وضع داكن
24-04-2024
Logo
حياة المسلم 2 - إذاعة حياة إف إم - مدارج السالكين : الحلقة 05 - العلم
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

 الحمد لله رب العالمين، يا ربنا صلّ وسلم، أنعم وأكرم على نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، حياكم الله مستمعينا الأكارم على الهواء مباشرة، حياكم الله دكتورنا الحبيب.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم، وأعلى قدركم، وحفظ بلدكم.
المذيع:
 اللهم آمين.. شيخنا الكريم مستمعينا الكرام لازلنا متواصلين في سلسلة مدارج السالكين، وهذه الحلقة الخامسة وعنوانها " العلم "، نبدأ بقول الله سبحانه وتعالى:

﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾

[ سورة آل عمران : 18]

 ويقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم:

(( مَن سَلَكَ طريقا يَطلُبُ فيه علماً سَلَكَ الله بِهِ طريقاً من طُرُقِ الجنَّة، وَإِنَّ الملائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رضا لطالبِ العلم، وَإِنَّ العالمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَن في السمواتِ ومَن في الأرضِ، والحِيتَانُ في جَوفِ الماء))

[أبو داود والترمذي عن كثير بن قيس]

 شيخنا الكريم كيف يمكن للعلم أن يكون من مدارج السالكين؟

من طلب العلم حقق إنسانيته :

الدكتور راتب :
 أولاً: نحن أمام كائن جمادي كهذه الطاولة، لها طول، وعرض، وارتفاع، ووزن، وحجم، وعندنا كائن آخر هو النبات، يزيد على الجماد بالنمو، وعندنا كائن ثالث هو الحيوان، يزيد عليهما بالحركة، أما الإنسان فيأخذ من الجماد الوزن والحجم والطول والعرض والارتفاع، ومن النبات النمو، ومن بقية المخلوقات الحركة، لكن الله تفضل عليه بقوة إدراكية، العقل، هذه القوة الإدراكية لا تلبى إلا بطلب العلم، فإن لم يطلب الإنسان العلم هبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به، الدليل، وصف الله الذين شردوا عن الله أنهم:

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾

[ سورة النحل : 22]

 له قلب ينبض ثمانين نبضة بالدقيقة، وله ضغط مثالي ثماني نبضات على اثنتي عشرة، عند الله ميت، تبدو الحياة بالمفهوم الديني أن تعرف الله، أن تعرف منهجه، أن تطيعه، أن تؤمن بالآخرة، أن تعمل لها، أن تكون صالحاً، أن تتصل بالفئة الصالحة في المجتمع، فهذا الإنسان إذا طلب العلم الآن حقق إنسانيته، فإذا غفل عن العلم هبط عن مستوى إنسانيته، إما هو جماد:

﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾

[ سورة المنافقون: 7]

 أو هو كالحيوانات:

﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ﴾

[ سورة الفرقان: 44]

 أو هو كالدابة:

﴿ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾

[ سورة الجمعة: 5]

 إذاً خيار الإنسان مع العلم ليس خيار وردة حمراء أزين بها صدري، خيار هواء نستنشقه، فإن لم نستنشقه هبط الإنسان عن مستوى إنسانيته.
المذيع:
 لماذا للعلم هذه المكانة الكبيرة دكتور؟

المكانة الكبيرة للعلم :

الدكتور راتب :
 لأن الإنسان في عالم الأزل حينما خلق الله الكائنات جميعاً عرض عليهم الأمانة، فالكائنات:

﴿ وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾

[ سورة الأحزاب : 72 ]

 لم يحملنها،

﴿ وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا﴾

 خفنا منها،

﴿ وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾

 هذا خيار أزلي، في عالم الأزل طبعاً هذه الطاولة كائن، لكنها اختارت عدم المسؤولية، فكانت طاولة، والشجرة كائن ما دليلها؟

﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ ﴾

[ سورة الحجر : 21 ]

 أي ما من شيء على الإطلاق إلا يسبح بحمده:

﴿ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾

[ سورة الإسراء : 44 ]

 فجميع الكائنات نفوس، هذه النفوس اختارت أن تكون جماداً، أو حيواناً، أو ملكاً، فالجماد لا يحاسب، والملائكة لا تحاسب، كل المخلوقات عدا الإنسان لا تحاسب إلا الجن والإنس، فالجن والإنس قبلا حمل الأمانة، الآن عندما قبل حمل الأمانة الآن هو أعلى مخلوق على الإطلاق.
 أي إذا كان هناك أب عنده عشرة أولاد، وهو غني كبير، قال: كل واحد له مني بيت، وزواج، وسيارة، وخمسون ألفاً كل شهر، لكن إذا واحد منكم أتى بدكتوراه من أمريكا أعطيه نصف المعمل، إن لم يأت بها أجعله شحاذاً، لا يوجد حلّ وسط، البقية ما طمحوا لحمل الأمانة كالجماد، والنبات، والحيوان، إلا أن الإنسان قبل حمل الأمانة، فجاء بجواب هذه الآية الدقيقة جداً:

﴿ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴾

[ سورة الأحزاب: 72]

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾

[ سورة الأحزاب : 72 ]

 أنا اجتهاد مني، ولعلي على صواب، تُقرأ قراءتين، قراءة استفهامية:

﴿ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴾

 أي إذا كان الإنسان طموحاً يكون مخطئاً؟ لا لم يكن مخطئاً، كان على صواب، طموح، عندما قال الأب: من يأتي بالدكتوراه أعطيه نصف المعمل؟ قال له: أنا، عندما قال له: أنا، كان طموحاً، وعندما ذهب وما درس رجع إلى الصفر،

﴿ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴾

 تقرأ قراءة تقريرية، الأولى استفهامية، القراءة الثانية:

﴿ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴾

 هو غفل عن رسالته، وعن أمانته

﴿ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴾

المذيع:
 إذاً هذا العلم، وهذه المكانة:

﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة الزمر: 9]

 السؤال الكبير الذي سنطرحه بعد الفاصل على فضيلتكم دكتور ما هو أثر العلم في استقامة الإنسان، ما هو أثر العلم لكل إنسان في طريق السالكين إلى رب العالمين؟ نستأذن فضيلتكم إلى فاصل شيخنا الكريم ومعكم مستمعينا، ثم نعود على الهواء ونواصل هذا اللقاء وعنوانه العلم، هذه الحلقة الخامسة من مدارج السالكين.
 شيخنا الحبيب كنا نتحدث عن العلم، ومكانته، ومنزلته، ما هو أثر العلم على صاحبه ليكون من السائرين في مدارج السالكين؟

أثر العلم على صاحبه ليكون من السائرين في مدارج السالكين :

الدكتور راتب :
 أي هذا العلم قد أدرسه، وقد أفهمه، وقد أنطق به، فإن لم أطبقه ما انتفعت به إطلاقاً، وكان حجةً عليّ، فلذلك هذا العلم ما لم يطبق لا قيمة له إطلاقاً، والدليل الصحابة الكرام طبقوه، فتوحاتهم وصلت إلى مشارف الصين، ومشارف باريس، فلما اكتفينا بالعلم دون تطبيقه صار عندنا نكسة دينية، فنحن الآن نعاني ما نعاني، وكأنه خط بياني، نحن الآن كأمة إسلامية في الحضيض، ما الدليل؟ العالم كله يحاربنا، شرقه وغربه، شماله وجنوبه، العالم يؤمن بمبادئ مادية محضة، ديننا فيه مبادئ سماوية.
 لي كلمة دقيقة سأقولها: كان من الممكن أن يكون الكفار في كوكب، والمؤمنون في كوكب، وكان من الممكن أن يكون الكفار في قارة، والمؤمنون في قارة، وكان من الممكن أن يكون الكفار في حقبة زمنية معينة و المؤمنون في حقبة أخرى، لكن شاءت حكمة الله أن نكون معاً على أرض واحدة، وفي زمن واحد، لأن الحق لا يقوى إلا بالتحدي، ولأن أهل الحق لا يستحقون الجنة إلا بالبذل أو التضحية، الآن يكون معنا أناس آخرون، الطرف الآخر يتناقض معنا عقيدياً، وسلوكياً، هذا قدرنا، والإنسان ينبغي أن يحترم حكمة الله عز وجل، فأنت الذي تعبده، وتحبه، وتطيعه، وتتمنى رضاه، هذا قراره أن نكون معاً، الحق يقوى بالتحدي، والباطل يحتاج إلى من يدحضه، لا إلى من يعظمه.
المذيع:
 ما هو أثر العلم على الإنسان كفرد دكتور، في استقامته، في تزكية نفسه كي يكون إنساناً منضبطاً مع الله ومع المجتمع؟

أثر العلم على الإنسان كفرد في استقامته و تزكية نفسه :

الدكتور راتب :
 إن لم يكن هناك فرق كبير جوهري في المنطلقات والتصورات والمبادئ، وفي كسب المال، وفي إنفاق المال، وإدارة البيت، وإدارة النفس، والعلاقة مع الأقارب، ومع الأصدقاء، والله الإسلام في تفاصيله يوجد مليون بند، لكن الناس فهموا الإسلام فهماً غير محدود، فهموه عبادات شعائرية، فهموا أن الإسلام صلاة، وصوم، وحج، وزكاة، أما:" ترك دانق من حرام خيرٌ من ثمانين حجة بعد حجة الإسلام" فهذه العبادات لا تقطف ثمارها، ولا تؤدى وظيفتها، إلا بالعبادات التعاملية، والتعاملية جاءت في النص التالي، عندما سأل النجاشي جعفر بن أبي طالب عن هذا الدين؟

(( أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لتوحيده، ولنعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء ))

[ ابن خزيمة عن جعفر بن أبي طالب ]

 العبادات الشعائرية كالصوم والصلاة والحج والزكاة والشهادة لا تقطف ثمارها إلا إذا صحت العبادات التعاملية، هذه المشكلة.
المذيع:
 والعبادات التعاملية وحدها أيضاً لا قيمة لها دون عبادات شعائرية كالصلاة والصوم.
الدكتور راتب :
 الأذكياء يفعلونها، الغرب فيه إسلام لكنه إسلام مصلحي، هو أدرك أنه إذا استقام يربح أكثر، إذا أتقن عمله يربح أكثر، فانطلق بمعاملته من مصلحته فقط، لذلك: إن الله ينصر الأمة الكافرة العادلة في الدنيا، على الأمة المسلمة الظالمة، والدنيا تصلح بالكفر والعدل، ولا تصلح بالإيمان والظلم، هذا كلام ابن تيمية.
المذيع:
 من هم الراسخون في العلم دكتور الذين وردوا في سورة النساء؟

تعريف الراسخين في العلم :

الدكتور راتب :
 الذين عملوا بما علموا، علم أن الربا حرام، تركه، الاختلاط حرام، تركه، كسب المال الحرام، تركه، الغش حرام، تركه.
المذيع:
 ما الحاجة إلى العلم دكتور؟

حاجة الإنسان إلى العلم :

الدكتور راتب :
 من أجل أن تستقيم، كل ثمار الدين بالاستقامة، وما لم تستقم على أمر الله لن تقطف من ثمار الدين شيئاً، صار فولكلوراً، الإسلام فلكلور، القرآن قُرئ في باريس على أنه فولكلور إسلامي فقط، كان عنوان اللقاء: فولكلور إسلامي، من دون علم، من دون تطبيق ليس له قيمة.
 لذلك ليست كلمة المسلمين هي العليا، لأنهم ما طبقوا.
المذيع:
 قضية أن يعمل الإنسان بما يعلم هذه قضية حساسة في حياة الناس.
الدكتور راتب :
 أهم شيء سيدي.
المذيع:
 هل عدم وصول الإنسان إلى العلم دكتور أي تكاسله عن طلب العلم يعفيه من هذه المسؤولية؟

تكاسل الإنسان عن طلب العلم لا يعفيه من المسؤولية :

 يوجد حل ثان، صار هناك عبادة، أي أنت عندك مكيف، إنسان أُمي لا يقرأ ولا يكتب، والحر لا يحتمل، فاشترى مكيفاً، وضع يده على زر التشغيل كبس جاءه هواء بارد، فانتفع به وهو لا يدري كيف يعمل هذا المكيف، يأتي دكتور في التكييف، أستاذ في الجامعة وضع يده على الزر فجاءه هواء بارد، لكن هذا دكتور في الجامعة واختصاصه في التكييف، وهو يعرف دقائق عمل غاز البوتان كيف يصبح بارداً.
 العابد يقطف ثمار الدين وحده، وقالوا: الانتفاع بالشيء ليس أحد فروع العلم به، قد تنتفع بالمكيف، ولا تدري عن آليته، وخصائصه شيئاً، يأتي الدكتور بالتكييف يعرف تركيبه يكون أستاذ جامعة بالتكييف، فالعابد ينتفع من الدين وحده فقط، العالم ينتفع غيره، انتقل علم العالم للآخرين، لذلك:

﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً ﴾

[ سورة النحل: 120]

 كان أمة، والعالم الناجح بعلمه بقلب المئات.
المذيع:
 شيخنا الكريم، كيف لنا أن نطلب العلم في هذا الزمان؟ واليوم الحد الكبير لا تستطيع أن تتفرغ لحلقات المساجد، وللدراسة الجامعية، للعلم الشرعي بشكل كبير، كيف نطلب العلم في هذا الزمان؟

كيفية طلب العلم في هذا الزمان :

الدكتور راتب :
 هو في عبادة إسلامية، تعليمية، إن تركها الإنسان خطبة الجمعة ثلاث مرات خُتم على قلبه، نحن عندنا عبادة تعليمية، عبادة.

((من ترك الجمعة ثلاثاً طبع على قلبه))

[أبو داود والنسائي و الترمذي عن أبي الجعد الضمري]

 لو فرضنا أسوأ نظام بالعالم لا يستطيع أن يمنع الخطبة، قد يمنع الدروس، أسوأ نظام بالعالم، أما هذه الخطبة فمن لوازم الإسلام.
المذيع:
 هل تفيد الإنسان في تحصيل العلم خطبة الجمعة وحدها؟
الدكتور راتب :
 الخطبة تعلمك أساسيات الدين، إذا خطيب عالم ومخلص يعمل خطباً متسلسلة، يوماً عن الاستقامة، يوماً عن العمل الصالح، يوماً عن الإيمان بالآخرة، أي يعمل خطباً متسلسلة متتابعة، يقول سيدنا عمر: " كنت قد أعددت كلاماً قاله عني أبو بكر" فالخطيب بالحد الأدنى يعد خطبته، آية، حديث، قصة نبوية بالسيرة، موضوع علمي يعد للخطبة، فإذا أعدها سمعها عشرة آلاف أحياناً، وإذا على الإذاعة يسمعها مئتا ألف، فلذلك خطبة الجمعة هي العبادة التعليمية الأولى في الإسلام.
المذيع:
 إضافة إلى خطبة الجمعة دكتور، كيف لنا أن ننهل من العلم؟
الدكتور راتب :
 يوجد دروس يا سيدي، لا يوجد بلد إسلامي إلا وفيه جوامع، والجوامع فيها دروس.
المذيع:
 ليس الكل دكتور يتمكن من ذلك لأن وقته لا يتسع، أو بعض النساء لا يستطعن الذهاب إلى الجوامع.
الدكتور راتب :
 هناك دروس يعملونها يوم الجمعة، وهناك دروس بالليل بعد العشاء.
المذيع:
 الدروس العلمية المسجلة والتي تبث على القنوات هل تفيد الإنسان؟ أو يجب أن يتتلمذ على يد شيخ؟

سبل العلم متاحة للإنسان في كل زمان و مكان :

الدكتور راتب :
 ليس شرطاً، الحقيقة سبل العلم الآن تفوق حدّ الخيال، أنت بكمبيوتر، بأيباد بأي جهاز إلكتروني بكبسة زر تضع سؤالاً تأتيك خمسون إجابة، لا يوجد وقت بالتاريخ، العلم مبذول كهذا التاريخ.
 مرة سافرت أنا بدعوة رسمية إلى بلد، معي زميل معه حقيبة والله فيها ما يقارب الخمسين أو الستين كتاباً، يريد أن يحضر، أنا معي فقط آيباد.
المذيع:
 نستأذن منكم شيخنا أن نقف ونعود إليكم بإذن الله من جديد، ولنواصل حلقتنا مع الدكتور محمد راتب النابلسي.
 فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي في حديث النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أن الإنسان:

((إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: عمل ينتفع به))

[أبو هريرة عن ابن خزيمة ]

 كيف يمكن للعلم أن ينفع صاحبه وهو على قيد الحياة وبعد وفاته؟

نفع العلم لصاحبه في حياته وبعد وفاته :

الدكتور راتب :
 أنا قبل أن أجيب عن هذا السؤال أقول: الويل ثم الويل ثم الويل لمن لم يكن له عمل إذا جاءه الموت، هذا شخص له عمل، وجاءه الموت انقطع عمله، فكيف بالذي له عمل صالح؟ الذي شرد عن الله، ولحق أهل السوء، واستغرق وقته في شهواته، وغرائزه، هذا إنسان وقع في خطأ كبير، أما هذا الذي له عمل صالح فينقطع عند الموت، إلا علم ينتفع به، وولد صالح يدعو له من بعده.
المذيع:
 والصدقة الجارية، كيف للعلم دكتور أن ينفع الإنسان بعد وفاته؟ مات الإنسان.
الدكتور راتب :
 إذا علم، الذين علمهم، يقولون إن الإمام الغزالي كان يحضر مجلسه خمسمئة عمامة، قال بعضهم: من هو الإمام الغزالي لولا إحياؤه؟ ترك الكتاب، الكتاب يستمر، العالم مهما كان عالماً كبيراً، مهما كان أتباعه كُثر، الغزالي خمسمئة عمامة بدرسه، لكنه ترك الإحياء، فالكتاب يبقى.
 البطولة للعلماء، العلم دقيق جداً، حضرته، وتعبت فيه سجله بكتاب، اطبع كتاباً، الكتاب يبقى، هذا الكتاب إذا بقي ينتفع به كل من قرأه، الكلام الشفهي يحتاج إلى تواجد شخصي، أما اللغة، فميزة اللغة تؤلف كتاباً، القرطبي من ألف سنة ينتفع به المسلمون جميعاً كتفسير، الكلام الشفهي يحتاج إلى تواجد شخصي، أما عندما يكون هناك طباعة صار عندك أجيال، إذا كان هناك ترجمة فهناك أمم، الشفهي لقاء حقيقي مباشر، يسمونه فيزيائياً، لقاء فيزيائي، أما باللغة فيوجد لقاء لغوي، بالترجمة لقاء أممي، العلماء الكبار كتبهم كلها مترجمة باللغات الثانية.
المذيع:
 إذاً حينما يؤلف الإنسان كتاباً أو يترك درساً متلفزاً مصوراً فإننا من ينتفع بهذا العلم.

حفظ القرآن الكريم للغة العربية :

الدكتور راتب :
 لكن يوجد نقطة دقيقة جداً: نحن طلابنا في الصف العاشر في سوريا يقرؤون شعر امرئ القيس، امرؤ القيس عاش قبل ألف وخمسمائة عام:

ألا أيها الليل الطويل ألا انجلِ  بصبحٍ وما الإصباح منك بأمثلي
***

 هذا بيت قيل قبل ألف وخمسمائة عام، الآن اللغة الإنكليزية، شعر شكسبير جاء عام 1650، لا يمكن لإنسان بريطاني الآن أن يفهمه إلا مترجماً، من اللغة الإنكليزية السابقة للغة المعاصرة، هذه ميزة بكتابنا أن القرآن حفظ لنا اللغة، فطالبنا في الصف العاشر يقرأ شعراً قيل قبل ألف وخمسمائة عام، هذه اللغة العربية حفظها القرآن، بينما أرقى اللغات العالمية اللغة الإنكليزية، لا يمكن لإنسان أن يفهم هذه اللغة التي قالها شكسبير عام 1650.
المذيع:
 القرآن الكريم حفظ اللغة العربية كعلم متداولٍ بين الناس.
 جميل! دكتور،عندما نتحدث عن العلم، وعن فضله، وعن مكانته، وعن طلبه، الآن ما هو فضل العلماء؟ ما هو فضل الذين يعلمون الناس؟ يبذلون من وقتهم ومالهم.

فضل العلماء :

الدكتور راتب :
 هم مشاعل، مشاعل الأمة، والحقيقة العلماء نوعان، متفرغون، وهواة، أما إذا كان الإنسان متفرغاً فهذا له عمل عظيم، عمله الوحيد هو نقل العلم إلى الناس، وكلما كانت الدولة راقية أكثر تكثر من المتفرغين، المتفرغ همه الوحيد نقل العلم.
المذيع:
 لا يستطيع دكتور أن يكون العالم متبحراً في علمه إلا إذا كان متفرغاً؟
الدكتور راتب :
 طبعاً يحتاج إلى تفرغ، وتعمق، وتبحر، أما الآخر المتطوع فلا يوجد مانع، وجيد، هذا يسمونه هاو، يوجد محترف وهاو، المحترف هذا اختصاصه، الله ماذا قال؟

﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾

[ سورة يوسف : 108]

 فأي إنسان يتبع رسول الله يجب أن يكون داعية، لكن بشروط محدودة جداً، في حدود ما يعلم ومع من يعرف فقط، الدعوة إلى الله كفرض عين تؤكدها هذه الآية:

﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾

  فالذي لا يدعو إلى الله على بصيرة، ما البصيرة؟ الدليل والتعليل، الدليل أن هذا حرام هذه الآية، والتعليل:

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾

[ سورة التوبة : 103]

 هذا التعليل، يوجد دليل وتعليل، هذا العلم الذي يعلن بالضرورة، أما التبحر، والتعمق، والانتشار فيحتاج إلى تفرغ، الآية تقول:

﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ ﴾

[ سورة آل عمران : 104]

 منكم؛ من للتبعيض، أو للتبيين.

﴿ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾

[ سورة آل عمران : 104]

المذيع:
 دكتورنا الكريم، بعض الأشخاص حينما يسلم، أو يبدأ مشواره بالهداية والصلاح مع الله، عندما يجد من العلم ما هم صعب عليه، الكتب بالألوف، التفاصيل دقيقة في هذا العلم الشرعي، يرى أنها صعبة ولا يستطيع أن يتابع.

التدرج في الدعوة :

الدكتور راتب :
 المعلم غير حكيم، الإله العظيم كيف حرم الخمر؟ بالتدريج، فكل إنسان عنده إخلاص لله عز وجل لا يثقل على المسلم حديثاً، يعطيه موضوعاً واحداً، طبقه، يعطيه الثاني، الثالث، التدرج في التدريس، التدرج حكمة، أوضح مثل بالقرآن آيات كلها منسوخة:

﴿ لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ﴾

[ سورة النساء : 43]

 ممنوع أن يسكر الشخص نهائياً، لكن هذا كان بمرحلة معينة، فالقرآن إذا أبقى الآيات المنسوخة موجودة فذلك كي تعلمنا التدرج في الدعوة، يأتي شخص فرنسي يريد أن يسلم فرضاً، يعطيه هذا العالم مئة ألف قضية، لا يتحمل، أعطه اثنتين أو ثلاث طبقهم أعطه ثلاث أخريات، وهكذا، التدرج سنة.
المذيع:
 هل فضل العلم دكتور والحث في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم على العلم مقتصر على العلم الشرعي أم أن نطلب العلم في شتى أنواعه؟

أنواع العلم :

الدكتور راتب :
 لا هو مطلق، العلم مفيد، لكن العلم الآخر مفيد في الدنيا فقط، معه هندسة، معه طب.
المذيع:
 لكن لولاه لا تستمر الحياة دكتور.
الدكتور راتب :
 أساسي، لكن ليس هو المقصود وحده، لذلك هناك علم بخلقه، فيزياء، كيمياء، رياضيات، طب، هندسة، فلك، تشريح، بيولوجيا، علم بخلقه، العلم بخلقه يحتاج إلى مدارسة، يحتاج إلى جامعة، دكتور في الجامعة يلقي محاضرة، كتاب مقرر يقرؤه، يحفظه، يقدم امتحاناً ينجح من السنة الأولى للثانية و من الثانية للثالثة ثم للرابعة فالخامسة، يأخذ لسانس يكمل دبلوم، ثم ماجستير فدكتوراه، هذا اسمه علم مدارسة، علم بخلقه، يحتاج إلى مدارسة.
 الآن علم بأمره، معه دكتوراه بالشريعة، الحلال، والحرام، والفرض، والسنة، والواجب، والسيرة، إلخ..
 وعلم بأمره يحتاج إلى مدارسة أيضاً.
 أما أعظم علم فهو العلم به، أن تعرف الله، العلم به يحتاج إلى مجاهدة، جاهد تشاهد، علم بخلقه، وعلم بأمره، وعلم به.
المذيع:
 كلام طيب وجميل، شيخنا الكريم، الفرق بين العالم العابد، وبين العابد دون علم، أي بين من يصلي، ويصوم، ويؤدي الأركان، ولكن لا يعرف، لا يعلم بهذا الدين، وبين من يعبد الله؟

الفرق بين العالم و العابد :

الدكتور راتب :
 لعلي تكلمت سابقاً أن العابد عنده مكيف، فيه مفتاح تشغيل شغله، جاءه هواء بارد، انتفع وحده بهذا المكيف، أما الذي معه دكتوراه بالتكييف فأعطى دروس بالجامعة على التكييف، العابد ينتفع وحده بعبادته، وهو ناج.
المذيع:
 مثلاً دكتور، في حديث النبي عليه الصلاة والسلام:

((فضلُ العَالِم على العَابِدِ كَفَضْلِي على أدْناكم))

[ الترمذي عن أبي أمامة الباهلي]

 وفي رواية أخرى:

((وَإِن فَضْلَ العالمِ على العَابِدِ كَفضل القمر ليلة البدرِ على سائرِ الكَوَاكِب))

[أبو داود والترمذي عن كثير بن قيس]

الدكتور راتب :
 العالم انتشر علمه.
المذيع:
 ألا يحميه في ثباته على دينه عندما تكون عبادته عن علم؟
الدكتور راتب :
 العبادة وحدها بمجتمع مسلم لابأس بها، أما بمجتمع متفلت فلا تنتفع بها، إذا المجتمع كله متفلت مثل عصرنا الحالي، العبادة لا تكفي، العابد لا يوجد معه حجج، يأتي شخص يقنعه أنت غلطان، الدين انتهى أمره، هذه كلها أشياء قديمة وميتافيزيقية، فالعابد لا يوجد عنده حجة، أما العابد بالعصور السابقة فالجو العام كله إسلامي فينتفع بعبادته لكنه ينجو وحده.
المذيع:
 شيخنا، في حديث النبي الذي ذكره عليه الصلاة والسلام لقاتل التسعة والتسعين نفساً فلما أراد التوبة دُلّ على راهب، فلما أخبره، فقال له: لا توبة لك فأكمل به المئة، فُدل على أعلم أهل الأرض، كان رجلاً عالماً.
الدكتور راتب :
  الراهب كان عابداً، ما عرف الحقيقة، ما الدليل؟ الدليل قرآني سيدي، الفرق بين العلم والعبادة مسافة كبيرة.

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ﴾

[ سورة الزمر : 53]

(( يا عبدي لو جئتني بملء الأرض خطايا غفرتها لك ولا أبالي ))

[ورد في الأثر ]

 فكلما عرفت الله أكثر كان الأفق أوسع، وتعرف رحمة الله بعباده.
المذيع:
 ونعمة بالله رب العالمين، إذاً الإنسان بالعبادة يمكن أن تنجيه إذا كان في وسط مؤمن، لكن في استقراره الفكري.
الدكتور راتب :
 لا يستطيع بها أن يقاوم الشبهات، والشهوات، الآن نحن بعصر كل شيء يدعو للمعصية، أولاً هناك موانع للطاعة، ومرغبات بالمعصية، موانع وصوارف، نحن بكم كبير من الصوارف، أي ممكن أن تفتح الانترنيت، تتابع فيلماً بالتلفاز، عندك ألف عمل يصرفك عن عبادة الله، وعندك عقبات كثيرة، هذا المسلم متزمت، متحجر، فكره تقليدي، ما عنده فهم عميق للحياة، عندك طرح علمي يناقض الدين، وعندك طرح اجتماعي يناقض الدين، صار شيخاً، تمشيخ، الآن نخاف منه أكثر، هكذا يتكلم العوام، هذا المؤمن إنسان كبير جداً.
المذيع:
 كثرة طلب العلم وأن يكون الإنسان بين الأبحاث والمؤلفات تزيد القلب رقةً أم تزيده جفاءً؟

حاجة الإنسان إلى التنوع :

الدكتور راتب :
 الحقيقة أن البطولة بالتنوع، أي أنت تكون زوجاً مثالياً، وأباً مثالياً، أو زوجة مثالية، وأماً مثالية، وموظفاً مثالياً، وطبيباً مثالياً، ومتديناً مثالياً، الإنسان يحتاج إلى التنوع، تكون طبيباً مثالياً تتابع علمك، وتنصح المريض، وتصبر عليه، وتسمع منه، و تعطيه الدواء، فكلما أتقنت حرفتك كنت أقرب إلى الله.
 الإسلام كُلّ متكامل، عبادتك لها علاقة بحرفتك، لها علاقة بزواجك، لها علاقة بكسب مالك، لها علاقة بإنفاقك، لها علاقة بإمضاء وقت فراغك، لها علاقة بنزهاتك.
المذيع:
 الله يفتح عليكم يا دكتور، كلام طيب وكلام جميل!
 لماذا دكتور في الحديث أن العلماء هم ورثة الأنبياء؟

العلماء ورثة الأنبياء :

الدكتور راتب :
 لأن الأنبياء معهم رسالة، الأنبياء معصومون، والرسل معهم رسالة، أما العالم فدعوته جزء من دعوة النبوة.
المذيع:
 هذا ما ورثه الأنبياء، لم يورثوا درهماً ولا ديناراً.
الدكتور راتب :
 ورثوا علماً، فمن أخذ به أخذ به بحظ وافر.
المذيع:
 جميل، ينفعه في الدنيا وكما في الحديث أيضاً ينفعه في الآخرة.
 دكتورنا الكريم، هل يمكن للإنسان أن يكون عالماً في شأنٍ ديني ودنيويٍ معاً؟ نحن حينما نقرأ في تاريخنا عن العلماء الذين اكتشفوا واخترعوا نجد أنه كان حافظاً للقرآن، وأيضاً كان عالماً في الفلك، والفيزياء، وما شابه.

على الإنسان أن يتعلم كلّ شيء عن شيء وشيئاً عن كل شيء :

الدكتور راتب :
 طبعاً، هذا اسمه موسوعي، يمكن أن تتقن علماً واحداً، وعندك ثقافة عامة، قالوا عن هذا الشيء: تعلم كل شيء عن شيء، وشيئاً عن كل شيء، عنده ثقافة اختصاصية، طبيب قلب، مهندس جسور، مهندس تربة، تعلم كل شيء عن شيء، باختصاص، وشيئاً عن كل شيء، وهناك قلة قليلة عندهم تفوقات عالية جداً، عنده اختصاصان درجة أولى.
المذيع:
 كلام طيب وكلام وجميل.
 شيخنا الكريم، في حديثنا عن طلب العلم إذا وجد الإنسان فيه مشقة، مثلاً كغير العرب حينما يتعلمون القرآن الكريم، واللغة العربية صعبة عليهم.

القرآن الكريم ربيع القلوب و تعلمه فيه تيسير إلهي :

الدكتور راتب :
 أجرهم عشرة أضعاف، شخص نشأ ببلد عربي، القرآن واضح، هذا الأجنبي حتى عرف اللغة، والله سافرت لبلاد مثل إندونيسيا لا يتكلمون اللغة العربية، يقرؤون القرآن بشكل لا يصدق، القرآن له ميزة، الله يعين من تعلمه من غير العرب، والله تسمع قراءات من أناس لا يعلمون باللغة ولا كلمة، تبكي منها، هذا القرآن:

﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ ﴾

[ سورة القمر : 17]

 فيه تيسير إلهي هو ربيع القلوب.
المذيع:
 ونعمة بالله، الله يفتح عليكم يا دكتور.
في قوله تعالى:

﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً ﴾

[ سورة طه: 114]

 ما المقصود هنا دكتور؟

حجم الإنسان عند ربه بحجم علمه :

الدكتور راتب :
 ما قال زدني مالاً، ولا جاهاً، ولا منصباً، لأنك أنت حجمك عند الله بحجم علمك، وعملك الصالح بحجم علمك، حجمك عند الله بحجم علمك، وحجمك في الدنيا بحجم عملك الصالح، فالعلم أساس.
المذيع:
 لماذا كان طريقاً للجنة أيضاً دكتور:

((مَن سَلَكَ طريقا يَطلُبُ فيه علماً ))

العلم طريق الاستقامة والعمل الصالح :

الدكتور راتب :
 العلم طريق الاستقامة والعمل الصالح، والعمل الصالح هو طريق الجنة الوحيد، لا يوجد غيره، والدليل:

﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً ﴾

[ سورة المؤمنون :99 - 100]

 وسمي صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله، يصلح إذا كان خالصاً وصواباً.
المذيع:
 في قول النبي الكريم عليه الصلاة والسلام:

((الدُّنيا مَلعْونَةٌ، مَلْعُون ما فيها، إِلا ذكرُ الله، وما والاهُ، وعَالِمٌ، ومُتَعَلِّمٌ))

[أخرجه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه]

 ذكر الله، والقرآن، والمساجد، والعلم.

العلم نور :

الدكتور راتب :
 اجلس سهرة للساعة الثانية ليلاً كلها عن التجارة، تقوم ميت القلب، أما إذا التقيت بالسهرة مع داعية ينشطك دينياً، يعطيك حماساً تصلي صلاة متقنة، تصلي قيام الليل، تقرأ القرآن، تعمل عملاً صالحاً، تختار زوجة صالحة، العلم نور "إن هذا العلم نور".
المذيع:
 حينما يجد الإنسان دكتور تشتيتاً في هذا العلم أي يستمع إلى عالم فيخبره بمنهج معين، يستمع إلى عالم آخر، يفتيه بشيء مختلف تماماً.

الاكتفاء بعالم ثقة واحد :

الدكتور راتب :
 أنا أتمنى بالبدايات اكتف بعالم واحد، عندك بدايات ثم نهايات.
المذيع:
 ما شروط هذا العالم الثقة دكتور؟
الدكتور راتب :
 يكون عنده حد أدنى من العقيدة الصحيحة، والاستقامة الصحيحة، حد أدنى لا حد أعلى.
المذيع:
 كيف لي أن أحكم على عقيدته أنا دكتور كمسلم؟

الله عز وجل أودع في قلب كل إنسان حاسة تكتشف الصادق من الكاذب :

الدكتور راتب :
 والله أنت ترتاح للعالم الصادق دون أن تشعر، الله أودع في كيانك رغبة، أو أودع في كيانك حساساً مثل المقياس، أحياناً أنت تمسك شيئاً، تقول: هذا مئتا غرام، فيكون مئتين وعشر، أو مئة وتسعين، لكن عندك إمكانية أن يكون الفرق بسيطاً جداً بين الوزن الحقيقي و الوزن الذي تقوله، فكل إنسان أعطاه الله حساً ذاتياً، هذا صادق، تحس بصدقه، وإخلاصه، أحياناً تحس بشخص كأنه وصولي يتاجر بالعلم، لأن هذا العلم سيدي إما أن يتاجر به، وإما أن يلقى إخلاصاً.
 الله عز وجل أودع في قلب كل إنسان نسميها الحاسة السادسة، تكتشف الصادق من الكاذب، أما إذا أنا رئيس دولة، أو وزير معارف أريد أن أعلم خمسة ملايين تلميذاً الإسلام، فأحتاج إلى مدرسي ديانة، يعلمون ستاً و ثلاثين ساعة بالأسبوع، أريد أناساً متفرغين، أعطيهم معاشاً، هذا يأخذ معاشه أحلّ من حليب أمه، أنا عندما أفرغ إنساناً، أفرغه للعلم، لا يستطيع أن يعمل عملاً آخر إطلاقاً، أنت معلم عندك ستة أيام دوام، وست و ثلاثون ساعة بالأسبوع تدريس، من أين يأكل هذا؟ يجب أن أعطيه معاشاً كافياً وأكرمه.
 إلا أن المعلم بألمانيا يحتل أعلى مكانة في المجتمع، أي معلم جاء للقرية فأفضل بيت له، لماذا تقدموا كثيراً؟ لأن الدول المتقدمة جداً اعتنوا بالمعلم.
المذيع:
 هل يمكن للإنسان في علمه أن يكتسب المال؟

اكتساب الإنسان المال من علمه و لكن بالحد المعقول :

الدكتور راتب :
 مسموح، لكن بسعر معقول، ألا يستغل به أحداً.
المذيع:
 أي لو باع مؤلفاته، وأخذ راتباً؟
الدكتور راتب :
 لا يوجد مشكلة، حقوقي، الحقوق محفوظة، لكن لو فرضنا أن له عملاً آخر، تاجر مثلاً، لو ألّف كتاباً وكان سعره بكلفته يكون قد خدم الأمة، صار عملاً صالحاً.
المذيع:
 لم نسمع في الماضي دكتور مثلاً عن علمائنا أنهم كانوا يتقاضون مالاً في مجالس العلم.

الامتناع عن تقاضي المال في مجلس علم علمائنا القدماء :

الدكتور راتب :
 لا، أبداً.
المذيع:
 لماذا دكتور؟
الدكتور راتب :
 لأن هذا العلم لله، هذا العلم لله.
المذيع:
 كيف كانوا يعيشون؟
الدكتور راتب :
 لهم مصالح ثانية، أبو حنيفة كان تاجر قماش، أكثرهم لهم حرف، والحرفة للعالم وسام شرف له، هو نحّى الناحية المادية عن العلم، إذا كان الشخص فقيراً جداً وصار عالماً بعقله الباطن يرحب بالأغنياء أكثر دون أن يشعر، يرحب بالأغنياء والأقوياء، من مدح غنياً أو قوياً ذهب ثلثا دينه، إذا مدح غنياً طمعاً بماله، أو قوياً ذهب ثلثا دينه.
المذيع:
 في فترة من الفترات دكتور كان هنالك أوقاف تقوم بها الدولة الإسلامية للنفقة على طلبة العلم، وكانت تكفيهم معونة الناس، ويتفرغون للعلم.

حاجة العلم إلى تفرغ تام :

الدكتور راتب :
 ليس أوقافاً، كان هناك بيوت لهم، بيوت سكن ونفقات مجزية.
المذيع:
 يشابه تفرغ العلم اليوم، بعض المعاهد العلمية والجامعات.
الدكتور راتب :
 البطولة أن العلم يحتاج إلى تفرغ، هذه البعثات سيدي.
المذيع:
 الله يفتح عليكم يا دكتور، ويرفع مقامكم، نستأذنكم أن نختم هذه الحلقة بالدعاء، ونسأل الله تعالى القبول.

الدعاء :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسينا ذكرك، أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارضَ عنا، اجعل هذا البلد الأردن سالماً مسلماً إن شاء الله، واجعل هذا البلد آمناً في خدمة هذه الدعوة الكريمة.

خاتمة و توديع :

المذيع:
 الحمد لله رب العالمين، بارك الله بكم فضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي لهذه الكلمات الطيبة.
 إذاً مستمعينا كانت هذه الحلقة الخامسة من سلسلة مدارج السالكين، وعنوانها "العلم"، أعاننا الله وإياكم على طلب العلم، والإخلاص بنيته فيرفع الله به أقواماً في الدنيا والآخرة.
 إلى لقاء جديد في الأسبوع المقبل بحوله تعالى، سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور