وضع داكن
19-04-2024
Logo
حياة المسلم 1- إذاعة حياة إف إم- الحلقة : 154 - الشبهات4 – أين عدل الله؟
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
  بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، يا ربنا صلّ وسلم، أنعم وأكرم على نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحباً مستمعينا الأكارم في مجلس علم وإيمان جديد مع فضيلة العلّامة الداعية الإسلامي الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، مرحباً بكم أستاذنا الكريم .
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم، وأعلى قدركم.
المذيع:
 أكرمكم الله دكتور محمد، حديثنا متواصل مع مستمعينا الكرام في حلقتنا الرابعة في ملف الشبهات والرد عليها.
 بدأنا في الحلقة الأولى بتوضيح هذا المصطلح، وكيف على المسلم أن يتعامل معه، في الحلقتين السابقتين تحدثنا عن مكانة المرأة في الإسلام، والرد على بعض الشبهات التي يحاول البعض أن يثيرها، والحلقات جميعها موجودة على قناة إذاعة حياة على موقع اليوتيوب لمن أراد العودة لها.
 اليوم شيخنا نواصل في ملف الشبهات وحديثنا تحت عنوان: " أين عدل الله؟ "
 هذا السؤال بات اليوم يطرح كثيراً شيخنا مع الأحداث المؤلمة التي تمر بالأمة الإسلامية على اختلاف الدول، ليست دولة واحدة بل أكثر، أحداث صعبة إلى أبعد الحدود، أطفال يُقتلون لم يرتكبوا أي ذنب، لم يرتكبوا أي جريمة ومع ذلك يُقتلون بأبشع أنواع التقتيل، فبات الكثير من الناس يسألون أين عدل الله؟ لدرجة أن البعض قد يدخل إلى قلبه شك، لماذا لا ينصرنا الله؟ أبدأ الحلقة شيخنا الكريم بقول الله سبحانه وتعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾

[ سورة محمد: 7]

 وأنا أسأل فضيلتكم السؤال الكبير في حلقتنا لهذا اليوم: أين عدل الله؟

 

عدل الله مطلق و الحساب النهائي يوم القيامة :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 العبد الفقير أمشي في الطريق في أحد أسواق دمشق، خرج إنسان محترم صاحب محل تجارب كبير، دعاني إلى شرب فنجان قوة، جلست عنده، سألني هذا السؤال، قال لي: إنسان خرج من بيته من الميدان بأحد أحياء دمشق إلى سوق مدحت باشا، عنده محل لبيع الأقمشة، وهو في محله سمع صوت إطلاق نار من إنسان عادي، فمدّ رأسه فإذا برصاصة تأتي في عموده الفقري تشله فوراً، قال لي هذا السائل التاجر الكبير: ما ذنب هذا الإنسان؟ أليس العمل عبادة؟ قلت: نعم، قلت: أنا لا أستطيع أن أجيب على هذا السؤال إلا بحالة مستحيلة، أن يكون لي علم كعلم الله، ما دام الله أخبرني بقرآنه الكريم أنه لا يظلم، أنا أصدق، أنا أؤمن بعدله تصديقاً لا تحقيقاً، تصديقاً هكذا قال الله عز وجل، وهو أصدق القائلين، أما تحقيقاً فيجب أن يكون لي علم كعلم الله، انتهى الأمر.
مضى عشرون يوماً، لي أخ كريم هو مدير معهدي في دمشق، قال لي: عندنا قصة وقعت مع جارنا الذي يسكن فوقي في الطابق، قلت له: ما القصة؟ قال لي: إنسان عنده محل تجاري بسوق مدحت باشا، المحل الثاني، سمع صوت إطلاق نار مدّ رأسه جاءته رصاصة، قال لي: هذا أخوه توفي قبل عام، وترك بيتاً مؤجراً، أخذ هذا الأخ الأجرة، والأخ المتوفى له خمسة أيتام، طالبوه مرة، و اثنتين، وثلاث، طالبوه خلال سنة، لم يستجب، وضع الأجرة في جيبه، إلا أن شكوه إلى أحد علماء دمشق الكبار كان شيخ القراء، شكوه لهذا العالم، استدعاه، قال له: لن أعطيهم هذا المبلغ من الأخير، فقال هذا العالم لهؤلاء الأيتام: هذا عمكم لا يليق بكم أن تشكوه إلى القضاء، اشكوه إلى الله، الكلام الساعة التاسعة مساءً، التاسعة صباحاً كان مشلولاً.
 فأنت عندما ترى ألف حادث، أو ألفي حادث، من آخر فصل ليس له معنى إطلاقاً، ويمكن أن تعرف بحياتك المحدودة عشرين أو ثلاثين حادثاً من أول فصل لآخر فصل، أنا كمؤمن أقيس ألف قصة على خمس قصص، عدل الله مطلق لكن نحن نعيش مع آخر فصل، انتحر، قُتل، دُهس مثلاً أما آخر فصل فلا يعني القصة بأكملها، فأنا أقيس، فالله عز وجل:

﴿ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ﴾

[ سورة الكهف: 49]

 لذلك الآية تقول:

﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ﴾

[ سورة مريم: 71]

 يوم القيامة، الآية تحير، تحير العقول:

﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ ﴾

 حرف نفي، أي ما منكم واحد أيها البشر إلا وسوف يرد النار، العلماء قالوا: ورود النار شيء، ودخولها شيء آخر، دخولها عقاباً واستحقاقاً، ورودها موعظةً وفهماً، هؤلاء المؤمنون سوف يردون النار ليروا عدل الله المطلق، لأن أسماء الله الحسنى كلها محققة في الدنيا، إلا اسم العدل محقق جزئياً، الله يكافئ بعض المحسنين تشجيعاً للباقين، ويعاقب بعض المسيئين ردعاً للباقين، أما الحساب النهائي والختامي فهو يوم القيامة:

﴿ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾

[ سورة آل عمران: 185]

 أي أنا لا أستطيع أن أثبت عدل الله تحقيقاً إلا بحالة مستحيلة أن يكون لي علم كعلم الله، أما أنا فأثبت لنفسي عدله الله تصديقاً.

﴿ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾

[ سورة آل عمران: 185]

 مستحيل وألف ألف مستحيل أن يظلم الله أحداً، أحياناً لي كلمة أقولها بدقة بالغة: إن يُظلم إنسان في الأرض هذا لا يتناقض مع عدل الله، بل يتناقض مع وجوده.
المذيع:
أعدها شيخنا مرة ثانية لو سمحت.

 

أغبى إنسان من لا يدخل الله في حساباته :

الدكتور راتب :
 أن يُظلم الإنسان بلا سبب بالأرض هذا لا يتناقض مع عدله، يتناقض مع وجوده.
 مرة إنسان زوجته مريضة، معها ألم بكتفها، جاءت من طرطوس إلى الشام، دخلت إلى عيادة طبيب، قال لها الطبيب: هذا التهاب، يحتاج إلى إبرة لستة أشهر، وكل أسبوعين إبرة، تسكن بطرطوس هي وزوجها، وهي فقيرة جداً، باع زوجها قطعة من أرضه حتى يذهب كل أسبوعين إلى الشام لتأخذ زوجته الإبرة، التقى صدفة بطبيب آخر من أخواني الكرام، طبيب مختص بالأورام الخبيثة، عندما رأى الوضع قال لزوجها: هذا ليس التهاباً، هذا ورم خبيث، وطالب الطب غير المختص يعرف أن هذا الورم خبيث، هذا الطبيب ابتز ماله لسنتين، كل أسبوعين يأتي بالباص من طرطوس إلى الشام، يدفع مبلغاً كبيراً ثمن الإبرة، والإبرة قد تكون ماء مقطراً.
 والله قال لي هذا الأخ الكريم الطبيب: وقع الزوج على الأرض، على البلاط وحرك يديه، وقال: يا رب إذا كنت موجوداً فانتقم منه، وإذا لم تنتقم منه تكون لست موجوداً، هذا كلام خاطئ، لكن هكذا تكلم، قال لي هذا الدكتور والآن هو حي يرزق: بعد أحد عشر شهراً جاءني هذا الطبيب الذي ضحك عليهم، وابتز مالهم، وقد أصيب بورم خبيث في كتفه.
 الله كبير، الإنسان لا يتعدى على أحد، أحياناً يتعدى تعدياً علمياً، أو تزويراً، يقول لك: هذه المادة غير مسرطنة، وقد تكون مسرطنة، يضع بالمواد المعلبة بنزوات الصوديوم، مسموح ثلاثة بالألف، يضع ثلاثة بالمئة، صار الطعام مسرطناً.
 أنا لا أرى أغبى ممن لم يدخل الله في حساباته، أنا أؤمن بعدل مطلق، لكن النقطة الدقيقة نحن عندنا جنة ونار، الدنيا دار ابتلاء لا دار جزاء، لكن نفهمها دار جزاء، يوجد مشكلة دار ابتلاء، أي الله يعاقب بعض المسيئين.
المذيع:
 هل ممكن أن توضح لنا ماذا تعني بدار جزاء؟ وماذا تعني بدار بلاء؟

 

معاقبة بعض المسيئين ردعاً للباقين ومكافأة بعض المحسنين تشجيعاً للباقين :

الدكتور راتب :
 لأن الدنيا دار عمل، والآخرة دار جزاء، أنت قد تكون غنياً كبيراً، وتمتنع عن دفع الزكاة، هكذا سجل عليك، دفع الثمن بالآخرة، لكن الله يعاقب بعض المسيئين ردعاً للباقين.
المذيع:
 أي لا يشترط أن كل مقصر يعاقب في الدنيا.
الدكتور راتب :
أبداً، يعاقب بعض المسيئين ردعاً للباقين، ويكافئ بعض المحسنين تشجيعاً للباقين.

﴿ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾

هذا شيء يريح.
 لذلك الحظوظ، ما هو الحظ؟ المال حظ، الوسامة حظ، الصحة حظ، الزوجة الجيدة حظ، العمل الطيب حظ، التجارة الرابحة حظ، الحظوظ كثيرة هي موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء وسوف توزع في الآخرة توزيع جزاء، كيف؟ شخصان عاشا ستين سنة بالضبط، الأول كان ابتلاؤه بالفقر، فصبر، وتعفف، وتحمل، وضبط مصروفه، ولم يشكُ إلى أحد، والثاني ابتلي بالغنى، فطغى، وبغى، وأسرف، وأنفق، وافتخر، وعرض ما عنده على الناس ليغيظهم دون أن يشعر، كلاهما عاش ستين سنة، الأول امتحن بامتحان الفقر فنجح، فاستحق الجنة إلى الأبد، والثاني امتحن بامتحان الغنى فلم ينجح، فاستحق النار إلى الأبد.
 فالعبرة للآن العبرة بعد العرض على الله، أي النجاح كل النجاح بعد العرض على الله.
المذيع:
 إذاً النقطة الأولى دكتور: أن الدنيا هي دار ابتلاء أي دار امتحان، يختبر الله بها الصابرين؟
الدكتور راتب :
 أول شيء امتحان، دقيقة:

﴿ إِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾

[ سورة المؤمنين: 30]

 هل هناك أوضح من هذه الآية؟ هو:

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾

[ سورة الملك:2]

 فنحن في دار ابتلاء لا دار جزاء، لكن الله يكافئ بعض المحسنين ردعاً للباقين.
المذيع:
 ولماذا كانت دار ابتلاء حتى ربنا سبحانه وتعالى يمتحن صدق إيماننا؟

 

الابتلاء امتحان لصدق الإنسان :

الدكتور راتب :
 الله عز وجل خلق الخلائق كلها في عالم الأزل، عندنا عالمان، عالم الأزل وعالم الصور، نحن الآن في عالم الصور، في عالم الأزل كل ما تقع عينك عليه نفوس، الدليل:

﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾

[ سورة الإسراء:44]

 فالجماد نفوس، والحيوان نفس، والملك نفس.
 ركب الملك من عقل بلا شهوة، وركب الحيوان من شهوة بلا عقل، وركب الإنسان من كيلهما، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان، فنحن لأننا من بني البشر، في عالم الأزل حينما عرض الله الأمانة :

﴿ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾

[ سورة الأحزاب: 72 ]

 قال: أنا لها يا رب، فلما قبِل حمل الأمانة جيء به إلى الدنيا ليمتحن صدقه، وليدفع ثمن الآخرة، فالدنيا فيها ثمن الآخرة، فالإنسان بالدنيا إما أن ينجح، عرف سرّ وجوده، وغاية وجوده، وعرف الدنيا والآخرة، والخير والشر، والحق والباطل، فاستقام على أمره، فنال الدنيا والآخرة، الآن:

﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾

[ سورة الرحمن: 46 ]

 جنة في الدنيا وجنة في الآخرة.
المذيع:
 شيخنا إذاً نحن عندنا الدنيا وعندنا الآخرة، الدنيا دار ابتلاء، امتحان من الله سبحانه وتعالى.
الدكتور راتب :
 "إن هذه الدنيا دار ابتلاء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء – لأنه مؤقت - ولم يحزن لشقاء - أيضاً مؤقت - قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل جزاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ليعطي، ويبتلي ليجزي".
المذيع:
 والابتلاء المقصود منه شيخنا ليس العقاب، بل الامتحان، لا يشترط كل مبتلى على معاملته ربنا يعاقبه.

 

الابتلاء امتحان و ليس عقوبة أو غضباً من الله :

الدكتور راتب :
 الامتحان، ممتحن بالمال الوفير، ممتحن بزوجة جميلة جداً، و هذه الزوجة ممتحنة بجمالها، قد تستره عن أنظار الأجانب تبقيه لزوجها ومحارمها، وقد تتفلت بإظهار مفاتنها للناس في الطريق.
المذيع:
 إذاً الدنيا دار ابتلاء، والابتلاء معناه الامتحان، وليس عقوبة، ولا غضباً من ربنا سبحانه وتعالى، والآخرة دار جزاء، والعدل المطلق يكون ليس في الدنيا وإنما في الآخرة.
الدكتور راتب :
 نعيده مرة ثانية:
إن الدنيا دار ابتلاء لا دار استواء، ومنزل ترح - فيها متاعب - لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء – لأنه مؤقت- ولم يحزن لشقاء – مؤقت -ـ قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ليعطي، ويبتلي ليجزي .
المذيع:
 الله يفتح عليكم دكتور، أين عدل الله؟ هذا السؤال يبدو لكثير من الناس يطرحونه إما تشكيكاً والعياذ بالله، وإما اطمئناناً ويقيناً بالله، ولكن ليطمئن القلب، فبعض الناس حينما يرى الظروف الصعبة التي تمر بالمظلومين، وبالأمة الإسلامية، يتساءل أين عدل الله؟ وهو يثق به والبعض أصبح اليوم مشككاً بحسن أو بسوء نية.
 شيخنا الكريم، قبل الفاصل طرحتم عدة أفكار مهمة، النقطة الأولى كانت أن هذه الدنيا هي دار ابتلاء، والابتلاء معناه الامتحان وليس غضباً، أو عقوبة من ربنا، والآخرة هي دار الجزاء والمكافأة، إن عمل خيراً فخير، وإن عمل شراً فعدل الله أن يحاسب بشره.
 النقطة الثانية التي طرحتها شيخنا أن كل صفات الله سبحانه وتعالى محققة في الدنيا إلا صفة واحدة.
الدكتور راتب :
 العدل محقق جزئياً.
المذيع:
 لماذا دكتور؟

الحكمة من أن العدل في الدنيا محقق جزئياً :

الدكتور راتب :
 لأنها دار ابتلاء، لو رأى العقاب أمامه لم يبق اختيار، التغى الاختيار، قيمة الجنة بالاختيار، أنت مخير، لماذا تستحق الجنة للأبد؟ كان بإمكانك أن تعصيه فلم تعصه بدافع خوفك من الله.
المذيع:
 لكن لو كان المنهج أنه من يعصي بنفس اللحظة ربنا يعاقبه، ليس إيماناً بالله، لكن خوفاً من العقوبة الفورية.
الدكتور راتب :
 قل أنت للناس: كل شخص يدفع ليرة يأخذ ألفاً، ستجد صفاً طوله مليون كيلو متر، أو كل إنسان ينظر إلى امرأة تقلع عينه مثلاً، كله يغض بصره، إذا لم يكن هناك فاصل طويل بين المعصية والجزاء لم يعد هناك اختيار، إذا كان العقاب مباشراً لم يبق اختيار.
المذيع:
 فهنا جاء عدل الله أن يعطى الإنسان فرصة أن يختار ليتحمل المسؤولية.

الظلم في الدنيا ظلم ظاهري :

الدكتور راتب :
 لذلك الجنة أكبر عطاء إلهي، أكبر عطاء يناله مخلوق هو الإنسان فقط والجن.

﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ﴾

[ سورة الأنعام: 130]

 أما الباقي فليس لهم عطاء كبير، لأنهم ما وقعوا بالاختيار.
المذيع:
 إذاً هنالك ظلم في الدنيا دكتور.
الدكتور راتب :
ظاهري.
المذيع:
 هل يرضى به الله؟
الدكتور راتب :
 لحكمة بالغةٍ بالغة، كم مظلوم تاب لله؟ والله سمعت عن امرأة تفلتها غير معقول، الله أصابها بورم، هل تعرف ماذا قالت؟ قالت: إن شفيت سأضع جلال الدابة، لكن أرجو الله أن يشفيني، الله يعالج عباده بالدنيا، يعالج المرأة المتفلتة، يعالج الغني المسرف بماله، الدنيا هي دار ابتلاء، ودار معالجة، ودار تطهير.
المذيع:
 إذاً هنالك ظلم يعلم الله سبحانه وتعالى بوجوده لحكمة ما، هل يرضى الله بهذا الظلم؟
الدكتور راتب :
 لا، لا يرضى، هذا ليس ظلماً، عندما يأتيك شخص معه التهاب معدة حاد، تجبره بحمية قاسية جداً على الحليب، الطبيب يرضى بهذه الحمية؟ طبعاً من أجل الشفاء، طبعاً يرضى بها، أنت طبيب يأتيك مريض معه التهاب معدة حاد، تقول له: ستة أشهر على الحليب فقط تشفى شفاءً تاماً، الثاني معه ورم خبيث منتشر، يقول له الثاني: ماذا آكل؟ يقول له: كُلْ ما شئت.

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً﴾

[ سورة الأنعام: 44]

 فأنا أرى البطولة أن تحاسب في الدنيا، إذا أحبّ الله عبده ابتلاه، فإن صبر اجتباه، وإن شكر اقتناه.
 إذا عالجني الله معنى ذلك أنني أحمل خيراً في قلبي.
المذيع:
 إذاً الله يسمح بوجود الظلم في الدنيا، ظلم ظاهري، ليس بمعنى أن يكون هنالك رضا.
الدكتور راتب :
 يكون وسيلة إلى توبته، كالحمية على الحليب، يوجد أكل ما لذّ وطاب، على الحليب لأن مرضه قابل للشفاء.
المذيع:
 شيخنا الكريم، هل كل إنسان يتعرض إلى بلاء أو يُظلم معنى هذا هو يدفع ثمن خطأ ارتكبه في الماضي؟

 

ابتلاء كل إنسان في الدنيا :

الدكتور راتب :
 لا، اسمع الحديث:

((أشد الناس بلاء الأنبياء ثم العلماء ثم الأمثل فالأمثل ))

[صححه الحاكم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه]

 يقول النبي الكريم: إن الله ابتلاه بالخوف.

((أوذيت في الله وما يؤذى أحد، ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أتت عليّ ثلاث من بين يوم وليلة ومالي طعام إلا ما واراه إبط بلال ))

[الترمذي عن أنس بن مالك ]

 هذا سيد الخلق، الابتلاء عام سيدي:

﴿ إِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾

  أما هؤلاء:

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾

[ سورة الأنعام:44]

 الأمور واضحة مثل الشمس.
المذيع:
 لكن هذه القاعة بفهم بعض الناس دكتور أن إذا فلان ربنا عاقبه أو بعث له شيئاً سيئاً معنى هذا أن الله يداويه لغلط قد فعله.

 

ما من شيء إلا و له عقاب :

الدكتور راتب :
 لا، أنا مؤمن بحكمة الله فقط، فإذا أصيب الإنسان بمصيبة أنا لا أستطيع أن أفسر المصيبة خطأ عنده، أنا أعرف أنه ما من شيء إلا وله عقاب، لكن أنا لا أستطيع أن أنزل العقاب على إنسان، هذا ممنوع بالفقه، بالشرع ممنوع.
المذيع:
 كما تفضلتم قبل قليل: ممكن الإنسان يذنب يعمل خطأ في الدنيا والله لا يعاقبه، لأن الحساب التام يوم القيامة، وممكن إنسان يتعرض لعقاب في الدنيا ولم يذنب بشيء لحكمة من الله.

الله عز وجل عادل و عدله مطلق :

الدكتور راتب :
 ممكن أن تقول: ما من مصيبة إلا بذنب، لكن أنا لا يمكن أن أنزل مصيبة على إنسان.
المذيع:
 كيف مع ما نزل بلاء إلا بذنب؟
الدكتور راتب :
 قاعدة عامة، لا أقول: فلان عمل عملاً سيئاً، هذه لا يجوز أن أقولها، قد يكون رفع مرتبة المصيبة له، أنا لا أعلم، أعلم بالقواعد، تطبيق القاعدة على إنسان ممنوعة.
المذيع:
 القاعدة التي نفهمها أن ربنا سبحانه وتعالى عادل وعدله مطلق، لكنه سمح لبعض البشر أن يظلموا بعضاً ليكون تمام الاختيار لهم فيكون تمام العدل في حسابهم يوم القيامة، ولا يشترط كل إنسان يعاقب أن الله ناقم عليه ولهذا يعاقبه، ممكن أن يكون هذا رفع درجات، الله امتحنه.
الدكتور راتب :

﴿ إِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾

المذيع:
 وكما تفضلم الأنبياء أشد ابتلاءً، لا لأنهم أذنبوا أو قصروا.
الدكتور راتب :

((أشد الناس بلاء الأنبياء ثم العلماء ثم الأمثل فالأمثل ))

[أخرجه الحاكم عن سعد بن أبي وقاص ]

((خفت في الله وما خاف أحد مثلي ))

[الترمذي عن أنس بن مالك]

المذيع:
 إذاً سيدنا، هذه قاعدة أن الابتلاء – الامتحان- لا يشترط أن يكون غضباً أو عقاباً من ربنا، قد يكون لرفع الدرجات، قد يكون رضا.
الدكتور راتب :
 حتى أن هناك كلام آخر مريح: إذا أحبّ الله عبده ابتلاه، فإن صبر اجتباه، وإن شكر اقتناه.
المذيع:
 البعض اليوم يطرح دكتور أن أهل البلد الفلاني يتعرضون إلى أوضاع صعبة، وحروب، لأن ربنا يعلم أنهم ليسوا جيدين، ونرى البلد المجاور لهم قد يكون أسوأ منهم ويعيش في رغد الحياة، كثير من الناس يقولون: لماذا فعل هذا بهؤلاء، وترك هؤلاء وهم أكثر معصية؟ أنا أطرح هذا لسماع جواب شرعي.

تعلق حكمة الله المطلقة بالخير المطلق :

الدكتور راتب :
 ما من شيء وقع من آدم إلى يوم القيامة إلا أراده الله، ما معنى أراده؟ لا تعني أنه رضيه، ولا أمر به، لكن سمح به.
المذيع:
 ما الفرق بين أراده وسمح به دكتور؟
الدكتور راتب :
 طبيب تزوج ما أنجب، مضى عشر سنوات، ثم جاءه طفل آية في الجمال، تعلق به تعلقاً مذهلاً، ثم اكتشف الطبيب الأب أن ابنه مصاب بالتهاب الزائدة، فهذا الطبيب يسمح بتخديره تخديراً شاملاً، وفتح بطن ابنه، واستئصال الزائدة، هو سمح بالعملية، لكن كان يتمنى أنها لو لم تكن، كل شيء وقع أراده الله، معنى أراده لا تعني أنه رضيه، ولا تعني أنه أمر به، ولكن سمح به، لحكمة بالغةٍ بالغة، وكل شيء أراده الله وقع، والإرادة الإلهية متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق، فالذي وقع لو لم يقع لكان الله ملوماً، والذي وقع لو لم يقع لكان نقصاً في حكمة الله.
المذيع:
 أكرمك الله دكتور للتوضيح، هذه قواعد مهمة في الفهم ليس معناها أن هؤلاء الناس عملوا شيئاً خاطئاً، لله حكمة في ذلك، وقد يكون الغرب أو بعض الدول الأخرى أكثر معصية منهم.
الدكتور راتب :
 معه خبيث، قال له: كُل ما شئت.

﴿ فَلَمَّا نَسُوا ﴾

 معه التهاب معدة حاد، قال له: حمية تامة، فدائماً تكون الحمية أبلغ من كُل ما شئت.
المذيع:
 الله يفتح عليكم دكتور.
 دكتور الأشخاص الذين يثيرون اليوم تساؤلات ينشرون مثلاً صور طفل صغير وقع عليه بيت، هدمته دبابات عسكرية، قُتل وعمره مازال شهرين، الناس تتألم لألمه، ويكتب لك أحدهم: أين الله؟ لماذا لم يدافع الله عنه؟

 

بطولة الإنسان أن يكون أسعد الناس :

الدكتور راتب :
 دقيقة، ماذا أقول لك؟ حياة الإنسان صفر أمام الأبد، إذا طفل مات شهيداً واستحق الجنة أفضل من بيل كيت الذي يملك معه مليارات، يوجد موازين عند الله عز وجل.
أقول لك كلمة دقيقة: أنت حينما تعتمد على موازين الأرض تقع بإشكال كبير، إذا اعتمدت على موازين السماء انتهى الأمر، هذا الإنسان مخلوق للجنة، للآخرة، الإنسان للجنة فإذا كان ما جرى له في الدنيا استحق به الجنة فهو شهيد تمتع بالجنة إلى الأبد، والذي وصل إلى أعلى درجة بالأرض، يقول هذا  "يبس" على فراش الموت، قال: ماذا أفعل؟ يملك أكبر ثروة بالتاريخ، سبعمئة مليار دولار، الذي يملك أبل، على فراش الموت، قال: هذا الرقم لا يعني عندي شيئاً إطلاقاً، يعنيني علاقة إنسانية، متى كشفها؟ على فراش الموت، الذي يملك سبعمئة مليار.
 مهندس ياباني، صمم جسر اسطنبول الأول، أثناء افتتاحه و هو يمشي مع رئيس الجمهورية ألقى بنفسه بالبوسفور، نزل ميتاً، ذهبوا إلى غرفته في الشيراتون كان قد كتب ورقة قال فيها: ذقت كل شيء في الحياة فلم أجد لها طعماً، أردت أن أذوق طعم الموت.
 حياة من دون إيمان مملة، و يصبح الإنسان لا يطاق، آكل كل شيء، مدعو إلى مليون عزيمة، عنده سيارتان أو ثلاث، ذهب إلى أوروبا كلها، وأمريكا، يأتي مؤمن بسيط له أمل بالجنة، له عمل صالح، له صدقة، له دعوة لله، أسعد إنسان بالأرض.
 لذلك البطولة أن تكون أسعد الناس، أما متى تتفوق على الناس؟ إذا أسعدت من حولك فأنت أسعد الناس.
المذيع:
 شيخنا، نعود مرة ثانية لذات السؤال مع فضيلتكم لو سألك إنسان قال لك: هذا الطفل البريء، هذا الإنسان الذي عاش مستقيماً، هذه المرأة العفيفة الطاهرة المحجبة المسلمة التي تصلي تم الإساءة لها بشكل من الأشكال، ماذا فعلت حتى يعاقبها الله بهذا الشكل؟

ضرورة ضم الآخرة إلى الدنيا في حساباتنا وتقييمنا :

الدكتور راتب :
 ما فعلت شيئاً، إلا أنها امتحنت فصبرت فاستحقت الجنة، لكن أنت تنقل الهدف للدنيا وحدها، ينشأ عندك مليون سؤال ليس له جواب، عندما تضم الآخرة للدنيا تحل مشاكلنا كلها، عندما تضم مصير المؤمن المستقيم الذي اضطهد ومات بالتعذيب للجنة فهو الرابح، والذي قام بتعذيبه هو أشقى إنسان بالأرض، نقطة دقيقة، هذا الذي مات بالتعذيب صبر، لأنه إسلامي دخل السجن، فرضاً، هذا مصيره الجنة، والذي يعذبه من أشقى الناس، أنا أقول: الطغاة أغبى بني البشر، لماذا؟ لأنهم ما أدخلوا الله في حساباتهم.
المذيع:
 سيدي، لأتأكد أنني فهمت على حضرتكم الفكرة، إذاً عندما نحن نحسبها بطريقتنا الدنيوية أن هذا الأسير المظلوم الذي قُبض عليه، وهو مجاهد يرفع راية لا إله إلا الله، وعُذب: نقول ربنا تخلى عنه، إذا فهمناها سنرى أنه مظلوم، والعياذ بالله، ففهمناها بفهم الآخرة أن ربنا امتحنه بصبره على ما تعرض له، وله الجنة التي هي خير وأبقى.
الدكتور راتب :
 فإن لم نضم الآخرة إلى الدنيا في حساباتنا، وفي معاييرنا، و في تقييمنا، تنشأ مليون مشكلة.
المذيع:
 هل يشترط أن يكون هنالك تفسير لكل قصة لماذا هذا الطفل قُتل؟ لماذا هذا المجاهد عُذب؟
الدكتور راتب :
 عفواً أنت لا تستطيع بعقلك أن تتحقق من عدل الله، إلا بحالة مستحيلة أن يكون لك علم كعلمه.
المذيع:
 كيف أصل إلى علم الله؟

كيفية الوصول إلى علم الله :

الدكتور راتب :
 أن تصدقه، الإيمان بالعدل تصديقي، إلا أنه لماذا المؤمن سوف يرد النار، ما الدليل؟

﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ﴾

 لماذا؟ ليرى عدل الله الطلق.
المذيع:
 الله يفتح عليكم يا دكتورنا،
 نبدأ بجولة من مشاركات مستمعينا.
 عبد الحكيم تفضل أخي الكريم بهذا الاتصال.
المستمع:
 السلام عليكم، نرحب بالدكتور محمد راتب النابلسي، جزاه الله كل خير.
 يوجد مداخلة بسيطة أريد أن أتكلم بها، هذه الجزئية من صفة العدل، أنا أسمع كثيراً لملحدين، لكن الحمد لله عقيدتي الإسلامية جيدة، لكن دائماً أؤخذ من هذا المنحنى، منحنى العدل، الملحدون أسمع لهم كثيراً يأخذون هذا المنحنى، لماذا الله فعل بي هذا؟ لماذا أنتظر ليوم القيامة؟ لماذا أنا بالذات؟ أستاذ نديم هذا الكلام يركز عليه الملحدون، أي لا يركزون على الصلاة، و لا على الصيام، و لا على شيء، التركيز دائماً على العدل الإلهي، ويحاولون أن يشككوا الإنسان بعقيدته من خلال هذا العدل الذي يتكلم عنه فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي.
المذيع:
 نقطة جداً مهمة أستاذ عبد الحكيم، أن الله لماذا فعل بي هذا الأمر؟ شكراً لك عبد الحكيم.

 

القلب السليم أكبر عطاء للمؤمن عند مغادرة الدنيا :

الدكتور راتب :

أقول هذا الكلام للجميع: إذا وصلنا إلى حافة القبر، وقد سلمت نفوسنا.

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾

[ سور الشعراء: 88 ـ 89]

 قلت قبل قليل: الذي يملك سبعمئة مليار قال: هذا الرقم لا يعنيني.

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾

[ سور الشعراء: 88 ـ 89]

 والقلب السليم هو القلب الذي سلم من شهوة لا ترضي الله، ولم يصدق خبراً يتناقض مع وعد الله، وما عبد إلا الله، هذا أكبر عطاء للمؤمن عند مغادرة الدنيا.

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾

[ سور الشعراء: 88 ـ 89]

المذيع:
 الله يكرمكم يا دكتور، خالد تفضل أخي باتصال جديد.
المستمع:
 السلام عليكم، بارك الله بكم و أعطاكم العافية، السؤال: هل هناك فرق بين ابتلاء المؤمن وابتلاء الكافر، مثلاً على سبيل المثال نشاهد أحياناً إنساناً مؤمناً ملتزماً، يصلي، لكنه فقير، دائماً عليه ابتلاءات، ونرى الذي بالمقابل ممكن أن يشرب الخمر، ولا يصلي، لكن سبحان الله وضعه جيد، فقط نريد توضيحاً من الشيخ.
المذيع:
 واضحة تماماً أخي خالد بارك الله بك.
 اسمح لي دكتور وأقول لك شيخ الشباب.

 

من كان هدفه أكبر منه فهو شاب دائماً :

الدكتور راتب :
 لا، أستغفر الله، بالمناسبة ما دام ذكرتها، أنا مؤمن أن الشاب قد يكون شاباً بالتسعين من عمره، لكن هدفه أكبر منه فهو شاب، وشخص عمره أربعون سنة هدفه فقط المال، صار معه مال، ورث مالاً كثيراً، هذا شيخ بالمعنى السلبي، فمادام هدفك أكبر منك فأنت شاب دائماً.
المذيع:
الله يكرمكم يا دكتور، جميل!
 حديثنا عن الشبهات، والرد عليها، بدأنا بتوضيح ملف الشبهات، وكيف يتعامل المسلم معها، ثم تحدثنا عن مكانة المرأة في الإسلام في حلقتين، وحلقتنا الرابعة اليوم نتحدث فيها أين عدل الله؟
 دكتور قبل الفاصل جاءنا سؤالان؛ أخونا عبد الحكيم طرح نقطة، يقول: لماذا الله ابتلاني و لم يبتل أحد ثان؟ أنا أمشي بشكل صحيح، لماذا الله عاقبني وأنا أمشي بشكل صحيح؟ إنسان ذاهب إلى المسجد ليصلي يصير معه حادث بالطريق، لماذا أنا من دون الناس؟ ماذا ترد فضيلتكم؟

تعلق الإرادة الإلهية بالحكمة المطلقة :

الدكتور راتب :
 الجواب الدقيق جداً والعلمي: كل شيء وقع بالكون، منذ خلق الله الكون إلى الآن لحكمة بالغة، عرفها من عرفها، وجهلها من جهلها، فإذا الله كشف لك الحكمة أنت مستسلم، لم يكشفها أنا أؤمن بها، كل شيء وقع أراده الله، أي سمح به، ما أمر به، ولا رضيه.
الآن معكوسة، كل شيء أراده الله وقع، الإرادة الإلهية متعلقة بالحكمة المطلقة، هذه الحكمة المطلقة، الذي وقع لو لم يقع لكان الله ملوماً، والذي وقع لو لم يقع لكان نقصاً في حكمة الله، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق، بالكون لا يوجد شر مطلق، الشر المطلق يتناقض مع وجود الله، إما أن تؤمن بالإله، أو بشرّ مطلق، لكن يوجد شر نسبي موظف للخير.

﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

[ سورة السجدة الآية: 21]

 ما من مصيبة وقعت في الأرض إلا بسبب، لها حكمة بالغةٌ بالغة، عرفها من عرفها، وجهلها من جهلها.
المذيع:
 إذاً ربنا سبحانه وتعالى له حكمة، وأنا عليّ أن أتعامل باليقين أن ربنا عادل، وربنا له حكمة، فتسكن الطمأنينة القلب.
الدكتور راتب :
 يوجد تعليق دقيق: أنا لا أستطيع أن أكتشف الحكمة تحقيقاً، لأنه مداراتي محدودة إلا أنني مكلف أن أؤمن بها تصديقاً، الله أخبرني أنه هو حكيم.
المذيع:
 من يؤمن بها تصديقاً مؤمن،غير المؤمن؟

 

كمال الخلق يدل على كمال التصرف :

الدكتور راتب :
 دقيقة يوجد ترتيبات، أنت إذا فكرت في هذا الكون، وهناك آيات كثيرة تأمرك بذلك، عرفت أن له خالقاً عظيماً، وأن كمال الخلق يدل على كمال التصرف.
 شركة تبيع مليون كمبيوتر، من أرقى ماركة، إذا أخذت منها عدداً من الكومبيوترات، لا تأخذ المال تضعه في جيبها، لها أمر شراء وصرف، وأشياء دقيقة جداً، فكمال الخلق يدل على كمال التصرف، فهذا الخلق كامل، إذاً معه كمال تصرف، ابحث عنه، ولا يوجد إنسان يبحث عن كمال التصرف إلا ويصل إليه، وهذا والله من مستحيلات الحياة، أن تبحث عن الحقيقة ثم لا تجدها واضحة جلية، اطلب، لا يوجد طلب، فقط هناك انتقاد وصخب، أنت مرتاح تجلس على الأريكة، وتقول: لماذا فعل الله هذا؟ درست علماً؟ درست القرآن؟ حضرت درس علم يوم الجمعة بجامع ما، فتحت موقع انترنيت أي موقع ديني وقرأت به، قرأت تفسيراً؟ ما عملت شيئاً إطلاقاً، لم يطلب العلم إطلاقاً لكن يريد أن ينتقد.
المذيع:
 السؤال الثاني من أخينا خالد، ما هو الفرق من ابتلاء الله للمؤمن وابتلاء الله عز وجل للكافر؟

الفرق بين ابتلاء المؤمن و ابتلاء الكافر :

الدكتور راتب :
 الحقيقة كل إنسان مبتلى، لكن أحياناً يكون الابتلاء عقاباً، أحياناً يكون الابتلاء امتحاناً، يكون قد ارتكب معصية، معه مال حرام، الله يعاقبه بالدنيا قبل الآخرة، هذا ابتلاء عقاب، وهناك ابتلاء امتحان.
المذيع:
 الكافر ماذا يكون ابتلاؤه دكتور امتحان أم عقاب؟
الدكتور راتب :
 عقاب أحياناً.
المذيع:
 وقد يكون فضل من ربنا ليرى بوصلة الحق.
الدكتور راتب :
 آخر فرصة.
المذيع:
 الله يفتح عليكم يا دكتور.
 شيخنا الكريم، في قضية أين عدل الله؟ وتساؤل الناس في بعض هذه القضايا، اليوم دكتور عدم تمكن الأمة الإسلامية ، وعدم رؤية الناس لنصرتها، من هزيمة إلى هزيمة، من دولة تُحتل إلى دولة أخرى، من حاكم ظالم إلى حاكم آخر، كثرة هذه الانهزامات والابتلاءات.

من هان أمر الله عليه هان على الله :

الدكتور راتب :
 معي جواب دقيق أنا مؤمن به بكل خلية في جسمي: هان أمر الله على المسلمين فهانوا على الله، تجد مخالفات، معاص، آثام، مثلاً: تجد بالبيت آية الكرسي، والسهرة مختلطة، والنساء كاسيات عاريات، وكلهن أجنبيات، لا تفيد آية الكرسي إطلاقاً، نحن نريد أشياء ظاهرة، يضع مصحفاً بالسيارة، وعينه على النساء، ما دامت أعمالنا شكلية أيضاً يوجد عندنا إسلام شكلي، هذه مشكلة كبيرة، المطلوب منهج الله يبدأ من أخص خصوصيات الإنسان من فراش الزوجية، وينتهي بالعلاقات الدولية، ليس صلاة، وصوماً، وحجاً، وزكاة، لا، كسب المال له منهج، إنفاق المال، معاملة الزوجة، الأم، الوالدة، الأقارب، الجيران، والله أكاد أقول شيئاً: يوجد خمسمئة ألف بند تبدأ من فراش الزوجية وتنتهي بالعلاقات الدولية.
المذيع:
 أكرمكم الله يا دكتور، نختم حلقتنا بالدعاء، ونسأل الله القبول.

الدعاء :

الدكتور راتب :
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك، أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارضَ عنا، اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، واحقن دماء المسلمين في كل مكان، واحقن دماءهم في الشام وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم.

خاتمة و توديع :

المذيع:
 الحمد لله رب العالمين، بارك الله بكم شيخنا الكريم، كانت حلقتنا جزء من سلسلة الرد على الشبهات، مع فضيلة العلّامة الدكتور محمد راتب النابلسي، جزاكم الله الخير شيخنا الجليل.
 سبحانك لله وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور