش بطريق الله، مشى لإنسان آخر، لذلك: ذنب يغفر، ما كان بينك وبين الله، والصلحة بلمحة.

(( لو جئتني بملء السماوات والأرض خطايا غفرتها لك ولا أبالي))

 وذنب لا يترك ما كان بينك وبين العباد، هذا يحتاج إلى مسامحة، أو دفع الثمن، وذنب لا يغفر، وهو الشرك بالله.
المذيع:
 إذاً: أنواع الذنوب ثلاثة: أن يموت الإنسان مشركاً لن يقبل منه، فإن كان مشركاً وأسلم عفا الله عما كان قبل ذلك.
الدكتور راتب :
 أنت ربطها أو قيدتها بالموت، أن يموت مشركاً.
المذيع:
 وهذا هو المقصود شيخنا، صح؟ أما الإنسان لو كان مشركاً وآمن فالإسلام يجب ما كان قبله.
الدكتور راتب :
 لو كان ملحداً.
المذيع:
 فإن أسلم وآمن جب ما كان قبله.
 النقطة الثانية: بينه وبين الله هو بحاجة أن يتوب، الندم، وأن يتوقف عن الذنب، وأن يعاهد الله ما استطاع ألا يعود عليه.
الدكتور راتب :
 وإن كان متعلقاً بحقوق العباد الأداء.
المذيع:
 إما أن يستسمحهم أن يؤدي حقوقهم، من وقع في هذه الذنوب دكتور ثم تاب بالمنهجية التي تفضلت بها فيفترض أن يعود قلبه إلى الفطرة مرةً أخرى.
الدكتور راتب :

(( إذا رجع العبد إلى الله نادى منادٍ في السماوات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله ))

المذيع:
 هكذا حينما نتوب ينادى منادٍ في السماء.
الدكتور راتب :

((هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله))

المذيع:
 يا الله! دكتور لماذا نحن نحتاج الله ونذنب والله يقبل علينا؟

 

وصية الله بالوالدين مقرونة بعبادته :

الدكتور راتب :
 لأن الله رحيم، عفواً، قال: أنا رحيم، صعب أن نفهمها، إلا من خلال الأب والأم، هذان الاثنان إن أخطأت بحقهما، وجئتهما مستسلماً، مع طلب المسامحة يسامحونك فوراً، يوجد إنسانان فقط بالأرض يتمنون أن تكون فوقهم في الدنيا والآخرة، الأب والأم، الله أحب أن يعرفك بذاته العلية من خلال شخصين بحياتك، فقط الأم والأب، أي أم بالأرض تتمنى أن تكون ابنتها أفضل منها، يأتيها أفضل زوج، وأي أب بالأرض يتمنى أن يكون ابنه رئيس دولة، هذا الأب والأم، عيشك مع اثنين يتمنيان لك أن تكون فوقهما.
المذيع:
 ولا يوجد أحد من البشر يحمل هذه الأمنية؟
الدكتور راتب :
 أبداً، الأخ يغار، الأخ لا يتحمل، إلا الأم والأب، يتمنيان أن تكون فوقهما في الدنيا والآخرة.
المذيع:
 لذلك كانت وصية الله بهما مقرونة بعبادته.
الدكتور راتب :
 لذلك رفع الله بر الوالدين إلى مستوى عبادته، الإله خلقك من عدم، والأم والأب تولوا تربيتك.
المذيع:
 دكتور حلقتنا عن القلب السليم، لكنها ساقتنا إلى التوبة، ساقتنا إلى رحمة الله وساقتنا إلى بر الوالدين.
الدكتور راتب :
 لأن هذا في أسباب القلب السليم.
المذيع:
 وقادتنا إلى بر الوالدين، هو منهج متكامل، أي تفاصيل واسعة لكنها متشابكة.

الإنسان كلّ متكامل :

الدكتور راتب :
 العلماء الكبار يقولون: هو تقسيم مصطنع، الإنسان كُلّ كامل، نقول نحن: له عقل وقلب، وله منهج، وله معصية، هذه كلها من صنعنا، هو كُلّ كامل، هذا الكُل الكامل هو الإنسان، الإنسان المخلوق الأول عند الله، والمكرم، والمكلف، والله قال:

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾

[ سورة الأحزاب : 72 ]

المذيع:
 سبحان الله! الله يفتح عليكم يا دكتور الكريم، شيخنا الكريم نحن نعرف أننا خُلقنا وخُلقت أنفسنا في فطرتها تميل إلى الهوى، تميل إلى الشهوة، عندما نقرأ في قوله تبارك وتعالى:

﴿ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ﴾

[ سورة النازعات : 40]

 أليست النفس تميل بفطرتها إلى الهوى؟

 

الكآبة عقاب النفس لذاتها إذا عصت ربها :

الدكتور راتب :
 كلام القرآن مختلف عن هذا الكلام.

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾

[ سورة الروم : 30]

 لا يوجد أمر أُمرنا به إلا والفطرة تحبه.

﴿ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ ﴾

[ سورة الحجرات : 7]

 وما من أمر نهانا الله عنه إلا وجبلنا بفطرتنا على كراهيته، هذه اسمها الكآبة بالعالم الغربي، الغرب لا يوجد به إيمان بالله فرضاً، هم ملحدون، ادخل لعالم شرقي، ملحد، النظام مبني على الإلحاد، يأتي إنسان يرتكب معصية بالدين يشعر بكآبة، المشكلة الأولى في الحياة الكآبة.
 كان عندنا دكتور بعلم النفس، يعد أحد خمسة علماء، قال: نسب الكآبة بالعالم الغربي مئة و اثنان و خمسون بالمئة، أول مرة أسمع هذه النسبة، الكل يقول: بالمئة مئة، مئة واثنان وخمسان كيف؟ قال: مئة معهم كآبة، والاثنان والخمسون يوجد معهم كآبتان، المعصية تعمل كآبة، لأن الفطرة السليمة هي عقاب النفس لذاتها إذا عصت ربها، اقعد ببلد ملحد، الإله غير موجود كلياً بالفكر، بالمعتقدات التي تخصهم ، مثل الاتحاد السوفيتي بلد ملحد.
 إذا شخص مثلاً اشترى طعاماً، وأمه بالبيت جائعة، أكله وحده يشعر بكآبة، هو غير مؤمن بالإله كله، ولا بمنهجه، ولا بدين سماوي، إذا اشترى طعاماً وأمه جائعة، وأكله وحده بحس بكآبة، هذه الكآبة عقاب النفس لذاتها إذا عصت ربها، بالعالم كله موجودة، لذلك أعلى مرض بالعالم الكآبة، لكن يعاني منها ملايين مملينة.
المذيع:
 أين نحن من النصوص الشرعية إلى أن النفس تميل إلى الهوى، والجنة حفت بالمكاره، والنار حفت بالشهوات، هل فطرتنا المعصية أم فطرتنا الطاعة دكتور؟

 

الشهوة قوة مدمرة أو دافعة :

الدكتور راتب :
 الشهوة محرك بالسيارة، حيادي، أنت أودع بنفسك محبة المرأة، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان على الإطلاق إلا جعل لها قناةً نظيفةً طاهرة تسري خلالها، ما هي الشهوة؟ صفيحة البنزين، سائل متفجر، فيه ضغط، الصفيحة قد تقلك إلى العقبة، صفيحة بنزين والمسافة أربعمئة و خمسون، ومعك سيارة من مستوى عال جداً، الصفيحة أو الصفيحتان تأخذانك إلى العقبة، ما الذي حصل؟ انفجارات، لكن انفجارات مضبوطة، وضعت هذه الصفيحة في المستودع المحكم، وسالت في الأنابيب المحكمة، وانفجرت ببستونات المحرك، في الوقت المناسب والمكان المناسب، صفيحة البنزين السائل المتفجر ولّد حركة نافعة تقلك إلى العقبة، مكان جميل، الصفيحة نفسها إذا صُبت على المركبة، وجاءتها شرارة أحرقت المركبة ومن فيها، فالشهوة إما أنها قوة مدمرة، أو قوة دافعة.
المذيع:
 الله يفتح عليك دكتور، كسؤال منهجي دكتور: هل النفس في فطرتها تميل إلى الشهوات والمعاصي أم تميل إلى الطاعات؟

ميل الفطرة إلى محبة الله عز وجل :

الدكتور راتب :
 لا تميل إلى شيء، أودع فيها محبته، تصور شهوة النساء مئة و ثمانون درجة، الله عز وجل فتح لك من المئة و الثمانين مئة و عشر درجات هذا الزواج، تختار امرأة جميلة وتتزوجها، وتتزوج ثانية، وثالثة، ورابعة، أما الزنا فمعصية، فهو أعطى الشهوة التي أودعها فيك عملاً، لك قنوات نظيفة طاهرة ترقى بها.
 عفواً، التقيت أنا مع عالم، إلى جواري يسكن في الشام، قال لي: عندي ثمانية و ثلاثون حفيداً، معظمهم حُفاظ لكتاب الله، ومعظمهم أطباء، خرجت أنا من عنده، بصراحة باللغة العلمية ذكر وأنثى تمت بينهم عملية بيولوجية، الزواج، أنجبا أولاداً، جلبوا له بالكنائن الطاهرات، وأنجب بنات جلبوا له الأصهار، والأولاد مع الكنائن، والبنات مع الأصهار جلبوا له ثمانية و ثلاثين حفيداً معظمهم حفاظ لكتاب الله وأطباء، هذا الهرم المقدس أساسه علاقة جنسية، لكن هذه العلاقة مقدسة أنجبت هذا الكم الكبير، فما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة طاهرة تسري خلالها.
المذيع:
 إذا هذه الغرائز دكتور والشهوات كحب المال، والزواج هي موجودة فينا، وهي جزء من الفطرة.

 

الغرائز حيادية :

الدكتور راتب :
 فطرة وحيادية، عفواً، إذا شخص اشتغل بعمل شريف، تجارة مسموح بها، وربح أموالاً طائلة، وعمّر مساجد، وعمل دور مأوى للعجزة، وأطعم الأيتام، يصل بهذا المال إلى أعلى عليين، هذه الشهوات حيادية، كالبنزين في السيارة، إما قوة دافعة بشكل مذهل، أو قوة مدمرة، هذه هي الشهوات، لا يوجد حل وسط، فيأتي المؤمن اشتهى المرأة تزوج، وأنجب أولاداً رباهم تربية عالية، صار عنده أولاد وأحفاد، هذه الأسرة جنة، والله جنة، والله يوجد أسرة جنة، رغم كل الظروف المحيطة، الإنسان إذا جعل بيته جنة ينسى كل متاعب الحياة، أنا أقول لإخواننا دائماً: النجاح في الحياة الزوجية يلغي تسعين بالمئة من مشاكل الحياة، أخبار سيئة جداً، نعاني ما نعاني في حياتنا اليومية بالأخبار، دخلت إلى بيتك، يصير بيتك جنة، والمؤمن جنته داره، والمؤمن يحب بيته، يحب أن يسهر مع أهله، لا بالمقهى ليلعب الطاولة للساعة الثانية، قاعد مع أهله، مع زوجته المحبة، مع أولاده، مع أصهاره، مع كنائنه، عنده سهرة مشتركة، فهذا المؤمن حياته من نوع آخر، أقسم بالله بأي ظرف تعيشه إن لم تقل: ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني عندك مشكلة بإيمانك، أنت مع الله، مع الخالق.
المذيع:
 ونعم بالله، ونعم بالله، الله يفتح عليكم دكتور لهذا الكلام الطيب والجميل.
 نستأذن من فضيلتكم ونتوقف من جديد إلى فاصل قصير، ومعكم مستمعينا الكرام لنواصل بعد ذلك رحلتنا في طلب العلم مع فضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، شيخنا الكريم القلب السليم فيما تفضلتم هو القلب الذي من البداية.

الله عز وجل حرك الصحة والرزق لتكونا أداتين بيد الله يعالج بهما عباده :

الدكتور راتب :
 لا يشتهي شهوة لا ترضي الله، ولا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله، نظرية مالتوس بالمجاعة العامة بالأرض ليست صحيحة، سيدي الله عز وجل قال:

﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ﴾

[ سورة النساء: 141]

 الرزق جاء بفعل ماض، أي لا يوجد إنسان مخلوق إلا رزقه معه، لكن لحكمة بالغة الله يستخدم الرزق أحياناً أداة للمعالجة، أي التضييق على الرزق لفت نظر من الله، الله يعالجنا بأرزاقنا، وبصحتنا، الله ثبت مليون قانون، مليار قانون، الأرض تدور حول الشمس هي قانون ثابت، الشروق ثابت، بذكر لك مليون قانون ثابت، فقط حرك شيئين، حرك الصحة والرزق، لتكون الصحة والرزق أداتين بيد الله ليعالج بهما عباده.
المذيع:
 ونعم بالله، الله يفتح عليك دكتور لهذا الكلام الطيب.
 شيخنا الكريم الآن من النقاط المهمة والمفيدة كما تفضلتم طلب العلم، والحاضنة الإيمانية أن يحافظ الإنسان على قلبه سليماً، الآن دكتور يوجد نقطة يبدو أن كثيراً من الناس تقع فيها، حينما يألف المعصية ولا يستنكرها، ويبقى يشاهدها، ولو لم يكن مرتكباً لها، مثال: إذا كان الإنسان يرى دائماً المعاصي، ويستمع إليها، ويشاهدها، لكن هو لا يرتكبها مع الوقت تصبح مألوفة لا يستنكرها.

 

نمط الإنسان ديناميكي حركي :

الدكتور راتب :
 ثم يفعلها، الإنسان ديناميكي سيدي، أولاً: لا تصدق أن الإنسان سكوني، الإنسان نمطه ديناميكي حركي، أي كل حركة تنقله لحركة أكبر هي قاعدة أساسية، لو إنسان اكتفى بالنظر لا يبقى بالنظر فقط ثم باللمس، ثم يصير هناك خلوة، وبعد ذلك تقع الفاحشة، المعاصي تتفاقم، والأعمال الطيبة تتفاقم، أي هذا سلاح ذو حدين، أنت تصلي ثم تغض بصرك، ثم تصوم، ثم تعمل عملاً صالحاً، ثم تقرأ القرآن، ثم تتعلم، و بعد ذلك تصير معلماً.
المذيع:
 ويبدو أن هذه الألفة للمعصية، وعدم استنكارها، والبقاء فيها، تجعل الإنسان مع الوقت يألفها.
الدكتور راتب :
 تنقلب إلى عادة، وأخطر شيء في حياة المسلمين أن تنقلب المعاصي إلى عادات وتقاليد.
المذيع:
 فلا يتوب عنها، هذه الغفلة دكتور؟

العلاقة بين الطاعة ونتائجها والمعصية ونتائجها علاقة علمية :

الدكتور راتب :
 هي الغفلة التي تعقبها معاص مستمرة، نحن سيدي عندنا عادات، وتقاليد، ومعطيات للبيئة، وتقليد للغرب، وشاشات، وأنماط سلوكية تأتي من الأفلام، وثقافة مصادرها كثيرة، ووحي السماء، أنا أعقد آلة بالكون، ولهذه الآلة بالغة التعقيد صانع عظيم، وخالق عظيم، ولهذا الصانع العظيم تعليمات التشغيل والصيانة، فكل بطولتنا، وكل ذكائنا، وكل عقلنا، وكل نجاحنا، وكل تفوقنا باتباع تعليمات الصانع.
 مثلاً: السيارة لها لوحة بيانات، تألق ضوء أحمر وأنت تمشي، سألت من بجانبك؟ قال لك: هذا ضوء تزييني كي تتسلى في الطريق، احترق المحرك تدفع مئة ألف لتصلحه، إذا قال لك: هذا ضوء تحذيري وليس تزيينياً الزيت قلّ، تقف تضيف لتر زيت فيسلم المحرك، فأنت بين أن تفهم الأمور تزيينية أو تحذيرية.
 فالبطولة، والذكاء، والعقل، والتفوق، والنجاح، والفلاح، أن تفهم على الله حكمة المصائب، تحذير حذرك، يوجد مشكلة بالبيت، ما دام هناك مشكلة إذاً يوجد معصية بالبيت إما منك أو منها، أو من كليكما، ابحث عن المعصية، ابحث عن أسباب المشكلة، لا تبق بأسباب سخيفة وقريبة وساذجة، ابحث عن سبب عميق، لماذا لا يوجد تفاهم زوجي؟ لأن هناك اختلاطاً، سهرة مختلطة وهي أجمل من زوجتك، وعينك عليها كل السهرة، وتتغزل فيها دون أن تشعر، أي لم تعد تعجبك زوجتك، ما دام هناك اختلاط لم يبق تفاهم زوجي، نحن بيدنا الشقاء.
 أريد أن أقول كلمة دقيقة: لو فرضنا بيتاً، له بابان، باب لغرفة الضيوف وباب للصالون، أعطى الأب أمراً ألا يستعمل باب غرفة الضيوف، هذا أمر وضعي، الأب وضعه، الأب اخترعه، العلاقة بين الأمر الوضعي ليست علاقة علمية، علاقة وضعية، الأب اخترعها، هذا الباب لا أحد يستعمله، هكذا أراد الأب، ادخل من الباب الثاني، لو جاء ابن وعصى والده ودخل من باب غرفة الضيوف يعاقب، لا يوجد علاقة بين الضرب و بين فتح الباب و الدخول منه، هي علاقة وضعية الأب وضعها، أما عندما يضع الابن يده على المدفأة وتحترق هي علاقة علمية، أنا إيماني بكل خلية بجسمي، وكل قطرة بدمي العلاقة بين الطاعة والمعصية، بين الطاعة ونتائجها، والمعصية ونتائجها علاقة علمية ليست علاقة وضعية، أي الانحراف في بذور نتائجه آلياً.
المذيع:
 الله يفتح عليكم دكتور، لذلك شيخنا الكريم كان المؤمن إذا وقع في ذنب يراه وكأن جبلاً قد خرّ على رأسه.

من ازداد إيمانه عظمت المعصية عنده :

الدكتور راتب :
 علامة إيمانه.
المذيع:
 علامة إيمانه لأن قلبه مازال سليماً.
الدكتور راتب :
 بارك الله بك على هذه الملاحظة، كلما ازداد الإيمان عظمت المعصية، وكلما قل الإيمان المعصية صغرت، المعصية تكبر عند المؤمن، وتصغر عند غير المؤمن.
المذيع:
 يكبر حسرتها في القلب.
الدكتور راتب :
 طبعاً، يقول: ماذا فعلنا؟ سهرة كلها غيبة ونميمة، ما عملنا شيئاً.
المذيع:
 هذه علامة سوء.
الدكتور راتب :
 نعم علامة سوء طبعاً.
المذيع:
 أما إذا إنسان وقع في ذنب دكتور وضميره أنبه.
الدكتور راتب :
 كلما كبر الذنب عندك فهذه الشهادة لمصلحتك، وكلما صغر الذنب عندك هي شهادة سلبية بحق الإنسان.
المذيع:
 جميل، نلخص الأفكار دكتور إذاً القلب السليم هو القلب الذي لا يشتهي حراماً.

تلخيص لما سبق :

الدكتور راتب :
 شهوة لا ترضي الله، ولا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله، ولا يعبد إلا الله.
المذيع:
 لا إله إلا الله، والإنسان ليحافظ على قلبه سليماً عليه بالعلم والحاضنة الإيمانية.
الدكتور راتب :

 

 علم وحاضنة إيمانية.
المذيع:
 من القضايا الخطيرة الإنسان أن يألف المعصية، فمع الوقت يستبيحها لنفسه، وكلما كبر ذنبه في عينه وأنبه ضميره كان قلبه سليماً، وحتى يحافظ على هذا الشيء عليه أن يثقله بالتوبة كما تفضلتم بشروطها وأركانها، نختم الحلقة بالدعاء شيخنا.

الدعاء :

الدكتور راتب :

 

 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر، أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارضَ عنا، واجعل هذا البلد الأردن آمناً مطمئناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، واحقن دماء المسلمين في كل مكان، واحقن دماءهم في الشام، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

خاتمة و توديع :

المذيع:
 الحمد لله رب العالمين، بارك الله بكم فضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي لكلماتكم الطيبة، إذاً مستمعينا هذا اللقاء كل ثلاثاء بعد موجز الثالثة، ويعاد في ذات الليلة الحادية عشرة مساءً، والجمعة الخامسة مساءً، وعبر قناة حياة fm على اليوتيوب.
 سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا الله، نستغفرك ونتوب إليك.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور