وضع داكن
20-04-2024
Logo
حياة المسلم 2 - إذاعة حياة إف إم - مدارج السالكين : الحلقة 06 - الإستقامة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

 الحمد لله رب العالمين، يا ربنا صلِّ وسلم، أنعم وأكرم على نبينا ورسولنا وحبيب قلوبنا محمد صلى الله عليه وسلم، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، حياكم الله.
 شيخنا الكريم أهلاً وسهلاً بفضيلتكم معنا.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم، وأعلى قدركم.
المذيع:
 حفظكم الله دكتور، لازلنا نحن وإياكم شيخنا الكريم ومستمعينا الكرام في سلسلة مدارج السالكين، هذه هي الحلقة السادسة منها وعنوانها: "الاستقامة"، نبدأ بقول الخالق سبحانه وتعالى من سورة فصلت في الآية ثلاثين، بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾

[ سورة فصلت: 30]

 دكتور الاستقامة ما هي؟

 

تعريف الاستقامة :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 بارك الله بكم، ونفع بكم، وحفظ لكم إيمانكم وبلادكم.
 بادئ ذي بدء: الإنسان قد ينتفع من طبيب ولا تعنيه استقامته مع ربه، يعنيه علمه، وقد ينتفع من مهندس ولا تعنيه استقامته مع ربه، يعنيه علمه، وقد ينتفع من محامٍ ولا يعنيه استقامته، بل يعنيه علمه في القوانين، إلا رجل الدين، لا يمكن أن ينتفع به، إلا إذا تأكد المستمع أن أقواله كأفعاله، وأن أفعاله كأقواله، وليس هناك مسافة بين أقواله وأفعاله، لأن الإنسان يتعلم بعينه لا بأذنه، يتعلم أن يرى إسلاماً يتحرك أمامه.
 قيل: إن الكون قرآن صامت، وإن القرآن كون ناطق، وإن النبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي.
 الآن اقتباساً من هذه المقولة الرائعة: ما لم ير الناس إسلاماً يمشي أمامهم، إن حدثك فهو صادق، إن وعدك فهو يوفي بوعده، إن عاملك فهو أمين، إن أمرك بشيء فهو قدوة لك فيه، رجل الدين فقط لا ينتفع منه إلا إذا كان هناك تلازم بين أقواله وأفعاله.
المذيع:
 هذه الاستقامة دكتور؟
الدكتور راتب :
 هذه استقامة مبدئياً.
 أنا زرت عالماً كبيراً في مصر الشيخ الشعراوي، فسألته عن نصيحة للدعاة إلى الله.
المذيع:
 حضرتك شخصياً؟
الدكتور راتب :
 نعم أنا زرته ثلاث مرت، وألّفت عنه كتيباً، اللقاءات الثلاثة أصبحت كتيباً عنه، سألته عن نصيحة للدعاة، فتوقعت أن تستمر النصيحة نصف ساعة، أو ربع ساعة، أو عشر دقائق، فإذا بها جملة واحدة، قال لي: ليحذر الداعية أن يراه المدعو على خلاف ما يدعوه.
المذيع:
 هذه وصية الشعراوي رحمه الله.

 

للدين ثلاث خصائص :

الدكتور راتب :
 أنا تعلمت شيئاً أن هذا الدين له ثلاث خصائص، تطبيقه، والعمل به بشتى مراحل الحياة، وأن يكون قدوة لغيره، أي الناس يقنعون بداعية يطبق ما يقول، ويعمل بما يقول، ويطبق فيما بينه وبين نفسه، أي بيته إسلامي، عمله مشروع، أولاده، بناته، زوجته، كل شؤون الدين مطبقة في بيته، الآن يقنعون به، وعمله في ثلاث دوائر- كلامي دقيق جداً -الإنسان عنده الدائرة الأولى نفسه، فلابد أن يقيم الداعية الإسلام في نفسه أولاً، كل شيء تكلمه لابد أن يراه الناس في سلوكه، إن حدثك فهو صادق، إن عاملك فهو أمين، إن استثيرت شهوته فهو عفيف.
 ما دليلها؟ طبعاً نحن عندنا عبادات شعائرية، كالصلاة، والصيام، والحج، والزكاة، والنطق بالشهادة، وهناك أدلة قطعية قرآنية أن هذه العبادات لا ينتفع بها، ولا تؤدي وظيفتها، بل ولا قيمة لها إن لم ترافقها عبادات تعاملية.
 ما العبادات التعاملية؟ ذكرها سيدنا جعفر، التقى بالنجاشي، حدثه عن هذا الدين قال له:

(( أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام - ولنا أعمال من دون ذلك- ونسيء الجوار، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته، وعفافه))

[ ابن خزيمة عن جعفر بن أبي طالب ]

 إن عاملك فهو أمين، إن حدثك فهو صادق، إن استثيرت شهوته فهو عفيف، ويأتي النسب تاجاً على رأسه.

(( ....فدعانا إلى الله لتوحيده، ولنعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا- بنود العباد التعاملية- بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء))

[ ابن خزيمة عن جعفر بن أبي طالب ]

 أهم شيء بهذا اللقاء الطيب أن العبادات الشعائرية كالصلاة، والصوم، والحج، والزكاة لا تقطف ثمارها، ولا تكون نافعة لنا، إلا إذا رافقتها العبادة التعاملية، والذين فتحوا الأرض، ووصلت جيوشهم إلى الصين شرقاً، وإلى باريس غرباً هؤلاء ما وصلوا بحديثهم فقط، الذين عاملوهم ما رأوا مسافة بين أقوالهم وأفعالهم.
المذيع:
 إذاً هما قضيتان دكتور، حسن المعاملة، وأن يطابق القول الفعل، هذه هي الاستقامة المقصود منها دكتور؟

 

المعنى السلبي و الإيجابي للاستقامة و العمل الصالح :

الدكتور راتب :
 دقيقة، إذا قلت الاستقامة وحدها يفهم العمل الصالح معها، إذا قلت العمل الصالح يفهم مع هذا المصطلح الاستقامة، أما إذا ذكرت الاستقامة والعمل الصالح فلكل واحد معنى، قالوا: إذا اجتمعا في معنى، وإن تفرقا في معنى، إذا قلت استقامة فمعناها سلبي، أي ما أكلت مالاً حراماً، ما كذبت، ما اغتبت، ما أوقعت الأذى بإنسان، كلها فيها ما.
المذيع:
 المقصود بالمعنى السلبي دكتور تجنب المنكرات؟
الدكتور راتب :
 والمعنى الإيجابي أنفقت من وقتي، ومن مالي، ومن علمي، ومن جاهي، واحد ترك وواحد بذل، أي الاستقامة إذا اجتمعتا تفرقتا، وإن تفرقتا اجتمعا، إذا قلت استقامة معها عمل صالح، قلت عملاً صالحاً معه استقامة، إذا قلت الاستقامة والعمل الصالح إذا اجتمعتا بنص واحد تفرقتا.
المذيع:
 هل أستطيع أن أتأكد أني قد فهمت على حضرتكم؟ إذا كانت الاستقامة والعمل الصالح معاً فالمقصود بالاستقامة ترك للمنكرات، والعمل الصالح أداء الطاعات.
الدكتور راتب :
 أداء الطاعات والأعمال الصالحة، واحدة سلبية، وواحدة إيجابية.
المذيع:
 السلبي بترك المنكرات، الإيجابي ألا وهو العمل الصالح بفعل الطاعات والعبادات، وإذا ذُكرت واحدة منها تشمل المعنيان؛ أداء الطاعات، وترك المنكرات.

العمل الصالح علة وجود الإنسان في الدنيا :

الدكتور راتب :
 النقطة الدقيقة جداً: لو أن إنساناً أرسل ابنه إلى بلد أجنبي لينال الدكتوراه، نسأله سؤالاً: لو قال هذا الشاب: ماذا أفعل في هذا البلد؟ نقول: عجباً لهذا السؤال! لماذا جئت أنت أصلاً لهذا البلد؟ إن جئت طالب علمٍ فاذهب للجامعات، إن جئت سائحاً إلى المتنزهات، إن جئت تاجراً إلى الأسواق، فلا تصح الحركة في مكان ما إلا إذا عرف الإنسان سرّ وجوده في هذا المكان، طبعاً الطالب قد يشتري طعاماً، قد يجلس في حديقة، قد يصاحب صديقاً جيداً، قد يتنزه، أما علة وجوده في هذا البلد فهي الدراسة.
 أحياناً بعض المسلمين إن دعوته لعمل صالح يستجيب، لكن هذا العمل لا يدخل ببرنامجه اليومي، لا يعرف أن علة وجوده الوحيدة هي العمل الصالح، وأهم نقطة تقال في هذا اللقاء الطيب: العمل الصالح علة وجودنا في الدنيا، بل علة وجودنا الوحيدة في الدنيا، والدليل:

﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً ﴾

[ سورة المؤمنين:99 - 100]

 والعمل الصالح سمي صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله، ومتى يصلح؟ إذا كان خالصاً وصواباً، خالصاً ما ابتغي به وجه الله، وصواباً ما وفق السنة.
المذيع:
 شيخنا الكريم، لمن يرصد كلمة الاستقامة في كتاب الله عز وجل هنالك منحة تحتاج التوضيح والتفسير، مثلاً في الآية الأولى التي بدأنا بها الحلقة، والتي هي من سورة فصلت يقول الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾

 في سورة الأحقاف دكتور آية مشابهة في المعنى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾

[ سورة الأحقاف: 13]

 كلاهما دكتور تتحدثان أنه لا خوف، ولا حزن، لماذا هذا مربوط بالاستقامة في أكثر من موضع من القرآن الكريم؟

 

الاستقامة ما لم تكن لن نقطف من ثمار الدين شيئاً :

الدكتور راتب :
 الاستقامة ما لم تكن لن نقطف من ثمار الدين شيئاً، لهذا الحد، لأنه: ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد الإسلام، لأن الترك استقامة، ترك دانق، ما الدانق؟ سدس الدرهم، ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد الإسلام، أي هذه العبادات- وكلامي دقيق جداً - لا تقطف ثمارها، ولا قيمة لها، أي إذا قال النبي الكريم وهو أصدق القائلين:

(( لَنْ تغْلَبَ أمتي مِنْ اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً مِنْ قِلَّةٍ))

[التَّرمِذِي وأبو داود عن ابن عباس]

 والحديث صحيح، والنبي كلامه قطعي الثبوت والدلالة، طبعاً قطعي الثبوت، هذه عليها دراسة، يوجد حديث صحيح، وحديث متواتر، وحديث حسن، وضعيف، وموضوع.

(( لَنْ تغْلَبَ أمتي مِنْ اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً مِنْ قِلَّةٍ))

 فإذا كان المسلمون اليوم مليارين، وليست كلمتهم هي العليا، وليس أمرهم بيدهم وخمس عواصم إسلامية محتلة من فئات ضالة، معنى هذا عندنا مشكلة كبيرة، أين تفسر هذه المشكلة؟ في قوله تعالى:

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾

[ سورة النور: 55]

 كقانون، ما الدليل؟

﴿ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ﴾

[ سورة النور: 55]

 أي دينٍ وعد بتمكينه؟

﴿ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ﴾

 ليس دين الفولكلور، والاحتفالات، والمعايدات، والمظاهر الإسلامية، والزخرفة الإسلامية، أحتاج إلى منهج إسلامي مطبق في حياتنا، يبدأ من فراش الزوجية، وهو أخص خصوصيات الإنسان، وينتهي بالعلاقات الدولية، منهج تفصيلي، وما العبادات الشعائرية إلا مناسبات متنوعة كالصيام، والصلاة، والحج، والزكاة، والنطق بالشهادة، مناسبات متنوعة، ومتعددة لقطف ثمار الاستقامة والعمل الصالح، أي أنت تستقيم من أجل أن تصلي، تكون أميناً من أجل أن تصلي، تكون صادقاً من أجل أن تصلي، تنصح الناس في بيعك من أجل أن تصلي، لا تتهم إنساناً بسوء من أجل أن تصلي، لأن أثمن ما في هذا الدين اتصال هذا العبد الحادث- ليس القديم، الله القديم- الضعيف، الجاهل بالذات الإلهية، بهذا الاتصال يشتق منه الكمال، مكارم الأخلاق مخزونة عند الله تعالى، فإذا أحبّ الله عبداً منحه خلقاً حسناً، ما دام هناك خلق حسن فهذا مؤشر طيب جداً، ما دام هناك صلاة ولا يوجد استقامة.

((فارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ ))

[الترمذي وأبي داود من حديث أبي هريرة عن رافعة بن رافع]

 مادام هناك اتصال مع الذات الكاملة وهناك كذب، وخيانة، وإساءة، ونيل للشهوات، الصلاة لم يعد لها قيمة، لذلك الصلاة لا تقبل ثمارها إلا بالاستقامة، من هنا الصلاة من دون إقبال مملة.
المذيع:
 لذلك يستثقلها البعض دكتور.
الدكتور راتب :
 طبعاً، لذلك النبي قال:

((أرحنا بها يا بلال))

[الطبراني عن عبد الله بن محمد بن الحنفية]

 لسان حال غير المستقيم: أرحنا منها، مسافة كبيرة بين أرحنا بها وأرحنا منها، لا يوجد معصية، ولا مال حرام، ولا سهرة بالبيت مختلطة، ولا برامج بالتلفاز لا ترضي الله عز وجل، يوجد انضباط، ما دام هناك انضباط إذاً معك خط ساخن مع الله.
المذيع:
 شيخنا الكريم كنا نتحدث عن الملمح القرآني أن ربنا سبحانه وتعالى ربط:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا ﴾

جوهر الدين معرفة الله عز وجل :

الدكتور راتب :
 قبل، لماذا ثم؟

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُواَ ﴾

  لِمَ لم يقل واستقاموا؟ ثم للترتيب على التأخير، أي ربنا الله ليست سهلة، أنت آمنت بالله، آمنت به خالقاً، آمنت به مربياً، آمنت به ممداً، آمنت بأسمائه الحسنى، آمنت بصفاته العليا، آمنت بقدرته، آمنت أنه يعلم، ويقدر، وسيحاسب، وسيعاقب، فما لم تقتطع من وقتك الثمين وقتاً لمعرفة الله، إنك إذا عرفت الآمر ثم عرفت الأمر فتفانيت في طاعة الآمر، أما إذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر فتتفنن في معصية الآمر، وكأنني وضعت يدي على مشكلة المسلمين الأولى، الأمر معروف، نحن بمدارسنا الابتدائية، والإعدادية، والثانوية، والجامعة، تعلمنا الحلال والحرام، والصدق والأمانة والكذب، وتعلمنا الصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، هذه كلها معروفة، لكن هذه ما لم تطبق لن تقطف ثمارها.

 

الصلاة فرصة للاتصال بالذات الإلهية الكاملة :

 نحن أمام حالتين، شخص يكاد يموت عطشاً، وعلم أن هناك نبعاً قريباً، ولم يذهب هذا المغضوب عليهم، وشخص يكاد يموت عطشاً ولم يعلم أن هناك نبعاً يموت عطشاً هذا الضالين.

﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾

[ سورة الفاتحة: 7]

 المغضوب عليهم عرفوا وانحرفوا، والضالون ما عرفوا وانحرفوا، فالبطولة عندما الإنسان يقول:

﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾

[ سورة الفاتحة: 6]

 بالصلاة هو يخاطب الله عز وجل، يقول:

﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾

[ سورة الإسراء: 53]

 جاء الجواب الإلهي، الآيات التي تقرأ بعد قراءة الفاتحة أنت سألته في الفاتحة أن يهديك إلى الصراط المستقيم، فجاء الجواب الآيات التي تلوتها في الفاتحة.
 الآن تركع، ما معنى الركوع؟ يا رب أنا خاضع لك، لا يكفي، تسجد، يا رب أعني على طاعتك، فالركوع:

﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾

  السجود أعنا على طاعتك يا رب، الركوع خضوع، والسجود طلب المعونة من الله.
المذيع:
 ونعمة بالله، كل هذه المعاني في الصلاة، في الفاتحة، والركوع، والسجود.
الدكتور راتب :
 لذلك الصلاة فرصة أن تتصل بالذات الإلهية، الذات الإلهية الكاملة، بخالق الكون، بالجميل.
المذيع:
 دكتور، لماذا لا نتعمق، ولا نفهم هذه المعاني الجميلة؟
الدكتور راتب :
 لأن أي مخالفة حجاب بين العبد وربه، وكلما كبرت المخالفة صار الحجاب سميكاً.
المذيع:
 أي لو عندي مخالفات وأصلي، سأصلي ولكن لا أشعر بهذه الصلاة.
الدكتور راتب :
 أبداً، تصبح الصلاة مملة، أنا أتكلم كلاماً دقيقاً، الصلاة من دون إقبال مملة، حركات وسكنات متكررة.
المذيع:
 إذاً المطلوب الاستغفار للتطهر من هذه المعصية.
الدكتور راتب :
 حتى تنعقد صلة مع الله، حتى يسمح لك أن تتصل به، حتى يكون لك خط ساخن مع الله.
المذيع:
 ونعمة بالله، شيخنا الكريم، نعود لموضوع الآية الكريمة في الاستقامة، لماذا كان الجزاء:

﴿ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا ﴾

 لماذا لم يكن مثلاً الجنة؟ لماذا تحديداً هذه الكلمة الطيبة؟

 

على المؤمن ألا يندم على ما فاته من الدنيا :

الدكتور راتب :
 الزمن دقيق، الآن أنت هنا، الآن أنا وإياك هنا، الماضي ما قبل هذا الخط، والمستقبل ما بعد هذا الخط، أي أنت لا تندمُ على ما فات، ولا تخشى مما هو آت، أعطاك الله أمر كل شيء، سيدنا الصديق ما ندم على شيء فاته من الدنيا قط، لا تندمْ على ما فات، ولا تخشَ مما هو آت، ما دليلها؟

﴿ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾

[ سورة التوبة: 51]

 أحب أن أطمئن أخواننا المستمعين، المؤمنين، الصادقين، المستقيمين، لا تقلق، لا تقلق، لا تقلق، إن لم تغير الله لا يغير، ممكن أن أجمع وأضغط المليون موضوع بالإسلام، والمليون كتاب، والمليون عالم بأربع كلمات:

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾

[ سورة الرعد: 11]

 باللغة الدارجة: يا عبدي لا تغير لا أغير، غير لأغير، أنت عندك مشكلة قد تكون صحية، قد تكون عائلية، قد تكون زوجية، فد تكون بالعمل، قد تكون بالعلاقات الاجتماعية، قد تكون ببلد معين، الله كأنه يقول لك: غير لأغير، إن لم تغير لا يتغير شيء.
المذيع:
 ننتقل شيخنا إلى سورة هود وقول الله تبارك وتعالى فيها:

﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ ﴾

[ سورة هود: 112]

 ما المقصود بــ

﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ﴾

من رحمة الله بعبادة توجيه الأمر إلى النبي الكريم :

الدكتور راتب :
 الحقيقة النبي قدوة، النبي مستقيم، لكن رحمة بالعباد يوجه الأمر إلى النبي الكريم، للإنسان العظيم، دُعي مرةً إلى أن يمثل بالكفار، ماذا قال؟ والله شيء لا يصدق! قال: " لا أمثل بهم، لأنهم مثلوا بعمه الحمزة، فدعي أن يمثل بهم بعدما انتصر، قال: " لا أمثل بهم فيمثل الله بي ولو كنت نبياً":

((الإِيمانُ قَيَّدَ الفَتْكَ))

[أبو داود عن أبي هريرة]

 المؤمن منضبط بنصوص، ليس حراً، هو مقيد بشرع الله عز وجل:" لا أمثل بهم فيمثل الله بي ولو كنت نبياً "مات بالحرب، لا أمثل به، لا أقلع له عينه، لا أقطع له لسانه مثلاً، لا أقطع رأسه، الذي يحصل شيء لا يصدق.
المذيع:
 لذلك:

﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ﴾

 فعلى الإنسان أن يستقيم على منهج الله، هذا المراد منه دكتور؟

 

الاستقامة و العمل الصالح ضروريان لانعقاد الصلة مع الله :

الدكتور راتب :
 حتى يضمن السلامة، الاستقامة ما أكلت مالاً حراماً، ما كذبت، ما اغتبت، ما اعتديت، ما أوقعت بين شخصين، هذه كلها استقامة، لكن لا ترقى.
المذيع:
 إلا بالعمل الصالح.
الدكتور راتب :
 للتقريب: طريق معبد، ومعك سيارة، كل ذنب صخرة على هذا الطريق، وكلما كبر الذنب على عرض الطريق لا تستطيع أن تمشي، ما هي الاستقامة؟ أزحت هذه الصخور كلها، صار الطريق سالكاً، لكن لابد من حركة على هذا الطريق، الحركة العمل الصالح، العمل الصالح والاستقامة متكاملان، واحدة سلبية، لا يوجد مال حرام، لا يوجد كذب، ولا غيبة، ولا نميمة، ولا عدوان، ولا تدليس، ولا تزوير، ممكن أن تحضر قماشاً من أرخص أنواع الأقمشة، والآن يوجد شريط مذهب مكتوب عليه: صنع في ألمانيا، يوضع على طرف الثوب ويكوى، أختي هذا ألماني، كل أنواع الغش كذب، والله يعلم، أنت حينما تعلم أن الله يعلم انتهت كل مشاكلك، الآن العمل الصالح حركة، بذلت من وقتك، من مالك، من علمك، من جاهك، من حكمتك عملاً صالحاً، الآن صار معك واحد سلبي، وواحد إيجابي.
المذيع:
 امتناع عن المعصية، وأداء للطاعات.
الدكتور راتب :
 صار في الطريق خط ساخن مع الله، تستطيع أن تصلي، وتناجي الله بالليل، وتترجاه، وتطلب منه المغفرة.
المذيع:
 تشعر بلذة الصلاة.
الدكتور راتب :
 لن تنعقد صلة مع الله إلا باستقامتك على أمره أولاً سلباً، والعمل الصالح إيجاباً.
المذيع:
 ترك المنكرات، وأداء الطاعات، هنا تنعقد الصلة مع الله فيشعر الإنسان بمعنى الصلاة.

أكبر عقاب للمؤمن أن يحجب عن الله :

الدكتور راتب :
 إذا لم تقل: ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني ففي الإيمان مشكلة، لأنك مع القوي، مع الجميل.

فـلو شاهدت عيناك من حسننــــا  الذي رأوه لما وليت عنــــــــــا لغـيرنـا
ولو سمعت أذناك حســن خطاب نا خلعت عنك ثياب العجب وجئتنــــــــا
ولو ذقت مـن طعم المحبـــــة ذرة  عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنــــــــا
ولو نسمت من قربنا لك نسمــــة  لمــــت غريباً واشتيـــــــــاقاً لقربنــــــــا
فما حبنا سهل وكل من ادعــــــى  سهولته قلنا له قــــــــــــد جهلتنــــــــــا
فأيسر ما في الحب للصب قتـلـه  وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنـا
***

 أنا أقول لك كلمة لكن دقيقة جداً: أكبر عقاب يصيب المؤمن أن يحجب عن الله.

﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾

[ سورة المطففين:15]

المذيع:
 هذا للمؤمن، حينما يشعر أنه يصلي ولا يدرك.
الدكتور راتب :
 بعد أن ذاق حلاوة القرب، الدين له حلاوة.
المذيع:
 والمقصود في الحجاب هنا دكتور ليس أنه يمنع من الطاعات، لا، قد يصلي ويتصدق لكن بلا قلب، وهذا أكبر عقاب للمؤمن.
الدكتور راتب :
 لذلك قالوا: من ذكر الله فلم يشعر بشيء، ومن صلى فلم يشعر بشي، ومن قرأ القرآن فلم يشعر بشيء فليعلم أنه لا قلب له.
المذيع:
 وكيف يعيد الإنسان قلبه إن كان هذا حاله؟

 

ضرورة ارتباط كل شخص بحاضنة إيمانية :

الدكتور راتب :
 بالتوبة، والصلح مع الله، وأن يلزم العلم، وأن تكون له حاضنة إيمانية.
 أنا أعرف شخصاً من مدينة حلب مدمن خمر، ذهب إلى بيت الله الحرام، وتاب توبة نصوحة، لكن ما ترك أصدقاءه المنحرفين، جلسوا مرة بعد شهر وأحضروا خمراً، ثم قالوا له: اشرب، قال: أنا تائب أعوذ بالله، قال له أحدهم: كم كلفتك الحجة؟ في ذلك الوقت كانت تكلفة الحج خمسين ألفاً، قال له: كلفتني خمسين ألفاً، وقّع له شيكاً، و قال له: اشرب، شرب، بعد اثني عشر يوماً توفاه الله، توفاه الله شارب خمر، ما الجواب؟

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ﴾

[ سورة الكهف:28]

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

[ سورة التوبة:119]

 يجب أن يكون لك حاضنة إيمانية، صديق مؤمن، سهرة مع مؤمنين، رحلة مع مؤمنين وإلا الطرف الآخر سيسحبك.
المذيع:
 الله يفتح عليكم يا دكتور، شيخنا أيضاً من قول الله تبارك وتعالى في كتابه الحكيم:

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ ﴾

[ سورة فصلت:6]

 كيف نستقيم إليه؟

 

عصمة النبي بسبب انتصاره على بشريته :

الدكتور راتب :
 قبل:

﴿ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ﴾

 لولا أن النبي بشر، تجري عليه كل خصائص البشر، لما كان سيد البشر، هو بشر إلا أنه انتصر على بشريته، يشتهي النساء كما يشتهي إنسان آخر، يشتهي الطعام الطيب، يشتهي النوم والراحة، لولا أن النبي بشر، تجري عليه كل خصائص البشر، لما كان سيد البشر.
المذيع:
 وأين العصمة دكتور؟
الدكتور راتب :
 الله عصمه في الدعوة، هو قدم لله الاستقامة، الله عصمه من أن يخطئ.
المذيع:
 أي استقامة النبي صلى الله عليه وسلم هو إيمانٌ منه، وليس عصمة من الله تبارك وتعالى؟
الدكتور راتب :
 الإنسان يعصمه الله، أين فضله؟ لولا أنه بشر، أي يشتهي كل ما يشتهيه البشر، وتجري عليه كل خصائص البشر، لما كان سيد البشر، ثمن هذا المقام الكبير استقامته في بشريته.
المذيع:
 أي لديه الخيار البشري مثلنا دكتور صلى الله عليه وسلم أن يكون في الحلال أو لا قدر الله في الحرام لكنه باستقامته عليه الصلاة والسلام أصبح سيد البشر؟
الدكتور راتب :
 أنا سأقول لك شيئاً و أنا مؤمن به بكل خلية بجسمي: لولا أنه بشر، تجري عليه كل خصائص البشر، يشتهي ما يشتهيه البشر، يتمنى ما يتمناه البشر، لكن ضبط نفسه بمنهج الله عز وجل فكان سيد البشر.
المذيع:
 أما عكس ذلك يكون ملاكاً، لو كان معصوماً من كل ذلك.
الدكتور راتب :
 لذلك الملك لا يوجد عنده شهوة، ركب الملك من عقل بلا شهوة، استقامته ليست صعبة أبداً، وركب الحيوان من شهوة بلا عقل، ليس مؤاخذاً، إذا كان حيواناً ووجد نباتا ًأخضر يأكله، له أم ليس له لا دخل له بذلك، وركب الإنسان من كليهما، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان.
المذيع:
 دكتور، نتوسع قليلاً في ملف الاستقامة حضرتكم ذكرتم طلب العلم، والأصدقاء، أي بعد هذا التحبيب الراقي بهذا الكلام لنكون مستقيمين على شرع الله، كيف لي أن أكون إنساناً مستقيماً؟ ماذا أفعل؟

 

طلب العلم الشرعي ضرورة لكل إنسان :

الدكتور راتب :
 والله الإنسان يعيش ببيت، لا يوجد به علم، وسهرات مع أناس غير ملتزمين، هذا لا يستقيم سيدي، ما لم يطلب الإنسان العلم لا يستقيم.
المذيع:
 والولد الذي ينشأ في بيت لا يوجد به أهل علم شرعي، أي والده، ووالدته ممكن أن يكونا محافظين لكن غير متدينين.
الدكتور راتب :
 والله آلاف الأولاد بيئتهم لا يوجد بها شيء من الدين، وكانوا دعاة إلى الله، وهذه من آيات الله الدالة على عظمته، أنت عندك اختيار، هذا الاختيار لك أن تصل به إلى أعلى درجات الإيمان، أنت مخير، وأنا بالدعوة منذ أربعين أو خمسين سنة، والله عندي قصص، البيت كله انحراف أخلاقي، وشرب خمر، وسهرات ماجنة، وعنده أولاد أولياء، قد يلد الأب الفاجر ابناً صالحاً، لكن تحتاج إلى علم.
المذيع:
 نعيد النقاط دكتور حتى نحفظها جميعاً، أولاً العلم الشرعي، وثانياً الحاضنة الإيمانية وثالثاً؟

الإرادة القوية تحمل الإنسان على طاعة الله :

الدكتور راتب :
 الإرادة القوية، إذا لم يكن عند الإنسان إرادة بعد أن تقنعه قناعة تامة أن يحمل نفسه على طاعة الله لا يوجد أمل منه إطلاقاً، أنت تقنعه، تعطيه الدليل، القرآن، الحديث، القصص، أدلة، شواهد علمية بيئية، ولا يستقيم هذا لا يوجد منه أمل.
 شخص اسمه زكريا الأنصاري، إنسان أُمي ساكن بحدود السودان، أرسل ابنه إلى الأزهر، رجع أزهرياً، خطب، بكى الأب، بكى بكاء شديداً بالجامع، توهم الناس أنه بكى فرحاً بابنه الأزهري، القصية ليست كذلك، بكى أسفاً على جهله، عمره خمس و خمسون سنة، القصة هكذا من عالم كبير بسوريا، ركبة حصانه، وتوجه من حدود السودان إلى القاهرة، بقي شهراً، يقول لهم: أين الأزعر؟ يسألونه: أي أزعر؟ قال لهم: مكان التعلم، قالوا له: ليس الأزعر بل الأزهر، وصل الأزهر بعد شهر، طبعاً كان عمره خمس و خمسين سنة تعلم القراءة والكتابة، وما مات إلا شيخ الأزهر، أعلى منصب ديني بالعالم الإسلامي.
الجواب: إن القرار الذي يتخذه الإنسان بشأن مصيره قلّما تنقضه الأيام إذا كان صادراً حقاً عن إرادة وإيمان.
المذيع:
 الله يفتح عليكم يا دكتور.
 نلخص دكتور لمستمعينا الاستقامة والعمل الصالح، الاستقامة امتناع عن المعاصي، والعمل الصالح أداء للفضائل والطاعات، وبهذا العمل الصالح، وهذه الاستقامة يسير الإنسان إلى الله سبحانه وتعالى.

صحة العقيدة والاتصال بالله :

الدكتور راتب :
 بقي صحة العقيدة والاتصال بالله، أي هذا الدين مئات ألوف الموضوعات، يمكن أن يضغط كله بأربع كُتل كبيرة، العقيدة، والاستقامة، والعمل الصالح، والاتصال بالله، نسميها كُتلاً كبيرة، كُتل كبيرة أي الاستقامة سلبية، أي امتناع، والعمل الصالح إيجابي، والعقيدة أيديولوجية، والصلاة روحية.
المذيع:
 العمل الصالح دكتور، والاستقامة واضحة، كيف يمكن للإنسان أن يضبط صحة العقيدة؟

طلب العلم من أجل ضبط صحة العقيدة :

الدكتور راتب :
 لابد من طلب العلم، إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، إلا أن العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك.
المذيع:
 ما مقصودك بكلك؟
الدكتور راتب :
 يمكن أن تداوم نصف دوام وتأخذ نصف معاش، ما لم تستوعب العلم، والحقيقة العلم من دون استيعاب ممل، ممل جداً، دائماً العلم مع التعمق فيه متعة، متعة العالم لا تعدلها متعة على الإطلاق، مع التعمق، من دون تعمق العلم لا يتاجر به، كل طالب يريد فقط أن ينجح، الدراسة صعبة جداً، ثقيلة، مملة، ينصرف عنها كثيراً، إلا إذا تعمق بالفهم يصبح فهم الحقائق أمتع شيء في حياة الإنسان.
المذيع:
 شيخنا الحبيب، حتى تتحقق الاستقامة في حياة الإنسان نصحتمونا بالعلم، وبالحاضنة الإيمانية، وبأن يكون الإنسان ذا عقيدة سليمة.
 والآن أنا أسأل حضرتكم عن شيء دكتور: لو الإنسان ثبت على هذه القضايا، لكنه بشر، ضعف بعد ذلك، فلم يستقم، فوقع في معصية، كيف يمكن له أن يعود إلى استقامته من جديد؟

التوبة صلح متكرر مع الله عز وجل :

الدكتور راتب :
 التوبة صلح مع الله متكرر، كلما غلط غلطة يتوب إلى الله عز وجل، الله اسمه التواب، و ليس اسمه التائب، تواب رحيم، شديد قبول توبة التائبين، هو ينتظرنا، لو مئة مرة، لا يوجد حل ثان.
المذيع:
 هذا لا يعني أن يستسهل المعصية.
الدكتور راتب :
 لا، لا، لكن هو دائماً أول توبة أهون توبة، التوبة الثانية من نفس الذنب أصعب، والثالثة أصعب وأصعب، ما حلها؟ يدعمها بصدقة، بالتوبة الثالثة تحتاج إلى دعم بصدقتين، كأنه هو نقض العهد مع الله عز وجل، فخجل صار عنده حجاب، يأتي العمل الصالح يرمم له الحجاب.
المذيع:
 سبحان الله! ونعمة بالله رب العالمين.
 شيخنا الكريم حتى الإنسان يثبت على هذه الاستقامة ولا ينحرف.

حاجة كل إنسان إلى أشخاص مؤمنين :

الدكتور راتب :
 يحتاج إلى حاضنة إيمانية، إلى مؤمنين.
المذيع:
 كيف الثبات؟
الدكتور راتب :
 يبحث عن حاضنة إيمانية، لا تصاحب إلا مؤمناً، من يمكن أن يفسد لك استقامتك؟ الصاحب غير المؤمن، يغريك بالمعصية.
المذيع:
 يفهم من هذا دكتور أنه على الإنسان ألا يتعرف على أشخاص غير متدينين؟
الدكتور راتب :
 لا، أنا عندي علاقات عمل لا يوجد بها إشكال إطلاقاً، يكون المدير العام ملحداً، علاقتك معه أنك أنت داومت الساعة الثامنة، علاقة رسمية، أما العلاقات الحميمة، السهرة للساعة الثانية عشرة فتحتاج ألا تصاحب إلا مؤمن، أي العلاقة الحميمة تحتاج إلى مؤمنين.
المذيع:
 وعلاقة الدراسة والتجارة؟
الدكتور راتب :
 لا يوجد مشكلة أبداً، يوجد دراسة، وتجارة، وعمل، لو كان المدير ملحداً لا علاقة لك به، هو يريدك أن تأتي الساعة الثامنة و تخرج الساعة الثانية، ويكون عملك متقناً، أدِّ الذي عليك واطلب من الله الذي لك، علاقة العمل لا يوجد عليها إشكال، لكن لو فرضنا أن المدير العام مؤمن فهذا أفضل، لأنه يقدر المؤمنين، مدير عام عنده ورع، لا يضعك في غرفة فيها امرأة متفلتة مثلاً، إذاً العمل ليس له علاقة، أما العلاقة فهي بالعلاقات الحميمة، سهرة طويلة، نزهة طويلة، لقاء حميم، هنا المشكلة.
المذيع:
 شيخنا الحبيب، لو أن إنساناً استقام على شرع الله، فوجد ثناء من الناس ما شاء الله فلان رائع وتقي هل يتنافى هذا مع صدقه وإخلاصه؟

ترك العمل خوف الرياء كبر :

الدكتور راتب :
 أبداً، هذا أكبر وهم للشيطان، إذا أنت كنت صادقاً فأحبك الناس، ما المشكلة؟ ومدحوك ما المشكلة؟ الله يجزيك الخير، أنا شعرت أن الناس قدروا الدين، إذا شخص مدحك لماذا الوسوسة؟ ترك العمل خوف الرياء كبر و رياء.
المذيع:
 جزاء الدنيا دكتور لا يعني فقدت جزاء الآخرة.

جزاء الدنيا لا يقلل من جزاء الآخرة :

الدكتور راتب :
 لا، أبداً، دون أن يقل من الآخرة شيء إطلاقاً، يوجد بشر رأوا شخصاً صادقاً أميناً يحبونه ويثنون عليه، أنا أتمنى إذا رأى الإنسان شخصاً صادقاً يشجعه، رأى شاباً مستقيماً، لك مستقبل يا بني هنيئاً لك استقامتك.
المذيع:
 هل تشجع الناس دكتور على التعامل مع المستقيمين مثلاً إذا أراد أن يختار موظفاً أو شيء، أم هو يبحث عن الكفاءة العلمية ولا علاقة بالبطولة.

بطولة الإنسان أن يجمع بين الكفاءة العالية والاستقامة :

الدكتور راتب :
 البطولة أن تجمع بين الكفاءة العالية والاستقامة، لأن الكفاءة العالية من دون استقامة يجوز أن يخونك، يجوز أن يبيع شيئاً و لا يقول لك.
المذيع:
 شيخنا الحبيب، أسأل حضرتكم سؤالاً: لو أتيح لك إنسان كفء علمياً، لكنه غير مستقيم شرعاً، وإنسان مستقيم شرعاً لأعلى الدرجات لكنه غير كفء علمياً.

اختيار الكفاءة العلمية ثم الاستقامة :

الدكتور راتب :
 لا، نأخذ الكفء علمياً، لأن الاختصاص بالعمل يحتاج إلى شخص خبير.

﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾

[ سورة فاطر: 14]

 لا تستطيع.
المذيع:
 لكن لو توفر للإنسان الكفء علمياً ثم المستقيم، لكن الأولوية في التجارة أن نختار إنساناً تاجراً كفئاً وليس إنساناً متديناً، إذاً هذه دعوة لأصحاب الكفاءة العلمية أن يستقيموا على شرع الله والذين يستقيمون على شرع الله أن يتطوروا علمياً.
الدكتور راتب :
 أنت كمدير عام إذا استطعت أن تختار الذي عنده كفاءة عالية مع استقامة تكون ذكياً جداً.
المذيع:
 لكن قد يكون بعض الأشخاص مستقيماً لكنه غير كفء، يجب أن يطور من كفاءته حتى يتم علمه.
 جميل جداً دكتور، هذه الاستقامة لو سار كل الناس عليها كيف سيكون مجتمعنا؟

ارتباط سعادة المجتمع بالاستقامة :

الدكتور راتب :
 مجتمع لا يصدق، كله سعادة، نحن ماذا حصل معنا؟ المسلمون قلة، فهناك غربة، إذا كان الناس كلهم مؤمنين، كلهم يحبون الحق، كلهم يحبون التدين، شيء جميل جداً، شيء مسعد، الدنيا جنة.
المذيع:
 اللهم يفتح عليكم يا دكتور، نختم هذه الحلقة دكتورنا الحبيب بالدعاء.

الدعاء :

الدكتور راتب :
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك، اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين.

خاتمة و توديع :

المذيع:
 الحمد لله رب العالمين، بارك الله بكم فضيلة العلّامة الداعية الإسلامي فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي على هذه الكلمات الطيبة.
 سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور